أثير- الدكتور بدر المسكري، كلية الحقوق بجامعة السلطان قابوس

جاء المرسوم السلطاني رقم 23/2023 في شأن زواج العمانيين من أجانب ناسخًا لسابقه رقم 58/1993 الذي قيد هذا الزواج باشتراطات وإجراءات على نحو جعله استثناءً من الصعب تحقيقه والوصول إليه، في حين أن المرسوم الحالي أزال الكثير من هذه الضوابط ليغدو معه زواج العماني/العمانية من أجنبي/أجنبية أكثر سهولة ويسرًا، بل إنه فتح باب الزواج من الأجانب على مصراعيه.


وكحال أي تشريع فإن لهذا المرسوم العديد من الإيجابيات والسلبيات، ونحاول في هذه المقالة أن نبسط أبرز هذين الوجهين لتقييم غلبة أي منهما على الآخر، ومدى تحقيق المرسوم لغايات التشريع الرئيسة واتساقها مع وظيفته السياسية والاجتماعية وغيرها من الوظائف التي يجب أن يستهدفها التشريع باعتبارها فلسفته الرئيسة التي يقوم عليها.
لا شك أن لهذا المرسوم نتائج إيجابية وهي منح الفرد الحق في تكوين الأسرة بالحرية في اختيار شريك حياته باعتباره من الحريات الشخصية التي كفلها وأكد عليها النظام الأساسي للدولة. كما أكدت الحق في تكوين الأسرة الكثير من المواثيق الدولية ومنها على سبيل المثال الإعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عام 1948 حيث تنص المادة 16(1) على أنه “للرجل والمرأة متى أدركا سن البلوغ، حق التزوج وتأسيس أسرة، دون قيد بسبب العرق أو الجنسية أو الدين. وهما متساويان في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله”.
كما أن الزواج المختلط في إطار موضوع الجنسية يعطي فرصة للشخص في الحصول على جنسية دولة أخرى، إذ إن زواجه من أجنبية يسهل له الحصول على جنسية تلك الدولة، ويجعل لأبنائه فرصه للحصول على جنسية أمهم الأجنبية وبالتالي يكتسبون جنسية دولة أخرى، وهو ما قد يمنحهم العديد من المزايا التفضيلية. يضاف لذلك، أن الزواج من الأجانب من شأنه الإسهام في تنوع الثقافات وتبادل الخبرات ويؤدي لمزيد من الانفتاح بين الدول والشعوب وهذا من شأنه تعزيز فكرة التعايش المشترك.
وفي المقابل، قد يكون للزواج من أجانب بعض المثالب، حيث إن هناك قلقًا عند السماح للعمانيين بالزواج من أجانب من أن يكون فيه اعتداء على حقوق الإنسان بصورة صارخة، فقد شهدنا في الفترة القصيرة الماضية زواج الكثير من العمانيين من دول تشهد أوضاعًا اقتصادية صعبة وحروبًا وكان الدافع من هذا الزواج هو الاستفادة من قلة تكاليف الزواج والزواج بسهولة ويسر حيث وصل الحال ببعض الأشخاص الذين يعدون من أصحاب الدخل الأقل من متوسط من الزواج بأكثر من زوجة ومن زوجات ذات مكانه عالية ومرموقة في مجتمعاتهن وفي عمر الزهور ألجأتهن ويلات الحرب والظروف الاقتصادية الطاحنة إلى الزواج بهذا الشكل، حيث إن هذا النوع من الزواج يعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان وهو حق الزوجة بالزواج بالرضاء وعدم الجبر على الزواج وهذا ما أكدت عليه التشريعات الوطنية والدولية، ومن ذلك اتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج التي دخلت حيز التنفيذ 9/12/1964 . ويتضح ذلك عند قراءة نص المادة 11 من الاتفاقية التي تنص “لا ينعقد الزواج قانونًا إلا برضاء الطرفين رضاء كاملا لا إكراه فيه”. ولا شك أن الزواج من امرأة من دولة تعاني من ظروف اقتصادية صعبة ومن ويلات الحروب يجعل رضاء المرأة الحر المستنير محل شك كبير، فموافقة المرأة على الزواج هنا أشبه بالإكراه (المعنوي)، حيث إن الحاجة الاقتصادية كانت وراء زواج امرأة تبلغ من العمر 21 عامًا أو أقل من رجل يبلغ من العمر عتيًا، بل قد يكون من طبقة اجتماعية أدنى من الطبقة الاجتماعية التي تنحدر منها الزوجة وهذا هو الإكراه بأبشع صوره. وعليه لا يمكن قبول حق الإنسان في الزواج مقابل تعديه على حق آخر هو أولى بالحماية وهو حق المرأة بالزواج بالرضاء وعدم الجبر. ولا شك أن زواج امرأة من دولة ترزح تحت الحرب والفقر وهي في مقتبل عمرها بزوج يكبرها بعقود لا يخلو من شبهة الاكراه أيا ما كان محركه اجتماعيا أو اقتصاديا، فهو زواج مبناه استغلال ظروف الزوجة لا رضاها الحقيقي على نحو يتعارض تماما مع حماية حقوق الانسان وقد يؤثر سلبا على سمعة سلطنة عمان في مجال حقوق الإنسان التي كان أحد أهداف المرسوم تحقيقها.
ولا يخفى على القارئ أن زواج العماني من أجنبية – بل وزواج العمانية من أجنبي – قد ينجم عنه العديد من الإشكالات القانونية وتحديدًا عند الانفصال؛ فقد تأخذ الزوجة أولادها إلى بلدها لتحرم آباءهم منهم وبالتالي الدخول في مشاكل قانونية حول حضانة الأبناء وتربيتهم. كما أن هناك قلقًا من تأثر بعض عادات المجتمع العماني المحافظ بهذه الظاهرة.
ختامًا، إن صدور المرسوم السلطاني رقم 23 /2023 م قد أتى بالكثير من الإيجابيات التي تم الإشارة إلى بعضها وكذلك هناك بعض المثالب التي تم مناقشة بعضها. وعليه نأمل من ذوي الشأن إجراء الدراسة لتقييم التجربة واتخاذ القرار المناسب وفق نتائجها.

المصدر: صحيفة أثير

كلمات دلالية: الزواج من من أجانب زواج من أن زواج

إقرأ أيضاً:

إجلاء صحي مستعجل لبحار من جنسية تركية بالقرب من ميناء بجاية

أعلنت وزارة الدفاع الوطني عن إجلاء صحي مستعجل لبحار من جنسية تركية عضو طاقم السفينة التجارية المسماة “DS-MANATEE”. والمتوقفة على بعد 05 ميل بحري شمال شرق رحب ميناء بجاية.

وحسب بيان لوزارة الدفاع الوطني، فإن العملية تمت في إطار مهام وحدات حرس السواحل لقيادة القوات البحرية المتعلقة بإنقاذ الأرواح البشرية في البحر. وإثر تلقي المركز الوطني لعمليات الحراسة والإنقاذ في البحر اليوم 30 مارس 2025 على الساعة 10سا 40 صباحا لطلب إجلاء صحي مستعجل. من طرف مركز تنسيق عمليات الإنقاذ في البحر بأنقرة. متعلق ببحار من جنسية تركية وذلك بعد تعرضه لإصابة خطيرة على مستوى الرأس.

مقالات مشابهة

  • خلي بالك.. عقوبة الإيذاء الجسدي والتعدي بالضرب على الزوج أو الزوجة
  • تطلب الطلاق بعد 21 سنة زواج: اتجنن واتجوز عليا واحدة من دور عياله
  • منظمة حقوقية: الحوثيون يختطفون أكثر من 75 شخصاً في صنعاء وصعدة بتهمة التخابر مع أمريكا
  • إجلاء صحي مستعجل لبحار من جنسية تركية بالقرب من ميناء بجاية
  • انتحار شاب في ديالى وذووه يشكون الزوجة
  • السعودية.. تكهنات حول جنسية المرأة التي صفعت رجل أمن في الحرم مع استمرار التفاعل
  • قوات الانتقالي تمنع فعالية رمضانية في عدن وتثير انتقادات حقوقية
  • بيراميدز يطلب حكاما أجانب لمباراته أمام الأهلي في الدوري
  • بيراميدز يطلب حكام أجانب لمباراته أمام الأهلي
  • هيكلة جديدة في قطاع التواصل بوزارة الشباب