جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-04@04:37:59 GMT

السيد عبد الله.. الرحيل المُفاجئ

تاريخ النشر: 30th, June 2024 GMT

السيد عبد الله.. الرحيل المُفاجئ

 

سلمى بنت سيف البطاشية

"يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي" صدق الله العظيم.

ببالغ الأسى والحزن فجعنا جميعًا بخبر وفاة السيِّد والأب والأخ العزيز على قلوبنا السيد عبد الله بن حمد بن سيف البوسعيدي، فما أصعب أن أصحو وقد فقدت هذا الإنسان الغالي الذي كان من أقرب النَّاس لي ويناديني بابنتي الكبيرة أو أختي الصغيرة، فقدْ كان نِعم الأب الحنون والأخ الصادق والأستاذ الوَفيّ والمُخلِص المُتفاني لفعل الخير، الذي أعانني على الكثير من الأمور، وأمدني بالكثير الكثير من المعلومات.

كان- رحمه الله- سخيًّا معي في هذا الجانب، وكذلك فتح لي باب مكتبة والدنا السيد حمد بن سيف البوسعيدي -رحمه الله- على مصراعيه، أذهب إليها وقتما أشاء، فقد كنتُ أستعيرُ الموسوعات المُترجَمة غير الموجودة في مكتبة والدي وسيدي- رحمه الله. وفي الفترة الأخيرة كان تواصلنا شبه يومي، فقد كان يدعمني وينصت إليّ ويوجهني؛ بل ويزودني بأفكار ومعلومات وأخبار غائبة عنّي أو أخبار لم انتبه لها، وإذ كنَّا نُخطط ونتفق ونرتب الأفكار ونجمع المعلومات كانت مشيئة الله فوق كل شيء، وتجري بتقديره "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ"، وما هي سوى ساعات بين تواصلنا الأخير ووصول نبأ وفاته المفاجئ والمحزن، فكانت لحظة من أقسى وأصعب وأفجع ما قد يمر على نفسي.

ما أسرع رحيلك وما أقسى خبر وفاتك على نفسي، فقد آلمني فراقك يا صاحب الذائقة الرفيعة والأخلاق والصفات النبيلة، يا محب العلم والثقافة، أيُّها المتواضع لجميع الناس، والتواضع هي أكثر صفة تحلى بها فقيدنا، وكما يُقال: التواضع تاج الأخلاق.

ما كُنتُ أحسبُ قَبلَ دَفِنكَ في الثَرى // أن الكَواكِبَ في الترابُ تغورُ

سألني الكثير أثناء انهياري منذ متى وأنتِ على معرفة وتواصل معه؟ فأجبت: منذ سنة 1949م أي أكثر من 70 سنة فالعلاقة علاقة جذور، والمعرفة معرفة أسلاف كرام امتدت وانتقلت عميقًا بين الأجيال؛ حيث عُيّن والدنا السيد حمد بن سيف البوسعيدي قاضيًا على وادي دماء والطائيين أول ولاية تولاها من قبل الإمام محمد بن عبد الله الخليلي، واستقر في قرية إحدى. ومن هناك توطدت علاقته مع جدي حمود بن حامد البطاشي ووالدي، رحمهم الله جميعًا. ومن تلك الأيام والعلاقات المتينة ترسخت بينهم فكانت صداقتهما مثالية وقوية على الدوام، وعبر عمر طويل دعما بعضهما بعضًا، وكانت لديهما الكثير من القواسم المشتركة، فلكل واحد منهما في قلبه مكانة خاصة ونادرة يكنُّها للآخر.

من شواهد تلك الرابطة والأخوَّة العميقة أنهما في آخر سنوات عمرهما بعد التقاعد كان السيد حمد يتصل بصديقه كل بداية أسبوع، سائلًا عن أخباره، مستفسرًا عن شؤون حياته، وكان اللقاء بينهما مُتواصلًا في بيته في مسقط أو في سمد الشأن.

لم يتوقف السيد عبد الله من بعد وفاة والدنا السيد حمد عام 1997م عن التواصل بوالدي -رحمهم الله؛ إذ المعرفة تاريخٌ مُمتد، وإرث منتقل، فاستمر في تواصله، وقد أرسل إليه نسخة من كتاب "حوارات صالون الخليل" هديةً معبرةً عن المشاعر الصادقة وعلى نفسه الصافية ولحبه للعلم والاهتمام والتقدير الذي يكنه لأهل العلم، وأذكر أنَّ سيدي الوالد عندما استقبلها كان في غاية السعادة، إذ أحب المانح أكثر من الهدية نفسها، وقد جاء في الرسالة: "بسم الله الرحمن الرحيم، فضيلة الشيخ سيف بن حمود البطاشي المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: يسرني أن أهدي إليكم نسخة من الإصدار الأول لــ"صالون الخليل بن أحمد الفراهيدي" الذي انتظمت جلساته بالقاهرة في موسمه الثقافي الأول 96- 1997م. وكان ملتقىً لنخبة من المفكرين والأدباء العرب، يهدف إلى إلقاء الضوء على الجوانب الإيجابية في تراثنا الثقافي والفكري العربي عامة، وعلى الإسهام العماني بصفة خاصة. وإنني إذ أقدم هذا الإصدار لآمل في أن أتلقى آراءكم القيِّمة حول ما ترونه مفيدًا لظهور الإصدارات التالية، وتنظيم الندوات اللاحقة، على نحو يتحقق معه هدف الارتقاء الثقافي والفكري الذي نسعى إليه جميعًا. وتفضلوا بقبول خالص التحية ووافر الاحترام.. عبد الله بن حمد بن سيف البوسعيدي 4 ذو القعدة 1491هـ/ 20 فبراير 1999م".

الأوفياء المخلصون مهما طال عيشهم بيننا شعرنا بقصر الحياة معهم لجميل إيمانهم وصدق وفائهم ورحابة صدورهم، اللهم ارحم من عزّ علينا فراقهم، واجمعنا بهم في جنة لا فراق بعدها، فإنا لله وإنَّا إليه راجعون، اللهم أفسح له في قبره مدّ بصره، وافرش قبره من فراش الجنَّة، اللهم ارحمه ولا تطفئ نور قبره، اللهم أنزله منزلًا مباركًا وأنت خير المنزلين.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ديجا فو.. حتى الرحيل

كتب الصحفي العجوز روين بن يشاي (82 سنة) في يديعوت أحرونوت الأسبوع الماضي أنه حين تابع التحقيق العسكري بشأن 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023م، شعر بحالة الـ"ديجا فو" التي أخذته بدورها إلى تحقيقات لجنة "أجرانات" الشهيرة بتحقيقات ما بعد حرب 1973م.. وهو ما جعله يشعر أن ما حدث بعد حرب 1973م من تحقيقات وإظهار الإخفاقات حدث بعينه بعد 51 سنة، وقال إن حالة الـ"ديجا فو" قابلة للحدوث مرة أخرى، وبشكل أكثر خطورة بعد عشرة أو عشرين سنة قادمة.. والـ"ديجا فو" هو شعور الفرد بأنه رأى أو عاش الموقف الحاضر من قبل.

الصحفي العجوز بن يشاي تبدو كتاباته وثيقة الصلة بالحقيقة، أكثر مما هي بالواقع، ونعلم جميعا الفرق بينهما، فالواقع هو كل ما يمكن رصده و"يسهل" تزييفه، أما الحقيقة فقد تكون صعبة الإدراك، لكن "يستحيل" تزييفها، لذلك سيكون عامل "الأصالة" هو الفارق العميق بين الاثنين.. وهنا المحك.

* * *

ومن أهم لوامع الأنوار التي برقت لنا من "طوفان الأقصى" هو اقتراب ما بينهما (الحقيقة والواقع)، على مستوى السردية التي سربها الغرب (اليوروأمريكى) طويلا من بدايات القرن الماضي عن إسرائيل، ووظف فيها كل ما يستطيعه على مستوى السياسة والحرب والإعلام، وشيئا فشيئا أخذت تتراكم سطورها طبقا فوق طبق حتى تحولت إلى ما يشبه الحقيقة، رغم أنها لا علاقة لها بالحقيقة.

من أهم لوامع الأنوار التي برقت لنا من "طوفان الأقصى" هو اقتراب ما بينهما (الحقيقة والواقع)، على مستوى السردية التي سربها الغرب (اليوروأمريكى) طويلا من بدايات القرن الماضي عن إسرائيل، ووظف فيها كل ما يستطيعه على مستوى السياسة والحرب والإعلام، وشيئا فشيئا أخذت تتراكم سطورها طبقا فوق طبق حتى تحولت إلى ما يشبه الحقيقة، رغم أنها لا علاقة لها بالحقيقة
* * *

وكان معروفا للمتصلين بالموضوع وأطرافه، أن العمل على تغيير هذا "الواقع الزائف" الذي اكتسب واقعيته من طول تكراره، وبقائه وإلحاحه في البقاء، لن يكون أمر هينا ولا سهلا، بل سيكون باهظ الثمن على الإنسان والعمران، لكنه ممكن، والأهم أنه حتميا، خاصة في توقيته، ليس فقط لأن مركز صناعة السياسة والأحداث في العالم كله تقريبا، كان قد أحال "المسالة الفلسطينية" إلى مؤخرة الاهتمامات، وهو قرار كان قد اتخذ بالفعل.

فترتيب الاهتمام الدولي بالقضايا والمسائل المهمة، لا يخضع للأهمية التلقائية التي تفرضها أهمية الموضوع ذاته، بل يتلاعب به المتلاعبون بدقة ومهارة لأغراضهم وحساباتهم. وقد شرح لنا الفيلسوف الكبير نعوم تشومسكى هذا التلاعب المقصود في كتابه المعروف "هيمنة الإعلام/ الإنجازات المذهلة للدعاية" ترجمة الأستاذ إبراهيم الشهابي:

".. حيث المهمة كلها يجرى تسهيلها لتوجيه الناس إلى الوجهة التي تريدها السلطة المركزية التي لا يقتصر خداعها بنشر أخبار وترديد تفسيرات واحدة لا تتغير، ومعدة سلفا، بل تخدعهم أكثر، بتجنيب الأمور في أحاديث معينة وحظر تناول موضوعات معينة قد يؤدى الكلام فيها إلى فضح الروايات الرسمية..".

* * *

لكن الأمر لم يقتصر فقط على فكرة "اقتله بالصمت والتجاهل" التي قام بها الغرب (اليوروأمريكي) بإحكام وقصد، بل وذهب أبعد في خطة الإنهاء التام والتصفية النهائية لموضوع "فلسطين وشعب فلسطين ومقدسات الأمة في فلسطين"، إذ بدأت مرحلة التطبيع الكبير للاحتلال، مع عالم العروبة والإسلام، خاصة الخليج والمغرب.

".. وبإغراء الصفقات والخدع النفسية، والوسائل البلاغية، والمعلومات سابقة التحضير، سيتم التأثير على من يقع عليه العمل لينتهي كل ذلك بتحقيق المراد.."، وهو ما كاد يحدث حرفيا.. كما قال لنا الباحث الروسي فيكتور شينوف، المتخصص الخبير في علم النفس الاجتماعي، في كتاب "التحكم الخفي بالإنسان"، ترجمة د. غسان المتني.

* * *

كل ذلك انتهي بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر وأصبحت "المسألة الفلسطينية" في صدارة اهتمامات الدنيا، ورأينا حجم المظاهرات والحشود الجماهيرية، التي خرجت في كبرى العواصم والجامعات والميادين، طوال الـ15 شهرا الماضية، وهي مهمة بالطبع، لكن الأكثر أهمية هو تغيير "القناعات والتصورات" التي رسخت زمنا طويلا، بالإلحاح وتكرار الأكاذيب الزائفة من جانب، والإمعان في طريق التجاهل والتغييب المقصود، من جانب آخر.

أصبحت "المسألة الفلسطينية" في صدارة اهتمامات الدنيا، ورأينا حجم المظاهرات والحشود الجماهيرية، التي خرجت في كبرى العواصم والجامعات والميادين، طوال الـ15 شهرا الماضية، وهي مهمة بالطبع، لكن الأكثر أهمية هو تغيير "القناعات والتصورات" التي رسخت زمنا طويلا،
لكننا سنرى آثار 7 أكتوبر في حديث المحامي البريطاني/ الإسرائيلي دانييل ليفي (56 سنة)، خريج كامبريدج، في كلمة قوية ألقاها أمام مجلس الأمن الدولي في 26 شباط/ فبراير. ليفي، رئيس مشروع أمريكا والشرق الأوسط، ومفاوض سابق وعمل مع شيمون بيريز (1995م) وإيهود باراك (2001م)، وهو مسموع الكلمة في شؤن الشرق الأوسط وقضيته المركزية (فلسطين)، قال:

الشعب الفلسطيني في حاجة إلى الإنصاف والعدالة وتطبيق القوانين الدولية لحمايته، فالمعاناة الإنسانية يجب ألا تكون انتقائية، لقد عانى إسرائيليون من مقتل وأسر العشرات في 7 أكتوبر، لكن أيضا آلاف الفلسطينيين قتلوا، وجُرحوا، وتضوروا جوعا، ودُمرت المدارس والمستشفيات والمراكز الإيوائية، والأحياء السكنية بأكملها في غزة.

وأضاف بخصوص عائلة بيباس التي سلمت حماس جثثهم مؤخرا: إن الوقوف دقيقة صمت على روحي أرييل وكفير بيباس لأمر مناسب، لكن إذا وقفنا دقيقة صمت على أرواح 18 ألف طفل فلسطيني قُتلوا في القصف الإسرائيلي، فسنحتاج الصمت لأكثر من 300 ساعة متواصلة. نحن جميعا بشر، وجميعا ولدنا متساوون.

* * *

الصحفي العجوز بن يشاي أشار كما قال، إلى احتمال تكرار هذا المشهد بعد عشرة أو عشرين سنة، وهو صحيح، وما يمنعه فقط هو الاعتراف بالحق لأصحاب الحق، والحق مقطعه ثلاثة، كما قال لنا حكيم الشعراء زهير: يمين أو نفار أو "جلاء".

وكان قد أشار من قبل، إلى أن "حماس" ليست مجرد جماعة متطرفة مسلحة، بل هي متغلغلة في مجتمع غزة. وهي إشارة دقيقة تماما، وليست جديدة بطبيعة الحال وكما نعرف، ولكن الجميل فيها هو إشارته المفتوحة تلك إلى الحضور الإسلامي الواسع لأجواء المعركة (عسكريا ومدنيا). والأجمل أن يتم التأكيد يوما بعد يوم، وكل يوم، أن هذا الحضور ليس مفتعلا، ولا تعسفيا، بل هو عين الحقيقة، ليس فقط لأن فلسطين قطعة من قلب عالم الإسلام، ولكن أيضا لأنها تحوي في قلبها، أحد أغلى مقدسات عالم الإسلام، المسجد الأقصى.

x.com/helhamamy

مقالات مشابهة

  • القارئ الطبيب صلاح الجمل لـ«الأسبوع»: أنا العربي الوحيد الذي سُمح له أن يسجل القرآن في الحرمين النبوي والمكي
  • كان مكتئباً بلا روح”.. نجل السيد حسن نصر الله يروي تفاصيل الأيام الأخيرة لوالده قبل استشهاده
  • الطبق الذي كان يفضله الرسول عليه الصلاة والسلام
  • محافظ قنا يُفاجئ عددًا من السلاسل التجارية لمتابعة توافر السلع واستقرار الأسعار
  • ليزدادوا إيمانًا.. من إطلالة السيد القائد البدر
  • السيد حسن نصر الله: قائد المقاومة ورمز الصمود
  • عبد الله: ودعنا اليوم رفيقنا علي عويدات الذي تشهد له الساحات والمواقف
  • ديجا فو.. حتى الرحيل
  • معنى تصفيد الشياطين في شهر رمضان.. ومن الذي يوسوس لنا ؟
  • حمود البوسعيدي يتوج ببطولة عُمان لشطرنج العموم