جريدة الرؤية العمانية:
2024-07-02@12:03:53 GMT

السيد عبد الله.. الرحيل المُفاجئ

تاريخ النشر: 30th, June 2024 GMT

السيد عبد الله.. الرحيل المُفاجئ

 

سلمى بنت سيف البطاشية

"يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي" صدق الله العظيم.

ببالغ الأسى والحزن فجعنا جميعًا بخبر وفاة السيِّد والأب والأخ العزيز على قلوبنا السيد عبد الله بن حمد بن سيف البوسعيدي، فما أصعب أن أصحو وقد فقدت هذا الإنسان الغالي الذي كان من أقرب النَّاس لي ويناديني بابنتي الكبيرة أو أختي الصغيرة، فقدْ كان نِعم الأب الحنون والأخ الصادق والأستاذ الوَفيّ والمُخلِص المُتفاني لفعل الخير، الذي أعانني على الكثير من الأمور، وأمدني بالكثير الكثير من المعلومات.

كان- رحمه الله- سخيًّا معي في هذا الجانب، وكذلك فتح لي باب مكتبة والدنا السيد حمد بن سيف البوسعيدي -رحمه الله- على مصراعيه، أذهب إليها وقتما أشاء، فقد كنتُ أستعيرُ الموسوعات المُترجَمة غير الموجودة في مكتبة والدي وسيدي- رحمه الله. وفي الفترة الأخيرة كان تواصلنا شبه يومي، فقد كان يدعمني وينصت إليّ ويوجهني؛ بل ويزودني بأفكار ومعلومات وأخبار غائبة عنّي أو أخبار لم انتبه لها، وإذ كنَّا نُخطط ونتفق ونرتب الأفكار ونجمع المعلومات كانت مشيئة الله فوق كل شيء، وتجري بتقديره "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ"، وما هي سوى ساعات بين تواصلنا الأخير ووصول نبأ وفاته المفاجئ والمحزن، فكانت لحظة من أقسى وأصعب وأفجع ما قد يمر على نفسي.

ما أسرع رحيلك وما أقسى خبر وفاتك على نفسي، فقد آلمني فراقك يا صاحب الذائقة الرفيعة والأخلاق والصفات النبيلة، يا محب العلم والثقافة، أيُّها المتواضع لجميع الناس، والتواضع هي أكثر صفة تحلى بها فقيدنا، وكما يُقال: التواضع تاج الأخلاق.

ما كُنتُ أحسبُ قَبلَ دَفِنكَ في الثَرى // أن الكَواكِبَ في الترابُ تغورُ

سألني الكثير أثناء انهياري منذ متى وأنتِ على معرفة وتواصل معه؟ فأجبت: منذ سنة 1949م أي أكثر من 70 سنة فالعلاقة علاقة جذور، والمعرفة معرفة أسلاف كرام امتدت وانتقلت عميقًا بين الأجيال؛ حيث عُيّن والدنا السيد حمد بن سيف البوسعيدي قاضيًا على وادي دماء والطائيين أول ولاية تولاها من قبل الإمام محمد بن عبد الله الخليلي، واستقر في قرية إحدى. ومن هناك توطدت علاقته مع جدي حمود بن حامد البطاشي ووالدي، رحمهم الله جميعًا. ومن تلك الأيام والعلاقات المتينة ترسخت بينهم فكانت صداقتهما مثالية وقوية على الدوام، وعبر عمر طويل دعما بعضهما بعضًا، وكانت لديهما الكثير من القواسم المشتركة، فلكل واحد منهما في قلبه مكانة خاصة ونادرة يكنُّها للآخر.

من شواهد تلك الرابطة والأخوَّة العميقة أنهما في آخر سنوات عمرهما بعد التقاعد كان السيد حمد يتصل بصديقه كل بداية أسبوع، سائلًا عن أخباره، مستفسرًا عن شؤون حياته، وكان اللقاء بينهما مُتواصلًا في بيته في مسقط أو في سمد الشأن.

لم يتوقف السيد عبد الله من بعد وفاة والدنا السيد حمد عام 1997م عن التواصل بوالدي -رحمهم الله؛ إذ المعرفة تاريخٌ مُمتد، وإرث منتقل، فاستمر في تواصله، وقد أرسل إليه نسخة من كتاب "حوارات صالون الخليل" هديةً معبرةً عن المشاعر الصادقة وعلى نفسه الصافية ولحبه للعلم والاهتمام والتقدير الذي يكنه لأهل العلم، وأذكر أنَّ سيدي الوالد عندما استقبلها كان في غاية السعادة، إذ أحب المانح أكثر من الهدية نفسها، وقد جاء في الرسالة: "بسم الله الرحمن الرحيم، فضيلة الشيخ سيف بن حمود البطاشي المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: يسرني أن أهدي إليكم نسخة من الإصدار الأول لــ"صالون الخليل بن أحمد الفراهيدي" الذي انتظمت جلساته بالقاهرة في موسمه الثقافي الأول 96- 1997م. وكان ملتقىً لنخبة من المفكرين والأدباء العرب، يهدف إلى إلقاء الضوء على الجوانب الإيجابية في تراثنا الثقافي والفكري العربي عامة، وعلى الإسهام العماني بصفة خاصة. وإنني إذ أقدم هذا الإصدار لآمل في أن أتلقى آراءكم القيِّمة حول ما ترونه مفيدًا لظهور الإصدارات التالية، وتنظيم الندوات اللاحقة، على نحو يتحقق معه هدف الارتقاء الثقافي والفكري الذي نسعى إليه جميعًا. وتفضلوا بقبول خالص التحية ووافر الاحترام.. عبد الله بن حمد بن سيف البوسعيدي 4 ذو القعدة 1491هـ/ 20 فبراير 1999م".

الأوفياء المخلصون مهما طال عيشهم بيننا شعرنا بقصر الحياة معهم لجميل إيمانهم وصدق وفائهم ورحابة صدورهم، اللهم ارحم من عزّ علينا فراقهم، واجمعنا بهم في جنة لا فراق بعدها، فإنا لله وإنَّا إليه راجعون، اللهم أفسح له في قبره مدّ بصره، وافرش قبره من فراش الجنَّة، اللهم ارحمه ولا تطفئ نور قبره، اللهم أنزله منزلًا مباركًا وأنت خير المنزلين.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

في ذكرى وفاته .. اليمن يقطف ثمار تحركات عالمه الرباني السيد بدرالدين الحوثي

يمانيون – متابعات
قليل هم أولئك العلماء الربانيون الذين كانت لهم بصمات واضحة في حياة الشعب اليمني، ومن أبرزهم العالم الرباني الجليل السيد المجاهد بدرالدين أمير الدين الحوثي رضوان الله عليه الذي مثل نبراساً للهدى وعلماً للجهاد في سبيل الله ونصرة للمستضعفين.

والحديث عن هذا العالم الرباني هو حديث عن المسلم والعالم الأصيل في مبادئه وقيمه وأخلاقه الذي برز بشخصيته فكراً وسلوكاً وجهاداً وتضحية.

يصف السيد محمد بدرالدين والده “بأنه العالم العارف بالله سبحانه وتعالى معرفة جعلته يذوب في خشيته لله ويسعى في حبه ورضاه وهو الفقيه المحقق المطلع المدّقق عاش مع القرآن وسبر أغواره وارتوى من معينه حتى لقب بفقيه القرآن”.

ويشير إلى “أنه العابد الآواه والمتخشع المنقطع لمولاه، فهو الورع التقي الزاهد الصابر والصادق في المقال ذو كرم وشهامة وعزة ونجدة وغيره وشجاعة وتواضع وإحسان وإنصاف وقد شهد له بذلك الصديق والعدو والقريب والبعيد”.

ويضيف “وهو أيضا المجاهد بنفسه وماله وقلمه ولسانه ولم يخشى في لله لومة لائم ولم يداهن أي طاغ ولا ظالم وكان أعظم من سعى لوحدة الأمة وأفضل داعم ومؤيد ومناصر لكل عمل يعود على الأمة بالعزة والكرامة، كما كان المربي البارع والمعلم القدير الذي تخرجت من مدرسته طلائع النهضة الفكرية الحديثة ورواد المسيرة القرآنية المباركة”.

لم تقتصر إسهامات العالم السيد بدرالدين الحوثي على مجال محدود ولم ينحصر دوره في العلوم التشريعية الدينية فقط بل امتدت إسهاماته وتنوعت أنشطته وتوسع دوره ليشمل كل مناحي الحياة ومجالاتها المتعددة وأسهم بشكل ملموس في الجوانب الدينية والتعليمية والتربوية والفكرية والجهادية والقومية وحتى الشعرية، وبذلك فقد فاق غيره من علماء عصره وحتى علماء اليوم.

وفي هذا الصدد أكد عضو المجلس السياسي الأعلى محمد علي الحوثي، أن العالم الرباني بدرالدين كان يحمل دائماً الهّم لنصرة الإسلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يتراجع يوماً عن مبادئه ونصرته للإسلام رغم ما واجهه من تهديدات ومحاولات اغتيال لإسكات صوته ومنعه عن قول كلمة الحق رافضاً الصمت.

ولفت إلى “أن من نتائج تحركات العلامة بدر الدين الحوثي الانتصارات التي حققها الشعب اليمني على مدى السنوات الماضية”.

مفتي الديار اليمنية العلامة شمس الدين شرف الدين، أفاد بأن اليمن يجني اليوم ثمار المسيرة القرآنية التي بدأها العالم المجاهد بدرالدين الحوثي وواصل رعايتها الشهيد القائد حسين بدر الدين عليه رضوان الله عليه، وتحمل شرف مواصلتها السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي.

وقال” لقد أثمرت إسهامات هذا العالم الرباني وتوسعت اهتماماته خاصة الجهادية الفكرية منها والحركية في تأصيل الوعي الايماني ومواجهة الأفكار الضالة، ومواجهة قوى الظلم والطغيان والاستكبار ورفض التبعية الخارجية”.

بدوره أكد رئيس الهيئة العامة للزكاة الشيخ شمسان أبو نشطان أن العالم الرباني السيد بدرالدين أمير الدين الحوثي وبالنظر لطلابه وأبنائه وحياته ومواجهته للظالمين وغطرستهم استطاع أن يغير مجرى الحياة بين أوساط المجتمع، فكان مدرسة في كل المجالات.

وقال “يعيش اليمن اليوم حالة غير مسبوقة من العزة والكرامة والحرية والاستقلال والقوة والمهابة لم يسبق لها مثيل وذلك كله يعود الفضل فيه لهذا العالم الرباني الذي جمع بين العلم والعمل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصدع بقول الحق أمام الطغاة والمستكبرين وباهتمامه بقضايا الأمة قاطبة”.

ما أسهم به العالم الجليل بدرالدين الحوثي في واقع اليمنيين لم يأت من فراغ بل كان نتيجة لقناعته وإيمانه بضرورة ووجوب متابعة قضايا الأمة والاهتمام بها.

وفي هذا السياق يقول نجله السيد يحيى بدر الدين “لقد كان العالم الرباني السيد بدرالدين الحوثي على درجةٍ كبيرةٍ من الاهتمام بشؤون الأمة وقضاياها الكبرى، وكان يتابع الأحداث يومياً ويناقشها ويحللها باهتمامٍ بالغ، مع طلابه كما كان يدعو دائماً بالنصر للمستضعفين في الأرض خصوصاً في فلسطين وما يعانونه من ظلم الصهاينة الغاصبين”.

وأضاف “تميز بالحماس والغيرة على الدين خشية أن تمتد إليه الأفكار المسمومة وعندما كان يَطلع على مقال أو يقرأُ كتاباً أو يسمع بفكرة تنال من دين الإسلام ومن عقيدة أهل البيت لا يستقر له قرار ولا يهدأ له بال حتى يهبَّ لصدها وتفنيدها وإبطالها، بأسلوب مهذب وطريقة علمية، ومنصفة، فتراه في جميع كتبه في الرد على المخالفين يذكر حجة الخصم ثم يرد عليه من كتب أهل مذهبه كي يُلزمه الحجة”.

ويؤكد الكثير من العلماء والمحللين أن ما يشهده اليمن حالياً من عزة وكرامة وما يحققه الشعب اليمني من انتصارات ومناصرة للشعب الفلسطيني وما يقوم به جيشه الباسل من ضربات قاسية للأعداء وفي مقدمتهم أمريكا والكيان الصهيوني هي ثمرة التحرك الصادق للعالم السيد بدرالدين بن أمير الدين الحوثي.

عبدالودود الغيلي

مقالات مشابهة

  • موقف رائع.. كواليس قرار عمرو السولية الذي فاجئ طاهر محمد بعد فوز الأهلي على الجيش
  • رئيس الحركة ينقل البارودة من كتف لكتف
  • في ذكرى وفاته .. اليمن يقطف ثمار تحركات عالمه الرباني السيد بدرالدين الحوثي
  • وقفوهم إنهم مسؤولون
  • أول تعليق من محمد صبحي بعد إعلان تجديد تعاقده مع الزمالك
  • جمارك مطار بورتسودان الدولي تحبط محاولة تهريب أكثر من (22) كيلوجرام ذهب
  • السيد نصر الله: انتصارات جبهات المقاومة وضعـــت الأمــة على طريق الانتصار الكبير
  • السيد نصر الله: انتصارات المقاومة وضعت الأمة على طريق الانتصار النهائي
  • السيد حسن نصر الله: انتصارات وإنجازات المقاومة وضعت الأمة على طريق الانتصار النهائي