الثورة نت:
2024-12-23@05:05:11 GMT

من رفوف الذاكرة

تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT

من رفوف الذاكرة


خليل المعلمي

أخذت مقعدي في الباص السياحي المتجه من أمام ساحة “باب اليمن في العاصمة صنعاء إلى الحالمة مدينة تعز، انتظرت الوقت الذي سينطلق فيه الباص أخذا شارع تعز الذي يبدأ من البوابة التي لا تزال قائمة ببابها الخشبي العالي الارتفاع والشامخ كشموخ اليمنيين في صبرهم وتحملهم وبنائهم وإبداعاتهم، وحتى نهايته التي تمتد عبر أحياء المناطق الجنوبية من العاصمة صنعاء.


“سافر في الاسفار 5 فوائد لا بل 6 فوائد”.. كانت تلك عبارة إعلانية لإحدى شركات النقل البري والتي نشرت مؤخرا في مختلف وسائل الإعلام وعلى اللوحات الإعلانية في الشوارع، كما رافقها صور للباصات الجديدة والتي قيل أيضاً أنها ذات مواصفات حديثة مما جعلني أتشوق للحجز والسفر فوراً.
كان خريف العام 2009 ماطراً كعادته ينشر خيراته على المناطق اليمنية المختلفة الوسطى والغربية والشرقية، في أحد أشهر هذا الموسم الخيّر قصدت مدينة تعز لقضاء بعض الأغراض وحين قطعت التذكرة فوجئت بأن سعرها قد ارتفع عما كان عليه قبل شهرين قلت في نفسي ربما سنسافر على الباصات الجديدة.
في الطريق سألت السائق عن الباصات الجديدة التي تم الإعلان عنها، أخبرني أنها لاتزال في حرض.. كانت رحلة الذهاب إلى تعز هادئة، كان السائق ومساعده يبدوان أنيقين بملابسهم الـ””Uniform المكواة والتي تبدو جديدة وتدل على أنهما انضما إلى الشركة حديثاً.
عند وصولي المدينة الحالمة تعز قمت فوراً بحجز تذكرة العودة لليوم التالي فقضاء غرضي لا يتجاوز ساعات الصباح.. كان لدي خياران فهناك باص الساعة الثانية ظهراً وباص الساعة الثالثة عصراً.. فكان اختياري على باص الثالثة عصراً لأحجز أول المقاعد لكي استمتع بما ستراه عيناي من مناظر خلابة وساحرة، وأكون على علم بطريق السير واتعرف على أسماء المناطق التي سيسلكها الباص.
وبعكس رحلة الذهاب جاءت رحلة الإياب، فالسائق وحيد لا يوجد له مساعد وملابسه الـ”Uniform” غير المكواة تدل على اهماله وعدم اهتمامه بمظهره العام كسائق لشركة تحظى باهتمام شريحة كبيرة من المسافرين عبر محافظات الجمهورية.
بدأت الرحلة من تعز باتجاه العاصمة صنعاء وبدأ السائق وهو على عجلة القيادة ينشغل باستعراض “سيديهات” الأفلام فعين على الطريق وعين على التلفاز المعلق في الأعلى، وبعد اختيار الفيلم المناسب بدأ ينشغل بقارورة الماء وأغصان القات ويفتح مشروب الطاقة الذي أصبح يرافق موالعة القات في المقايل وفي كل مكان.
كل ذلك جعلني ارقب الطريق بحذر واتوقع حصول أي طارئ، استمرينا في السير على الطريق وبدأ السائق يسير وبسرعة معقولة منتبها للطريق، غير واضع في الاعتبار أي احترازات أو احتياطات كان من المفترض وضعها في الحسبان من قبل الإدارة في كل رحلة لمواجهة أي طارئ.
بعد صعودنا لنقيل السياني كانت الغيوم قد بدأت تفرغ حمولتها على الطريق التي أصبحت زلقة ولا تتحمل السرعة الزائدة خاصة عند النزول فلابد من استخدام “الجير الثقيل” تحسبا لعدم حدوث انزلاقات.
جميعنا في الباص اندمجنا مع قصة الفيلم الذي كان يحكي قصة اختطاف طائرة وتغيير مسارها.. ونحن كذلك لم نفاجأ إلا والسائق يحاول تحاشى باص صغير قادم من مدينة إب وكان ذلك الباص قد بدأ ينزلق في الطريق نتيجة السرعة العالية مع هطول الأمطار وكانت النتيجة اصطدام الباص الصغير بباص الشركة الأمر الذي جعلنا نخرج عن الخط وبخبرة السائق حاول تفادي الاصطدام بالجبل والانجرار على حافة الطريق وعلى سواقي السيول الموجودة على جانب الطريق ومن ثم توقف الباص وقد مال قليلا على الجبل، متأثراً ببعض الصدمات من أسفله وبعض جوانبه، الأمر الذي جعله يتوقف تماماً عن الحركة.
بالكاد تم فتح باب الباص، وبدأ الركاب بالنزول وكان عددهم خمسين شخصاً ظلوا على حافة الطريق وعلى شعاب الجبل المحاذي للطريق منتظرين من السائق اتخاذ أي إجراءات للتواصل مع الإدارة والتي حاول الاتصال بها وبمدير الشركة الذي وعد بحل الموضوع وجعلنا نتساءل هل سياتي باص أخر من تعز أم من إب أم من عدن ومن ثم تعز وإلى موقع الحادث؟ الأمر الذي جعل بعض الركاب يتصلون بهواتف الشركة المسجلة على التذكرة فكانت الإجابة من قبل هذه الهواتف التواصل مع الحركة، وكأن الأمر لا يعنيهم وبالطبع هذه بعض الهواتف أما معظم الهواتف لم تجب، أما السائق فظل منشغلاً باطلاعنا واطلاع سيارة النجدة التي كانت أسرع من سيارة الإسعاف بأن الباص الآخر هو المخطئ لأن سرعته كانت أعلى من السرعة المطلوبة الأمر الذي أدى إلى انزلاقه في الطريق وكان مهتما أكثر أيضاً بأخذ أسماء وهواتف بعض الركاب لاحتمال استجوابهم أثناء التحقيق فيما بعد.
ظل الركاب منتظرين لمدة أكثر من ساعة ونصف الساعة متسائلين هل سيتم توفير باص أخر؟ هل تم تحريك باص آخر بالفعل من مكان ما؟.. لماذا لم تتواصل الإدارة مع السائق لإبلاغ الركاب بتحريك باص أخر؟ أم أن الأمر لا يهمهم، ربما أن هناك من الركاب من لم يضع في اعتباره تعطل الباص في الطريق بسبب عطل ما، أو بسبب حادث، فلم يضع في احتياطاته نقودا توصله إلى صنعاء.
فهناك أسئلة يتم طرحها أمام شركات النقل المحلية ما مدى أهمية الركاب لديهم؟ وماهي إجراءات السلامة المتخذة لديهم عند توقف الباص في مكان ما، نتيجة خلل ما أو نتيجة حادث ما؟.. هل هناك تأمين على السائقين وعلى الباصات؟ هل هناك باصات احتياطية لمثل هذه الحالات متواجدة في محطات مختلفة؟.
لقد شد انتباه الركاب أن سيارة النجدة التي جاءت لتثبيت الواقعة كانت أسرع من سيارة الإسعاف التي لم تأت إلى مكان الحادث وكانت سيارة المرور “الونش” أسرع وصولاً من مدينة إب إلى مكان الحادث من باص الشركة الذي لم نعرف هل وصل لأخذ الركاب أم أنه لم يصل؟.
بعد انتظار أكثر من ساعة ونصف الساعة بدأ عدد الركاب يقل رويداً رويداً، كل راكب تدبر أمره وبدأ بالبحث عن سيارة بديلة من السيارات المارة تقله إلى العاصمة صنعاء على حسابه الخاص، خائفين من أن يحل الظلام وهم هناك بعوائلهم وأولادهم.
غادر جميع الركاب المكان وعدد من الأسئلة تدور في أذهانهم عن كيفية إعطاء شركات النقل البري تراخيص دون إجراء عمليات التقييم من حيث الصيانة الدورية لمركباتها، واستعدادها لمواجهة الأخطار، ومعالجة المشاكل التي تنتج عن الأعطال أو الحوادث، وعن إجراءات السلامة المتبعة تجاه أي طارئ يواجه الرحلات بين المدن المختلفة؟ وهذه الإجراءات التي يتم التهاون فيها دائما في حياتنا.. ولا نعرف أهميتها إلا بعد فوات الأوان؟
في اليوم التالي ذهبت إلى مقر الشركة في العاصمة وعن طريق الجزء المتبقي من التذكرة التي احتفظت بها استعدت قيمة التذكرة بعد خصم مبلغ منها، وبدأت أفكر هل أهتم الركاب بحقوقهم في استعادة نقودهم؟ ارجو ذلك، لا أصابكم مكروه والحمد لله على سلامة الجميع.

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: العاصمة صنعاء الأمر الذی فی الطریق

إقرأ أيضاً:

السائق الأمين وعصابة البساتين.. كيف تصنع الشائعة أزمة؟..محمد شكر : الهدف من وراها مكاسب مادية او اجتماعية أو تحقيق شهرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

خلال الأسبوع الماضي، اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي قصص مثيرة للجدل، لاقت تفاعلًا كبيرًا، ولكن تبين فيما بعد أنها مجرد قصص وشائعات كاذبة ومختلقة، اختلفت ظروفها وأغراضها، لكنها أثارت مدى خطورة وتأثير الشائعات على الافراد والمجتمع. 

السائق الأمين في مطروح

زعم سائق العثور على 8 ملايين جنيه وأعادها لأصحابها، ورفض مكافأته، وأثارت القصة إعجابًا وتداولا كبيرًا، لكن كشفت اجهزة الامن كذب السائق، وأنه اختلق تلك القصة بهدف كسب ثقة الناس لجمع تبرعات.

عصابة خطف في البساتين

كما تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي منشورات تحذر من عصابة تخطف الشباب والفتيات في البساتين، مما أثار خوف ورعب  الأهالي، لكن تبين لاحقًا أن وراء الشائعة سيدة تعمل كوافيرة، أرادت جذب الانتباه وزيادة متابعيها، وتم القبض عليها.

الشائعات بين التنظيم والمكاسب الفردية

تناولت دراسة بعنوان "أثر الشائعات على أداء الجهاز الإداري وسبل مكافحتها" أصدرت من جامعة طنطا عام 2019، تأثير الشائعات على كفاءة وفعالية الجهاز الإداري في المؤسسات، وأن الشائعات تؤدي إلى تدهور الأداء الوظيفي وزيادة التوتر بين الموظفين، مما ينعكس سلبًا على الإنتاجية العامة.

وقال الدكتور ( محمد السيد شكر) أستاذ علم الاجتماع السياسي بكلية الاداب بجامعة بور سعيد لـ( البوابة نيوز)، ان تعريف الشائعة هو فبركة خبر ما، و يكون هذا الخبر إما غير صحيح بشكل كامل كقصة السائق، أو أن يكون جزء منه صحيح وجزء كاذب ومختلق يتم الصاقه بالجزء الصحيح.

وأوضح أن الشائعة اما أن تكون منظمة تطلقها جهات أو جماعات أو مؤسسات سواء في الداخل او الخارج، لأغراض مختلفة سياسية أو أمنية ما لتوجيه و التأثير على الرأي العام، أو أنها تكون شائعات الهدف من وراها مكاسب مادية أو  اجتماعية أو تحقيق شهرة كقصة السيدة التي أدعت وجود عصابات تخطف الفتيات، مضيفا ان مروجي الشائعات دائما ما يصيغها بطريقة مشوقة لجذب الانتباه والفضول.

وطالب رواد التواصل الاجتماعي بأن يتحروا صدق ما ينشروه على صفحاتهم حتى لا يشاركوا مروجي الشائعات في اهدافهم، وأن يتأكدوا من أي معلومة يشاركونها من مصادرها الرسمية.

مقالات مشابهة

  • تهور السائق السبب.. 6 مصابين في حادث تصادم ميكروباص بعامود إنارة في المنيا
  • متحدث الحكومة يكشف عن موعد الانتهاء من مبنى الركاب 4 بمطار القاهرة
  • ‎انحراف حافلة بمنعرجات فم الجمعة يخلف إصابات خفيفة بين الركاب
  • السائق الأمين وعصابة البساتين.. كيف تصنع الشائعة أزمة؟..محمد شكر : الهدف من وراها مكاسب مادية او اجتماعية أو تحقيق شهرة
  • حادث مروع.. حبس السائق المتهم بالتسبب في مصرع شاب بالتجمع
  • اسحاق حجار أول جزائري يشارك في “الفورمولا1”
  • تمديد عمل الباص السريع حتى الساعة 12 ليلا اعتبارا من بداية 2025
  • هجوم ألمانيا.. هذه جنسية السائق الذي دهس الحشود في سوق عيد الميلاد
  • لحظة اعتقال السائق المتسبب في عملية الدهس بألمانيا.. فيديو
  • عاجل. سيارة تدهس زوار سوق عيد الميلاد في ماغديبورغ الألمانية والشرطة تعتقل السائق