???? من تسبب في معاناة الناس وتشريدهم هم الجنجويد والخونة المتعاونين معهم وليس الجيش.
تاريخ النشر: 30th, June 2024 GMT
جنود وضباط الجيش الذين يقدمون أنفسهم وأرواحهم الآن في مناطق عديدة في السودان من بينها سنجة وسنار، هم بشر من لحم ودم مثلنا تماما؛ ليسوا أكثر بشرية ولا أكثر سودانية منا ولا يملكون في هذه البلد أكثر مما نملك ولا تخصهم أكثر منا؛ ولهم أهل وزوجات وأمهات وأطفال ولهم حياة مثلنا تماما؛ ولكنهم يخاطرون بحياتهم من أجلنا جميعا.
فإن كنت عاجزا عن أن تكون سندا لهم فلا تكن خصما عليهم.
من تسبب في معاناة الناس وتشريدهم هي المليشيا؛ هم الجنجويد والخونة المتعاونين معهم وليس الجيش. وإذا كان المواطن يفقد بيته أو عمله أو سيارته أو حتى حياته كأضرار جانبية تسببت فيها المليشيا فهناك آلاف الجنود يقدمون أرواحهم طوعا واختيارا من أجل تراب هذا البلد وكرامة أهله ومستقبل أجياله القادمة.
هذه حرب فرضت علينا كعشب سوداني، بتآمر ودعم خارجي بأموال وبمرتزقة وسلاح وإعلام. وتصدى لها الجيش والمجاهدين بدماءهم وأرواحهم وصمدوا وما زالوا صامدين في الخرطوم وفي الفاشر وفي الأبيض وسنجة وسنار والجزيرة وفي كل مكان. المدن التي تقاتل، والمدن التي لم تسقط والمناطق الآمنة التي يلوذ إليها الناس، والبلد كلها كبلد تبقى أو لا تبقى،
ومصير ملايين المهجرين والمشردين في أن يكون لهم وطن يعودون إليه أو لا يكون، كله متوقف على هذه القلة من الشعب التي تقاتل الآن بعزيمة لا تعرف الشك ولا التردد.
فإن لم تكن جنجويدي أو خائن فكن معهم وثق بهم أو اصمت.
حليم عباس
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
لنحافظ على ما تبقى..
في أيلول/ سبتمبر 1993 تم توقيع اتفاقية أوسلو في إطار مفهوم سياسي تم تأطيره في إعلان مبادئ يعني مضمونا توقف الإسرائيلي عن الاعتداء والسيطرة، وبات ذلك تستخدمه قيادة حركة فتح في الإقناع المجتمعي أنه للحفاظ على ما تبقى، أي الأراضي المحتلة عام 1967 في مقابل الاعتراف بإسرائيل وشطب الكفاح المسلح من برنامج منظمة التحرير والذي تم عام 1998.
التقط الإسرائيلي الاتفاقية مستخدما إياها غطاء سياسيا دوليا أمام العالم، مقنعا للقريب والبعيد أن الفلسطيني صديقه وأنه توافق معه واعترف به ولا خلاف الآن ولا مشاكل، وأن أي مبررات لعزلة إسرائيل أو عدم الاستثمار فيها وإقامة تطبيع وعلاقات معها زالت، وأن الأمن والاستقرار والسلام حل في المنطقة.
أهم نقطة في هذا هو التسويق بأن القرار الفلسطيني مستقل وأن الدول العربية بات لزاما عليها الاعتراف بإسرائيل، خاصة أن صاحب الحق نفسه اعترف بها على حساب حقوقه.
ولكن في الميدان وبينما كانت كل هذه العبارات تسوّقها الخارجية الإسرائيلية وسفاراتها في العالم؛ كانت جرافاتها تهدم وجيشها يقتل ويعزل ويطرد من القدس ويهوّد دون أن يقوم الفلسطيني بأي خطوة تنتهك اتفاقية أوسلو، فالإسرائيلي باشر فورا بمجازر كما الحرم الإبراهيمي في الخليل عام 1994، وحفر أنفاقا تحت الأقصى عام 1996، وصادر جبل أبو غنيم بين بيت لحم والقدس وشيّد عليه مستوطنة "هار حوما"، وهدم مئات المنازل وصادر آلاف الدونمات وشق الطرق الالتفافية للمستوطنات، وعطّل تسليم السلطة لعديد من المناطق، وخرج بحجج لمفاوضات جديدة تناقش اتفاقية تم توقيعها أصلا بعد مفاوضات، وبات شعار "لنحافظ على ما تبقى" وهما جلبته أوسلو التي غطى فيها الاحتلال جريمته على الأرض.
جاء طوفان الأقصى وأعاد الأمور إلى مربعها الطبيعي؛ أن إسرائيل دولة احتلال وأن الفلسطيني يريد حقه، فوضعت القضية على الطاولة وفتح باب المحاكم الدولية ومذكرة اعتقال لنتنياهو ومقاطعات لإسرائيل وفضح لروايتها وتعزيز للحق الفلسطيني وإعادة تعريف للصراع، ودائما في النزاعات إذا كانت هناك مواجهة سيسعى الكل لمعرفة الحل وإحلال السلام، وإذا لم تكن هناك مواجهة وفقط احتلال وتدمير فإن صمت الضحية يعني سلاما ومصافحة، وهذا لن يشجع أي طرف للحل أو وقف الصراع
في مطلع العام 2000 وبعد أن ضاعف الاحتلال الاستيطان بشكل واسع في الضفة الغربية، وتعدّى على الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك مرورا برفضه إقامة الممر الآمن بين غزة والضفة، وحل ملف المياه واللاجئين وتسليم المناطق حسب الاتفاق؛ جاء الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون برئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود بارك والشهيد ياسر عرفات، رئيس السلطة الفلسطينية في حينه والحائز على جائزة نوبل للسلام؛ لتكون مفاوضات "كامب ديفيد" التي حاولوا فيها إجبار أبو عمار على توقيع اتفاق يعطي إسرائيل جلّ الضفة الغربية والإبقاء فقط على التجمعات السكانية تديرها السلطة مع إشراف دولي ومراقبة إسرائيلية على مطار غزة، مع ملحق اتفاق اقتصادي يحرم الفلسطينيين من استقلالية الاقتصاد بل والمعابر والحدود، وهذا ينزع من الدولة أسسها ومعالمها ويبقي المعادلة حكما ذاتيا مع عدم المساس بالمستوطنات أو وجود أي سيادة للفلسطينيين على القدس باعتبار أنها "عاصمة إسرائيل الأبدية".
رفض أبو عمار ما حاول الإسرائيلي تسويقه، فضغطت عليه بعض الأطراف العربية وقالت له "حافظ على ما تبقى"، وهذه العبارة على أساسها تم توقيع اتفاقية أوسلو، وبعد سنوات زاد القتل والاستيطان والمصادرة ومنع البناء وتضاعف هدم منازل الفلسطينيين عشرات المرات، فقال أبو عمار: "لن يبقى شيء لنحافظ عليه إذا بقيت المعادلة أن نوافق دون مقاومة أو اعتراض".
وفور انتهاء مفاوضات "كامب ديفيد" دخل أرئيل شارون حين كان في المعارضة إلى المسجد الأقصى المبارك في 28 أيلول/ سبتمبر 2000، وقتل وأصاب عناصر حراسته العشرات من الفلسطينيين، وامتدت الاعتداءات إلى كل الضفة الغربية ونفذت إسرائيل الاجتياحات، وبات الأمريكي "راعي السلام" يقول عن أبي عمار صاحب جائزة نوبل للسلام أنه رجل الإرهاب ولا يريد السلام!
أصوات "لنحافظ على ما تبقى" عادت من جديد ضاغطة على أبي عمار الذي رفض أن يكرر خطيئة أوسلو، لأنه يعلم جيدا بحسب خبرته أن الفلسطيني سيصبح شاهد زور على اغتصاب أرضه، بل وسيكون ديكورا تجميليا يستخدمه الإسرائيلي جسرا دوليا لانفتاحه على العالم وشطب كلمة إبادة ومجازر ونكبة ونكسة، ويلقي بقرارات دولية تعطي الفلسطيني دولة مستقلة في سلة المهملات كون الفلسطيني وافق على المشهد، وسيفتح جسر التطبيع، بينما على أرض فلسطين فلن يبقى شبر إلا وسيسيطر عليه جندي أو مستوطن أو طريق التفافي أو محمية.
علت تلك الأصوات لإجبار أبو عمار على التراجع، وباتت كواليس الالتفاف عليه وعلى ما كان يحاول تحقيقه، فحوصر في المقاطعة في رام الله ومارست الأنظمة العربية ضغطا عليه بمقاطعته والحديث مع بدائل له، لكنه لم يكترث لأنه أدرك أن أوسلو هي كذبة الحفاظ على ما تبقى، وستولد منها عديد المؤتمرات "واي ريڤر" "أنابوليس" "شرم الشيخ" "وثيقة يوسي بيلين" وغيرها، وستلتهم ما تبقى بموافقة الفلسطيني، ولذلك قلب الطاولة ودفع الثمن شهيدا، ولكنه أعاد للقضية هيبتها وأعادها للمربع الذي كانت إسرائيل تحاول الخروج منه ونجحت من خلال السلام.
وفور التخلص من أبي عمار أعاد بوش الابن ترتيب المنطقة؛ حيث كان خطابه الشهير "عرفات إرهابي، ويجب تغيير القيادة الفلسطينية الحالية وبحث اليوم التالي لها"..
خطة الجنرالات..
هكذا الأمريكي والإسرائيلي يتعاملان مع القضية الفلسطينية من خلال جنرال أو منسق، ويأمران الأنظمة العربية أن تكون كل قضية فلسطين عبارة عن ملف أمني في أدراج مخابراتها وفقط، فكان "مولر" و"جورج تِنِت" ولحق بهم "دايتون" و"ميلر" ليهندسوا المشهد خدمة لإسرائيل على حساب الفلسطيني الذي قادته السلطة الجديدة تحت إطار "لحفظ ما تبقى".
نتيجة لذلك أصبحت غزة معزولة ومحاصرة، والضفة مقسمة ممزقة، وجدار فاصل بين قرية وأخرى، ومستوطنات تحولت لمدن كبرى، وشوارع التفافية لم تُبقِ معالم حتى لحكم ذاتي وليس لدولة.
قاد أبو مازن السلطة ورفع شعار السلام استراتيجية فلم يعطوه شيئا، بل استخدموا شعار السلطة هذا للاستهلاك الدولي ولاستمرار مخططهم في الميدان، وظهر الفلسطيني أمام العالم يقبّل ويصافح الإسرائيلي، وهذا ما أرادته إسرائيل؛ أن يبقى ضحيتها يصافحها وهي تنخره نخرا وتأكل حقه الذي لم يتبقّ منه شيء.
وصلنا إلى 15 عاما من هدوء لصالح الإسرائيلي لم تحصل فيها السلطة الفلسطينية على شيء، والضفة كانت بلا مقاومة لدرجة أن الطفل أحرقه المستوطنون في سريره في دوما دون مقاومة، ومخيمات الضفة هدوء بلا مواجهة، وفقط الفاعل هو الإسرائيلي الذي يدمر ما تبقى، ولم تحصل السلطة على شيء، بل تقلص الشعار إلى دولة مؤسسات بدل الدولة المستقلة والقدس والحدود والعودة والمياه ومنع الاستيطان، فكانت فترة ذهبية لمن رعى اتفاقية السلام أن يعطي الفلسطيني حقه، ولم تكن هناك أكثر من سلمية أبو مازن الذي لم يعطوه حتى تصريح تنقل بين المدن.
لم يتبق ما نحافظ عليه.. بات واقعا هذا المشهد وأدخل اليأس لقلوب الفلسطينيين والعجز المعنوي، وبات نتنياهو يجول عديد العواصم العربية مطبعا متجاهلا فلسطين وحقها.
في أيلول/ سبتمبر 2023 ظهر نتنياهو في أروقة الأمم المتحدة بخريطة لا فيها فلسطين ولا ضفة ولا قدس، وقال: "اليوم التطبيع هو هدفنا والعرب جيراننا على أرضية صفقة القرن وخطة الضم"، ولا تحمل أي منها ما لأجله وُقّعت أوسلو "لنحافظ على ما تبقى".
جاء طوفان الأقصى في ظروف تطبيع متجاوز لمبادرة السلام العربي التي تقررت في قمة بيروت عام 2002، ومشاريع استيطان عملاقة قسمت الضفة إلى ثلاث مناطق، وترحيل وتهجير لأحياء كاملة في القدس والأغوار، وهدم يومي لعشرات المنازل وانتهاك لكل شيء، وشح مياه باتت فيه الضفة الغربية تعيش العطش، وإسرائيل تتبجح في العالم بأنها دولة القانون والإنسانية وواحة الديمقراطية والتكنولوجيا والتطور، حتى أنهم نعتوا السلطة بأنها فاسدة وغير صالحة و"يجب أن يعيش الفلسطيني تحت إدارتنا".
مساء 6 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 نام العالم على أرضية أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي انتهى، وأن الاستيطان جاء في إطار التوسع الطبيعي، وأن القدس يهودية بحكم ترامب عليها ونقل سفارتهم لها، وبصمات أخيرة لتطبيع مع السعودية، وقنوات إعلام العرب لا يغيب عنها الإسرائيليون، ووفود الاقتصاد والأمن والرياضة وغيرها باندماج كبير نجحت فيه إسرائيل بتغليف ممارساتها على الأرض مرة أخرى بمصافحة ومغازلة الضحية، حيث السلطة ما زالت ترفع شعار "لنحافظ على ما تبقى"، بدل مشروع تحرير وتوافق وطني ورسم خريطة طريق داخلية تواجه الاحتلال الذي يستغل السلام والهدوء لتمرير الميدان لصالحه وترويجه دوليا لمخططه، حتى انتخابات 2021 تم إلغاؤها ما زاد الإسرائيلي قوة وتحصنا.
إذا أردنا حقا أن نطلق شعار "لنحافظ على ما تبقى" فلنبدأ أولا بترتيب بيتنا ونجري انتخابات ونتمّ التوافق ونحصّن جبهتنا، حتى نستعيد ما ضاع منا تحت شعار السلام وانتظار من يمنّ علينا براتب أو تصريح. غير ذلك سيستمر الإسرائيلي في السيطرة على ما تبقى، وهو يعلن ذلك جهارا نهارا ويطبق فعليا إعلانه، وما زالت أوسلو تلد محطات.. في كل محطة تتقلص الحقوق وتتلاشى الشعارات وتختفي المعادلات، والثابت فيها فقط وهمُ ما تبقى
جاء طوفان الأقصى وأعاد الأمور إلى مربعها الطبيعي؛ أن إسرائيل دولة احتلال وأن الفلسطيني يريد حقه، فوضعت القضية على الطاولة وفتح باب المحاكم الدولية ومذكرة اعتقال لنتنياهو ومقاطعات لإسرائيل وفضح لروايتها وتعزيز للحق الفلسطيني وإعادة تعريف للصراع، ودائما في النزاعات إذا كانت هناك مواجهة سيسعى الكل لمعرفة الحل وإحلال السلام، وإذا لم تكن هناك مواجهة وفقط احتلال وتدمير فإن صمت الضحية يعني سلاما ومصافحة، وهذا لن يشجع أي طرف للحل أو وقف الصراع.
لا تقولوا "لنحافظ على ما تبقى" لأن الإسرائيلي لم يتوقف أصلا عن أخذ ما تبقى، سواء جُمّلت ممارساته بقبل ومصافحة وسلام أو بمواجهة وصمود، بل الثانية هي طبيعة الشعوب والبشر في مواجهة احتلال، وحتما ينالون حقوقهم فيها، والأولى استسلام وتبرير لكل خسارة نبشر فيها بالحفاظ على ما تبقى، وطبيعة الحالة الأولى سجلها التاريخ أن الشعوب التي استسلمت سُلبت أرضها وطُرد الناس منها وباتوا مشتتين في العالم، ولم يعد يتبقى لهم شيء، ولا وجود كي يحافظوا عليه.
لذلك نحن اليوم بحاجة هذا الشعار في بيتنا الداخلي، والحفاظ على ما تبقى ليس من خلال إثارة فتنة وضغينة وتحريض على حق الشعب الفلسطيني، وحملات أمنية على المخيمات التي وإن لم يتبق فيها أي مقاوم فلن تعطينا إسرائيل شيئا، فقط الخاسر هو نحن كفلسطينيين.
إذا أردنا حقا أن نطلق شعار "لنحافظ على ما تبقى" فلنبدأ أولا بترتيب بيتنا ونجري انتخابات ونتمّ التوافق ونحصّن جبهتنا، حتى نستعيد ما ضاع منا تحت شعار السلام وانتظار من يمنّ علينا براتب أو تصريح. غير ذلك سيستمر الإسرائيلي في السيطرة على ما تبقى، وهو يعلن ذلك جهارا نهارا ويطبق فعليا إعلانه، وما زالت أوسلو تلد محطات.. في كل محطة تتقلص الحقوق وتتلاشى الشعارات وتختفي المعادلات، والثابت فيها فقط وهمُ ما تبقى..
لدى الشعب الفلسطيني وقواه إمكانيات إذا توحدت محصّنة بالقرارات الدولية وبإرادته التاريخية وبجدول وطني يبنى على التراكمات في محطات الصراع وليس على إعدام إنجازاتها؛ حتما ستكون رؤية ينخرط فيها الجميع وتثمر الحالة الفلسطينية إنجازا بدل التشتت وهدر الوقت على أمل وعود تكررت كثيرا وبقيت معاناتنا.