الإدريسي.. مدرسة في رسم الخرائط
تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT
عبد الله صقر – مركز المعلومات
“إن مصنف الإدريسي هو أوفى كتاب جغرافي تركه لنا العرب، وأن ما يحتويه من تحديد للمسافات والوصف الدقيق، يجعله أعظم وثيقة علمية جغرافية” – دائرة المعارف الفرنسية.
يعتبر الشريف الإدريسي أحد كبار الجغرافيين في التاريخ الإنساني، وقد لاقى كتابه” نزهة المشتاق في اختراق الآفاق” اهتمامًا كبيرًا من قبل المستشرقين حيث تعددت طبعات أجزاء منه بعد ترجمته – حسب اهتمام المستفيد – وربت على عشرين ترجمة لأبوابه المختصة بالبلدان المتعددة.
ويذكر كراتشكوفسكي في كتابه “تاريخ الأدب الجغرافي العربي” في حديثه عن كتاب “نزهة المشتاق” أنه أفضل رسالة في الجغرافيا وصلتنا عن العصور الوسطى؛ سواء من الشرق أو الغرب، وعلى هذا الحكم يقف الآن إجماع آراء المستعربين ومؤرخي الجغرافيا على السواء.
رسم الخرائط
حرص الإدريسي منذ بداية رحلاته على أن يرافقه في سفره ورقة وقلم؛ ليكتب عن كل ما رآه وسمع عنه في جميع الأماكن التي زارها. ويعتبر الإدريسي مدرسة قائمة بذاتها في رسم الخرائط؛ تمثل المرحلة الثالثة من تطور الخرائط، فقد تأثر بالمرحلة الأولى الرياضية والفلكية؛ حيث اعتمد على الفلك في تحديد الخطوط العرضية السبع لبروزه في الفلك، وإن كان خالف هذا المنهج في تقسيمها إلى أجزاء لا تعتمد على أساس فلكي.
وقد تخلص من قيود المرحلة الثانية في اتجاهاتها الخطية القوسية كما فعل ابن حوقل؛ ولهذا فقد انفرد بمرحلة خاصة به تميزت بتخلصها من قيود الرسم المحلية، واتجه إلى العالمية بالإضافة إلى الخرائط الإقليمية. ويتميز منهجه أنه غطى غير المعمور من الأرض كما بين ذلك في مقدمة كتابه.
الطريق إلى الخارطة
شكّلت عملية رسم خريطة العالم التي أنيطت بالإدريسي، بالإضافة إلى الكتاب الذي يشرح الخارطة أكبر تحديًا له. مرَّ الإدريسي في إنجاز خرائطه، التي شكّلت مجملها خارطة العالم، بالإضافة إلى كتابه، الذي يعد شرحًا للخرائط بمراحل علمية مجدولة، استغرقت خمس عشرة سنة. وقد أوضح الإدريسي في مقدمة كتابه المراحل الأربع، التي ينتهجها في تحصيله العلمي وبناء الخارطة، التي تعد منهجًا علميًا متكاملًا للوصول إلى أفضل النتائج؛ حيث اعتمد الإدريسي على القراءة والمشاهدة الشخصية والمقابلة والبعثات الاستكشافية.
القراءة في كتب السابقين
أراد أن يقف على آخر ما توصل اليه الجغرافيون الأوائل في هذا المجال، فقرأ الإدريسي الكثير من كتب الجغرافية لعلماء الرومان واليونان وعلماء العرب الذين سبقوه، وأهم من أخذ عنهم العالم اليوناني بطليموس، فعلى سبيل المثال، فقد استفاد الإدريسي في وصف العالم في كتابه من طريقة بطليموس في تقسيم الأرض إلى سبعة أقاليم، أي أحزمة عريضة فوق خط الاستواء، غير أن الإدريسي أضاف على ذلك بأن قام بتقسيم كل إقليم إلى عشرة أقسام رأسية، ابتداء من الشرق إلى الغرب، وكل قسم من هذه الأقسام ربطه في خارطة.
وقد كان الإدريسي واضحًا وصادقًا في نقله. ففي مقدمة كتابه “نزهة المشتاق” ذكر المصادر التي نقل عنها ما بين عرب وغير عرب.
المشاهدة الشخصية
جمع الإدريسي الكثير من المعلومات الموثقة بالمشاهدة والمعاينة، وذلك لكثرة أسفاره وترحاله، فوصف الأماكن وصفًا دقيقًا يدل على رؤيته لتلك الأماكن ومعاينتها بشكل جيد.
ومن المعروف أن منهج المعاينة أو الملاحظة الشخصية يعد مصدرًا مهمًا للأبحاث ومنها البحث الجغرافي بشقيه الطبيعي والبشري، ومن تتبع كتابه يلاحظ أنه عند الحديث عن مناطق زارها، فإنه يسهب في الحديث عنها، ويعطي تفاصيل توحي للمتتبع أنه زار هذه المناطق فعلًا، خاصة أنه أحيانًا يستخدم عبارات: وقد شاهدت أو وقد رأيناه عيانًا.
المقابلة (جمع المعلومات)
كان الإدريسي يتردد على سواحل صقلية لمقابلة الرحالة والبحارة، ممن لديهم معلومات تؤكد معلوماته، والذين يرسون على سواحل صقلية حيث مقامه هناك، وسماعه منهم مباشرة زيادة في التأكيد على صحة المعلومات. وكان يتم اللقاء بينه وبينهم بشكل فردي وجماعي. وهذا المنهج يعتبر من أفضل أساليب المقابلة لجمعه بين نوعين من المقابلة (فردية/ جماعية).
البعثات الاستكشافية
لم يتمكن الإدريسي من السفر الى بلدان كثيرة، فقام بإرسال رسامين ومصورين إلى تلك البلدان، وطلب منهم تقصي المعلومات عنها، وتصوير معالمها.
أول ما فعله عالم الجغرافيا الذي لم يتجاوز عمره 37 عامًا هو تشكيل فريق (يتألف من 12 رجلاً) لمساعدته في أداء مهمته، فاختار أفضل من لديه معرفة بتقنية الملاحة الجديدة والرياضيات ورسم الخرائط، تحت إشرافه الدقيق، وقام بإرسال فريق آخر إلى مشارق الأرض ومغاربها وبالفعل حدث ذلك، ومع انتهاء الفريق من مهمته رجعوا إلى الإدريسي بجميع المعلومات التي يحتاجها.
قام الإدريسي بوضع منهج العمل، وهو الذي سن طريقة إيفاد البعثات الاستكشافية، واشترط إثبات ذلك بالرسوم، أي توقيع ذلك على خرائط للتأكد من المسافات وللمقارنة بين المكتوب والمرسوم.
من أقواله
قال واصفًا كروية الأرض:” إن الأرض مدورة كتدوير الكرة، والماء لاصق بها وراكد عليها ركودًا طبيعيًّا لا يفارقها، والأرض والماء مستقران في جوف الفلك كالمح (الصفار) في جوف البيضة. ووضعهما وضع متوسط، والنسيم محيط بهما من جميع جهاتهما، وهو جاذب لهما إلى جهة الفلك، أو دافع لهما. والله أعلم بحقيقة ذلك، والأرض مستقرة في جوف الفلك، وذلك لشدة سرعة حركة الفلك، وجميع المخلوقات على ظهرها، والنسيم جاذب لما في أبدانهم من الخفة، والأرض جاذبة لما في أبدانهم من الثقل، بمنزلة حجر المغنطيس الذي يجذب الحديد إليه”.
المصدر: صحيفة البلاد
كلمات دلالية: الحضارة الإسلامية
إقرأ أيضاً:
مقال بمقام الوثيقة الأممية لحقوق الإنسان خاصة للمرأة في بلادنا الحبيبة
مقال بمقام الوثيقة الأممية لحقوق الإنسان خاصة للمرأة في بلادنا الحبيبة التي يمر عليها الثامن من مارس وهي تجلس في رصيف العدالة لم تجد الإنصاف حتي داخل أسوار الوطن فكيف تطمئن للخارج الذي اشاح ظهره عنها من زمان !!.. تحية لك دكتورة ايمان حمزة بلدو
كتبت ابنتنا الدكتورة صاحبة الريشة السحرية ومدادها ماء الذهب مقالا عن ( الثامن من مارس : وجلوس المرأة السودانية علي رصيف العدالة ) وقد تقمصت ايمان حمزة بلدو بنت الأبيض ( الغرة ام خيراً جوه وبره ) تلميذة مدرسة جميلة الوسطي بقيادة الأستاذ محمد طه الدقيل الذي نبغ في تدريس اللغة الإنجليزية والرياضيات واستزاد من خبرات البريطانيين وقد شد لهم الرحال طالبا ينشد مزيدا من التدريب في جامعة ( ليدز ) وفيما بعد صار مديرا لمكتب قائد حرس الحدود محمد بن هلال وكان في نفس الوقت يقوم بكافة اعمال الترجمة ويحاضر في الكلية الخاصة بحرس الحدود ... تقمصت ايمان دور الرسام والفنان التشكيلي وأتت في مقالها بنمازج غاية في العبقرية من فلكلور كردفان ودارفور الغنائي والرقص الشعبي والايقاعات النقية الصافية وكل هذا المهرجان نابع من بيئات فطرية صادقة تعيش في أمن وامان مع الزرع والضرع والخير الوفير والنفوس الطيبة والقلوب الشفافة والحياة البسيطة الخالية من التعقيد ...
كان الأستاذ محمد طه الدقيل أستاذا شاملا يفهم في المسرح وقد درب تلميذاته علي احدث فنون التمثيل ولعب كرة القدم وصار فيها علما واختارته وزارة الرياضة ليكون مدربا لمنتخب كردفان ومارس الملاكمة ولم يحط علي مدرسة إلا وقد تحولت إلي كتلة من النشاط الأكاديمي والثقافي والرياضي ...
هذه المقال الذي بقدر ماهو حزين يقطع نياط القلب إلا أنه كان لابد من كتابته في هذا اليوم الثامن من شهر مارس ... عيد المرأة التي حتما سعدت به في كل أنحاء المعمورة ما عدا بلادنا الحبيبة وقد لفها الظلام وعمها الظلم من الأقارب والاباعد وقد تم الاعتداء عليها بوحشية في دارها وفي معاشها وحلها وترحالها وتم انتهاك عرضها بصورة يمكن للضواري أن تتعفف عنها ... والمحزن حقا أن العالم المتحضر يري هذه الانتهاكات الجسيمة ولايحرك ساكنا ويرسل للمعذبين في الأرض جملا مكررة وتعابير جافة خالية من أي مضمون وبعد كل وقت وحين يطالبون بهدن لوقف القتال لا تجد آذان صاغية ومنهم من يمتن علي المنكوبين بعبارات مطاطة يطالبون فيها بوقف القتال فورا وفورا هذه امتدت لعامين بالتمام و الكمال !!..
قرات المقال لأكثر من مرة وشدني إليه هذا النفاذ العميق لأصل االماساة والحال التي بلغتها وقمة التشابك التي تلتف حولها كأنها آلاف الحيات ورؤوس الشياطين التي انقضت كلها بكل قسوة علي أرضنا الطيبة ولم يسلم انسانها بعد أن ضاع منه كل شيء والمصيبة كانت أعظم في ما لحق بحواء السودانية مالم نسمع به حتي في عالم الاساطير وقصص اللامعقول والكوابيس !!..
تذكرت وانا اقرا مقال الدكتورة إيمان قصة فتح عمورية وكيف أن الخليفة المعتصم قد جرد جيشا لجبا قائلا لبيك لامرأة صاحت باعلي صوتها ( وامعتصماه ) وقد عرفتم كلكم كيف أن الحاكم هو خادما الرعية وليس سيدا عليها !!..
أتمني أن يطلع اهلنا في البلاد وفي الشتات علي مقال الدكتورة إيمان في صحيفتنا المحبوبة سودانايل يوم السبت ٢٠٢٥/٣/٨ الموافق الثامن من شهر رمضان المبارك شهر الانتصارات في تاريخ المسلمين ونتمني أن تعود تلك الأيام الطيبة الزاهية وان نحافظ علي أرضنا وعرضنا من دنس المجرمين!!..
شكرا دكتورة ايمان علي كل هذا الصدق وهذا الالم من أجل الوطن الجريح ونتمني أن يزول هذا الهم والكدر وان نعود لبلادنا الغالية سالمين غانمين سعيدين فرحين مستبشرين وصلي اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين .
حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .
استاذ سابق في مدرسة جميلة المتوسطة بالابيض .
ghamedalneil@gmail.com