#نقطة_نظام د. #هاشم_غرايبه
مثلما أن هنالك استنساخيين في الفكر الديني، كذلك يوجد في الفكر المضاد، وهؤلاء أكثر تطرفا وأشد وطأة، فهم يرون ضرورة استنساخ التجربة الأوروبية التي أخرجتها من عصور الإنحطاط الى النهضة، تتجمد عقولهم عن ابتداع تجربة موازية، فيصرون على النسخ الحرفي من غير اعتبار للفوارق الموضوعية والظرفية والتطبيقية بيننا وبينهم.
أبسط الفوارق هي التباين الهائل في الظروف، ففي العصور الوسطى كانوا في غياهب الظلمة والإنحطاط، في المقابل كنا في ذروة التنور والتقدم الحضاري، كان العلماء عندهم يُحرقون أو يسجنون بتهمة التجديف، في الوقت الذي كانوا يكافؤن في الدولة الإسلامية بوزن كتبهم ذهبا.
كان اللاهوت تحتكره الكنيسة، من يخالفه يصدر بحقه صك حرمان، لكن الحضارة الإسلامية كانت منفتحة على علوم الآخرين وفلسفاتهم، وكان العالِم في الكيمياء أو الفيزياء أديبا أو شاعرا، وفقيها أيضا، وقد يكون له آراء مغايرة لأئمة المذاهب.
في القرن السابع عشر بدأت عندهم النهضة في الصعود، وعندنا في النزول، ولم يكن للتدين دور في الحالتين كعامل أساسي، لكن كان للكنيسة دور في معاكسة حركة الصعود وتأخيرها، بسبب من أنها مؤسسة مستقلة منتفعة من تحالفها مع طبقتي الإقطاعيين والعائلات المالكة على احتكار السلطة والإقتصاد.
كان الطريق الوحيد للتخلص منها شعار فصل الدين عن الدولة، فقضت العَلمانية على تسلط الكنيسة، لكنهم لم تحررهم من سيطرة الإقطاع، لأنه تحول الى الرأسمالية، فتغير جلد تلك الطبقة ولم يتغير جوهرها البرجوازي.
بالطبع لم يكن للتمسك بالدين أو تركه أي دور في النهضة الأوروبية، فسبب التقدم الأوروبي هو الثورة الصناعية والإستكشافات، والتي تكن دوافعها جغرافية علمية كما يدّعون، بل استعمار الشعوب الفقيرة والمتخلفة، وبالتالي التحكم في طرق المواصلات التجارية، والاستيلاء على الموارد الإقتصادية للأمم المستضعفة، وابقاء شعوبها مستهلكين للانتاج الامبريالي.
فعندما تحورت الإقطاعية الى الشكل الرأسمالي، نشأت الحاجة الى المكننة لتخفيض كلف الأيدي العاملة وزيادة الإنتاج، فبدأت الإختراعات تتوالى لتحقق للصناعيين توسعا في الإنتاج، مما استلزم مواد أولية أرخص وتطوير النقل من أجل شحن البضائع، وإيجاد زبائن مستهلكين أكثر، لذلك بدأت الإستكشافات، وعندها تطورت الرأسمالية الى الإمبريالية والتي من متطلباتها القوة، فتطورت الصناعات الحربية لتحقيق التفوق على الشعوب الجنوبية.
نحن وضعنا مختلف فحتى لو ألغينا الدين وليس حيدناه فقط، سنبقى بلدانا متخلفة، لأن البلدان المتقدمة لا تسمح لنا بالخروج من دائرة التبعية، لذا ليس لنا الا كسر هذا الحصار عنوة وليس بالاستجداء، ولما كان ذلك يحتاج الى الإرادة الصلبة أولا ثم بناء الوسيلة لذلك، لهذا ليس لنا الا الاعتماد على مقومات قوتنا الذاتية.
ومهما بحثنا في رصيدنا عن عناصر قوة وتفوق حضاري، فلن نجد إلا الاسلام، لذلك من يدعونا الى التخلي عنه أو تحييد دوره هو واحد من اثنين: إما جاهل بأهم وسائل وعناصر تحرر الشعوب وهي الإنطلاق من العقيدة الصلبة الجامعة وليس الإعتماد على زعامات فردية، وإما هو عميل للقوى المتحكمة فيسعى الى افراغ الأمة من أهم مقوماتها الحضارية وإلحاقها بالغرب تحت وهم سراب تقليده.
فصل الدين عن الدولة بمعناه الإيجابي مطبق في الإسلام فليس هنالك سلطة تسمى رجال الدين، وليست هنالك مؤسسة دينية تستقبل طلبات الإلتحاق وتقرر قبول الناس في الإسلام، فتمنحهم الغفران أو الحرمان، والسلطة الحاكمة ليس من شروطها نيل درجات كهنوتية أو الوصول الى قمة التسلسل البطريركي، وأعلى منصب ديني في الدولة هو القاضي، وهو يفصل في النزاعات وليس في السياسات.
هكذا نرى أن الدين الإسلامي ليس هو العائق أمام التقدم، بل على العكس، هو أكبر عامل مساعد له، فهو يحقق البنية الفكرية السليمة للنهضة، فالعدالة الإجتماعية والتكافل والترابط المجتمعي والمساواة والتآخي بين أفراد المجتمع بلا تفريق في العرق واللون، تضع قاعدة صلبة يرتفع عليها البنيان المجتمعي.
قد يقول قائل: هنالك كثير من الأمم نهضت بغير اسلام ولا تدين، والإجابة هي أنه بتشخيص دقيق للحالة الخاصة الآنية لأمتنا، نجد أن الوحدة هي الوصفة الأنجح للتحرر من التبعية، ومن ثم النهضة، ولا شيء يحققها أفضل من الإسلام، فهو الرابط الأوثق، والجامع الوحيد الذي تلتقي عليه كل مكونات الأمة، لذلك وجدنا القوى الاستعمارية تبذل جهدها في أبعاده وإلغاء دوره السياسي.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: نقطة نظام
إقرأ أيضاً:
ختام النسخة الـ12 لبطولة النهضة للخدمات للإبحار الشراعي
عمان: أسدل الستار على منافسات النسخة الثانية عشرة من بطولة النهضة للإبحار الشراعي 2025 التي أُقيمت في مدرسة الموج للإبحار الشراعي، بمشاركة 45 بحارًا ناشئاً من 15 مدرسة حكومية من مختلف أنحاء محافظة مسقط، وجنوب الباطنة، وجنوب الشرقية، تراوحت أعمارهم بين 8 و10 سنوات، وجاءت البطولة ضمن برنامج الإبحار المجتمعي، المدعوم من شركة النهضة للخدمات، حيث شهدت منافسات قوية بين البحّارة الناشئين، الذين أظهروا مهارات تكتيكية متقدمة في الإبحار والتحكم بالقوارب وأشرعتها، باستخدام قوارب الأوبتمست.
وأقيم حفل ختام البطولة وتكريم الفائزين تحت رعاية ناصر بن مسعود الشيباني، الرئيس التنفيذي للموج مسقط، وبحضور كل من الدكتور خميس بن سالم الجابري، الرئيس التنفيذي لعُمان للإبحار، وستيفن توماس، الرئيس التنفيذي لشركة النهضة للخدمات.
وشهدت بطولة النهضة للإبحار الشراعي منافسات قوية بين البحّارة الناشئين طوال مجريات السباقات، حيث تمكن البحّار محمد بن نبيل البلوشي من مدرسة مصعب بن الزبير للتعليم الأساسي من تحقيق المركز الأول في الترتيب العام، فيما جاء البحّار إبراهيم بن سلطان المسكري من مدرسة درة الأجيال للتعليم الأساسي في المركز الثاني، وحلّ البحّار تيمور بن كامل العامري من مدرسة درة الأجيال للتعليم الأساسي في المركز الثالث. وفي فئة الفتيات، أظهرت البحّارات مستويات تنافسية عالية، حيث توجت البحّارة مريم بنت سعيد الحضرمي من مدرسة الصفاء للتعليم الأساسي بالمركز الأول، تلتها البحّارة مريم بنت أحمد الحشار من مدرسة صور للتعليم الأساسي في المركز الثاني، وجاءت البحّارة جميلة بنت عبدالحميد الجلبوبي من مدرسة صور للتعليم الأساسي في المركز الثالث.
أما على صعيد المدارس، فقد حصدت مدرسة صور للتعليم الأساسي من محافظة جنوب الشرقية على لقب أفضل مدرسة أداءً، بينما جاءت مدرسة درة الأجيال للتعليم الأساسي من محافظة مسقط في المركز الثاني، واحتلت مدرسة الروائع للتعليم الأساسي من محافظة مسقط المركز الثالث.
وفي هذا السياق، أعرب ستيفن آر توماس، الرئيس التنفيذي لشركة النهضة للخدمات، عن سعادته بالدور الذي تلعبه البطولة في دعم برنامج الإبحار المجتمعي، قائلا: "نحن فخورون بمواصلة دعم برنامج الإبحار المجتمعي، الذي يوفر فرصةً قيّمة للبحّارة الناشئين ليس فقط لتعلّم الإبحار، بل أيضاً المساهمة في تعزيز العديد من القيم في مختلف الجوانب. ونحن سعداء برؤية إقبال الشباب على تجربة الإبحار الشراعي والذي يمثل امتداداً للتراث البحري الغني لسلطنة عمان.
من جانبه، أكد عبدالعزيز بن سالم الشيدي، القائم بأعمال مدير عام الإبحار الشراعي في عُمان للإبحار، على أهمية البطولة ودورها في تنمية المواهب الناشئة، قائلاً: "تعدّ بطولة النهضة للإبحار الشراعي، المدعومة من شركة النهضة للخدمات، إحدى أبرز الفعاليات السنوية التي تنظمها عُمان للإبحار، حيث توفر منصة مثالية تجمع بين التحدي والتنافس الودي، مما يسهم في إبراز إمكانيات ومهارات البحّارة الصغار، ونحن سعداء بما شهدناه من تطور ملحوظ في أداء المشاركين، الأمر الذي يعكس نجاح برنامج الإبحار المجتمعي في صقل المواهب الواعدة، والتي نأمل أن يكون لها مستقبل مشرق في هذه الرياضة.
وسبق لشركة النهضة للخدمات دعم العديد من الأنشطة والفعاليات، منها بطولة الطواف العربي للإبحار الشراعي (2009–2020)، وسلسلة سباقات الإكستريم الشراعية (2013–2017)، والطواف الفرنسي (2019)، وبطولة المدارس للإبحار الشراعي (2016–2020)، التي ساهمت في استقطاب أكثر من 800 ناشئ من 118 مدرسة حكومية.
وتُعتبر شركة النهضة للخدمات شريكا استراتيجيا لبرامج وأنشطة "عُمان للإبحار"، حيث تمتد شراكتهما لأكثر من 14 عاما في دعم تطوير وتمكين الشباب العُماني من خلال رياضة الإبحار الشراعي، ويسهم البرنامج المجتمعي في استقطاب 900 طالب تتراوح أعمارهم بين 8 و10 سنوات من كل من محافظتي جنوب الباطنة والشرقية ومحافظة مسقط.
كما سيشارك كل طالب في دورة إبحار تستمر لمدة خمسة أسابيع، بواقع جلسة تدريبية واحدة أسبوعياً، باستخدام قارب الأوبتمست، إضافة إلى المشاركة في حملات تنظيف الشواطئ.