على نار حامية، أطلقت الأحزاب الفرنسية العنان لماكيناتها الإنتخابية بعد قرار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حلّ البرلمان في التاسع من حزيران ردًا على هزيمة قاسية تعرّض لها من قبل اليمين المتطرف في البرلمانيات الأوروبية بمعدل أصوات وصل إلى الضعف.   وبإجماع تقريبي من قبل معظم الإستطلاعات، لا يزال اليمين المتطرّف يحقّق تقدمًا بارزًا أمام القوى الرئيسية المتنافسة والتي تنحصر بين أطياف اليسار التي تداركت صعود نجم اليمين المتطرف وشكلت ائتلافا يتعادل تقريبا مع قوة اليمين، بالاضافة إلى حزب النهضة الذي ينتمي إليه ماكرون كقوة ثالثة في البلاد.

  وبالانطلاق من نتائج حزب "التجمع الوطني" اليميني الذي أحدث زلزالا سياسيا بحصوله على 31 مقعدًا في البرلمان بنسبة تأييد وصلت إلى 31,5%، أكّدت الإستطلاعات الحديثة أن هذه الأرقام سنعاود مشاهدتها مجددًا، إذ إن ترنيمة أن "اليمين المتطرف هو دائمًا الخاسر" لم يعد لها أي مفعول اليوم، أقلّه لناحية نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي أو الاستطلاعات التي لا تزال تعطي حزب "التجمع الوطني" اليميني الأفضلية. وفي استطلاعين مختلفين لكل من "تي أف 1" و "إيبسوس" حلّ "التجمع الوطني" أولا بنسبٍ تعدّت الثلاثين في المئة، وهذا يدل على مدى قدرة الحزب على استغلال الأرقام والفورة الشعبية التي سيجسّدها في سياسة قريبة من الانعزالية، إذ إن اليمين المتطرف دائمًا ما يكون شعاره فرنسا قبل أي ملف خارجيّ، خاصة على صعيد السياسة الخارجية والهجرة والأمن، إذ إنّه يسلكُ طريقًا متشددًا في هذه الملفات أكثر من باقي الأحزاب الفرنسية. وعليه، ما هي وجهة النظر اللبنانية وكيف ستنصبُّ الأصوات؟   قلق وتوجّس لبناني   منذ إعلان نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي لا ضيم بالقول أن عددًا كبيرًا من اللبنانيين يرون أن دعم اليمين المتطرف واجب، إذ يعتبر هؤلاء أنفسهم أنّهم فرنسيون، ويهمهم تحقيق رخاء أمني على صعيد الهجرة خاصة، على عكس آخرين توجسوا من ما بعد هذه الانتخابات، خاصة على صعيد اللبنانيين الذين يدعمون اليسار، إذ يعتبر هؤلاء أنفسهم أنّهم محاصرون، لا بل سيتم استهدافهم من قبل اليمين الذي يرى بهم أنّهم فرنسيون على الورق لا أكثر.
هذه العبارة التي يردّدها مئات من اللبنانيين تؤكّد عليها سارة، الطالبة الجامعية والتي تعمل على إنهاء إطروحة الدكتوراه في إحدى جامعات فرنسا. تقول سارة خلال حديث مع "لبنان24" عبر "زوم" بأنّ مصيرهم بات يتوقف على اتجاه الحزب وقراراته لما بعد الانتخابات، حيث تؤكّد أنّ مصيرها معلّق على أوراق قد لا يكون لها أي معنى في حال هيمنة اليمين المتطرف على المشهد السياسي.
وتؤكّد أن نافذة الحصول على الجنسية تُغلق، مع تصاعد شبح الاستبداد والكراهية خاصة على صعيد الأمن والإعلام.
هذا التوجس لا يؤيّده أستاذ العلاقات الدولية ورئيس المرصد اللبناني للعلاقات الدولية والاستراتيجية وليد عربيد الذي يشير إلى أنّه ولو تغير النظام، فإن فرنسا ستبقى دولة تحترم القانون، فمن غير المعقول أن تضحي بمئة ألف لبناني يعيش على أراضيها. وللإطلاع على المسار الذي ستسلكه الانتخابات أشار عربيد خلال اتصال عبر "لبنان24" أنّه من الممكن أن تساهم الانتخابات بحصول اليمين المتطرف على الأكثرية النيابية بحوالي 250 إلى 255 نائبا، إلا أن يوم الانتخابات هو الكفيل بتحديد موازين القوى، وذلك من خلال كثافة المشاركة الفرنسية بالاقتراع.   وفي محاولة لفهم مسار الانتخابات وحول ما إذا سوف يتحالف اليمين المتطرف مع اليمين المعتدل بعد الجولة الأولى في مواجهة اليسار والحزب الوسطي، يشير عربيد إلى أن ماكرون كان قد أكّد أنه في حال حُسمت الجولة الثانية بين مرشح اليسار ومرشح اليمين المتطرف أصواتنا ستصب لمصلحة اليسار.   بالتوازي، تاريخيا، ومنذ ظهور بعض التطرفات، لا سيما اليمينية، كان حزب التجمع الوطني الفرنسي يعتبر حزبًا متطرفًا وغير قابل للتحالف مع الأحزاب الأخرى في فرنسا بسبب سياساته اليمينية المتطرفة والمواقف العنصرية المعادية للمهاجرين والإسلام. وترى مصادر دبلوماسية أنّه منذ تأسيسه في السبعينيات بقيادة جان ماري لوبان، كان الحزب معروفًا بمواقفه المثيرة للجدل التي جعلته في عزلة سياسية، وهذا ما سيتغير اليوم، إذ إن الحزب حاول أن يجاري التغيرات على الساحة السياسية، فتطوره، ونتائجه التي حقّقها تعكس التغيرات الأوسع  في السياسة الفرنسية، حيث أصبحت الأحزاب التقليدية مثل الجمهوريين والإشتراكيين أقل تأثيرا، مما أتاح فرصا جديدة للأحزاب، وهذا ما يأخذنا إلى صورة قد تجمع اليمين المتطرف مع اليمين التقليدي أو الجمهوري الذي بات خطابه وبرامجه تتماهى وخطاب اليمين المتطرف، إذ إن بنود برامجه باتت تتعلق بالهجرة والامن وبعض المصطلحات القومية منذ نهاية عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، وهذا هو أصلا ما تحاول مارين لوبان القيام به.   ما بعد الانتخابات      ترى الاوساط أن الخسارة التي تعرّض إليها ماكرون كانت تحتاج من دون أدنى شك إلى رد، إلا أنّ هذا الردّ ما كان يجب أن يتمثل بحل الجمعية الوطنية، إذ إن خيارات عديدة كانت أمام ماكرون أبرزها تغيير تشكيلة الحكومة أو تغيير رئيس الوزراء أو تصحيح البرنامج الانتخابي.   من جانبه قال رئيس المرصد اللبناني للعلاقات الدولية والاستراتيجية وليد عربيدلـ"لبنان24" أن الانتخابات التي ستشهدها فرنسا تؤكّد أننا يجب أن نعود إلى التاريخ الذي يقول أن "اليمين العنصري كان لا يمثل أكثر من 2% نتيجة طرحهم الفكري، مشيرا إلى أن خلال القراءة ببداية القرن العشرين نرصد صعود اليمين المتطرف سواء على صعيد الفاشية أو النازية أو الصهيونية، واليوم، وبعد التطورات التي حصلت بعد طرح شعاراتهم يرى اليمين المتطرف أن أوروبا يجب أن تكون للأمم، مع نظرة بوجوب إعادة الحدود مع الدول المحيطة نسبة إلى الهجرة".   ولا يخفي عربيد طرح اليمين المتطرف لفكرة الإسلاموفوبيا، إذ يقول أن "تاريخيا كان الخوف يتركز على وجود المسلمين في المنطقة، من ثم تحول إلى الإسلاموفوبيا على الصعيد السياسي، واليوم بات اليمين المتطرف يتطرق إلى شعار "الإسلام الجهادي"، والذي يرى من خلاله أنه يشكّل خطرا على مستقبل فرنسا".   ويرى عربيد أن اليمين المتطرف اليوم لا ينظر إلى تحسين أحوال الفرنسيين في الداخل، بل هو ينظر إلى عاملين أساسيين: الخوف من الإسلاموفوبيا، والخوف من الهجرة الجنوبية إلى الشّمال (من أفريقيا وشمال أفريقيا إلى أوروبا). كل هذه القضايا بطبيعة الحال أدت إلى عدم تطرق الاحزاب إلى بنود الصحة وتحسين ظروف العمل والتدريس، التي باتت مهمّشة أمام الطروحات الجديدة التي يحاول اليمين المتطرف أن يبرزها على الساحة.   وعن خوف اللبنانيين من فقدان حقهم بالجنسية الفرنسية والفيزا أو عدم الحصول عليها يوضح عربيد أن القانون واضح في هذا المجال، فمن يخلّ بالقانون ستُسحب منه الجنسية، وبالتالي حتى ولو وصل اليمين المتطرف من غير الممكن أن تُسحب الجنسية من أي شخص هناك.   ورأى عربيد أن لبنان قد يخسر بعد هذه الانتخابات العطف الفرنسي تجاه بلاد الارز وهو ما يُعرف حاليا بـ"فرنسا الأم الحنون"، ويُرجعُ عربيد ذلك إلى أن فرنسا تبحث عن تبديد مخاوفها وقلقها من كيفية إعادة بناء النظام السياسي الجديد، لافتا إلى أن المفكرين يرون أن فرنسا على ما يبدو ستدخل بمرحلة "الجمهورية السادسة"، وهذا ما يعني انتهاء الجمهورية الخامسة التي أسّسها ديغول.   ويرى عربيد أن الاحزاب العسكرية والسياسية لن تقف مكتوفة الأيدي في حال فعلا دخلنا في هذه المرحلة إلا إذا طرح اليمين المتطرف أفكارا جديدة.   وفي خضم هذه المنافسة، يبقى السؤال الابرز: هل سيستطيع اليمين المتطرف أن يفرض أفكاره على الشعب الفرنسي ولو أنّه انتصر مرحليا بالانتخابات الاوروبية؟ وهل ستتحمل فرنسا الاصطدام بجدار أفريقيا الشمالية ودولها العربية ومن ورائهم الدول الافريقية التي خرجت منها مثل مالي والنيجر؟ المصدر: خاص "لبنان 24"

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: الیمین المتطرف التجمع الوطنی على صعید إلى أن

إقرأ أيضاً:

فوز تاريخي لليمين المتطرف في الجولة الأولى من الإنتخابات البرلمانية الفرنسية

زنقة 20 | وكالات

حقّق حزب التجمع الوطني المنتمي لليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان، مكاسب تاريخية، وفاز بالجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية الفرنسية؛ لكن النتيجة النهائية ستعتمد على تحالفات الأيام التي تسبق الجولة الثانية الأسبوع المقبل.

ووفقًا للنتائج الرسمية التي أعلنتها وزارة الداخلية اليوم الاثنين، حصل حزب التجمع الوطني وحلفاؤه على 33% من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات.

وجاء تحالف الجبهة الشعبية الجديدة في المركز الثاني بحصوله على 28% من الأصوات. وحصد تحالف الوسط الذي ينتمي له الرئيس إيمانويل ماكرون 20% فقط من الأصوات.

و تمثل هذه انتكاسة كبيرة لماكرون الذي دعا إلى انتخابات مبكرة بعد هزيمته أمام حزب التجمع الوطني في انتخابات البرلمان الأوروبي الشهر الماضي.

لكن فرص نجاح التجمع الوطني، المناهض للهجرة والمشكك في جدوى عضوية الاتحاد الأوروبي، في تشكيل حكومة؛ ستعتمد على الجولة الحاسمة التي ستُجرى الأسبوع المقبل ومدى نجاح الأحزاب الأخرى في هزيمة لوبان من خلال الالتفاف حول مرشحين منافسين يملكون فرصًا أفضل في الدوائر الانتخابية في أنحاء فرنسا.

وأوضح زعماء الجبهة الشعبية الجديدة اليسارية وتحالف الوسط، الذي ينتمي له ماكرون، مساء أمس الأحد أنهم سيسحبون مرشحيهم في المناطق التي يحظى فيها مرشح آخر بفرصة أفضل للتغلب على حزب التجمع الوطني في الجولة الثانية يوم الأحد المقبل.

وأصبح حزب التجمع الوطني، الذي كان منبوذًا منذ فترة طويلة بالنسبة للكثيرين في فرنسا، أقربَ إلى السلطة من أي وقت مضى.

وسعت “لوبان” إلى تحسين صورة حزب معروف بالعنصرية ومعاداة السامية وهو أسلوب أثبت نجاحه وسط غضب الناخبين من ماكرون وارتفاع تكاليف المعيشة وتزايد المخاوف بشأن الهجرة.

ومن شأن تشكيل حكومة بقيادة حزب التجمع الوطني، أن يثير تساؤلات كبرى حول مستقبل الاتحاد الأوروبي؛ نظرًا لأن الحزب يعارض تعزيز التكامل مع الاتحاد الأوروبي.

مقالات مشابهة

  • فوز تاريخي لليمين المتطرف في الجولة الأولى من الإنتخابات البرلمانية الفرنسية
  • ما الذي ستحمله الانتخابات التشريعية بفرنسا للجزائر؟
  • رئيس الوزراء الفرنسي: اليمين المتطرف بات على أبواب السلطة
  • اليمين المتطرف يتصدر الإنتخابات الفرنسية و ماكرون يدعو إلى التحالف
  • فرنسا تخشى المجهول مع بدء انتخابات تاريخية
  • اليمين المتطرف يتقدم في الانتخابات التشريعية الفرنسية حتى الآن
  • فرنسا تواجه مصيرا تاريخيا في الانتخابات التشريعة
  • بدء التصويت بانتخابات فرنسا وتوقعات بتقدم اليمين المتطرف
  • في ندوة الانتخابات الفرنسية وصعود أسهم اليمين المتطرف.. «صالون البوابة» يناقش الوضع السياسي في فرنسا وتأثيره في المشهد الدولي