الاقتصاد نيوز - بغداد

بعد سنوات طويلة من الجفاف والتدهور الزراعي الذي عانى منه العراق، وتقليص المساحات المزروعة إلى النصف، عاد فلاحو العراق لمزاولة مهنتهم من جديد بعد وفرة نسبية من المياه في ظل موجة الأمطار الأخيرة التي حققت أرقاما مقبولة بالنسبة للجانب الزراعي.

ومؤخرا أعلنت وزارة الزراعة تحقيق الاكتفاء الذاتي للعديد من المحاصيل وأيضا القمح، بعد أن كان العراق يعتمد على المستورد في العديد من المجالات ليست الزراعية فقط وأنما الصناعية والجوانب الأخرى، وعلى الرغم من الصعوبات التي تمر بها مراحل الزراعة إلا أن لتربة العراق ميزة مختلفة تنعكس على مذاق المحاصيل وهو ما يجعل منه بيئة جاذبة بالنسبة لبعض دول الخليج، فمثلا أصناف أسماك البصرة لا توجد في الكويت أو قطر، وحتى أشجار السدر والنخيل الذي حتى وأن وجد في هذه الدول إلا أنه يختلف في شكله ومذاقه.

وحول هذا الأمر، يقول طالب السعدي، أحد المسؤولين في العلوة المركزية -مركز بيع الفواكه والخضروات- في قضاء بلد المشهور بإنتاج فاكهة المشمش، جنوبي محافظة صلاح الدين، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، إنه “رغم انتهاء الموسم حاليا، إلا أننا نشهد إقبالا كبيرا من المحافظات على علوتنا المركزية وبالخصوص على المشمش والفواكه الأخرى”.

ويضيف “أسعار المشمش وباقي الفواكه التي تتميز بها تربة العراق يتم بيعها بأسعار تتراوح بين الألفي دينار والثلاثة آلاف دينار للكيلو الواحد في علوتنا”.

ويشير السعدي إلى أن “الكمية التي تم بيعها توزعت بين الاستهلاك المحلي والتصدير الذي شهد ارتفاعا ملحوظا هذا الموسم نظرا للطعم المميز الذي يتميز به المشمش العراقي والذي يدفع نحو استهلاكه السريع خاصة من قبل بعض دول الخليج المجاورة للعراق”.

وتشكل الزراعة موردا اقتصاديا أساسيا للفلاحين والمزارعين في قرى ومدن العراق المختلفة لاسيما المحافظات التي تسجل إنتاجا وفيرا بالمحاصيل الزراعية والحبوب، إلا أن هذا القطاع شهدت تراجعا خطيرا في الإنتاج بسبب الجفاف وقلة الأمطار ما دفع الكثير من أصحاب الأراضي الزراعية إلى تجريفها وتقسيمها كقطع أراضي سكنية وتجارية.

بدوره، يؤكد مسؤول علوة الصويرة في محافظة واسط أياد الشمري، أن “بعض دول الخليج تفضل الزرع العراقي على جميع الفواكه والخضراوات التي تزرع ببعض دول العالم”.

ويبين “سبب ذلك يعود إلى تربة العراق التي يمكن تصنيفها على أنها من أجود وأفضل أنواع الترب الصالحة للزراعة وهذا ما ينعكس على نوع وطعم الفواكه العراقية وغيرها”.

ويشير الشمري إلى أن “المشمش والتين العراقيين وبعض المحاصيل الزراعية الأخرى في الغالب يتم بيعها للخليج بسبب ارتفاع أسعارها حيث يصل سعر بعضها إلى أكثر من 20 ألف دينار عراقي للكيلو الواحد”.

ويوضح أن “هذا الإقبال انعكس على توفير هذه المحاصيل محليا وما موجود في السوق الآن هو المشمش الذي يمكن تصنيفه من الدرجة الثانية أو الناضج بنسبة كبيرة ولا يتحمل نقله إلى الخارج ولهذا يتم بيعه محليا”.

يشار إلى أن بعض الفواكه والخضروات والمحاصيل الزراعية العراقية يتم تهريبها إلى دول الجوار لجودتها ولرخص ثمنها مقارنة بالأسعار في أسواق تلك الدول وخصوصا الخليجية منها.

من جانبه، يؤكد المتحدث باسم وزارة الزراعة محمد الخزاعي، أنه “في حالة ذروة الإنتاج الزراعي فإن العراق يصدر الكثير من المحاصيل الزراعية وخاصة إلى دول الخليج”.

ويذكر أن “أرقام كميات التصدير بالنسبة للمحاصيل الزراعية في ارتفاع مستمر ففي العام 2023 بلغ مجموع ما تم تصديره من محاصيل الخضروات إلى هذه البلدان 70 ألف طن وبالنسبة للفواكه نحو 4 آلاف طن، والتصدير يتم من قبل القطاع الخاص وفق شروط خاصة يتم وضعها من قبل وزارتي الزراعة والتجارة”.

وقد فقد العراق 70 بالمئة من حصصه المائية بسبب سياسة دول الجوار، ما أدى إلى انخفاض الحصص المائية للمحافظات الجنوبية القادمة من سد الموصل على دجلة، وسد حديثة على الفرات، بحسب بيان سابق لوزارة الموارد المائية.

وانعكس انحسار المياه في نهري دجلة والفرات بشكل كبير دفع وزارة الزراعة إلى تقليص الخطط الزراعية الشتوية والصيفية ومنع بعض المحافظات من زراعة محاصيل معينة، ضمن سياسة اعتمدتها منذ عدة أعوام لمواجهة أزمة الجفاف وشح الأمطار، ما أدى ليس فقط إلى تراجع الإنتاج الزراعي بل أيضا تمدد ظاهرة التصحر بشكل كبير.

المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز

كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار المحاصیل الزراعیة دول الخلیج بعض دول إلا أن

إقرأ أيضاً:

من الريف إلى الينابيع الساخنة: قصة نجاح السياحة الزراعية في اليابان

على أحد التلال اليابانية الخضراء، تترامى الحقول كأمواج بحر هادئ، بين ضفتي مزرعة قديمة تحوّلت إلى وجهة سياحية فريدة. هنا، لا يأتي الزوار بحثًا عن فنادق فاخرة أو مراكز تسوق، بل يسعون وراء تجربة أصيلة تملأ أرواحهم بالدفء والهدوء. يحصدون الخضروات بأيديهم، يطهون الطعام بمكونات طازجة، ويجلسون حول موقد تقليدي يتبادلون الحكايات مع أصحاب المزرعة. إنها رحلة إلى عالم مختلف في تفاصيله، حيث لا يزال الإيقاع البطيء للحياة يحمل في طياته سحرًا لا يُقاوَم.

السياحة الزراعية هي نوع من السياحة يُتيح للزوار التعايش مع الحياة الريفية والمشاركة في الأنشطة الزراعية الحقيقية، مثل زراعة المحاصيل، وتربية الحيوانات، وإعداد المأكولات التقليدية من منتجات المزارع الطازجة. إنها تجربة تفاعلية، تعليمية، وثقافية تعزز الوعي بأساليب الزراعة المستدامة، وتُعمّق التواصل مع التراث المحلي والطبيعة.

يُعد استقبال الضيوف في منازل العائلات الريفية من أبرز أساليب السياحة الزراعية في اليابان. تتيح هذه التجربة للزائر التعرف على أسلوب الحياة التقليدي في الريف الياباني، حيث يُستقبل الضيوف بأذرع مفتوحة في بيوتٍ مبنية من الخشب والحجارة الطبيعية، وتكون تفاصيلها معبّرة عن التراث العريق.

من بين التجارب الفريدة التي تشتهر بها اليابان، يُذكر "منزل السين"، وهو بيت قديم تم تجديده بعناية ليجمع بين اللمسات التقليدية والعصرية. يقع هذا المنزل في منطقة هادئة، ويطل على مناظر طبيعية خلابة، ويضم حمامين ساخنين خارجيين يُعرفان بالينابيع الساخنة، وهي مصادر طبيعية للعلاج والاسترخاء. تمنح هذه الينابيع الساخنة الزائر إحساسًا بالراحة والانتعاش، إذ تُستخدم مياهها الطبيعية الدافئة لتدليك الجسم وتخفيف آلام اليوم الطويل.

هناك نموذج آخر رائع هو تجربة "بيت الضيافة الريفية"، الذي تحوَّل من منزل زراعي قديم إلى فندق صغير يقدم إقامة مميزة تجمع بين الراحة والتقاليد.يقدّم هذا البيت للضيوف وجبات متعددة الدورات تُعد باستخدام مكونات محلية طازجة، وتتميز بتركيزها على الأطباق التي تُبرز النكهات الأصيلة للمناطق الريفية. كما يتم تنظيم ورش عمل تعليمية لتعلُّم فنون الطبخ وصناعة الحرف اليدوية التقليدية، مثل صناعة الفخار والخزف، مما يتيح للزائر فرصة التعمق في الثقافة المحلية.

أما تجربة "المنزل الهادئ"، فهي مثال آخر على التجارب المميزة، حيث تحوَّل البيت الزراعي القديم إلى نُزُل فاخر يقدم تجربة سياحية متكاملة. يتيح هذا النُزُل للزائر المشاركة في الأنشطة الزراعية، مثل حصاد المحاصيل والعناية بالحيوانات، كما يُقدم جلسات تعريفية حول الزراعة العضوية وطرق الزراعة المستدامة. وتُضاف إلى ذلك جولات سيرًا على الأقدام لاستكشاف الطبيعة الخلابة المحيطة، وزيارات إلى أسواق القرى، حيث يُمكن التعرف على المنتجات التقليدية والحرف اليدوية المحلية.

وفي تجارب ناجحة أخرى، أظهرت دول أوروبية عدة نماذج تُبرز روح الاستدامة والابتكار في السياحة الزراعية. فقد نجحت النرويج في تحويل المزارع إلى وجهات سياحية تجمع بين الراحة والأنشطة الزراعية التقليدية. وقدمت العديد من المزارع النرويجية إقامة ريفية فاخرة، مع ورش عمل تعليمية حول الزراعة العضوية وإعداد الأطباق المحلية، مما يُعزز دخلا للمزارعين ويسهم في الحفاظ على البيئة.

وفي السويد، ظهر نهج مستدام في تطوير السياحة الزراعية، حيث أتيحت للمسافرين فرصة الإقامة في منازل المزارعين والمشاركة في الأنشطة الزراعية والتراثية. كما تُعقد ورش عمل وحلقات تعليمية تركز على الزراعة المستدامة والحرف اليدوية، مما يسهم في نقل المعرفة والتجارب بين الأجيال.

أما هولندا، فهي من الدول الرائدة في تقديم تجارب السياحة الزراعية، حيث تجمع بين جولات الدراجات بين المزارع، وزيارات للمزارع الحيوانية، وورش عمل لصناعة الجبن والمنتجات الحليبية. يعتمد النموذج الهولندي على استخدام التكنولوجيا الحديثة لتعزيز التواصل بين المزارعين والزوار، مما يضفي بُعدًا عصريًا على التجربة الريفية التقليدية.

وتؤكد التجارب الدولية الناجحة والرائدة في السياحة الزراعية أن هذا النوع من السياحة يُعد فرصة استثمارية واعدة لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة في المناطق الريفية، إذ يُساعد على توفير دخل إضافي للمزارعين، ودعم الصناعات المحلية. فمن خلال إقامة الزوار والمشاركة في الأنشطة الزراعية، يتم خلق فرص عمل جديدة وتحفيز النشاط الاقتصادي في القرى والمناطق النائية. كما تُسهم هذه التجارب في الحفاظ على التراث الثقافي وتعزيز الهوية المحلية من خلال نقل القصص والعادات والتقاليد عبر الأجيال. إضافة إلى ذلك، تُعد السياحة الزراعية وسيلة لتعزيز الوعي البيئي، حيث يتعلم الزائرون أهمية الحفاظ على الطبيعة، وتبنّي أساليب الزراعة المستدامة التي تحافظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة. إن تبنّي هذه النماذج يُشكل استثمارًا واعدًا في مستقبل السياحة المستدامة، مع فتح آفاق جديدة للتنمية الشاملة التي تُثري المجتمعات وتدعم الاقتصاد المحلي.

لقد أثبتت التجارب الدولية أن السياحة الزراعية ليست مجرد نشاط ترفيهي، بل هي استثمار حقيقي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فالدول التي نجحت في تحويل مزارعها إلى وجهات سياحية مزدهرة استطاعت تحقيق فوائد اقتصادية مستدامة، ودعم المجتمعات الريفية. فلماذا لا نستفيد من هذه التجارب، ونوظّف مواردنا الطبيعية ومناخ بلادنا المتنوع لجذب السياح الباحثين عن تجارب أصيلة؟

إن السياحة الزراعية ليست فقط وسيلة لتعزيز الاقتصاد الريفي، بل هي أيضًا فرصة للحفاظ على التراث الثقافي وتعزيز الهوية المحلية، إلى جانب نشر الوعي بأهمية الزراعة المستدامة وحماية البيئة. فمع التخطيط السليم والاستثمار الذكي، يمكن أن يتحول الريف إلى وجهة سياحية نابضة بالحياة، تفتح آفاقًا جديدة للتنمية والازدهار.

مقالات مشابهة

  • الزراعة: إزالة 136 حاله تعد على الأراضي الزراعية خلال فبراير
  • لأن وزير الزراعة من حزب الدعوة..العراق يستورد أكثر من (294) ألف طناً من المحاصيل الزراعية الإيرانية من خلال منفذ واحد فقط
  • وزير الزراعة يطلع على واقع المخابر في كلية الهندسة الزراعية
  • ماهو تحميل المحاصيل الزراعية؟ وأهم الشروط الواجب توافرها؟
  • "معاك في الغيط" تقدم نصائح حول تحميل المحاصيل الزراعية
  • من الريف إلى الينابيع الساخنة: قصة نجاح السياحة الزراعية في اليابان
  • رئيس زراعة الشيوخ يدعو إلى وقف تصدير الخامات المحلية
  • الزراعة تستعرض أنشطة دعم مزارعي المحاصيل الإستراتيجية
  • لتعزيز إنتاجية المحاصيل.. البحوث الزراعية يواصل تقديم التوصيات والإرشادات للمزارعين
  • «الأفلاج».. شريان الاستدامة الزراعية