صحيفة التغيير السودانية:
2025-01-24@14:39:18 GMT

انقلاب النيجر في السياق السوداني

تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT

انقلاب النيجر في السياق السوداني

 

انقلاب النيجر في السياق السوداني

د. فيصل محمد صالح

 

أثار الانقلاب العسكري في النيجر على الرئيس محمد بازوم ردود فعل عالمية وإقليمية ومحلية، وفتح أبواب القلق والشك من جديد في ما إذا كانت أفريقيا قادرة على تخطى نزاعاتها وصراعاتها السياسية للوصول إلى مجتمعات مستقرة ترتضي سيادة دولة القانون والتداول السلمي للسلطة، لتنتبه بعد ذلك لجهود التنمية ومكافحة الفقر والمرض والجهل الذي يضرب كل أركان القارة، وإن كان بدرجات متفاوتة.

كل مؤشرات التنمية البشرية تضع قارة أفريقيا في المؤخرة، وكذلك مؤشرات قياس الاستقرار السياسي واحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان وقبول التعدد الإثني والديني والثقافي. وكلما انتقلت إحدى دول القارة من قيد الشمولية والحكم العسكري لساحة الديمقراطية والانتخابات الحرة، سرعان ما تعيق التوترات القبلية والإثنية والدينية مسيرتها وتعيدها مرة أخرة للدائرة الشريرة بانقلاب عسكري، وبطريقة كربونية متطابقة.

هذه المرة انتقل حزام الانقلابات لوسط وغرب أفريقيا، وشمل السودان (أكتوبر – تشرين الأول 2021)، وتشاد (أبريل – نيسان 2021)، وغينيا (سبتمبر – أيلول 2021)، وبوركينا فاسو (يناير – كانون الثاني وأكتوبر 2022)، ومالي (أغسطس – آب 2020 ومايو – أيار 2021) وأخيراً النيجر (يوليو – تموز 2023)، وتتشابه الأوضاع في معظم هذه البلدان التي كان بعضها قد بدأ مرحلة انتقالية نحو الديمقراطية مثل السودان ومالي، وبعضها أجرى انتخابات ديمقراطية مثل النيجر، لكنها عادت كلها إلى مربع الحكم العسكري الشمولي.

ردود الأفعال العالمية والإقليمية صارت معروفة، فالاتحاد الأفريقي جمد عضوية النيجر، كما يفعل مع كل الانقلابات، ومجموعة غرب أفريقيا (إيكواس) التي تضم 15 دولة أعطت الانقلابيين مهلة زمنية قصيرة وإن لم يستجيبوا فستتدخل عسكرياً، ورغم اعتقاد البعض بصعوبة ذلك، فإن «إيكواس» لديها قوة مشتركة للتدخل ولديها تجارب في الإقليم. وعالمياً رفضته المنظومة الدولية ومؤسساتها، وبالذات الدول الغربية التي تخاف من تزايد النفوذ الروسي في المنطقة الذي ظهر بوضوح في مالي وبوركينا فاسو وأفريقيا الوسطى، وأخيراً في النيجر مصحوباً بعداء شديد تجاه فرنسا والغرب.

ليس في ردود الأفعال هذه غرابة، فهي مبنية بشكل مباشر على خريطة النفوذ والمصالح الواضحة لدول الغرب، وفرنسا تحديداً من جهة، والنفوذ المتزايد لروسيا في المنطقة الذي يشكل تهديداً مباشراً للغرب، لكن الغريب والمدهش هو ردود الأفعال في المنطقة العربية، وفي السودان تحديداً.

اعتبرت بعض الكتابات العربية، بالذات في وسائل التواصل الاجتماعي، أن هذه الانقلابات جزء من حراك تحرري من النفوذ الاستعماري الفرنسي، ولذلك يستحق الترحيب والدعم. بالتأكيد هناك رؤى ومواقف ضد الدول ذات التاريخ الاستعماري في المنطقة، ولهذا يبدو مفهوماً ومقبولاً سعادة البعض بتراجع النفوذ الفرنسي، لكن غير المفهوم تجاهل النفوذ والأيادي الروسية وراء بعض هذه الانقلابات، وبالذات دور مجموعة «فاغنر» العسكرية الداعمة لبعض هذه الأنظمة.

كذلك لا يمكن تجاهل مطامع الجيوش الأفريقية في السلطة التي لم تتوقف منذ بدء نيل الدول الأفريقية استقلالها في الخمسينات. ويستغل عسكر أفريقيا رغبات وأماني الناس في حياة هادئة وآمنة ومستقرة فيقفزوا على السلطة في كل مرة، ويقدموا الوعود المطولة عبر زعامات شعبوية تعرف كيف تخاطب عواطف الناس، ولكن المحصلة في كل مرة مزيد من التدهور ونهب الأموال والفساد واستغلال السلطة، وفي بعض الأحيان إحياء النعرات العنصرية والإثنية والدينية.

لم تخرج بعض ردود الأفعال السودانية عن هذا السياق، واعتبار الانقلابات حراكاً تحررياً من النفوذ الفرنسي ومحاولة لتكرار نموذج توماس سنكارا في بوركينا فاسو، الذي قاد انقلاباً عسكرياً واستولى على السلطة عام 1983 وحكم لمدة 4 سنوات واغتيل في انقلاب عسكري عام 1987، وقدم نفسه باعتباره قائداً ماركسياً ثورياً مؤمناً بفكرة الوحدة الأفريقية.

أما الجانب الأهم الخاص بالسودان فقد كان ربط الانقلاب في النيجر بالحرب الدائرة حالياً في السودان، باعتبار أن الرئيس المعزول محمد بازوم ينتمي للأقلية العربية في النيجر (ما بين 1 في المائة و1.5 في المائة) وله علاقة خاصة بزعيم قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، الذي حضر مراسم تتويجه بالرئاسة. وتربط الكتابات السودانية التي نحت نحو هذا الاتجاه بين الانقلاب وتناقص نفوذ حميدتي، وتم الترويج لسردية دعم من بازوم لحميدتي في هذه الحرب بالمال والأسلحة وفرق عسكرية من جيش النيجر.

ولم تتوقف هذه الكتابات أمام المعلومات التي قالت إن توجه الانقلاب في مصلحة روسيا وضد فرنسا، وبالتالي يمكن من هذا الاتجاه وجود قراءة مغايرة بحكم علاقة «الدعم السريع» بروسيا ومجموعة «فاغنر»، واعتبار أن الانقلاب في مصلحته وليس ضده. كما أن بعض القوى السياسية المدنية تناست شعارات مدنية الدولة وشعار العسكر للثكنات، ولم تدخله ضمن معطيات التحليل، فقد تم تعطيل هذه الجزئية في ما يتعلق بالنيجر، فيما لا تزال شعاراً صالحاً في السودان.

الموقف الطبيعي للقوى الداعية للديمقراطية ومدنية الدولة هو الرفض التام والمنطقي لانقلاب النيجر وكل الانقلابات في أفريقيا، والدفاع عن حق الشعوب في الدخول لتجربة الديمقراطية وممارستها بكل مصاعبها وأخطائها، والتعلم من تجربتها الطويلة مع النظم العسكرية التي لا حفظت أمن وسيادة الدول ولا استطاعت تنميتها وتلبية حاجات الشعوب من صحة وتعليم وسكن ومياه شرب نظيفة واحترام كرامة الإنسان.

نقلاً عن “الشرق الأوسط”

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أفريقيا الدعم السريع السودان النيجر انقلاب

إقرأ أيضاً:

وفد «التنسيقية» يبحث مع سفيرة النيجر سبل التعاون الثنائي

التقى وفد من تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، سفيرة جمهورية النيجر لدى القاهرة ثاني نانا عائشة أنديا، لبحث سبل التعاون الثنائي في مختلف المجالات.

وأعرب وفد التنسيقية، خلال اللقاء، عن عمق العلاقات التاريخية التي تجمع مصر والنيجر، وتمتد لعقود من الزمن، وأشار الوفد إلى حجم التعاون الكبير بين الدولتين على كافة المستويات والمجالات.

ترسيخ العلاقات مع النيجر

وأكد وفد التنسيقية على الأهمية التي توليها مصر لترسيخ العلاقات الثنائية مع النيجر، في إطار بروتوكولات التعاون الاستراتيجية بين البلدين في المجالات المختلفة، وأشار الوفد إلى أهمية هذه الزيارة كخطوة نحو تعزيز التعاون مع دول القارة الأفريقية.

من جانبها، رحّبت السفيرة بوفد التنسيقية، مشيدة بدور التنسيقية في دعم الشباب وتعزيز المشاركة السياسية، مؤكدة على أهمية ومحورية التعاون بين مصر والنيجر في كافة المجالات، وضرورة توطيد العلاقات في المستقبل.

دور الأزهر في نشر تعاليم الإسلام ومكافحة التطرف في أفريقيا

كما تناول الجانبان دور الأزهر الشريف في نشر تعاليم وعلوم الإسلام ومكافحة الأفكار المتطرفة في مختلف بلدان أفريقيا، وفي هذا السياق عبَّرت السفيرة عن امتنان بلادها الشديد لدور الأزهر في النيجر ولما لبعثة الأزهر من أئمة ودعاة من دور بالغ الأهمية في نشر علوم الدين وتعاليمه الصحيحة.

ضمّ وفد تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين كلا من النائب طارق الخولي، وكيل لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، والنائب محمد السباعي عضو مجلس الشيوخ، ومحمد هندي، ومحمد طه أعضاء التنسيقية.

مقالات مشابهة

  • صحيفة عبرية: النفوذ القطري في الشرق الأوسط يقلق إسرائيل
  • الشامسي يبحث التعاون مع قائد القوات الجوية في النيجر
  • شاهد بالفيديو.. ناشط مصري: السودان نصفنا الثاني وما فعله الجيش السوداني معجزة يجب أن ندرسها لأطفالنا في المدارس والجمهور يشيد: (شكراً يابن النيل يا محترم)
  • الجيش السوداني: قوات الدعم السريع أحرقت مصفاة الخرطوم
  • جورجيا بين الحلم الأوروبي وكابوس النفوذ الروسي
  • هل أشعلت الحرب عقول الشباب السوداني؟
  • وفد «التنسيقية» يبحث مع سفيرة النيجر سبل التعاون الثنائي
  • «الجيش السوداني» يحبط هجوما للدعم السريع بالمسيرات على محطات الكهرباء
  • صحف ومواقع عالمية تركز على السياق الزمني لهجوم إسرائيل على جنين
  • 5 أسباب.. سر الانقلاب الجماهيري ضد إدارات الأهلي والزمالك