مئوية ثورة 1924.. أيقونة في مهب الرياح
تاريخ النشر: 30th, June 2024 GMT
مئوية ثورة 1924.. أيقونة في مهب الرياح
“كانت ثمرة صراع حول من له التعبير عن إرادة الأمة السودانية وقيادتها ضد الاستعمار الإنجليزي والمصري الثنائي على البلاد”
عبد الله علي إبراهيم
ملخص
جاء العيب لثورة 1924 أخيراً من باب أنها حجر الزاوية الـتأسيسي لحصر هوية السودان على العروبة والإسلام لتنطبع بهما دولته المستقلة في عام 1956، مستبعدة هويات أقوامها الآخرين.
مرت منذ الـ19 من يونيو (حزيران) الجاري الذكرى المئوية لثورة 1924 ضد الاستعمار الإنجليزي في السودان. وصارت فيناً أيقونة وطنية ساهرة. ولكن تمر مئويتها تحت نار حرب يحاكم فيها طرف “قوات الدعم السريع” دولة 1956 التي غرست بذرتها هذه الثورة كباكورة نضال الحركة الوطنية الحديثة لأجل الاستقلال. وسبق لصفوة الحركة الشعبية لتحرير السودان أن رأت منذ التسعينيات عواراً في ثورة 1924 أخرجت به أثقالاً عرقية بها حيال أفارقة السودان.
التعبير عن إرادة الأمة
كانت الثورة ثمرة صراع حول من له التعبير عن إرادة الأمة السودانية وقيادتها ضد الاستعمار الإنجليزي والمصري الثنائي على البلاد. فتنازع فريقان تلك المنزلة وهما قوى الأعيان من زعماء الطوائف الصوفية والقبائل وبيوت المراتب التقليدية عامة، وقوى “الأفندية” التي خرجت من معطف الاستعمار الذي غلب فيه الإنجليز، فحصلت على الوظائف الدنيا في جهاز الدولة من كتبة ومحاسبين ومترجمين ومساحين ومعلمين من خريجي كلية غردون (1902). وكان ميل الأعيان لإنجلترا، أرادوها وصياً يأخذ بالبلد حتى تبلغ الحكم الذاتي مستقبلاً، في حين مال الأفندية إلى مصر. وقوى عزائم الأفندية السياسية نجاحهم في تكوين تنظيم سياسي علني هو “اللواء الأبيض” في 1924 ليحمل رأيهم في مالآت بلادهم.
عقيدة الأفندية
وكانت عقيدة الأفندية هؤلاء ليس أن الأعيان طبقة متخلفة عن الحداثة التي شوقتهم لها المعارف الجديدة في المدارس، التي زودتهم باللغة الإنجليزية للاطلاع على مجريات العالم فحسب، بل إنهم أيضاً استذلوا للإنجليز بخلاف عنهم “وفي صحائفنا ما في صحائف من باعوا ضمائرهم للغاصب النهم”. أما الأعيان فاستنكروا من الأفندية طلب قيادة الأمة وهم على ما فيهم من ضعة في الأصل والفصل، فما عرف عنهم الصدارة في القوم دينياً ولا قبلياً.
وخرجت أول تظاهرة للثورة في الـ17 من يونيو 1924، إثر قرار القوتين المستعمرتين المتشاكستين التفاوض في ما بينهما حول وضع السودان. فهرع كل من الأعيان والأفندية لجمع التوقيعات من السودانيين لتعزيز وضع المفاوض الذي يحظى بتأييده. وحدث أن ألقت الإدارة الاستعمارية القبض على مندوب “اللواء الأبيض” الذي حمل توقيعات تعزيز الجانب المصري في المفاوضات قبل بلوغه مصر. وأعادوه للسودان ليعد “اللواء الأبيض” تظاهرة محدودة لاستقباله في محطة السكة الحديد بالخرطوم. وقامت التظاهرة على رغم غياب المندوب لأن الإنجليز أنزلوه في محطة الخرطوم بحري، ثم أعقبتها تظاهرة أخرى أكبر في الـ19 من يونيو في تشييع مأمور مدينة أم درمان المصري عبدالخالق حسن، دعا فيها الخطيب الحاج الشيخ عمر الطالب بمعهد أم درمان العلمي إلى إطاحة الإنجليز والوحدة بين مصر والسودان.
تعلق الثورة بمصر
كان تعلق الثورة بمصر بالغاً فحمل أنصارها في تظاهراتهم علم “اللواء الأبيض” وعليه رسم نهر النيل من منبعه إلى مصبه والعلم المصري على جانب منه. بل حمل ثوارها العلم المصري نفسه في تظاهرات تلت التظاهرة الأولى حين اشتد نكير الإنجليز عليهم. وكانوا يهتفون باسم الخديوي فؤاد ملكاً على مصر والسودان وبحياة سعد زغلول.
ولم تقتصر التظاهرات على الخرطوم، فعمت البلاد حتى اضطر الإنجليز لاستدعاء فرق إضافية للمعاونة في حفظ الأمن الذي فلت. وما عمم التظاهرات في أنحاء القطر شمالاً وجنوباً أمران، هما خلايا “اللواء الأبيض في نواحيه وفرق الجيش المصري المبثوثة فيها. فخرجت التظاهرات في بحر أغسطس (آب) وشملت بلدات من الصعب القول إنها شاركت حتى في ثورات السودان المتأخرة. فتظاهرت بورتسودان، وشندي والأبيض وحلفا وأم روابة ودنقلا وأبودليق وأبو حمد وأرقو وكبوشية ودلقو والدامر والفاشر وبارا والدلنج وتلودي وأم روابة وشركيلا وسنجة والكاملين والحصاحيصا والدويم والقطينة وكوستي وواو والرنك وشامبي وكدوك وملكال. وغالباً ما كانت هذه التظاهرات لغرض استقبال معتقل من قادة الحركة مر بواحدة من هذه المدن.
واتخذت التظاهرات صورة عسكرية مرتين، فتظاهر طلاب الكلية الحربية بالزي التشريفي للجيش، ولكنهم مسلحون إذا طرأ ظرف. وحملوا صورة الملك فؤاد والعلم المصري. وساروا حتى دار علي عبداللطيف الضابط السابق وزعيم الحركة المعتقل ليحيوا العازة، زوجته. وانتهوا معتقلين في باخرة على النيل.
أما الصورة العسكرية الأكثر عنفاً وتضريجاً فكانت بعد اغتيال السير لي استاك، الحاكم العام الإنجليزي للسودان في القاهرة في عام 1924. فقررت الحكومة الإنجليزية تفكيك الوجود العسكري لمصر في السودان. ولم تقبل الفرق السودانية في الجيش المصري ذلك القرار. ففي الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) تمردت الفرقة 11 بقيادة ستة ضباط و120 جندياً وطلبت أن تغادر مع فرق الجيش المصري يداً بيد. وبالفعل تحركت تلك الفرقة إلى الخرطوم بحري لتنضم إلى الجيش المصري هناك لترحل معه. وخاطبهم هيوبرت هدلستون الحاكم بالإنابة فرفضوا السماع له وطلبوا أن يخاطبهم ضابط مصري. ونشبت معركة بينهم وبين الجيش الإنجليزي خلدتها الوطنية والشعر السودانيين، لضروب البطولة التي أظهروها في الدفاع عن أنفسهم.
تأسيس هوية السودان
وجاء العيب لثورة 1924 أخيراً من باب أنها حجر الزاوية الـتأسيسي لحصر هوية السودان على العروبة والإسلام لتنطبع بهما دولته المستقلة في عام 1956، مستبعدة هويات أقوامها الآخرين. فكانت مهمة التحرير الوطني وقعت على جيل الثورة والجيل الذي تلاه من صفوة الشمال النيلي والأوسط العرب المسلم، في حين تغيبت عنها صفوات الأقوام الأخرى لأسباب مختلفة. وأعظم تلك الأسباب هو الإدارة الإنجليزية التي اقتطعت جنوب السودان وجبال النوبة ومنطقة النيل الأزرق وجزء من دارفور عن شمال السودان، في ما عرف بـ”المناطق المقفولة” (1922) و”السياسة الجنوبية” (1930). ورتب الإنجليز لتلك المناطق خطة للحكم مستمدة من تقاليدها وعقائدها في سلسلة وحدات عرقية قبلية، وإن لم يمنع ذلك من إيكال التعليم فيها للتبشير المسيحي. ولم يرجع الإنجليز عن هذه السياسات إلا في عام 1946 أي قبل عقد من استقلال السودان. وحاربت الحركة الوطنية في المركز تلك السياسات لأنها قطعت أواصر الوطن لحجب التأثيرات الإسلامية والعربية التي تقع بالخلطة بين الناس في الوطن.
وكانت حصيلة تلك الجغرافيا السياسية الاستعمارية أن استقلت صفوة المتعلمين الشماليين بـ”تخيل الأمة”، في مفهوم الأكاديمي بنيدكت أندرسون، في غياب كامل تقريباً لممثلين من الجماعات السودانية الأخرى، فخلا لهم الجو ليتخيلوا الأمة من “قماش هويتهم الإسلامية العربية”، في قول لإحدى المؤرخات، ولتصادر هويات مختلفة لآخرين شركاء في الوطن. فحتى غير العربي المسلم في تلك الصفوة مثل النوبي خليل فرح، حادي ثورة 1924، لم يجد كدراً من النسبة للعرب:
أبناء يعرب حيث مجد ربيعة وبنو الجزيرة حيث بيت إياد
متشابهون لدى العراك كأنما نبتت رماحهم مع الأجساد
ووجدت تلك الصفوة في مجد إسلامهم التليد العزاء لهوانهم تحت الاستعمار:
فيا نعم عيش بالشآم وأمرة ببغداد حيتها السعود البواسم
وكائن ترى بالنيل من متملك وبالسند مندوب الخلافة حاكم
وقد نبغت يوماً بأندلس لنا شؤون أبانت للفرنجة ما همو
وبدت هذه الهوية العربية الإسلامية لمن جاؤوا لحقل العمل العام من قوميات المناطق المقفولة بآخرة وكأنها مؤامرة حبكت من وراء ظهورهم. ولكن الخطأ بالحق ليس في منشأ الهوية العربية الإسلامية أول مرة في مثل ثورة 1924، بل في لؤم التمسك بها، بعد من جاء يعرض هويته المختلفة ويطلب أن تزين قوس قزح الوطن مثل غيرها.
أما باب عيب ثورة 1924 الثاني فجاء من العناصر الشمالية في الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة العقيد جون قرنق. فدخلوا عليها مدخلاً عرقياً أخذها من حقيقتها كحركة وطنية ضد الاستعمار إلى كونها معرضاً آخر لعرقية الشماليين العربية وحزازتهم على أفارقة السودان. فانتخبوا من كل الحركة رمزها القائد علي عبداللطيف وعمدوه ممثلاً للجنوب، الذي لم يره إلا بوصفه ضابطاً في الجيش المصري، لأنه منه أصلاً غير أن الرق نزع أهله للشمال. وركزت هذه الصفوة الشمالية في الحركة الشعبية على المتاعب التي لقيها في قيادته للحركة الوطنية للأفندية. ووجدوا نصاً في صحيفة “حضارة السودان”، التي كانت لسان حال الأعيان، هاجم حركة 1924 وجاء فيه:
“البلاد أهينت لما تظاهر أصغر وأوضع رجالها دون أن يكون لهم “مركز” في المجتمع، وأن الزوبعة التي أثارها الدهماء قد أزعجت طبقة التجار ورجال المال، وأنها لأمة وضيعة تلك التي يقودها أمثال علي عبداللطيف، وذلك أن الشعب ينقسم إلى قبائل وبطون وعشائر ولكل منها رئيس أو زعيم أو شيخ وهؤلاء هم أصحاب الحق في الحديث عن البلاد، فمن هو علي عبداللطيف الذي أصبح مشهوراً حديثاً وإلى أي قبيلة ينتسب؟”.
وضيقت هذه الصفوة واسع النص حين لم توطنه في صراع الأعيان والأفندية حول القيادة ولمن هي في الأمة. فصبت الهجاء الذي جاء فيه في كلياته على عبداللطيف بقرينة السؤال عمن هو وإلى “أي قبيلة ينتسب؟” وقالوا إن ذلك، وهو بيت القصيد، ما عاناه العقيد جون قرنق الجنوبي حين سأل بعض الناس لماذا نتبعه في دعواه لقيام “السودان الجديد”. وحملت ذلك محمل العرقية مثل التي عاناها علي عبداللطيف.
ومهما كان من أمر قرنق فنص صحيفة الحضارة أكثر خطراً من مطاعنة علي عبداللطيف عرقياً. فكان في جوهره رأياً ثقيلاً في ثورة 1924 جمعاء. فبدأ بالتعريض بـ”الدهماء” الوضيعة التي تظاهرت بما أزعج طبقة التجار ورجال المال تريد مركزاً في البلاد ليست أهلاً له. وهم، في نظر الأعيان، الأفندية الذين خرجوا ينازعونهم القيادة الوطنية التي ورثوها كابراً عن كابر، ثم طعن النص في عرق علي عبداللطيف واستحقاقه القيادة كما لا مهرب لمن يريد أن يزري بالثورة جملة واحدة ومن نقطة ضعف اتفقت للكاتب وجماعته.
ويسأل المرء لماذا قصرت صفوة “الحركة الشعبية” مشاركة الجنوب على رمزها علي عبداللطيف الذي زعمت أن له منزلة في الجنوب لم تطرأ له. بينما مساهمة الجنوب في الثورة متاحة لو لا بد لمن أراد تحريها. فخرجت في الثورة مدن جنوبية كما تقدم، بمبادرة ضباط سودانيين في الجيش المصري، فسعت خلية للواء الأبيض بقيادة الضابط فرج الله إبراهيم في مدينة واو ببحر الغزال لجمع توقيعات سلاطين في الإقليم لتسند مصر في التفاوض مع الإنجليز. وكان نفس الضابط من وراء التظاهرة في ملكال بعد نقله إليها. وخرجت أيضاً كتيبة سودانية في الجيش المصري في استعراض رفعت فيه صورة الخديوي فؤاد.
وصح السؤال أيضاً عن لماذا قصرت صفوة الحركة الشعبية مساهمة الجنوب في الحركة الوطنية على دور علي عبداللطيف في ثورة 1924. فكانت للجنوبيين بحق مساهمة فيها خرج المؤرخ لجنوب السودان لازاروس ماووت (1950-2009) لبيانها في كتابه “مقاومة الدينكا للحكم الثنائي” (1983). وماووت واع بأنه قادم إلى كتابة تاريخ للحركة الوطنية السودانية في إقليم قل من أخذ دوره فيها مأخذاً جدياً. فحتى أكثر الجنوبيين الذين عانوا من حكومة المركز في الخرطوم تواضعوا على أن سياسة المناطق المقفولة الإنجليزية كانت رحمة بهم لأنها حمتهم من “استعمار” الشمال. وخلافاً لهؤلاء يعتقد لازاروس أن الاستعمار كان واقعة صادمت الوطنية الجنوبية فاستنهضت هممها للمقاومة. وعرض لضروب المقاومة التي شنها شعب الدينكا ضد الاستعمار الإنجليزي في الأعوام ما بين 1902 و1934.
وخلافاً لمن طابقوا بين علي عبداللطيف وقرنق للتعريض بالعرقية في ثورة 1924 سأل الصحافي ضياء الدين البلال صفوة الشمال في الحركة إن كانت رمزية علي عبداللطيف في الثورة خيار الجنوبيين أم خيارهم هم. فإن كان خيارهم هم لا الجنوبيين، فلربما لأنهم استصعبوا هم أنفسهم قبول قيادة جنوبية مثل قرنق عليهم بغير مسوغ من التاريخ.
يقال إن العقل أولى ضحايا الحرب. وصح القول أيضاً إن ضحيتها الأبرز هو التاريخ. بل هو الضحية الأولى التي تسبق الحرب نفسها. فرأينا كيف جرجرنا واقعة بنت زمانها ومكانها في الماضي إلى صراعات عاقبة لها أفرغتها من دلالتها في زمانها. ولا يعرف المرء إن كانت هذه الجرجرة، على عواهنها، أعانت قاموا بها على فهم حاضرهم.
نقلا عن “اندبندنت عربية”
الوسوماللواء الأبيض ثورة 1924 جون قرنق علي عبداللطيف مصرالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: اللواء الأبيض ثورة 1924 جون قرنق علي عبداللطيف مصر فی الجیش المصری الحرکة الشعبیة اللواء الأبیض علی عبداللطیف فی ثورة 1924 فی الحرکة فی عام
إقرأ أيضاً:
وزير الصناعة المصري: تعميق الاستثمار الصناعي بين مصر والسودان يحقق منافع متبادلة
رحب الفريق كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل المصري، بالمشاركين في فعاليات الملتقى المصري السوداني الأول لرجال الأعمال، من دولة السودان الشقيقة، باعتبارهم أخوة على أرض مصر، حيث نقل الوزير تقدير ومودة ومساندة الشعب المصري للأشقاء السودانيين، الذي طالما يعتز بانتمائه لأمته العربية وبالأواصر الوثيقة التي تربط شعبي مصر والسودان.
وألقى «الوزير» كلمته بحضور عمر بانفير، وزير التجارة والتموين السوداني، ومحاسن يعقوب، وزير الصناعة السوداني، والمهندس أبوبكر أبوالقاسم عبدالله، وزير النقل السوداني، والدكتور محيي الدين نعيم وزير الطاقة والنفط السوداني، والدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية المصري، والفريق أول عماد الدين مصطفى عدوي، سفير السودان بالقاهرة.
وفي مستهل كلمته نقل نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل للحضور تحيات الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية وتمنياته بأن تكلل أعمال هذا الملتقى بالتوفيق والنجاح.
وأعرب الوزير عن سروره بالمشاركة ورعاية الملتقى كونه يهدف إلى تعزيز أطر التعاون الراسخ بين مصر والسودان الشقيق في كافة المجالات وتعظيم الاستفادة من إمكانيات البلدين وتعزيز مستويات التبادل التجاري لصالح شعبينا الشقيقين، والتحدث بصوت مسموع لخلق أطر جديدة لامتصاص تداعيات الحروب التي أثرت على الاقتصاد وآلياته وأدت إلى توقف عجلة الإنتاج ومحاولة إيجاد حلول ملموسة لها، حيث إن التعاون الدولي هو المفتاح الرئيسي لمواجهة هذه التحديات، ويجب علينا العمل معًا لضمان مستقبل أفضل للجميع.
وأكد الوزير أن مصر تدرك تمامًا أهمية دورها في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والتنمية في المنطقة، وتسعى دائمًا إلى توحيد الجهود مع شركائها وأشقائها لتحقيق هذا الهدف، مشيرا إلى أن مصر كانت ولا تزال وستظل السند والداعم الحقيقي لكل الدول العربية الشقيقة بتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، ودعمه للأشقاء في كل الدول العربية بعد تعرضهم للصراعات المستمرة، بما يؤكد صلابة الدور الذي تقوم به مصر إقليميًا.
وتابع أن الوحدة الوطنية بين الدول الشقيقة تجعلنا قادرين على تخطى جميع التحديات وعبور الأزمات التي يمر بها العالم أجمع، فمصر لها دور رئيسي ضمن جهود السلام بالمنطقة، وستظل تسعى لتعزيز دورها على الساحة الدولية، من خلال المساعدة في تقديم الدعم اللازم لأشقائها، باعتبارها الشقيقة الكبرى لكل العرب، وشعورها الدائم بالمسؤولية تجاههم، لذلك لابد أن تكون دائمًا أول من يقدم يد العون والدعم للأشقاء.
وأوضح الوزير أن بناء الاستقرار الإقليمي ومواصلة العمل من أجله يعد من إحدى أولويات الحكومة المصرية وعلى رأس أجندتها، المرحلة المقبلة، وبالتالي سيتم مواصلة تقديم الدعم للأشقاء في السودان والعمل على عودة الاستقرار إلى أرضه ونمو اقتصادها في المستقبل القريب، كما أن التحديات الكبيرة التي تواجه مصر والسودان تتطلب توحيد الجهود بين البلدين لما يربطهما من علاقات تاريخية وصلات دم ومصاهرة وتاريخ ومصير مشترك، فالسودان بوابة مصر الجنوبية وتربط الشعبين علاقات راسخة بالإضافة إلى نهر النيل باعتباره شريان الحياة، فضلا عن توافر شبكات النقل بين مصر والسودان، حيث ترتبط مصر مع السودان من خلال ثلاثة محاور للنقل البري؛ المحور الأول غرب النيل توشكي- أرقين بطول 100 كم، والمحور الثاني شرق النيل قسطل- وادي حلفا بطول 35 كم، والمحور الثالث على ساحل البحر الأحمر الممتد من حلايب وحتى بورسودان بطول 280 كم.
وتابع: «كما تم التخطيط لإنشاء محطة سكك حديدية تبادلية عند أبوسمبل لتبادل الخدمة بين الخط الأول للقطار الكهربائي السريع عند أبوسمبل وخط سكة حديد جديد مخطط إنشاؤه من أبوسمبل حتى وادي حلفا، بالإضافة إلى وجود 3 موانئ برية على الحدود المصرية السودانية، وهي (قسطل- أرقين- رأس حدربة)، ومخطط إنشاء مناطق لوجستية في قسطل وأرقين لخدمة حركة التجارة بين البلدين فضلًا عن الطريق الملاحي (أسوان- وادي حلفا) عبر بحيرة ناصر، حيث تقوم وزارة النقل المصرية حالياً بإنشاء رصيف نهري جديد بميناء وادي حلفا في السودان».
ولفت الوزير إلى أنه إيماناً بعمق العلاقات المصرية السودانية التي تعد امتداداً للتعاون العربي ودليلاً على الصداقة والتعاون المشترك في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية، خاصة في ظل الظروف الدولية والإقليمية الاستثنائية التي فرضت نفسها على الاقتصاد العالمي وتداعياتها غير المسبوقة على اقتصاديات المنطقة العربية والتي نتج عنها ارتفاع معدلات التضخم، فإن التعاون العربي أصبح أمراً حتمياً خاصة في ظل تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي وتراجع معدلات الإنتاج وتدفقات الاستثمار وعدم استقرار سلاسل التوريد العالمية.
وأشار إلى أهمية تعميق الاستثمار الصناعي بين مصر والسودان، لما فيه من تحقيق منافع متبادلة، وإيجاد فرص عمل، وتوفير المعدات والآلات وتعميق المكون التقني للصناعة، وتحفيز التنمية الاقتصادية من خلال زيادة القدرات الإنتاجية وتعزيز مكاسب الابتكار والإنتاجية وإتاحة منتجات أكثر تنافسية في الأسواق المصرية والعربية والأفريقية.
وأكد الوزير أن هذا الملتقى سيشكل نواة لشراكة في التكامل الصناعي فيما بيننا بما يتيح قدرة أكبر على التكامل الإقليمي، فيمكن للجانبين من خلال التعاون المشترك الاستفادة من مواطن القوة في كلٍ منهما وإتاحة الموارد اللازمة لذلك، والتصدي للتحديات المشتركة، بما ينعكس على حجم التبادل التجاري بين البلدين، وعلى حجم المشروعات المشتركة.
ولفت إلى أن إمكانيات التعاون غير المستغلة بين مصر والسودان لا تزال كبيرة، وهناك فرص كثيرة لزيادة هذا التعاون في مختلف المجالات الاستثمارية والتجارية، إذ يستند السعي لدفع وتنمية العلاقات الاقتصادية فيما بيننا يستند إلى قاعدة راسخة من الشراكات الاقتصادية الناجحة والمتميزة بين البلدين.
وأضاف أن مصر تتطلع إلى زيادة توجه الشركات السودانية للاستثمار والعمل في مصر للاستفادة من المناخ الجاذب للاستثمار، ومن منظومة الحوافز المميزة التي تطرحها الحكومة المصرية أمام المستثمرين في مختلف القطاعات الإنتاجية والخدمية، فضلاً عما يتيحه ذلك من فرص الاستفادة من مزايا اتفاقات التجارة الحرة الموقعة بين مصر ودول العالم وتجمعاتها الاقتصادية الإقليمية المختلفة، التي تتيح في المجمل سوقاً واعدة.
واكد الوزير أن مناخ الاستثمار في مصر شهد العديد من الإصلاحات المؤسسية بهدف تيسير الإجراءات على المستثمرين، مما أسهم في تحقيق نتائج إيجابية في مجال تأسيس الشركات من حيث الوقت والتكلفة وإجراءات بدء النشاط، فضلاً عن إتاحة العديد من الفرص الاستثمارية الضخمة في القطاعين العام والخاص من خلال المشروعات القائمة والمستهدفة في مختلف المجالات الرابحة.
وأشار إلى أن قطاع النقل -لارتباطه الوثيق بالاستثمار- يعد محوراً أساسياً لتحقيق الترابط الاقتصادي بين القطاعات المختلفة ومن أهم الركائز لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وأنه في حال عدم توفر بنية تحتية قوية يصعب تحقيق هذا الترابط.
واشار الوزير إلى أنه في إطار توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية بتحويل مصر إلى مركز إقليمي للنقل واللوجستيات وتجارة الترانزيت قامت وزارة النقل بدورها من خلال تنفيذ عدة أهداف استراتيجية في عدة محاور منها، تخطيط وتنفيذ ممرات لوجستية دولية تنموية متكاملة لربط مناطق الإنتاج الصناعي والزراعي والتعديني والخدمي بالموانئ البحرية بوسائل نقل سريعة وآمنة مرورا بالموانئ الجافة والمناطق اللوجستية، بالإضافة لتنفيذ مخطط شامل لإنشاء 32 ميناء جاف ومنطقة لوجستية على مستوى الجمهورية، لتحقيق الربط البري بين الموانئ البحرية والموانئ الجافة والمناطق اللوجستية.
وقال الوزير إن هذا الملتقى يأتي في توقيت هام لما تحققه السودان الجديدة من تقدم ملموس في مجال الإصلاح الاقتصادي الجاذب للاستثمار للشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجالات ومشروعات محددة كأولوية، في ظل رؤية واضحة المعالم للمستقبل في مجالات الزراعة والأمن الغذائي، كما في غيرها من القطاعات الواعدة مثل الطاقة والبنية التحتية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتعدين.
كما تعد السودان أرضاً خصبة للفرص الاستثمارية والزراعية المستدامة لما تمتلكه من رؤى جديدة لدى الحكومة والقطاع الخاص السوداني، ومن إمكانات وموارد ضخمة من الأراضي والموارد والمساحات الشاسعة، وتتمتع السودان بموقع جغرافي مميز يتوسط العالم العربي وإفريقيا ويطل على البحر الأحمر، وما يعنيه ذلك من مجالات رحبة للاستثمارات اللوجستية المرتبطة به، وهو ما جعل أنظار المستثمرين في العالم تتجه نحو السودان لاستكشاف الفرص الاستثمارية المتاحة، لما تمتلكه من مقومات وموارد في مجالات عدة في طليعتها قطاعات الزراعة والصناعات الغذائية، خاصة بعد إزالة العقبات التي كانت تقف حجر عثرة أمام الاستثمار بالإضافة إلى تحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي وزيادة الصادرات واستعادة تدفق التحويلات والاستثمارات الخارجية.
وأكد نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل أن التعاون والعمل المشترك هما السبيلين الوحيدين لتجاوز الأزمات واستغلال ما تتيحه من فرص ومنح، وإيجاد مناخ من التواصل الدائم مع الأشقاء في دولة السودان والذي من شأنه الوصول إلى صيغ مشتركة بين البلدين تدفع بالتطوير الدائم للعلاقات على كافة الأصعدة والمستويات وبالأخص العلاقات التجارية والاستثمارية.
وأعرب الوزير عن تفاؤله الكبير بالمستقبل، مؤكداً أهمية استمرار الحوار والتعاون بين الدول والمؤسسات المختلفة للتغلب على التحديات الراهنة، موجهاً الشكر لمنظمي الملتقى وجميع المشاركين فيه على جهودهم البناءة والمثمرة في تحقيق أهدافه، باعتباره منصة هامة لرجال الأعمال والمستثمرين في كلا البلدين للالتقاء ومناقشة الفرص المتاحة وتبادل الخبرات والمعلومات حول المشاريع المشتركة.
المصري اليوم