حربٌ في لبنان وأسئلة حول سعة نيرانها
تاريخ النشر: 30th, June 2024 GMT
تتواصل منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023 الحرب بين حزب الله وإسرائيل على حدود لبنان الجنوبية، بموازاة حرب الإبادة الجماعية التي تخوضها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة.
وتتراوح العمليات الحربية بين القصف الصاروخي والغارات الجوية وإطلاق المسيّرات وعمليات الاغتيال. وهي أدّت لغاية 21 حزيران/يونيو 2024 (بحسب «داتا مشروع الصراعات المسلّحة وأحداثها» الذي نشرت «الجزيرة» بياناته بالإنكليزية) إلى مقتل 543 شخصاً على الجانب اللبناني (بينهم حوالي 400 عضو ومسؤول في حزب الله) في 6142 هجمة إسرائيلية، و21 شخصاً على الجانب الإسرائيلي (معظمهم من الجنود) في 1258 هجمة شنّها حزب الله.
وتخطّت الصواريخ والغارات حدود لبنان ووصلت إلى سوريا، حيث أغارت إسرائيل على مواقع لحزب الله وخطوط إمداده هناك، في حين استخدم الحزب منصّاته القريبة من الجولان المحتل ليردّ منها على الإسرائيليين.
حزب الله وإيران وإسرائيل وأمريكا وحساباتها
بهذا المعنى، فإن الحرب التي يتساءل الجميع عن موعد «وقوعها» وقعت فعلاً وتتواصل منذ أشهر طويلة، ولَو أنها ما زالت بشكل أساسي محصورة جغرافياً وتقوم على تبادل نيران من دون محاولات تقدّم أو تبديل مواقع أو تغيير معادلات.
ورغم التهديدات الإسرائيلية الدورية بتوسيعها وباجتياح لبنان و«إعادته إلى العصر الحجري» (على ما يردّد المسؤولون الإسرائيليون)، إلا أن الأمور لم تخرج بعدُ عن الإطار المذكور وعن تركيز القصف على منطقة جنوب نهر الليطاني من ناحية، وإصبع الجليل والجليل الأعلى من ناحية ثانية، مع عمليات تتخطّى كل فترة الحيّزين المذكورين من باب السعي إلى تثبيت الردع أو استعادة المبادرة أو تبادل الرسائل النارية.
ذلك أن الحزب الشيعي اللبناني الذي بدأ الحرب بدعم إيراني (وبمعزل عمّا تبقّى من الدولة اللبنانية) وفق معادلة مفادها الاشتباك الصاروخي المضبوط والمحدود مؤازرةً لحركة حماس، أعلن منذ البداية أنه لن يوقفها ولن يغيّر قواعد الاشتباك فيها قبل نهاية الهجوم الإسرائيلي على غزة. وهو بالتالي وضع نفسه في موقع الاستمرار في تبادل النيران من دون الدفع نحو تصعيد يُفضي إلى مواجهات عنيفة ومفتوحة، إذ لا مصلحة له ولا لطهران في ذلك، في وقت لم تنقطع فيه المفاوضات المباشرة وغير المباشرة بين الإيرانيين والأمريكيين حول العقوبات والبرنامج النووي.
وإسرائيل التي اعتمدت الردّ بالقصف العنيف على مواقع حزب الله وعلى المدنيين الجنوبيين، خارقة بين الحين والآخر قواعد الاشتباك لجهة عمق نيرانه، لجأت في الوقت نفسه إلى عمليات اغتيال لأعضاء ومسؤولين في الحزب بهدف إضعافه تنظيمياً وميدانياً. وبدا ذلك لفترة كافياً لها ومستنزِفاً لعدوّها.
وأمريكا التي راقبت وتراقب كلّ ما يجري، ظهرت «حريصة» على استمراره ضمن معادلته القائمة إلى حين الاتفاق على وقف إطلاق نار يسري على غزة وعلى الجنوب اللبناني. وهي إذ نقلت أكثر من مرّة تهديدات إسرائيل إلى بيروت، عمدت أيضاً إلى القول بإمكانية التوصّل إلى حلّ سياسي يتخطّى الظرف الراهن وتعقيداته ويعمد إلى ترسيم حدود برّية (على طريقة الترسيم البحري) بين لبنان وإسرائيل وإعادة تفعيل قرار الأمم المتّحدة 1701 وما يتطلّبه الأمر من إجراءات على جانبي الحدود.
مآزق المراوحة ومخاطرها
لكنّ عامل الوقت والتطوّرات العسكرية منذ نيسان/أبريل 2024 بدأت تزعزع الصيغ والحسابات المشار إليها.
فحزب الله الذي أصيب بخسائر كبيرة في الأشهر الأولى من الحرب رفع منذ مدّة مستوى أدائه العسكري، واستخدم أسلحة جديدة أكثر تطوّراً، وبعث برسائل إلى الداخل الإسرائيلي من خلال عرضه صوراً دقيقة لأهداف محتملة لصواريخه. كما هدّد أمينه العام قبرص إن سمحت لتل أبيب باستخدام موانئها ومطاراتها في أي هجوم على لبنان. وأراد بذلك إظهار مقدرته على إلحاق الأذية بالعمق الإسرائيلي وتخطّي كل الخطوط الحمر وتعميم الضرر (بما يطال قبرص الأوروبية) إن شنّ الإسرائيليون هجوماً واسعاً.
وإسرائيل التي لم تنجح في إنهاء القتال في غزة رغم كل التدمير والقتل، والتي تعاني حكومتها ضغوطاً لوقف النار وتحرير الأسرى والرهائن بصفقة تبادل، تعاني من ضغوط إضافية من قبل المهجّرين من الشمال. وهي إذ تبدو غير قادرة بعدُ على تنفيذ تهديداتها ضدّ لبنان لجملة اعتبارات بعضها مرتبط بمحدودية طاقتها النيرانية من دون تذخير أمريكي متواصل وإفراج عن الشحنات المجمّدة مؤقتاً من قبل واشنطن، وبعضها على صلة بالخشية من حجم الأضرار المحتملة في بناها التحتية (لا سيما في حيفا ومنطقتها) وفي عدد من المواقع الحيوية في الشمال والوسط إن استهدفها حزب الله، إلا أنها مضطرة لتغيير تعاملها مع الوضع على حدودها حيث لم تنجح لا بالقصف ولا بالتهديد في فرض وقف النار ودفع الحزب الشيعي للانسحاب من خطوط انتشاره.
أما أمريكا، فكلّما اقترب سباقها الرئاسي من المفاصل الحاسمة، كلّما ازداد تخوّف إدارتها من انفجار الأوضاع على نحو يضعف قدرتها على التأثير وعلى اللجم، ويدفع إيران لتحريك قوى جديدة (ميليشيات عراقية) أو لمدّ قوى منخرطة حالياً في عمليات زعزعة استقرار اقتصادي عالميّ (الحوثيين) بأسلحة أكثر فاعلية. وهذا بالطبع يؤثّر على فرص جو بايدن الذي يفضّل تجميداً للأوضاع وتقليصاً لرُقع القتال يُتيح لديبلوماسيّته العمل وادّعاء إنجاز سياسي قبل الاستحقاق الانتخابي.
ويمكن القول إن ثمة تاريخين مهمّين لتوضيح مسار الأمور في المقبل من الأسابيع. تاريخ 24 تموز/يوليو الذي يُفترض أن يتحدّث فيه نتنياهو أمام مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين، والذي ستسبقه وتليه مجموعة لقاءات بين الإسرائيليين والأمريكيين للبحث في الأحوال الفلسطينية واللبنانية ومسائل شحنات الأسلحة الثقيلة المطلوبة إسرائيلياً والمجمّدة أمريكياً، مع ما سيرافق ذلك من مباحثات حول عزم تل أبيب «القيام بعمل عسكري ضد حزب الله» والسيناريوهات المكمّلة لهكذا عمل أو المتناسلة منه ومخاطرها وموقف واشنطن منها. وتاريخ 1 أيلول/سبتمبر الذي حدّدته الحكومة الإسرائيلية موعداً ينبغي بحلوله أن يكون جميع النازحين من الشمال قد عادوا إلى مناطقهم.
ويمكن القول أيضاً إن السيناريو الأكثر ترجيحاً حتى الآن، في ظلّ كل ما جرى ويجري، هو تصعيد إسرائيلي في منطقة جنوب الليطاني، لا يدفع نحو تغيير جذري في قواعد المواجهة الدائرة، ولا يبقيها في الوقت عينه في نفس مراوحتها ومستوى عنفها السائد، بهدف فرض تفاوض لاحق على شروط وقف النار. والأكيد أن حزب الله يدرك ذلك ويتحضّر له، ومثله أهل الجنوب، ممّن صارت إيقاعات الحرب المفروضة عليهم مرافقةً لحياتهم اليومية وراسمةً لمعاناتهم وحرائق أرضهم.
(القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الحرب حزب الله لبنان لبنان حزب الله الاحتلال حرب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب الله
إقرأ أيضاً:
كيف علق الإعلام الإسرائيلي على اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان؟
ركز الإعلام الإسرائيلي على إعلان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو موافقة المجلس الأمني المصغر على وقف لإطلاق النار مع لبنان بوساطة أميركية. وفي حين عارض سياسيون الاتفاق واعتبروه استسلاما، رحب به محللون وصحفيون، وقالوا إن ثمة ظروفا سياسية وعسكرية تدفع إلى التوقيع عليه مع كل سلبياته وثغراته بحسب وصفهم.
وقال مراسل الشؤون السياسية في قناة كان 11، سليمان مسودة "إن هناك ظروفا ليست سياسية فقط، بل عملياتية (عسكرية) تدفع إلى التوقيع على هذا الاتفاق، نحن ندخل فصل الشتاء، والولايات المتحدة منذ مدة ليست قصيرة لا تزود إسرائيل بكل الذخيرة التي تطلبها، وهناك حظر تصدير أسلحة واسع".
ووصف مراسل الشؤون العسكرية في إذاعة الجيش، دورون كدوش، الاتفاق بـ"السيئ وبأن به سلبيات وثغرات"، لكنه قال إنهم في الجيش يطالبون بالاتفاق.
غير أن المراسل الإسرائيلي أوضح "أن هناك إيجابيات على المدى الفوري فيما يتعلق بالذخائر وبقضية جنود الاحتياط الذين ينهارون تحت ضغط الخدمة العسكرية ولم يعودوا قادرين على التحمل، بالإضافة أن هناك ضرورة لتركيز الجهد على قطاع غزة واستعادة المخطوفين".
ومن جهته، أوضح محلل الشؤون العسكرية في قناة 13، ألون بن دافيد أنهم في المنظومة الأمنية يعترفون بأن الاتفاق مع لبنان" ليس اتفاقا مثاليا، لكن من البداية لم يدع الجيش أنه سيقضي على القوة العسكرية لحزب الله، لأن ذلك يعني احتلال كل دولة لبنان".
أما رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية سابقا، آموس مالكا، فقال إن الحرب في لبنان يمكن أن تنتهي بـ3 طرق، الأولى هي: "بالاتفاق المطروح، والثانية بحزام أمني، والثالثة بحرب حتى الرمق الأخير في محاولة -كما قال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير– لمحو حزب الله".
وأشار إلى أن الاحتمال الثالث غير وارد "لأنها ستكون حربا مختلفة، ولا أعتقد أن لدينا دعما دوليا، ولا أعتقد أن لدينا خططا عسكرية لذلك".
وعلق موشيه سعدا، وهو عضو الكنيست عن حزب الليكود، على موضوع الاتفاق مع لبنان بالقول: "إن الوضع معقد جدا، وهناك تهديدات بحظر تزويدنا بالسلاح، وهناك تهديدات بقرارات أممية ضد إسرائيل".
أما رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان فقال "إن هذا وقف إطلاق نار قصير لـ5 أو 6 سنوات، حتى تندلع حرب لبنان الرابعة"، مشيرا إلى أنه خلال 5 أو 6 سنوات "سيكون لديهم في بعلبك (حزب الله) 40 ألف طائرة مسيّرة".
ومن جهته، وصف يائير جولان، وهو زعيم حزب "الديمقراطيين" المعارض ونائب رئيس أركان سابق، الاتفاق بأنه "اتفاق مرحلي بتبرير واضح، وصلنا إليه بجيش منهك جدا".
ويذكر أن اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل دخل حيز التنفيذ الساعة الرابعة فجر اليوم الأربعاء بتوقيت بيروت (الثانية بتوقيت غرينتش) لينهي المواجهات العسكرية التي اندلعت منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023.