تودّ المستشارية الثقافية بسفارة جمهورية السودان أن تفيد بمتابعتها بصورة لصيقة التطورات الأخيرة الخاصة بإغلاق بعض المدارس السودانية بمحافظة الجيزة، بما فيها مدرسة الصداقة التابعة للسفارة السودانية، علماً بأنها المدرسة الوحيدة التي لديها ترخيص للعمل.تفيد المستشارية بأنها في تواصل دائم مع السلطات المصرية لإيجاد حلول لأزمة إغلاق المدارس وتقنين أوضاعها وفقاً لشروط ممارسة النشاط التعليمي للمدارس الخاصة الأجنبية بجمهورية مصر.

تهيب المستشارية الثقافية ضرورة الالتزام بالشروط والموافقات أدناه، التي وافتنا بها السلطات المصرية المختصة، للحصول على التصديق اللازم لتقديم الخدمة التعليمية للمدارس السودانية بجمهورية مصر:١- الحصول على موافقة وزارة التربية و التعليم السودانية.٢- الحصول على موافقة وزارة الخارجية السودانية.٣- الحصول على موافقة وزارة الخارجية المصرية.٤- توفير مقر للمدرسة يفي بجميع الجوانب التعليمية والعلمية والتربوية.٥- إرفاق البيانات الخاصة والسيرة الذاتية لمالك المدرسة ومدير المدرسة.٦- إرفاق صورة من طلب مالك المدرسة للمستشارية الثقافية بسفارة جمهورية السودان.٧- ملف كامل للمدرسة يشمل المراحل التعليمية وعدد الطلاب المنتظر تسجيلهم بالصفوف والمراحل التعليمية بالمدرسة.٨- إرفاق رسم تخطيطي لهيكل المدرسة.تؤكد المستشارية الثقافية بسفارة جمهورية السودان التزامها بالمتابعة مع السلطات المصرية المعنية، لتوفير وتسهيل فرص تعليم مناسبة لأبناءنا الطلاب.كما تتقدم السفارة بكامل الشكر لوزارة التربية والتعليم بجمهورية مصر الشقيقة على ما تقدمه من فرص تعليمية للطلاب السودانييين المقيمين في مصر في ظل هذا الظرف الاستثنائي.الملحقية الثقافيةسفارة جمهورية السودان | القاهرةإنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: جمهوریة السودان

إقرأ أيضاً:

على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (6 – 20)

"لن يستطيع أحدٌ أن يركب على ظهرك، ما لم تكن مُنحياً"

مارتن لوثر كينج

النور حمد

كل ما جرى ذكره فيما سبق من هذا السرد، ليس سوى شذراتٍ متفرقاتٍ من تجلِّياتٍ متتابعةٍ، متواصلةٍ، لنهج مصر الرسمية الثابت في الهيمنة على السودان، والنظر إليه كمزرعةٍ يعمل فيها أقنانٌ مستعبدون، ينبغي أن يصبَّ كل ما ينتجونه في مصلحة مصر، وحدها. لم تُقم مصر مشروعًا، ولم تبرم اتفاقية مع السودان، إلا وكانت في مصلحتها هي فقط. وقد سبق أن أوردت في مقالاتٍ سابقة الاحتجاع المصري على فكرة إنشاء السودان خزان سنار، لري مشروع الجزيرة في بدايات القرن العشرين. وقلت إن أسباب اعتراضهم عليه، التي بلغت درجة البجاحة كانت كالآتي: لا يحق للسودان استخدام مياه النيل حتى تتم دراسة تؤكد استنفاده لكل الفرص المتاحة له من الري بالأمطار. وقالوا، أيضا، وهذه أعجب من سابقتها: إن إنشاء خزان سنار سيمكِّن السودان من زراعة القطن طويل التيلة، الذي سوف ينافس القطن المصري في الأسواق العالمية، الأمر الذي يؤثر سلبًا على الميزان التجاري لمصر. (راجع عبد الرحمن علي طه، السودان للسودانيين، مصدر سابق). وإذا أردتم أن تعرفوا اليوم لماذا خرج السودان من سوق القطن العالمي، بعد أن كان ملء السمع والبصر فيه، فابحثوا عن اليد المصرية، وعن وكلائها من السودانيين. واليوم يبيع عسكر الإسلامويين مشروع الجزيرة لشركة مجهولة. ولا أستبعد أن تكون اليد المصرية وراء هذا. أيضًا، لو أردتم أن تعرفوا لِمَ انهار النظام التعليمي في السودان، وكيف فقد السودانيون لغتهم الثانية (الإنجليزية)، فابحثوا، أيضًا، عن اليد المصرية ووكلائها من السودانيين. ولو أردتم أن تعرفوا لماذا ينفرد السودان، دون كل دول حوض النيل بالانصياع الكامل للإرادة المصرية، فيما يتعلق بقضايا مياه النيل، فابحثوا عن اليد المصرية، ووكلائها من السودانيين.

لقد ظلت بعض النخب السياسية والثقافية والإدارية السودانية منكسرةً ومنهزمةً أمام الإرادة المصرية. وقد عملت مصر بجدٍّ لكي تتحقق تلك الانهزامية. كما أنها تأكدت بالتجربة الطويلة أن ما غرسته عبر قرنين من الزمان قد أثمر وسط النخب السياسية والعسكرية والتجارية، بل والثقافية السودانية، فواصلت نهجها في فرض الهيمنة وفرض الإرادة بثقةٍ تامة. ويعود سبب انهزامية النخب السودانية، وكثير من عامة السودانيين، إلى فقدان المعرفة بحقيقة الشخصية الحضارية للسودان، وما تبع ذلك من تضعضع الاعتداد بالهوية والاحتفاء، بل والفرح، بالاستلحاق لمركز هُوُيَّتي خارجي. إلى جانب ذلك هناك البحث عن المجد الشخصي، خفيض العيار، وسط النخب التي تختار التبعية للأجنبي، راضيةً بما يجلبه لها لعبُ دور التابع المُعين والمُيسِّر من فُتات.

الاحتلال المصري للعقل السوداني

قضية العلاقات السودانية المصرية من القضايا بالغة الأهمية التي أهملتها الأكاديميا السودانية والباحثون السودانيون. فهذه العلاقة عمرها أكثر من 5000 عام. وهي علاقة حكمها منذ البداية الاختلال الجغرافي في توزيع الموارد الطبيعية بين أعلى وادي النيل وأسفله. وقد تمثلت العناصر التي حكمت هذه العلاقة في فقر مصر المدقع من الموارد، مع قابلية عالية لزيادة عدد السكان، مع صغر مساحة مصر القابلة للحياة والسكنى. هذا في حين اتسم السودان بوفرة الموارد، مع قلة استثنائية في عدد السكان، مقارنًا، بكبر المساحة وخصوبة الأرض وتوفر مصادر المياه. ولا نريد أن نخوض في تفاصيل التاريخ القديم، فقد تراجع احتكاك السودان بمصر منذ انهيار آخر الممالك الكوشية في القرن الرابع الميلادي. فمنذ ذلك التاريخ، دخل السودان في نومةٍ حضاريةٍ وعزلةٍ طويلةٍ عن مراكز الحضارة، لم يخرجه منها، سوى الغزو الخديوي في عام 1821. بالغزو الخديوي تعرض السودان، مع الاحتلال العسكري، إلى احتلال عقلي. فقد جرى إلحاقه بمصر بوصفه قد أصبح بما يسمى "الفتح"، مُلكًا مصريًا خالصا. وبناء على ذلك عملت الخديوية على إلحاقه بالفضاء المشرقي المتوسطي، كتابعٍ وامتدادٍ جديدٍ ليس له أي إسهامٍ حضاري وليست له ثقافة يُعتد بها. وبدأ، من ثم، إلحاقه بمصر وإدخاله في المظلة الإسلامية السنية على الصيغة العثمانية. فقد السودان بالغزو الخديوي هويته الكوشية وفقد مزاجه الصوفي الذي أحلت الخديوية محله مزاجًا فقهيّا سنيًا عثمانيًّا، جوهر خطابه طاعة الحاكم. (راجع: الباقر العفيف، الأصيل والدخيل في الثقافة الإسلامية السودانية، الخرطوم: منشورات مشروع الفكر الديمقراطي، (2013). (وراجع أيضًا: النور حمد، السودان: آفاق الوعي بالذات، منشورات مشروع الفكر الديمقراطي، (2016).

ظل الاحتلال المصري لعقول السودانيين يتنامى باستمرار حتى تعدى استتباع العقل السوداني لمصر مجرد إدخال نمط التدين السني العثماني وجعل المؤسسة الكهنوتية الفقهية الرسمية جزءًا من جهاز الدولة، ليتواصل الإلحاق عبر الرسالة الإعلامية، وعبر تمصير مناهج التعليم. وقد تكثف مع كل أولئك، خاصةً في فترة حكم الرئيس جمال عبد الناصر، الخطاب العروبي الناصري الذي اجتاح، لعقدين من الزمان، كل أنحاء العالم العربي. نتيجةً لكل تلك العوامل أصبح وعينا نحن السودانيين بذاتنا، في صورته العامة، وعيًا مشرقيًّا متوسطيًّا، وفي صورته الأكثر خصوصية، وعيًا مصريًّا. فالسودانيون النيليون وسكان البوادي يُرجعون بأنسابهم إلى الجزيرة العربية، وكأنَّ القطر السوداني كان خاليًا من البشر قبل أن تهاجر إليه بعض القبائل الرعوية العربية. بل، إن غالبية سكان الوسط والشمال النيلي تنسب نفسها عرقيًا: إما لبيت العباس بن عبد المطلب، أو لنسل فاطمة بنت الرسول، وكأن كل الأعراب الذين وفدوا إلى السودان كانوا من البيت الهاشمي وحده!

لقد بدأ انتحال السودانيين لأنسابٍ عربية في فترة سلطنة الفونج (1504  - 1821). وقد ورد أن السلطان سليم حين فكَّر في غزو سلطنة الفونج أرسل إليه سلطان الفونج خطابًا يقول فيه إنهم عرب مسلمون، ولذلك فهو لا يرى، من الناحية الإسلامية، مسوِّغًا لغزوه لبلادهم. كما ذكر سلطان الفونج للسلطان سليم إنهم فقراء، ولن يحصل الغازون من بلادهم على شيء يساوي الجهد المبذول في الغزو. وأرفق سلطان الفونج مع رسالته إلى السلطان سليم، شجرة نسبٍ عربية. فسُرَّ السلطان سليم بتلك الرسالة، وتخلى عن فكرة غزو سلطنة الفونج.

في نفس تلك الفترة، أيضًا، طاف بسلطنة الفونج فقيهٌ غريبٌ متكسِّبٌ، يُدعي "السمرقندي"، تخصص في نَحْلِ شجرةِ نسبٍ عربيةٍ شريفةٍ لكل من يطلب ذلك، نظير شيءٍ من المال. ولربما تعود كثيرٌ من أشجار النسب السودانية المنحولة إلى هذا الفقيه الغريب. ولقد أسهم المصريون بقدرٍ كبيرٍ في الترويج لعروبة السودان، بدافع الاستلحاق. ولقد برز في هذا المنحى الدكتور عبد المجيد عابدين الذي قام بالتدريس في السودان وكتب عن عروبة السودان، كما كتب عن الأدب السوداني وروَّج له في مصر وفي النطاق العربي بصورة عامة. وقد سار معه من السودانيين في هذه الوجهة كثيرون، نذكر من أبرزهم الشاعر عبد الله عبد الرحمن الضرير، والمؤرخ محمد عبد الرحيم، والدكتور، عون الشريف قاسم. ويضيف الباقر العفيف إلى هؤلاء كلاًّ من محمد إبراهيم الشوش، وخالد المبارك، وعبد الله علي إبراهيم. (راجع الباقر العفبف: وجوهٌ خلفَ الحرب: الهويات والنزاعات الأهلية في السودان، الخرطوم: مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية، (2011)، ص ص 101 - 112).

دور التعليم والإعلام المصري في الاستلحاق

لقد بدأ التعليم الحديث في السودان، حين بدأ، مصريًا صرفًا. فبعد أن كان التعليم في السودان صوفيًّا تقليديًّا طيلة فترة سلطنة الفونج، وكان يجري في الخلاوى (الكتاتيب) التابعة للمراكز الصوفية، تحول بالغزو الخديوي إلى تعليمٍ فقهي أصبح يتبع للمؤسسة الدينية الرسمية التي كانت ذراعًا مهمًا في الاستعمار الخديوي للسودان. صار التعليم الديني يتركز أكثر في المساجد التي يشرف عليها الفقهاء الرسميون من مصريين ومن سودانيين جرى استقطابهم في هذه الوجهة. ومن أقوى الأدلة على تغيير هذه المؤسسة الفقهية الدخيلة للعقل السوداني وقتلها للحس الوطني وسط من جندتهم ودربتهم من علماء الشريعة السودانيين على النمط الأزهري الساند دومًا للحاكم، ما جرى أثناء الثورة المهدية من وقوف هؤلاء الفقهاء السودانيون الرسميون مع المحتل المصري الخديوي ضد الثورة الوطنية المهدوية. ومن أشهر الرسائل في معارضة الثورة المهدية التي دبجها علماء الشريعة السودانيين الذين وظَّفهم الاحتلال الخديوي، رسالة السيد أحمد الأزهري، ورسالة الشيخ الأمين الضرير. (راجع: عبد الله علي إبراهيم، الصراع بين المهدي والعلماء، القاهرة: مركز الدراسات السودانية، (1994)، ص 12.

أما عندما برزت الحاجة إلى قيام تعليم حديث في السودان المحتل خديويًّا، أرسل محمد علي باشا رفاعة رافع الطهطاوي ليفتتح أول مدرسة حديثةٍ في السودان في عام  1855. ولابد هنا من إيراد نظرة هذا التربوي المصري الكبير نحو السودان والسودانيين، وهو الذي بُعث إلى السودان لينشئ أول مدرسةٍ حديثة فيه. فقد جاءت هذه الأبيات ضمن قصيدهٍ ركيكةٍ افتخر فيها بنسبه الحُسيني، وشكا فيها من ابتعاثه إلى السودان:

حُسَيْنيُّ السلالةِ قاسِميٌّ بِطهطا مَعشري وبها نَجادي

وما السودانُ قطُّ مقامُ مِثلِي فلا سَلمايَ فيه ولا سُعادي

بها ريحُ السمومِ يُشَمُّ مِنهُ زفيرُ لظىً فلا يُطفيه وادي

ونصفُ القوم أكثرُ من وحوشٍ وبعضُ القومِ أشبهُ بالجماد

لاحقًا، طرأت في مطلع القرن العشرين، في فترة الحكم الثنائي الإنجليزي المصري فكرة إنشاء كلية غردون التذكارية، التي كانت النواة لجامعة الخرطوم. كانت مناهج اللغة العربية والتربية الإسلامية في تلك الكلية مناهج مصرية يدرسها مدرسون مصريون. ومنذ تلك اللحظة شق التعليم المصري طريقه في احتلال عقول السودانيين. وحتى في الوقت الذي كان فيه جيلنا في المرحلة الثانوية في النصف الثاني من ستينات القرن الماضي، أي، بعد عشرة أعوام من الاستقلال، كان منهج اللغة العربية منهجًا مصريًا. فكتب النحو الواضح، والبلاغة الواضحة، والأدب، هي نفسها كتب المنهج المصري. وكانت الغالبية العظمى من النصوص الشعرية التي ندرسها لشعراء مصريين مثال: أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، والبارودي، أو لشعراء عرب من لبنان والعراق. كما كانت كل دفعة في الصف الرابع الثانوي تدرس معلقة مختارةً من المعلقات السبع. إلى جانب ذلك كنا ندرس نماذج مستفيضة من شعر العصرين الأموي والعباسي. هذا، في حين لا ندرس من نصوص الشعر السوداني، على جودته، ومعاصريته، سوى القليل جدا. وكانت المكتبة المدرسية تعج بكتب الأدب المصري، مما كتبه لطفي المنفلوطي، وطه حسين، وعباس العقاد، وإبراهيم المازني، وأحمد حسن الزيات، وغيرهم. إلى جانب ذلك كانت هناك روايات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وغيرهم من كلاسيكيات الرواية المصرية، إلى جانب روايات تاريخ الإسلام لجورجي زيدان. بل، والأغرب من كل ذلك، أن مؤلفات الإخوان المسلمين المصريين كانت جزءًا من المقرر الدراسي السوداني. فقد كان كتاب "شبهات حول الإسلام" لمحمد قطب ضمن المقرر المدرسي. وهو أمر انتقده السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني، الأستاذ، عبد الخالق محجوب في حينه.

أما في الثقافة العامة، فقد كان لليسار السوداني دورٌ كبير في ربط الموهوبين من الشباب السودانيين بأدب اليسار المصري. فأشعار صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي وأمل دنقل ومحمد عفيفي مطر، وغيرهم كان لها حضور كبير ضمن المقروء من الثقافة المصرية. ومع عدم انشغال النخب السياسية السودانية، عقب الاستقلال بموضوع الهوية السودانية وبموضوع الثقافة وضرورة تطوير الطباعة والنشر، فقد أصبح السودان فضاءً مفتوحًا للكتب والمجلات المصرية، مثال: "المصور"، و"آخر ساعة"، و"روز اليوسف"، و"صباح الخير".

إلى جانب كل هذا التغريب عن الذات والاستلحاق الذي عج به المنهج المدرسي السوداني، هناك ما تسمى البعثة التعليمية العربية. وهي أشبه بوزارةٍ موازيةٍ لوزارة التربية والتعليم السودانية. فلهذه المؤسسة الأجنبية العديد من المدارس التي تديرها في عدد من المدن السودانية الكبيرة. كما كانت هناك جامعة القاهرة فرع الخرطوم التي حولها نظام الإنقاذ في فترة عدائه مع مصر في بداية التسعينات من القرن الماضي إلى جامعة النيلين. وقد اشتهر الدكتور المصري الراحل، طلبة عويضة بتقديم آلاف البعثات السنوية للطلاب السودانيين للدراسة في مصر. باختصار، عملت مصر على مختلف الأصعدة التعليمية والإعلامية لاستلحاق السودان وفق خطة واضحة وممنهجة. وقد أنشأت مصر في عام 1949، أي قبل سبع سنين من استقلال السودان إذاعة سُمِّيت "ركن السودان من القاهرة"، وجرى تحويلها عقب توقيع ميثاق التكامل بين البلدين، في عهد الرئيس جعفر نميري، إلى مسمى "إذاعة ادي النيل".

في هذا المخطط الضخم للاستتباع والاستلحاق، جرى تغييب التاريخ السوداني الكوشي من المنهج المدرسي ليسهل جر السودانيين إلى تجذير هويتهم خارج تربة بلادهم. وهذا هو ما أسهم في تُكريس اعتقاد السودانيين إنهم جاءوا إلى السودان من مكان آخر، هو الجزيرة العربية في الماضي البعيد، ومن مصر في الماضي القريب. وغرض هذه الخطة أن يرى السودانيون أنفسهم مجرد امتدادٍ جغرافي وثقافي واجتماعي لمصر. وقد ساعدت المصريين على هذه الخطة أخطاء الأكاديميا الغربية التي جعلت من حضارة كوش السودانية مجرد صدىً باهتٍ لحضارة وادي النيل في مصر السفلى. ولذلك، فإن الملوك الكوشيين السودانيين الذين غزوا مصر وحكموها لقرنٍ تقريبًا، وتمددوا حتى بلغوا فلسطين، كما جرى ذكرهم في التوراة، لم يجر تصنيفهم كغزاة قادمين من كوش، وهو ما كان بالفعل، وإنما صُنِّفوا ضمن الأسر المصرية، ومُنحوا اسم "الأسرة الخامسة والعشرون". والآن، راجعت الأكاديميا الغربية هذا الاعتقاد الخاطئ بعد أن أثبتت الأدلة أن حضارة كوش حضارة مستقلة عن الحضارة المصرية. ومن يرد الاستزادة في هذا الباب فليراجع كتاب دورسيلا هيوستن الموسوم: Wonderful Ethiopians of the Ancient Cushite Empire. خلاصة القول، إن الاحتلال المصري للعقل السوداني ظاهرةٌ ضخمةٌ ومتشعبةٌ قوية التأثير، عظيمة المخاطر. وهي لم تجد إلى الآن نظرًا نقديًا يوازي عظم خطرها. ومن أكبر علامات فداحتها رؤية السودانيين لكل ما هم فيه من استتباع، أمرًا طبيعيًا لا تنعقد له الحواجب دهشة.

(يتواصل)

elnourh@gmail.com

//////////////////////

   

مقالات مشابهة

  • على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (6 – 20)
  • معتقلون يكشفون عن إعدامات وتعذيب على أيدي الدعم السريع السودانية
  • شاهد بالفيديو.. الممثلة السودانية إسلام مبارك تجتاز اختبار اللهجة المصرية بنجاح
  • مصر والأزمة السودانية- دلالات تحرير الأسرى
  • السفارة الأمريكية في جوبا تتخذ خطوة تجاه رعاياها في جنوب السودان
  • كيكل يكشف مفاجأة بخصوص مستحقات قوات درع السودان
  • المستشارية الطبية بقنصلية أسوان ومبادرة الأشقاء تزور مرضى الجالية السودانية
  • على طريقِ الانعتاقِ من الهيمنةِ المصرية (4 – 20)
  • تقرير أممي يوثق انتهاكات واسعة النطاق بحق آلاف المحتجزين من قبل قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية في ولاية الخرطوم
  • السودان يقاضي الإمارات في محكمة العدل الدولية .. والامارات تدعو لرفض الدعوى السودانية ضدها على الفور