سند الصيادي
بمفاهيمَ عريضةٍ وبسيطةٍ تحوي تحتَها الكثيرَ من العناوين والتفاصيل والآليات المبطَّنة والفضفاضة، أحاولُ هنا بشكل شخصي أن أضع القارئ على وجهة نظري حول بعض الاتّجاهات الاستراتيجية الأمريكية للسيطرة على الآخر، من وحي ما عايشناه في اليمن وَعمَّدته الأجهزة الأمنية والاستخباراتية بإنجازها النوعي الاستراتيجي الكبير والاعترافات التي جاءت على لسان الفاعلين أنفسِهم من الأدوات.
إذَا أردتَ أن تأمَنَ جانبَ عدوك وتجيِّرَه لك وَتهزمَه، دعِ البندقية آخر خياراتك، هناك طرق شيطانية أكثر مردوداً ونفعاً ودماراً، اِبْدَأْها بإحداث فجوة بينه وبين معتقده وتاريخه، وباستغلال وتوظيف جهله بتغيير ثقافته ومعتقداته من خلال خلط المفاهيم في قوالب يعتقد أنها جزء من عقيدته وسلوكه.
حاول أن تقنع عدوك أنك صديق له وَازرع في ذهنيته تطميناً من ناحيتك وتضخيماً لمخاوفه وسوء ظنه من أعداء آخرين هم في حقيقة الأمر أعداؤك أنت، تمارس معهم ذات الغواية والمخطّطات.
تحت شعار التدريب والتأهيل الدبلوماسي تقدم إليه بصفتك منظمة سياسية، وارسم له خارطة علاقات ومصالح وَتعامل مع أشقائه.. تنتهي بالصراع بينهم.
ارتدِي شعار منظمة زراعية وَقدِّمْ له استشارات ودعمًا فنيًّا وماليًّا؛ بحجّـة إكثار الإنتاج، وَاجعل أرضَه الزراعية تتصحر أَو تتلف.
ادخُلْ إلى منزله كمنظمة صحية وَامنحْه علاجاً أَو لقاحاً يوهن عزمه ويسببُ له الأمراض.
دُقْ بابَه كمنظمة حقوقية.. وقدم له استشارات حول كيفية التعامل مع أسرته، لتفكك عائلته.
بعد أن تصنعَ لديه مجاعةً وأعداءً، تقدَّمَ كبنك تمويل واقرضه قرضاً طويل الأجل مشروطاً ومحدّداً إنفاقه وَمضخمة فوائده بحيث يعجز عن سدادها.
تقمَّصْ دورَ منظمة إغاثية وقدم له غذاءً ودواءً؛ لينسى أي تفكير بالاعتماد على نفسه وَيزداد اعتماده عليك وثقته بنواياك.
تقمص دورَ حليفٍ عسكري واستراتيجي وامنحْه بماله هو السلاحَ ليواجه خصومَه المزيفين الذي صنعتهم أنت له، واستغل جرائمَه لابتزازه وتشهيره إن حاول أن يتنصل عنك.
ثم شَغِّلْ إعلامك وكلَّ دوائرك الاستخبارية وأدواتك الداخلية الذي هو إحداها لتعزيزِ النخر في أوصاله والمزيد من حالة ابتزازه وَامتلاكه وَراقبه ووجِّهْه من خلف الكواليس وألعب به كدُمية فاقدة القدرة على الصراخ حتى وَستجد أنك قد هزمته واستنزفته مادياً ومعنوياً، بل وأصبح جنديًّا من جنودك بدون أن تطلقَ رصاصةً واحدة!
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
عيب.. ليسوا أولاد كلب!
صُدم الفلسطينيون وجميع المتابعين لما يجري في غزة بقول رئيس السلطة محمود عباس في شأن المقاومة ومقاتليها عندما وصفهم بـ"أولاد الكلب". هكذا دون تردد ولا حذر، ودون مراعاة لصمودهم وما يتعرضون له من قتل وفتك على أيدي الصهاينة. حدث ذلك علنا في خطابه الافتتاحي في المجلس المركزي الفلسطيني، وعلى الهواء مباشرة. ومهما حاول أنصاره التخفيف من وطأة الكلمة النابية ووقعها السيئ على السامعين، فإن الطامة وقعت، والرسالة وصلت لجميع الأطراف بمن في ذلك قادة العدو، الذين يعملون ليلا نهارا من أجل تصفية القضية وابتلاع الأرض وتهجير سكانها.
للقيادة خصائص وضوابط وأخلاق، والقائد الحقيقي يحترم أبناء شعبه، ويحافظ على كرامتهم، خاصة أمام عدوهم؛ لا يحقّرهم، ولا يهينهم، ولا يقلل من أهميتهم التاريخية حتى وإن اختلف معهم، أو مع جزء منهم؛ لأن في ذلك تصغيرا من شأنه، ودفعهم بالضرورة إلى احتقاره ومعاداته. لا يعني ذلك مجاراتهم وتأييدهم في كل ما يفعلونه ويقولونه، وإنما يخالفهم فيما يعتبره خطأ صريحا، ويواجههم بمواقفه دون تهور أو ابتذال. العنف اللفظي لا يختلف عن رفع السلاح واستعماله ضد المخالفين والخصوم.
لست من المداحين لياسر عرفات، ولكن فيما أعلم كان كثيرا الحرص على رفع معنويات الشعب الفلسطيني، ووصفه في مناسبات كثيرة بكونه "شعب الجبارين"، خاصة خلال المحن الكبرى التي تعرض لها. ولا أعلم أن الفلسطينيين عاشوا محنة أقسى من هذه التي يعيشونها اليوم، وكان يفترض أن يلقوا الدعم المعنوي والسياسي على الأقل من قادتهم، وليس السب واللعن من قبل رمز السلطة.
جاءت نتيجة أعمال "المجلس المركزي" هزيلة ودون تطلعات الفلسطينيين وآلامهم، هذا بشهادة معظم الفصائل التي قاطعت الاجتماع أو لم تُدع إليه. وبدل أن يكون انعقاد المجلس، الذي تأخر كثيرا، فرصة لرص الصفوف وتوحيدها تحت راية واحدة هي راية منظمة التحرير، حصل العكس تماما، حيث ازدادت الفرقة بين مكوناتها، وتعمقت الفجوة بين السلطة من جهة، ومختلف الأطراف الفاعلة، بما في ذلك جزء هام من الفتحاويين الغاضبين على الأسلوب الذي تدار به شؤون السلطة. وبدل أن يحصل تقدم نحو تعميق الحوار وبناء المصالحة الوطنية، تعمق الشك الداخلي، وانسحب المزيد من التنظيمات ذات الوزن، وكان آخر المنسحبين من اجتماع المجلس وفد الجبهة الديمقراطية؛ بحجة "غياب الحد الأدنى من قواعد الحوار حتى قبل انعقاد المجلس" على حد تعبير نائبة رئيس الجبهة.
السياق الراهن سياق خطير جدا يتعلق بمصير شعب مهدد في وجوده، ويتعرض للإبادة بطريقة فجة ومنهجية وعلى المباشر، وكان يُنتظر أن تكون منظمة التحرير الهيكل المناسب للتجميع والتعبئة والتوجيه والضغط، أما أن تتحول المنظمة إلى ساحة للصراع وتعميق والانقسام، وأن تصبح مجرد آلية للتحكم والتسلط، فهذا أمر مشين لا يليق بشعب مكافح وصامد
الفلسطينيون أعلم بشؤونهم، ولكن بما أن قضيتهم هي قضيتنا، وأن مصيرا مشتركا يجمعنا، فإن ما قيل خلال هذا الاجتماع الأخير استفز الكثيرين بشكل واسع.
كان من المهم إحداث منصب نائب لرئيس منظمة التحرير، خاصة وأن أبا مازن تقدم به السن بعد رئاسة للمنظمة استمرت حتى الآن ثلاثين عاما، لكن الاقتصار على هذا القرار اليتيم الذي انعقد من أجله المجلس المركزي بعد انتظار طويل، أمر لافت للنظر، فالظرف الحالي ليس عاديا حتى تتم مناقشة مسألة تنظيمية كان بالإمكان حسمها في سياق آخر، أو على الأقل لا يخصص لها كل وقت الاجتماع.
السياق الراهن سياق خطير جدا يتعلق بمصير شعب مهدد في وجوده، ويتعرض للإبادة بطريقة فجة ومنهجية وعلى المباشر، وكان يُنتظر أن تكون منظمة التحرير الهيكل المناسب للتجميع والتعبئة والتوجيه والضغط، أما أن تتحول المنظمة إلى ساحة للصراع وتعميق والانقسام، وأن تصبح مجرد آلية للتحكم والتسلط، فهذا أمر مشين لا يليق بشعب مكافح وصامد.
بهذه الطريقة وبهذا السلوك لا يمكن الاستجابة لأي طلب يقدم لحركة حماس ولجميع فصائل المقاومة، لقد طلب منها أبو مازن تسليم الرهائن الإسرائيليين دفعة واحدة بدون مفاوضات وبدون مقابل، كما طلب منها تسليم سلاحها بلا قيد ولا شرط، وطلب منها أن تنسحب من غزة وتسلمها له دون نقاش، وأن تتحمل نتائج الحرب وحدها. هل هناك قائد سياسي يمكن أن يجرؤ على عرض مثل هذه المطالب وغيرها في لحظة فارقة من تاريخ بلده، ودون أن يشعر بالحرج، ولا يفكر حتى فيما ستسجله كتب التاريخ؟
رجاء، لا تجعلوا قصة آخر ملوك الأندلس تتكرر، فقد قيل أن أبا عبد الله محمد الثاني عشر باع لملك القشتاليين أملاكه في الأندلس ثم غادرها، وذلك في 7 آب/ أغسطس 1493م، فقالت له أمه "ابكِ مثل النساء ملكا مضاعا، لم تحافظ عليه مثل الرجال".