سميرة لوقا تكتب: وتستمر مسيرة بناء الجمهورية الجديدة
تاريخ النشر: 29th, June 2024 GMT
كلما اقتربنا من ذكرى 30 يونيو، وعلى الرغم من مرور 11 عاماً على ثورة الشعب المصرى، فإن هذا الحدث الجليل ما زال فى أذهاننا كأنه حدث أمس بكل تفاصيله وأحداثه، يفتخر به كل مواطن مصرى غيور على وطنه ومتمسك بهويته المصرية، أحد عشر عاماً مليئة بالتحديات والصعوبات والنجاحات والإنجازات.
وقف المواطن المصرى، وبمؤازرة القوات المسلحة والشرطة، يداً واحدة فى مواجهة الإرهاب الذى عانى منه كل المصريين وراح ضحيته أبرياء وأثَّر على الاقتصاد وأخَّر جهود التنمية وغيَّر صورة وهوية مصر.
وكما اهتم الرئيس السيسى بعد ثورة 30 يونيو بمواجهة الإرهاب وإعادة الأمن والأمان فى الشارع المصرى، اهتم أيضاً ببناء الوعى وتنمية قدرات الإنسان ليصبح قادراً على مواكبة المتغيرات والتطورات المتسارعة.
وتحضرنى كلمته التى ألقاها فى ذكرى المولد النبوى فى أكتوبر 2021: «إن بناء الوعى لأى أمة بناءً صحيحاً يُعد أحد عوامل استقرارها وتقدمها فى مواجهة من يحرّفون الكلام عن مواضعه ويُخرجونه من سياقه وينشرون الأفكار الجامحة الهدامة التى تقوِّض قدرة البشر فى التفكير الصحيح والإبداع لتنحرف بهم بعيداً عن تأدية الأوامر الربانية من تعمير وإصلاح الكون».
وبهذه الكلمات أكد إعمال العقل، خاصة بين قطاع الشباب الذين تم استقطابهم وأصبحوا أداة يتم استغلالها لتحقيق أجندات خاصة، إلا أن فخامة الرئيس أفسح المجال للشباب وأعطاهم دوراً فى صناعة القرار والمشاركة المجتمعية وفتح آفاق الشباب على العالم من خلال نموذج منتدى شباب العالم، وناشد المؤسسات الدينية العمل على نشر قيم التسامح والعيش المشترك واحترام وتقدير المختلف.
ومن أجل استكمال مسيرة الإصلاح والتنمية دعا فخامة الرئيس إلى الحوار الوطنى، الذى أرى أهميته فى إفساح المجال لكل من يسعى إلى ترسيخ دعائم الدولة المدنية الحديثة من جميع تيارات وفئات المجتمع أن يكون شريكاً ومساهماً بفاعلية حول أولويات العمل الوطنى، فإن القضايا التى تناولها الحوار الوطنى قضايا مهمة وملحة على الصعيد السياسى والاقتصادى والاجتماعى، وما زال الحوار مستمراً لأن فرصة الحوار لجميع التيارات كانت غائبة، ويُعتبر الحوار الوطنى من أبرز نجاحات وطموحات ما بعد 30 يونيو.
ومن الخطوات المهمة والجوهرية التى خطتها مصر بإرادة وعزيمة قوية هى الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التى تُعتبر بمثابة وثيقة تعلن عن التزامها الجاد بتطبيق الدستور والعمل الجاد على تحقيق وتمتع المواطن المصرى بكافة حقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى إطار منظومة متكاملة لتحقيق حياة كريمة لكل فئات المجتمع وتحقيق العدل وتكافؤ الفرص للجميع دون إقصاء أو تمييز.
وعلى الرغم من التحديات التى مرت بها مصر بعد 30 يونيو إلى جانب الظروف القاسية إلى تمر بها منطقتنا العربية بسبب الحروب والأزمات، فإن مصر استطاعت إعادة بناء مكانتها الإقليمية والدولية إلى الحد الذى اعتبر معه الكثير من دول العالم أن مصر تُعد أهم وسيط فى المنطقة، فإن أمن واستقرار مصر رمانة الميزان فى مستقبل المنطقة، فى الوقت نفسه تبذل الدولة المصرية قصارى جهدها لدعم ومساندة جيرانها إلى أقصى درجة.
إن ذكرى 30 يونيو هذا العام محفوفة بالآمال والتطلعات، خاصة بعد الإعلان عن فوز الرئيس عبدالفتاح السيسى بالانتخابات الرئاسية فى 18 ديسمبر بنسبة 89٫6% بحسب النتائج الرسمية، والتى كانت انتخابات ظهرت للعالم بشكل مشرف، فإن بناء الجمهورية الجديدة يتطلب التكاتف والإصرار على العمل معاً.
30 يونيو كان تحدياً وجودياً، وكان تحدياً مصيرياً، ليس لى فقط، بل لكل المصريين، فخلال ثورة 30 يونيو شهدنا العديد من التفاصيل المهمة، خاصة بعد الأحداث الدامية التى قامت بها جماعة الإخوان المحظورة منذ 2010. ثورة 30 يونيو كانت ضد تنظيم كان يرى أنه سيظل لمدة 60 عاماً على الأقل، وكان مدعوماً من الخارج
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: ثورة 30 يونيو الجمهورية الجديدة الشرطة القوات المسلحة
إقرأ أيضاً:
مونيكا وليم تكتب: روسيا والاتفاق النووي الإيراني بين الحسابات الإستراتيجية وأوراق التفاوض الدولية
في لحظة تتسم بكثافة التحولات الجيوسياسية، تعود روسيا إلى الواجهة في ملف المباحثات النووية بين إيران والولايات المتحدة، ليس من موقع المعزول كما بدا منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، بل كلاعب متوازن وبراغماتي يسعى لتوظيف التناقضات، والتقارب الظرفي مع الولايات المتحدة، الذي يعد دعامة في التغير النسبي في نبرة العلاقات منذ بداية 2025، لإعادة تموضعه في النظام الدولي. فوسط حرب غزة المتصاعدة، والمأزق الأميركي في الشرق الأوسط، تجد موسكو فرصة جديدة لتعزيز دورها في ملف لطالما تعاملت معه كمنصة استراتيجية لفرض نفسها كقوة لا يمكن تجاوزها.
وتأسيسا علي ذلك، تلعب روسيا دوراً رئيسياً في إحياء الاتفاق النووي الإيراني وذلك وفقا لما أشارت إليه عدد من الصحف والتقديرات الدولية علي غرار الجارديان لاسيما أن روسيا تطرح كوجهة محتملة لتخزين مخزون ايران من اليورانيوم وأيضا كوسيط يُحتكم إليه في حال أية خروقات محتملة من جانب ايران، وعليه فان التحليلات الدولية ترجح أن السيناريو المفترض الوصول إليه حتى يتم تلافي الوصول إلى نقطة المواجهة المسلحة خاصة في ضوء تنامي الضغط الإسرائيلي علي ترامب لضرب المنشآت النووية في إيران
لا يزال دعم روسيا لبرنامج إيران النووي مثار جدل وتساؤلات، سواء ببنائها لمفاعل بوشهر النووي، أو بتبادل اليورانيوم الخام والمخصب بين الجانبين مع التعاون ونقل الخبرة في مجال الأبحاث وتزويدها بالوقود النووي اللازم لتشغيل المفاعل فضلا عن الدعم الدبلوماسي لبرنامج إيران النووي في المحافل الدولية.
وعلي هذا الأساس، سوف تركز فحوى هذه المقالة، علي تصاعد الدور الروسي في ملف الاتفاق النووي، وكيفية استفادة موسكو من التقارب النسبي مع الولايات المتحدة لتعزيز حضورها في مسار المفاوضات، كما تتناول المقالة تحليل آليات التفاوض القائمة، واستنباط الملامح الأساسية للمسار المتوقع بناءً على التحركات الإقليمية والدولية.
قد جُددت روسيا جولات المشاورات النووية في مارس وأبريل 2025 كوسيط يمتلك أدوات التأثير على أيران، لكنه في الوقت نفسه لا يتبنى موقفًا معاديًا بالكامل للإدارة الأمريكية. فهي لا تمانع في نقل رسائل تفاوضية غير رسمية، أو اقتراح حلول فنية لكنها تربط هذا التعاون بتحقيق مكاسب مقابلة في ملفات استراتيجية أخرى.
إلا انه في خضم هذه الجهود، تبرز عقبتان رئيسيتان تعرقلان مسار التفاهم تتمثل في مسألة لابد من التوصل إلي حل بشأنها وهي مخزون اليورانيوم الإيراني المخصب وآليات التنفيذ في حال إعادة فرض الولايات المتحدة للعقوبات، ومن ثم تبرز 2 سيناريوهات محتملة، أولا أعادة توطين اليورانيوم المخصب الإيراني وإرساله إلي الخارج إذ تفضّل وتصر الأدارة الأمريكية إما تدمير اليورانيوم أو نقله إلى دولة ثالثة محايدة، وروسيا مرشح رئيسي وهنا يظهر الدور الفاعل لروسيا وهو ما يفسر زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي يوم 17 أبريل 2025 إلي روسيا، ومع استذكار التجارب السابقة في هذا الشأن فهذا السيناريو يتوافق مع ما حدث مع اليابان وألمانيا حين تم تفريغ البلاد وتسليمهم مخزونات نووية سواء يورانيوم مخصب أو أسلحة إلي دول محايدة.
أما السيناريو الثاني هو بقاء اليورانيوم داخل إيران مع محاولة تخفيفه، او مراقبته من قبل وكالة الطاقة الذرية من دون مفتشين أمميين وبالتالي أي حل للملف النووي في الشق المتعلق بتخصيب اليورانيوم يجب أن يتم من قبل مفتشين للوكالة الذرية
ومع تفحص الدور الروسي في ملف الاتفاق النووي الإيراني، يمكن الإشارة الي الدور الروسي في التعاون مع إيران كونها البنية الأساسية لجوهر البرنامج النووي الإيراني إذ استندت علي خبرات العلماء من الاتحاد السوفيتي بعد انهياره عام 1990 وهناك تعاون مشترك في إدارة محطة بوشهر النووية في جنوب إيران بين روسيا والجانب الإيراني ، فهي تُعد طرفًا فاعلًا في الملف منذ انطلاق مفاوضاته الأولى في عام 2003 ضمن إطار مجموعة “الثلاثي الأوروبي” (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) قبل أن تتوسع إلى صيغة “5+1” (الولايات المتحدة، روسيا، الصين، بالإضافة إلى الثلاثي الأوروبي). ومنذ ذلك الحين، حافظت روسيا على دور مركزي، لا بوصفها مجرد وسيط تقليدي، بل كطرف استراتيجي يسعى إلى هندسة توازن دقيق بين مصالحه مع طهران من جهة، ومع القوى الغربية من جهة أخرى.
واستكمالا لذلك، لعبت روسيا دورًا حاسمًا في التوصل إلى اتفاق 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة)، حيث ساهمت في تهدئة بعض من مطالب الغرب الأكثر تشددًا، وضمنت في الوقت ذاته أن تحافظ إيران على حقها في تطوير برنامج نووي مدني. كما شاركت في ترتيبات عملية، كتحويل منشأة فوردو إلى مركز بحثي للتكنولوجيا والعلوم النووية والفيزيائية تستخدم فيه 1044 جهازاً للطرد المركزي في أغراض غير التخصيب، مثل إنتاج النظائر المستقرة التي لها العديد من الاستخدامات السلمية، ومن ثم تم نقل فائض اليورانيوم منخفض التخصيب إلى أراضيها، ما عزز موقعها كضامن فني وسياسي للاتفاق.
مع انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق عام 2018، وجدت روسيا نفسها في موقع محوري ضمن جسر تفاوضي لمحاولة الحفاظ على الاتفاق ومنع انهياره الكامل. وعملت موسكو، إلى جانب الأوروبيين والصين، على إبقاء إيران ضمن الالتزامات الأساسية، وإن جزئيًا، كما استثمرت ذلك الانسحاب الأميركي لتصوير نفسها كقوة أكثر موثوقية في النظام الدولي، مقارنة بالولايات المتحدة التي لم تلتزم بتعهداتها.
وفي ظل المباحثات التي جرت في فيينا منذ 2021 لإحياء الاتفاق، برزت روسيا كوسيط غير مباشر بين طهران وواشنطن، خاصة أن الأخيرة رفضت الدخول في مفاوضات مباشرة في البداية. وشاركت موسكو في صياغة حلول وسط للملفات العالقة، مثل رفع العقوبات عن الحرس الثوري، ومسائل الضمانات المستقبلية، بل وحرصت على أن تحافظ على قنوات اتصال نشطة مع الطرفين رغم التصعيد بينهما.
غير أن الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 فرض معطيات جديدة. فقد تراجعت ثقة الغرب بدور روسيا كوسيط نزيه، وبدأت تظهر مخاوف من استخدام روسيا للملف النووي كورقة تفاوضية للضغط على الولايات المتحدة وأوروبا. بل إن بعض التحليلات رأت في تعطيل روسيا لمراحل متقدمة من المفاوضات - كما حدث في مارس 2022 عندما طالبت بضمانات أميركية لتعاونها مع إيران رغم العقوبات - محاولة لتحويل الاتفاق إلى رهينة في سياق التوترات الأوسع مع الغرب.
في المقابل، لم تتخلَّ إيران عن التنسيق مع موسكو، بل عمّقت شراكتها العسكرية والاقتصادية معها، خاصة في ظل العقوبات المفروضة على الجانبين. ومع اتساع التعاون في ملفات مثل الطائرات المسيّرة، بات من الصعب الفصل بين المسارات النووية والسياسية والاستراتيجية في العلاقة بين روسيا وإيران.
عندما نتحدث عن العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران يمكن أن يتبلور السبب المستمر وراء الدور الروسي في أي توافق محتمل بينهما ومع قراءة معمقة لحيثيات ومعطيات التفاعلات السياسية بين طرفي الاتفاق، فالطرف الأمريكي منغمس في الوضع الداخلي الأمريكي، والذي يشير إلي تراجع شعبيته إلي أدني مستوي منذ عودته، حيث وافق 42% على أدائه كرئيس بانخفاض من 47% وذلك وفقاٌ لاستطلاع أجراه رويترز/ ابسوس إلي جانب انشغال ايران بمجريات أحداثها وتطورات محور الممانعة كمان ان هناك إدراك متزايد داخل أوساط الحكم الإيراني ينبع من خطورة الانهيار الاقتصادي في حال استمرار العقوبات، ومن الإجماع المتنامي بين النخبة على أن التفاوض مع الولايات المتحدة أصبح ضرورة لتخفيف العقوبات وفي الوقت نفسه يختلف الخطاب الرسمي الإيراني في الوقت الحالي عن الفترة التي سبقت الاتفاق النووي عام 2015، حيث كان المرشد الأعلى آنذاك يعارض التفاوض، ووصف الاتفاق بـ"ضرر محض". لكن رغم ذلك، انتهى به الأمر إلى الموافقة عليه.
في المقابل ومع استقراء حدود الدور الروسي وتحدياته فعلي رغم ما يبدو من نفوذ لروسيا في الملف النووي الإيراني، إلا أن هذا الدور يواجه تحديات عدة، أبرزها فقدان الثقة الغربية، كما أن استغلال روسيا للملف كورقة تفاوضية قد يضعف قدرتها على الحفاظ على توازن دقيق بين دعم إيران وعدم استفزاز الغرب إلى حد غير قابل للاحتواء
ختاماً، لا يمكن فهم الدور الروسي في المباحثات النووية إلا ضمن تصور أوسع لعقيدة موسكو الخارجية، التي تقوم على استثمار التناقضات الإقليمية والدولية، وتحويل الأزمات إلى فرص لتعزيز نفوذها بوصفها قوة لا غربية مستقلة، تسعى إلى هندسة النظام العالمي وفقًا لمصالحها وأدواتها. بناءً على المعطيات الراهنة، يُرجّح أن الاتفاق الحالي قيد التبلور سيتمكّن من تحقيق المصالح الأساسية لكافة الأطراف: ضمان عدم تحول البرنامج النووي الإيراني إلى مسار عسكري، رفع العقوبات الاقتصادية بشكل تدريجي، وإعادة ضبط التوازن الإقليمي بما يحدّ من التوترات. كما أن لروسيا مصلحة استراتيجية إضافية في نجاح الاتفاق، إذ يعزز دورها كوسيط محوري في الملفات الدولية الكبرى، ويمنحها أوراق تفاوضية أقوى في ملفات أخرى متشابكة كالحرب الروسية الأوكرانية ليس فقط مع واشنطن بل مع أوروبا أيضًا، خاصة فيما يتعلق بالعقوبات، واستئناف بعض الأنشطة الاقتصادية التي جُمّدت عقب الغزو الروسي لأوكرانيا. وفي هذا السياق، تشير مصادر غربية إلى أن الكرملين يقايض تعاونه في الملف الإيراني بتخفيف القيود على التبادلات المالية مع بعض الشركات الروسية، في هذا السياق، يبدو أن موسكو لا تسعى فقط إلى تحقيق مكاسب ظرفية، بل إلى ترسيخ موقعها كفاعل لا غنى عنه في إدارة الأزمات العالمية.