لجريدة عمان:
2024-11-16@07:04:23 GMT

هل هناك حاجة لإعادة هيكلة قطاع العمل؟

تاريخ النشر: 29th, June 2024 GMT

‏قطاع العمل من القطاعات المتجددة في جميع دول العالم. وعلى الصعيد الوطني يكاد لا تمر خطة خمسية إلا ويتم إعادة هيكلة قطاع العمل لما له من أهمية اجتماعية واقتصادية، حيث إن العمل والتشغيل من أولويات الدولة بكل قطاعاتها. قبل فترة ليست ببعيدة صرّح أحد مسؤولي العمل بأن الوزارة ليست الجهة المعنية بتوفير فرص العمل؛ لأن سوق العمل يعتمد على مسار التنمية الاقتصادية والإنتاجية، وتدفق الاستثمار المحلي والأجنبي.

أيضًا هناك تصريح مماثل من أحد مسؤولي التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، بأن الوزارة تختص بالتعليم العالي، وليست مسؤولة عن التوظيف أو التشغيل. وفي جانب الحراك المجتمعي فإن مجلس الشورى شكل لجنة مؤقتة للباحثين عن العمل. إلا أنه بعد فترة وجيزة يأتي تصريح آخر من أحد الأعضاء بأن مجلس الشورى ليس مسؤولاً عن ملف الباحثين عن العمل، وعضو آخر يصرح بأن اللجنة المؤقتة للباحثين لم تستطع معرفة الرقم الحقيقي لأعداد الباحثين عن العمل. عليه يكون لزامًا أن يتم النظر لقطاع العمل وقضية التشغيل خارج الصندوق أو خارج المألوف.

في هذا المقال، لا نقصد تفنيد تلك التصريحات، فتلك أراء لها تقديرها، وأيضا مرئيات المسؤولين بالوحدات الحكومية تأتي طبقًا لدرجة الصلاحيات التي أعطيت لتلك الوحدات، سواء كانت المسؤولة عن العمل أو الداعمة له. أيضا تلك التصريحات قد تنسجم مع الرأي بعدم وجود تركيز (Concentration) لقضية الباحثين، لينصب ذلك التركيز تحت مظلة وإشراف مباشر من جهة حكومية تكون مختصة بقطاع العمل، أسوة بما هو عليه بقطاعات الصحة والتربية والتعليم سواء المدرسي أو العالي. تلك القطاعات على أقل تقدير لم نشهد يومًا ما بأن أحد مسؤوليها صرح بأنهم غير مسؤولين عن قطاع التعليم أو عن قطاع الصحة.

وإذا أمعنا النظر في اختصاصات وزارة العمل، فهي عبارة عن دمج لاختصاصات خمس وحدات حكومية منها على سبيل المثال: وزارة القوى العاملة، وزارة الخدمة المدنية، المركز الوطني للتشغيل، والصندوق الوطني للتدريب. هذا الدمج كان له أهداف استراتيجية وتطويرية من حيث: التكامل والشمولية في متابعة ملف التشغيل؛ لتسهيل عملية اتخاذ القرارات ومتابعة التنفيذ. وبالتالي إعادة أو ترشيق الهيكلة هو توجه صحيح، في حال كون تلك الاختصاصات كلها تخدم منظومة التشغيل، إلا أن الأمر ليس كذلك حسب الوضع الحالي.

والقول بأن ليس هناك ثمة تركيز لقطاع العمل سببه؛ لأن وزارة العمل تشرف حاليًا أو تمارس اختصاصات تتعلق على سبيل المثال: قطاع الخدمة المدنية للوحدات التابعة لها، وموازنة الوظائف المركزية والتوظيف المركزي، والأداء الفردي والأداء المؤسسي، ومراجعة الهياكل التنظيمية للجهات الحكومية المدنية، وتنمية الموارد البشرية. وبالتالي هذه أعباء هيكلية تأخذ جهدًا ووقتًا من المختصين بوزارة العمل قد تعمل على تشتيت جهودهم التي يفترض أن تكون جميعها في صميم منظومة العمل، والتدريب المقرون بالتشغيل، ودراسة المهارات والكفايات التي يحتاجها القطاع الخاص والمؤسسات غير الحكومية من الموظفين. بمعنى آخر فإن الاختصاصات التي تخدم جهات ووحدات حكومية أخرى من المهم البدء في سياسة التدرج في منحها ممارسة تلك الاختصاصات. فمن غير المقبول ونحن في القرن الواحد والعشرين بأن تقوم وحدة إدارية بالإشراف على وحدات إدارية تتساوى معها في السلم الهيكلي ونعني بأن أغلب تلك الوحدات الحكومية يرأسها «وزير» أو رئيس وحدة بمرتبة «وكيل». وبالتالي مبدأ تبسيط الإجراءات، واللامركزية ((Decentralization نرى بأن يتم تفعيل ذلك النهج للوحدات الحكومية الحالية التي تشرف عليها وزارة العمل وأن تعنى وزارة العمل بقطاع العمل والتشغيل فقط.

وبالرغم من الجهود المقدرة التي تقوم بها وزارة العمل والجهات الداعمة للتشغيل خلال الفترة الماضية، ولكن الإحصاءات الصادرة من المركز الوطني للإحصاء والمعلومات تعطي انطباعًا بأنه لم يكن هناك ارتفاع ملموس في الذين تم تعيينهم حسب الخطط السنوية. فكانت هناك زيادة بعدد (6,001) ألف من العمانيين المؤمن عليهم الذين تم تشغيلهم بالقطاع العام خلال الفترة من ديسمبر (2022) إلى ديسمبر (2023). في المقابل كان ثمة انخفاض للعمانيين المؤمن عليهم العاملين بالقطاع الخاص بعدد (12,331) ألف، وبنسبة انخفاض بلغت (-4.3%) خلال نفس الفترة. هذا الانخفاض لا يسير بوتيرة تصاعدية مع المعدل المستهدف لحصة القوى العاملة من الوظائف المستحدثة بالقطاع الخاص، وهي نسبة (35%) بحلول عام (2030). عليه يظل عدد الباحثين عن العمل خلال السنتين الماضيين في حدود (100) ألف باحث عن عمل تقريبا، بالرغم من الجهود المبذولة من الجهات الحكومية المدنية والعسكرية ومؤسسات القطاع الخاص في محاولة استيعاب الباحثين عن العمل. كما أن التعافي المالي وارتفاع أسعار النفط خلال عام (2023)، لم يؤثر في زيادة الداخلين لسوق العمل من العمانيين وخاصة بمؤسسات القطاع الخاص. عليه وقياسًا على من يرى من الاقتصاديين بأن قضية الباحثين عن العمل لها ارتباط مباشر بالنمو الاقتصادي قد يكون صحيحا، حيث إن عدد المؤسسات الخاصة النشطة (الكبرى، والمتوسطة، والصغيرة) للفترة بين نهاية (2023) والربع الأول من عام (2024) لم تشهد تحسنًا، وإنما شهدت انخفاضًا. بينما المؤسسات الخاصة الصغرى هي التي شهدت ارتفاعًا من حيث عددها. ‏‏

كما أن إعادة هيكلة قطاع العمل، يأتي ضمن ما نادى به أغلب علماء الجودة ومنهم: إدوارد دمينج، وأيضًا جوزيف جوران، من أهمية التحسين المستمر للمنتج أو الخدمات المقدمة للمستفيدين، مع التقليل قدر الإمكان من الرقابة والتفتيش لغرض الحصول على الجودة. كما ينبغي التحول إلى تأهيل القيادات التنفيذية الذين يتولون مسؤولية تحقيق الأهداف المؤسسية، وهذا بدأ يتضح جليا فيما تقوم به الأكاديمية السلطانية للإدارة من التدريب الاستراتيجي للقيادات الحكومية بكافة مستوياتها الوظيفية. كما أن منهجيات الجودة والتحسين المستمر ومنها لين (Lean) تستند على الحد من الأعباء الزائدة في سير العمليات، وأن تكون الخدمات المقدمة بتكلفة أقل ، وهذا قد يكون ملحوظا في الوقت والجهد الذي تستغرقه إجراءات مراجعة واعتماد الهياكل التنظيمية والتي أغلبها يأخذ ما بين سنة إلى سنتين تقريبًا نظرًا لتعدد الوحدات ومن ضمنها وزارة العمل، التي تقوم بمراجعة الهياكل حتى مرحلة الاعتماد النهائي.

ثم نأتي لمسألة تحديد الوظائف التي تحتاجها قطاعات العمل المختلفة، حيث نرى بأن أهل مكة أدرى بما تحتاجه من وظائف. على سبيل المثال: وزارة التربية والتعليم هي التي تحدد الأعداد المطلوبة التي يحتاجها قطاع التعليم بناء على: المعدلات القياسية لعدد المدارس، ونصاب المعلم، والكثافة الصفية. والأمر كذلك بالنسبة لوزارة الصحة هي التي تحدد ما تحتاجه من: أطباء، وممرضين، وكوادر فنية وإدارية، وما تحتاجه المراكز الصحية والمستشفيات، حسب التوزيع الجغرافي للسكان، والمعمول به في المجال الطبي. والقول إن مركزية التوظيف والوظائف الذي تشرف عليها وزارة العمل هدفها: القضاء على ما يعرف بـ «البطالة المقنعة» المتمثلة في ضعف الإنتاجية للعاملين، وترهل أعداد الموظفين في بعض قطاعات العمل، قد يكون غير صحيح في ضوء ما يلاحظ من الزيادة السكانية، والحاجة إلى تمكين القطاعات الأساسية من تقديم خدماتها التي هي عضد التنمية ومنها: التعليم بمساراته المختلفة، وقطاع الصحة أيضًا بمساراته المختلفة وما تحتاجه المحافظات. وبالتالي إعادة النظر فيمن يحدد العدد المستهدف من العاملين أو الموظفين يكون ضمن صلاحيات رؤساء الوحدات الحكومية أنفسهم، طالما تم تمكين الرقابة المالية والإدارية لمتابعة مثل هذه الجوانب.

‏‏‏‏عليه نعتقد بأن إعادة هيكلة قطاع العمل، يتواكب مع التوجه الاستراتيجي في الاستمرار نحو تحسين الإطار الإداري والمؤسسي لسوق العمل والتشغيل، حسب مستهدفات رؤية عمان (2040)، التي رسمت أهداف ومؤشرات أداء استراتيجية، والتي تدعو إلى تطبيق اللامركزية في العمل، وفي الرشاقة للوحدات الحكومية لكي تكون هي المسؤولة عن إدارة اختصاصاتها التنفيذية، الأمر الذي يساعدها في رسم السياسات والخطط الاستراتيجية مع التقليل من الهدر الناتج عن العمليات والإجراءات الحكومية المتكررة بين الوحدات. عليه فإن إعادة هيكلة قطاع العمل من الممكن أن يؤدي إلى إيجاد مرجعية وحوكمة لهذا القطاع بشكل مؤسسي أكثر تنظيما، بعدها يستطيع المسؤولون القول بأن مسؤولية إيجاد فرص العمل والتشغيل يقع ضمن اختصاصاتهم، الأمر الذي قد يرسم صورة أكثر إشراقًا لمستقبل أفضل لمعالجة قضية العمل والباحثين عن العمل.

د. حميد بن محمد البوسعيدي خبير بجامعة السلطان قابوس

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الباحثین عن العمل العمل والتشغیل القطاع الخاص وزارة العمل ما تحتاجه

إقرأ أيضاً:

سفير أمريكا الجديد لإسرائيل يدعو لـإعادة ضبط كاملة للعلاقات الدولية

(CNN)-- دعا حاكم أركنساس السابق، مايك هاكابي، الذي عينه الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الثلاثاء، سفيرا للولايات المتحدة لدى إسرائيل، إلى "إعادة ضبط كاملة للعلاقات الدولية"، عندما يعود ترامب إلى البيت الأبيض.

وفي حديثه في مقابلة مع قناة فوكس نيوز، اقترح هوكابي إعادة تقييم كبيرة للعلاقات الدبلوماسية في جميع المجالات، موضحًا ما يتوقعه لرؤية ترامب للسياسة الخارجية، قائلا: "لقد حان الوقت لإعادة ضبط علاقاتنا الداخلية والدولية بشكل كامل.. من الواضح أن هذا ما يعتزم دونالد ترامب القيام به، ولا يسعني إلا أن أشعر بسعادة غامرة لرؤية هذا يحدث".

وادعى هوكابي أن فوز ترامب في الانتخابات أثر بالفعل على الصراع في الشرق الأوسط، في حين أثار المزيد من التشويق بشأن "إعادة تنظيم" مكانة البلاد في الدبلوماسية الخارجية، حيث قال: "إنك ترى تدافعًا في جميع أنحاء الشرق الأوسط من الدول التي تحاول فجأة التصرف بشكل مختلف لأنها تعلم أن عمدة جديدًا قد وصل إلى المدينة".

كما أشاد هوكابي بترامب لاختياره النائب عن نيويورك، إليز ستيفانيك، لتكون سفيرة الولايات المتحدة القادمة لدى الأمم المتحدة، قائلاً إنها ستجلب "كشفًا عظيمًا عن الأخطاء" في الأمم المتحدة، وكثيرا ما انتقدت ستيفانيك المنظمة الدولية، خاصة بسبب انتقاداتها لإسرائيل، وقالت الشهر الماضي إن إدارة بايدن يجب أن تفكر في "إعادة تقييم كاملة" للتمويل الأمريكي للأمم المتحدة إذا استمرت السلطة الفلسطينية في السعي لإلغاء عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة.

مقالات مشابهة

  • الجزائر تدعو إلى إعادة هيكلة النظام الدولي الحالي لمكافحة الإرهاب
  • رئيس الوزراء يؤكد ضرورة الإسراع في إنجاز متطلبات إعادة هيكلة الجهاز الحكومي
  • سيف بن زايد: هناك حاجة ماسّة لتوسيع التعاون الدولي لمكافحة الجرائم البيئية
  • الصحفيين تناقش قانون العمل.. البلشي: هناك حاجة لتعديلات جوهرية تضمن حقوق الصحفيين
  • مسئولة بالفيدرالي: هناك حاجة لمزيد من خفض أسعار الفائدة لكن بوتيرة بطيئة
  • وزير النقل الفلسطيني: 3 خطوات استراتيجية لإعادة تأهيل قطاع غزة
  • بلينكن: هناك حاجة لتنفيذ هدنة إنسانية طويلة بأجزاء من غزة
  • يترأسها إيلون ماسك.. ما مهام وزارة الكفاءة الحكومية التي استحدثها ترامب؟
  • RWE الألمانية تعتزم إعادة شراء أسهم بقيمة 1.6 مليار دولار
  • سفير أمريكا الجديد لإسرائيل يدعو لـإعادة ضبط كاملة للعلاقات الدولية