لجريدة عمان:
2024-07-01@18:53:20 GMT

الجنديّ الذي أساء معاملة الضفدع

تاريخ النشر: 29th, June 2024 GMT

«المتّهم قام بتعذيب وإساءة معاملة الضفدع بطريقة أدت إلى موته، كل من يقسو ويسيء إلى الحيوانات سينتهي به الأمر إلى إيذاء البشر أيضا». لم ينطق بهذا الكلام الذي ينضح بالعدالة والرفق بالحيوان، سيدُنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الذي أقسم أنه لو عثرتْ بغلة في العراق لخاف أن يسأله الله عنها: «لِمَ لمْ تصلح لها الطريق يا عُمر؟»، ولم يفُهْ به غاندي الذي أخبرنا أنه «بوسعنا أن نحكم على عظمة أمة ومدى رقيِّها الأخلاقي إذا نظرنا إلى الطريقة التي تعامل بها حيواناتها»، وإنما هو كلام صادر عن قضاة المحكمة العسكرية الإسرائيلية! نعم « صدِّقْ أو لا تصدِّق » هكذا نطقوا وهم يُعلنون حكمهم الصارم على جندي إسرائيلي قتل ضفدعًا، بالسجن أربعة أشهر، وتأدية الخدمة الاجتماعية ودفع غرامة قدرها 1500 شيكل.

تعود حكاية الضفدع المسكين إلى شهر مارس من عام 2023م (أي قبل طوفان الأقصى بسبعة أشهر) عندما عثر الجنديّ الإسرائيلي على هذا الضفدع سيء الحظّ بالقرب من مقرّ وحدته العسكرية، ويبدو أنه كان يشعر بالملل؛ لأنه لم يقتل فلسطينيًّا منذ فترة، فقرر أن يتسلى بوضع الضفدع في الميكروويف. كانت عشر ثوانٍ فقط قبل أن يطلب منه صديقه التوقف عن هذا الفعل المُشين، لكنها كانت كافية لقتل الضفدع.

صدر الحكم بمعاقبة الجندي يوم الأربعاء الماضي (26 يونيو 2024). ولا بد أن بيرس مورجان؛ الإعلامي البريطاني الشهير صاحب السؤالِ «العِلكة» لكل ضيف يمثّل فلسطين وقضيتها: «هل تدين حماس؟»، ومَنْ لَفَّ لفَّه من إعلاميي وسياسيي الغرب الإنساني «الكيوت»، وصهاينة العرب المبجلين، لا بدّ أنهم سعداء الآن بهذا الحكم ويهللون لــ«إنسانية» إسرائيل التي فاضت على البشر فانتقلت إلى الحيوانات والضفادع، يحق لهم ذلك لولا أن الحكم جاء بعد أكثر من 250 يومًا من حرب الكيان الصهيوني على البشر والشجر والحيوانات والحجر في غزة، والتي أزهق فيها حتى لحظة كتابة هذه السطور أكثر من سبعة وثلاثين ألف روح، ولولا أنه جاء أيضًا بعد يوم واحد فقط من بث قناة الجزيرة - يوم الثلاثاء الماضي - مشاهد لاعتداء كلب بوليسي أطلقته قوات الاحتلال بلا رحمة على سيدة فلسطينية مسنّة رفضت ترك بيتها في مخيم جباليا بقطاع غزة، مسببًا لها إصابة خطيرة.

هذا الاعتداء يذكرنا بعشرات الحوادث المماثلة التي استُخدِمتْ فيها الكلاب المدرَّبة، لتعذيب الفلسطينيين الآمنين وترويعهم، والتي من ضمنها حادثة اعتقال الأسير الفلسطيني السابق مبروك جرار من منزله فجر يوم 3 فبراير 2018، فعندما بلغ الجنود الإسرائيليون منزل جرار، توقفوا عند الباب؛ لا مراعاة لحرمة البيوت، ولكن خوفًا من أن يكون جرار مسلَّحًا، وأطلقوا الكلب نيابة عنهم إلى داخل المنزل، الذي جرَّ الرجل بعنف أمام زوجته وأطفاله، ولم تفلح محاولاته لتخليص نفسه من بين أنيابه لقوة العضة، وقد نهش الكلب أجزاء عدة من جسمه. سحب الكلب مبروك جرار إلى خارج المنزل حيث كان بانتظاره الجنود الذين انهالوا عليه ضربا على وجهه، مما أدى إلى كسر أنفه قبل أن يسقط مغشيًّا عليه والكلب يواصل قضم يده. أوثقوا قيده وهو ينزف واقتادوه لآلية الاعتقال ومن ثم إلى معسكر إسرائيلي، وهناك ظل ينزف دون علاج نحو ثلاث ساعات أمام الجنود الذين كانوا منهمِكين في التقاط صور السِلفي معه ضاحكين وساخرين!

حكاية أخرى عن «رفق» إسرائيل بالحيوانات حدثت في 9 أغسطس 2022م، عندما قُتِلَ كلبٌ تابع للجيش الإسرائيلي اسمه «زيلي» في عملية اقتحام لمدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة، أسفرت عن استشهاد ثلاثة مقاوِمين فلسطينيين أحدهم إبراهيم النابلسي القيادي في كتائب «شهداء الأقصى» الجناح المسلح في حركة فتح (والآخران هما إسلام صبوح وحسين جمال طه)، هذا عدا إصابة العشرات. قبل ذلك بخمسة أيام فقط (أي في 5 أغسطس 2022) قَتَلتْ إسرائيل بدم بارد الطفلة الفلسطينية آلاء قدوم في غارة جوية على غزة بينما كانت تلهو أمام منزلها في حيّ الشجاعية شرق القطاع. وفي تغطيتها للخبرَيْن لم تذكر وسائلُ الإعلام الإسرائيليةُ الطفلةَ الفلسطينية بحرف، لكنها أقامتْ في المقابل مَناحة كبيرة على الكلب، ونصبت صوان عزاء، إلى درجة أن مدرِّب الكلاب العسكرية الإسرائيلية السابق «بين زيلبرشتاين» الذي سُمِّيَ على اسمه الكلب النافق «زيلي»، عبّر عن غضبه في منشور على صفحته في «فيسبوك»، قائلًا بالحرف: «قَتْل الكلب حظي بتغطية إعلامية أكثر بكثير من التغطية الإعلامية لمقتل طفلة فلسطينية في غزة لم تتجاوز خمسة أعوام»!

ولكي لا يُفهم مقالي هذا خطأ أقول إن هذه ليست دعوة لأذية الحيوانات أو الضفادع -لا سمح الله- ولا استهانة بحمايتها من التعذيب أو ظلم الإنسان، فمن نافل القول إن الرفق بالحيوان هو ما تدعو له كل الأديان والشرائع السماوية والأرضية، وإنما هو فقط تذكير بأن هذا النفاق الفاقع، وازدواجية المعايير، ليسا جديدَيْن على إسرائيل ولا على داعميها في الولايات المتحدة وأوروبا، الذين يأنَفون أن يُعذَّبَ ضفدع، وينوحُون على كلب قُتِل في ساحة معركة، ويحزنون على الحيوانات والطيور وربما الصراصير، ويسعون لحمايتها بكل ما أوتُوا من «إنسانية» مفرِطة، لكنهم لا يأنفون، ولا يحزنون، ولا يرفّ لهم جفن، ولا تدمع لهم عين، ولا يتحرك لهم ضمير، عندما يُقتَلُ بدمٍ بارد آلافٌ مؤلفة من الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين، رغم أن هؤلاء عَدَّهم وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت «حيوانات بشرية»! وإنه لمن المثير للسخرية حقًّا أن قضاة المحكمة العسكرية في إسرائيل كتبوا أيضًا في حيثيات حكمهم على الجنديِّ قاتلِ الضفدع: «إن التعامل مع معاناة الحيوانات ليس صراعًا من أجل مصالح الحيوانات وحدها، بل هو تعبير عن الكرامة الإنسانية، ومراعاة مشاعر الآخرين الذين يرغبون في حماية الحيوان والأمن وقدسية الحياة بشكل عام».

إنهم يُقدسون الحياة يا سادة، و«بشكل عام»! ولكنْ حياة من؟ الضفادع والكلاب والحيوانات بدون أي استثناء، ويقدسون أيضًا حياة البشر، بشرط أن يكونوا إسرائيليين، وليسوا من «الأغيار»!.

سليمان المعمري كاتب وروائي عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

"أبو الغيط" يكشف كيف دافعت دول الخليج عن مصر بعد ثورة 30 يونيو

قال السفير أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، إن "دول الخليج والمملكة العربية السعودية دافعت في معركة نبيلة عن الدولة المصرية بعد ثورة 30 يونيو 2013، كما فعلت مؤخرًا في رأس الحكمة، حيث أن هذا المشروع يعد شيئا رئيسيا كقاطرة للتنمية للساحل الشمالي بأكمله لعقود كاملة".

أبو الغيط يلتقي وزير خارجية الصومال "أبو الغيط" يكشف كواليس علاقة مبارك بالولايات المتحدة ونواياها تجاه مصر الجندي المصري

وأضاف "أبو الغيط"، خلال لقائه على فضائية "اكسترا نيوز" مساء اليوم الأحد، "الجندي المصري منذ لحظة انتمائه للمؤسسة العسكرية وهو يتأسس على تربية ليست فقط الحفاظ على الحدود المصرية من الجبهات الأربعة، ولكن تأمين الاستقرار والأمن لمصر أيضا داخليا، وأن أؤمن بهذا الدور تماما، وقد يختلف معي البعض، وقد يقول آخرون إن القوات المسلحة المصرية مهمتها الدفاع الخارجي فقط".

وتابع "لا يمكن أن نصدق من يقولون في المجتمعات الغربية أن القوات المسلحة التابعة لهم بعيدين عن السياسة، فالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، قبل إخلائه من المسئولية بـ 14 يوما، اصطحب رئيس الأركان المشتركة الأمريكية في جولة وزيارة لكنيسة في واشنطن، ولهذا، فإن دور القوات المسلحة في أي مجتمع هو دور يشمل الأمن الخارجي والاستقرار الداخلي".

مقالات مشابهة

  • البعثة الأممية لحقوق الإنسان: انتهاكات إسرائيل بحق أسرى فلسطين "خرق واضح" للقوانين الدولية
  • البعثة الأممية لحقوق الإنسان: انتهاكات إسرائيل بحق الأسرى خرق للقوانين الدولية
  • لإرشاد المكفوفين وضعاف البصرعلماء يخترعون روبوتاً على شكل كلب بـ 6 أرجل
  • المصرف المتحد يمنح شهادة المليونير لصاحب أول معاملة بنكية بفروعه في عروض الساعة الذهبية
  • "أبو الغيط" يكشف كيف دافعت دول الخليج عن مصر بعد ثورة 30 يونيو
  • السيدة الفلسطينية ضحية هجوم الكلب الإسرائيلي: لا أنام من الرعب والألم لا يفارقني
  • محامي فرد الأمن يتقدم بجنحة تشهير ضد الكابتن أحمد حسن: أساء لسمعته
  • أقوال فرد أمن واقعة إمام عاشور ضد اللاعب أحمد حسن: أساء لي وقال خدت فلوس
  • الحاجة دولت تروي لـ«الوطن» لحظات هجوم الكلب عليها: جنود الاحتلال كانوا يضحكون