الجنديّ الذي أساء معاملة الضفدع
تاريخ النشر: 29th, June 2024 GMT
«المتّهم قام بتعذيب وإساءة معاملة الضفدع بطريقة أدت إلى موته، كل من يقسو ويسيء إلى الحيوانات سينتهي به الأمر إلى إيذاء البشر أيضا». لم ينطق بهذا الكلام الذي ينضح بالعدالة والرفق بالحيوان، سيدُنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الذي أقسم أنه لو عثرتْ بغلة في العراق لخاف أن يسأله الله عنها: «لِمَ لمْ تصلح لها الطريق يا عُمر؟»، ولم يفُهْ به غاندي الذي أخبرنا أنه «بوسعنا أن نحكم على عظمة أمة ومدى رقيِّها الأخلاقي إذا نظرنا إلى الطريقة التي تعامل بها حيواناتها»، وإنما هو كلام صادر عن قضاة المحكمة العسكرية الإسرائيلية! نعم « صدِّقْ أو لا تصدِّق » هكذا نطقوا وهم يُعلنون حكمهم الصارم على جندي إسرائيلي قتل ضفدعًا، بالسجن أربعة أشهر، وتأدية الخدمة الاجتماعية ودفع غرامة قدرها 1500 شيكل.
تعود حكاية الضفدع المسكين إلى شهر مارس من عام 2023م (أي قبل طوفان الأقصى بسبعة أشهر) عندما عثر الجنديّ الإسرائيلي على هذا الضفدع سيء الحظّ بالقرب من مقرّ وحدته العسكرية، ويبدو أنه كان يشعر بالملل؛ لأنه لم يقتل فلسطينيًّا منذ فترة، فقرر أن يتسلى بوضع الضفدع في الميكروويف. كانت عشر ثوانٍ فقط قبل أن يطلب منه صديقه التوقف عن هذا الفعل المُشين، لكنها كانت كافية لقتل الضفدع.
صدر الحكم بمعاقبة الجندي يوم الأربعاء الماضي (26 يونيو 2024). ولا بد أن بيرس مورجان؛ الإعلامي البريطاني الشهير صاحب السؤالِ «العِلكة» لكل ضيف يمثّل فلسطين وقضيتها: «هل تدين حماس؟»، ومَنْ لَفَّ لفَّه من إعلاميي وسياسيي الغرب الإنساني «الكيوت»، وصهاينة العرب المبجلين، لا بدّ أنهم سعداء الآن بهذا الحكم ويهللون لــ«إنسانية» إسرائيل التي فاضت على البشر فانتقلت إلى الحيوانات والضفادع، يحق لهم ذلك لولا أن الحكم جاء بعد أكثر من 250 يومًا من حرب الكيان الصهيوني على البشر والشجر والحيوانات والحجر في غزة، والتي أزهق فيها حتى لحظة كتابة هذه السطور أكثر من سبعة وثلاثين ألف روح، ولولا أنه جاء أيضًا بعد يوم واحد فقط من بث قناة الجزيرة - يوم الثلاثاء الماضي - مشاهد لاعتداء كلب بوليسي أطلقته قوات الاحتلال بلا رحمة على سيدة فلسطينية مسنّة رفضت ترك بيتها في مخيم جباليا بقطاع غزة، مسببًا لها إصابة خطيرة.
هذا الاعتداء يذكرنا بعشرات الحوادث المماثلة التي استُخدِمتْ فيها الكلاب المدرَّبة، لتعذيب الفلسطينيين الآمنين وترويعهم، والتي من ضمنها حادثة اعتقال الأسير الفلسطيني السابق مبروك جرار من منزله فجر يوم 3 فبراير 2018، فعندما بلغ الجنود الإسرائيليون منزل جرار، توقفوا عند الباب؛ لا مراعاة لحرمة البيوت، ولكن خوفًا من أن يكون جرار مسلَّحًا، وأطلقوا الكلب نيابة عنهم إلى داخل المنزل، الذي جرَّ الرجل بعنف أمام زوجته وأطفاله، ولم تفلح محاولاته لتخليص نفسه من بين أنيابه لقوة العضة، وقد نهش الكلب أجزاء عدة من جسمه. سحب الكلب مبروك جرار إلى خارج المنزل حيث كان بانتظاره الجنود الذين انهالوا عليه ضربا على وجهه، مما أدى إلى كسر أنفه قبل أن يسقط مغشيًّا عليه والكلب يواصل قضم يده. أوثقوا قيده وهو ينزف واقتادوه لآلية الاعتقال ومن ثم إلى معسكر إسرائيلي، وهناك ظل ينزف دون علاج نحو ثلاث ساعات أمام الجنود الذين كانوا منهمِكين في التقاط صور السِلفي معه ضاحكين وساخرين!
حكاية أخرى عن «رفق» إسرائيل بالحيوانات حدثت في 9 أغسطس 2022م، عندما قُتِلَ كلبٌ تابع للجيش الإسرائيلي اسمه «زيلي» في عملية اقتحام لمدينة نابلس في الضفة الغربية المحتلة، أسفرت عن استشهاد ثلاثة مقاوِمين فلسطينيين أحدهم إبراهيم النابلسي القيادي في كتائب «شهداء الأقصى» الجناح المسلح في حركة فتح (والآخران هما إسلام صبوح وحسين جمال طه)، هذا عدا إصابة العشرات. قبل ذلك بخمسة أيام فقط (أي في 5 أغسطس 2022) قَتَلتْ إسرائيل بدم بارد الطفلة الفلسطينية آلاء قدوم في غارة جوية على غزة بينما كانت تلهو أمام منزلها في حيّ الشجاعية شرق القطاع. وفي تغطيتها للخبرَيْن لم تذكر وسائلُ الإعلام الإسرائيليةُ الطفلةَ الفلسطينية بحرف، لكنها أقامتْ في المقابل مَناحة كبيرة على الكلب، ونصبت صوان عزاء، إلى درجة أن مدرِّب الكلاب العسكرية الإسرائيلية السابق «بين زيلبرشتاين» الذي سُمِّيَ على اسمه الكلب النافق «زيلي»، عبّر عن غضبه في منشور على صفحته في «فيسبوك»، قائلًا بالحرف: «قَتْل الكلب حظي بتغطية إعلامية أكثر بكثير من التغطية الإعلامية لمقتل طفلة فلسطينية في غزة لم تتجاوز خمسة أعوام»!
ولكي لا يُفهم مقالي هذا خطأ أقول إن هذه ليست دعوة لأذية الحيوانات أو الضفادع -لا سمح الله- ولا استهانة بحمايتها من التعذيب أو ظلم الإنسان، فمن نافل القول إن الرفق بالحيوان هو ما تدعو له كل الأديان والشرائع السماوية والأرضية، وإنما هو فقط تذكير بأن هذا النفاق الفاقع، وازدواجية المعايير، ليسا جديدَيْن على إسرائيل ولا على داعميها في الولايات المتحدة وأوروبا، الذين يأنَفون أن يُعذَّبَ ضفدع، وينوحُون على كلب قُتِل في ساحة معركة، ويحزنون على الحيوانات والطيور وربما الصراصير، ويسعون لحمايتها بكل ما أوتُوا من «إنسانية» مفرِطة، لكنهم لا يأنفون، ولا يحزنون، ولا يرفّ لهم جفن، ولا تدمع لهم عين، ولا يتحرك لهم ضمير، عندما يُقتَلُ بدمٍ بارد آلافٌ مؤلفة من الأطفال والنساء والشيوخ الفلسطينيين، رغم أن هؤلاء عَدَّهم وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت «حيوانات بشرية»! وإنه لمن المثير للسخرية حقًّا أن قضاة المحكمة العسكرية في إسرائيل كتبوا أيضًا في حيثيات حكمهم على الجنديِّ قاتلِ الضفدع: «إن التعامل مع معاناة الحيوانات ليس صراعًا من أجل مصالح الحيوانات وحدها، بل هو تعبير عن الكرامة الإنسانية، ومراعاة مشاعر الآخرين الذين يرغبون في حماية الحيوان والأمن وقدسية الحياة بشكل عام».
إنهم يُقدسون الحياة يا سادة، و«بشكل عام»! ولكنْ حياة من؟ الضفادع والكلاب والحيوانات بدون أي استثناء، ويقدسون أيضًا حياة البشر، بشرط أن يكونوا إسرائيليين، وليسوا من «الأغيار»!.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
وزيرة التنمية المحلية تستعرض سبل التعامل مع ظاهرة انتشار الحيوانات الضالة بالمحافظات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شاركت الدكتورة منال عوض وزيرة التنمية المحلية، اليوم الثلاثاء في اجتماع لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب برئاسة المهندس أحمد السجيني، وبحضور المهندس مصطفي الصياد نائب وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، وذلك لمتابعة خطة الحكومة بشأن وضع رؤية للقضاء على ظاهرة انتشار الحيوانات الضالة بمعظم محافظات الجمهورية، في ضوء الاستراتيجية الوطنية للقضاء على مرض السعار 2030، وذلك في إطار إصدار القانون رقم (29) لسنة 2023، بإصدار قانون تنظيم حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب.
ومن جانبها تقدمت الدكتورة منال عوض، بخالص الشكر للنائب أحمد السجيني علي دعوتها لحضور اجتماع اللجنة الخاصة بمناقشة هذا الموضوع المهم قبل صدور اللائحة التنفيذية للقانون ، وأشارت وزيرة التنمية المحلية إلي أهمية التعامل مع مشكلة الكلاب الضالة في مصر، والتي تعد أحد أسباب تواجد مرض السعار، الذي تعمل الدولة المصرية علي القضاء عليه بحلول عام 2030 وفقاً لخطة وزارة الصحة والسكان ورؤية منظمة الصحة العالمية ، مشيرة إلى تنفيذها تجربة ناجحة في محافظة دمياط خلال توليها مسؤولية المحافظة، وذلك في مدينة رأس البر بالتعامل مع الكلاب الضالة بالتعاون مع بعض الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بالرفق بالحيوان، وتحصين الكلاب وتعقيمها واستمرت التجربة لمدة حوالي 4 شهور وحققت نجاحًا كبيرًا.
وأكدت وزيرة التنمية المحلية، علي أهمية وجود خطة مدروسة ومحددة بكافة التفاصيل للتعامل مع الكلاب الضالة في مصر، مع ضرورة وجود مبالغ مالية مستدامة للمساعدة في تنفيذ خطة الحكومة ، لافتة إلي أن وزارة الصحة والسكان تقوم سنوياً بشراء مصل السعار بما يوازي مبلغ 1.2 مليار جنيه لعلاج المواطنين الذين يتعرضون للعقر من الكلاب الضالة في الشوارع .
وأوضحت الدكتورة منال عوض أن أعداد الكلاب الضالة في زيادة مستمرة في جميع المحافظات مما يتسبب مستقبلاً في عدم توازن ، كما أن هناك ازدياد في عدد الشكاوي المتعلقة بالكلاب الضالة لمبادرة " صوتك مسموع " بوزارة التنمية المحلية وكذلك شكاوي عدد من المحافظات .
و أضافت الدكتورة منال عوض أن هناك عدد من التجارب الناجحة في التعامل مع هذا الملف ومنها دولة المغرب وغيرها من دول العالم التي يتم الاستفادة منها ، لافتة إلى أهمية دور وسائل الإعلام في زيادة وعي المواطنين وتهيئة المجتمع خلال تنفيذ الخطة الخاصة بالتعامل مع الكلاب الضالة في المحافظات .
وأشارت وزيرة التنمية المحلية إلي أن الوزارة وضعت خطة للتعامل مع مشكلة الكلاب الضالة تتعاون فيها الوزارات والجهات المعنية من بينها وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي ووزارة الزراعة ( الهيئة العامة للخدمات البيطرية ) بالدعم الفني والكوادر المدربة ، والتنمية المحلية ووزارة البيئة ووزارة الداخلية ومنظمات المجتمع المدني ومنظمة الفاو وجمعيات الرفق بالحيوان وكليات الطب البيطري ومعهد المصل واللقاح .
وأكدت وزيرة التنمية المحلية علي وجود اختلاف في آلية التعقيم من الذكور للإناث للكلاب وتبلغ تكلفة الذكور حوالي 100 جنيه متوسط لكل كلب ذكر و300 جنيه متوسط لكل أنثي وذلك وفقاً للتجربة التي نفذتها في محافظة دمياط ، مشيرة إلي أهمية الاقتراح بعمل صندوق للتبرعات من بعض الجهات مثل ( شركات الأدوية - أجهزة المدن الجديدة الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان - الفاو).
كما لفتت “عوض” إلى أن الحادث الذي شهدته محافظة الإسكندرية منذ عدة شهور بعد تعرض أكثر من ٣٠ مواطنا للعقر من أحد الكلاب الضالة، وتم نشر الواقعة علي الصفحة الرسمية للمحافظة، وتم اتخاذ الإجراءات اللازمة من المحافظة تجاه الواقعة ، مشيرة إلى التكلفة المتوقعة لكل نقطة تعقيم في أي محافظة والتي تتكون من ( سيارة مجهزة - خدمات تشغيل السيارات ٢ مكان إيواء ( ذكور - إناث ) غداء ( 3 وجبات) وأدوات مساعدة إضافية وعمالة للخدمة وحراسة وعمالة مدربة للصيد ووحدة تبريد للطعام .
وأكدت وزيرة التنمية المحلية علي أهمية دور المجتمع المدني والجمعيات الأهلية المعنية بملف الكلاب الضالة في تعليم وتدريب العاملين في المنظومة بالمحافظات في ظل الخبرات والتجارب التي لديها وضرورة الاستفادة منها لتنفيذ خطة الحكومة في التعامل مع انتشار هذه الظاهرة .
شارك في الجلسة كل من النائب محمد الحسيني وكيل لجنة الإدارة المحلية والنائب محمد وفيق وكيل اللجنة والنائب عمرو درويش أمين سر اللجنة وعدد من أعضاء مجلس النواب وقيادات من وزارة التنمية المحلية وممثلين لوزارات المالية والتضامن الاجتماعي والتخطيط والتنمية الاقتصادية والبيئة ومصلحة الجمارك ومنظمات عن المجتمع المدني والجمعيات المعنية بالحيوانات .