هزالٌ يفُت عضُد القوة الشرائية
تاريخ النشر: 29th, June 2024 GMT
دخلت المجمع التجاري «المول» الذي كُتب عنه يوم افتتاحه الرسمي أنه سيكون «قِبلة التسوق» في سلطنة عُمان.. ذهبت إليه ليس رغبة في التبضع أو لممارسة رياضة المشي تحت التكييف المجاني كما يحدث عند البعض إنما لأن المقاهي المفتوحة لا تصلح هذه الفترة للجلوس بسبب ارتفاع درجات الحرارة بعد شتاء معتدل مر كلمحِ البصر.
ما ان توسطت الممر الذي عهدته مُزدحمًا في الطابق الأول حيث المتاجر ذات العلامات التجارية الشهيرة حتى لمستُ بوضوح الكآبة مخيمة على المكان. محلات لبيع الساعات والملابس والأحذية أُغلقت، مقاهِ ومطاعم تلفظ أنفاسها الأخيرة، عدد محدود من الأطفال في الركن المخصص للترفيه حتى أيقنت أنه بحق تأثير ضعف القوة الشرائية وهُزالها على حياة الناس.
لا يُذكر هذا الخلل والذي ضرب الحركة التجارية بمختلف دوائرها في مقتل إلا وتقفز إلى الواجهة أسباب يعدها الكثيرون جوهرية يتصدرها تقاعد موظفي الخدمة المدنية الباكر خاصة من أصحاب الهشاشة المالية الذين أضر بهم اقتطاع الرواتب الذي لامس الـ30 بالمائة متبوعًا بأعباء القروض وغلاء المعيشة.
هناك أيضًا الضرائب والعلاوات والميزات المخصومة من رواتب الموظفين ما أدى إلى إعادة النظر في نوعية التسوق تقوم على اقتناء ما هو ضروري إضافة إلى التأثير المباشر لرفع الدعم عن المحروقات والخدمات الأساسية كالماء والكهرباء إلى جانب ارتفاع تسعيرة خدمة الاتصالات وشبح تسريح موظفي القطاع الخاص المتواصل.
لقد أدت هذه الأسباب مجتمعة إلى تراجع قوة المواطن الشرائية وأسهم بعضها في إغلاق الكثير من المشاريع الصغيرة والمتوسطة وهروب الاستثمار الخارجي وتسريح العمانيين وظهور مشاكل اجتماعية أهمها ارتفاع نسبة الطلاق.
ولإعادة عجلة القطار إلى القضبان مجددًا بات من الضرورة المُضي قُدمًا في إيجاد مزيد من فرص العمل للشباب والنظر في إمكانية زيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين والتوجه نحو دعم شركات القطاع الخاص التي توظف المواطنين بـ٥٠ بالمائة من الراتب وتنشيط عملية الإحلال في الوظائف الحكومية والشركات التابعة لها.
لقد أثبتت الأزمة الاقتصادية التي مر بها العالم خلال الفترة بين العام ١٩٢٩ إلى ١٩٣٣ وعُرفت بـ«الكساد الكبير» بسبب الانهيار المفاجئ لقيمة أسهم بورصة «وول ستريت» في نيويورك نتيجة طرح ١٩ مليون سهم للبيع دفعة واحدة ليصبح العرض أعلى من الطلب أثبتت أنه ببعض الحلول المُبتكرة يمكن العبور فوق المعضلات الاقتصادية الكبيرة.
لتجاوز تلك الفترة العصيبة أمر الرئيس الأمريكي حينها فرانكلين روزفلت بتوجيه الباحثين عن عمل من الشباب للانخراط في المشروعات الحكومية الخاصة بالبنية الأساسية وفي مشاريع تشييد المباني والطرق ما أدى إلى حلحلة الأزمة ومعاودة الروح للاقتصاد الأمريكي والعالمي وانتعاشه.
النقطة الأخيرة..
«لا توجد شكوى أكثر انتشارا من شكوى ندرة المال».
آدم سميث عالم الاقتصاد الاسكتلندي
عُمر العبري كاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
القوة الناعمة المصرية بين الصعود والتراجع!
آن الأوان أن تستعيد مـصـر قــوتـهـا الــنـاعـمـة، ويعتمد ذلــك عـلـى الاضطــلاع بعـدد مــن الـمـحـددات، يأتى فــى مقدمتها الاهتمام بالثقافة الأصـيـلـة، وتــبـنـى أجــنـدة وطنية فى هذا الصدد، ومن هنا أبدأ مقالى بتساؤل مهم: ما هى القوة الناعمة؟، القوة الناعمة (بالإنجليزية: Soft power)، هى مفهوم قد صاغه جوزيف ناى من جامعة هارفارد لوصف القدرة على الجذب والضم دون الإكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع، وفى الآونة الأخيرة، تم استخدام المصطلح للتأثير على الرأى الاجتماعى والعام وتغييره من خلال قنوات أقل شفافية نسبيًا والضغط من خلال المنظمات السياسية وغير السياسية، علأً بأنه تختلف القوة الصلبة، عن القوة الناعمة، التى تأتى عن طريق الدبلوماسية، والحوارالحضارى، والتاريخ، والعلاقات المشتركة، ووفقًا لجوزيف ناى، تتضمن القوة الصلبة، القدرة على استخدام سياسة العصا والجزرة، من القوة الاقتصادية، والعسكرية، لحمل الآخرين على اتباع إرادتك، وبالنظـر للحالـة المصريـة، سـنجد أن مصـر تحظـى بجاذبيـة لـدى دول البحـر المتوسـط والـدول العربيـة؛ بسـبب مـا تحظـى بـه مـن قيـم التسـامح والديمقراطيـة، فضلًا عـن موقعهـا الجغرافـى الإسـتراتيجى، وأيضًـا سياسـتها الخارجيـة المتزنـة، وهـى عوامـل تتسـم بقبـول لـدى الآخريـن، الأمر الـذى ينعكـس علـى اسـتمرار جاذبية مصـر فـى محيطهـا الإقليمـى، وعلـى المسـتوى الدولـى، وعلـى الجانـب الآخر، نجـد أنـه حتـى لـو تمكنـت بعـض دول الجـوار الجغرافـى مثـل تركيـا أو إسـرائيل مـن امتلاك أفضـل وأقـوى الأسـلحة والتكنولوجيـات المتعلقـة بها، ودعـم قدرتهـا العسـكرية المتنوعـة، وتعزيـز تحالفاتهـا الدوليـة، فإنهـا لا يمكـن أن تنافـس مصـر فـى قوتهـا الناعمـة ذات الأبعاد الثلاثية المتمثلـة فـى التاريـخ واللغـة والثقافـة، ولا أن تحظـى حتـى بقبـول فـى المنطقـة، فمثلًا لقد اسـتخدم الرئيـس المصـرى الأسبق جمـال عبـدالناصـر القـوة الناعمـة المصريـة ببراعـة شـديدة خلال خمسـينيات وسـتينيات القـرن العشـرين، وذلـك مـن خلال توظيـف أدوات السـينما، والفن، فضلًا عن الاسـتفادة من مكانة مؤسسـة الأزهر، واسـتقطاب الطلاب مـن الخـارج للدراسـة فـى مصـر، بمـا أضـاف للقـوة الناعمة المصريـة مكانة كبيـرة تـكاد تماثـل الأهميـة الإسـتراتيجية لحجـم البلاد وموقعهـا الجغرافـى، وإذا كنا نبحـث عـن اسـتعادة الـدور المصـرى الرائـد فـى المنطقـة، فسـيتعين علينـا أن نبحـث عـن الصناعـات الثقافية، مثل صناعة النشـر والسـينما، بالإضافة إلى دور الرياضة، وهذا يتطلب دخول القطاع الخاص بقوة فى هـذه الصناعـات؛ لإعادتهـا إلـى سـابق عهدهـا بما يسـهم فـى تعزيـز الـدور المصرى الإقليمـى والدولـى، وأخيرًا فإن التحديات المتسارعة التى يشهدها العالم تقتضى مواصلة مصر تبنى النهج الدبلوماسـى الهادئ والرشـيق والمؤثر؛ لكسـب مزيد من الدول الصديقة على مسـتوى العالـم، والاسـتمرار فـى تدشـين علاقـات قويـة ودائمـة مـع الـدول الإفريقية، لا سيما المطلـة علـى نهـر النيـل، وكذلـك مـع الـدول العربية، وللحديث بقية إن شاء الله.