أجمل يوم لم يأتِ بعد!
تاريخ النشر: 29th, June 2024 GMT
د. محمد بن عوض المشيخي **
أجمل ما في هذه الحياة أن نعيش ونحيا بالأمل الذي يعني لنا المستقبل المشرق والذي من خلاله نودع الماضي بأحزانه، والحاضر بكل ما يحمله من سكون وقلق وتوتر من الواقع الأمر الذي صاحبنا طوال ما مضى من العمر، وننطلق نحو الأفق الجميل ونترك خلفنا الزوايا المظلمة إلى الأبد.
وفي حقيقة الأمر أن أثمن الإنجازات التي تحققت للإنسانية عبر تاريخها الطويل؛ هو العمل بجهد واجتهاد لمد جسور من الأمل على ضفاف أنهار من اليأس؛ فالبوساء هم المعذبون في الأرض الذين تساقطت أحلامهم مثل أوراق أشجار الخريف ووصلت بهم إلى طريق مسدود، والأمل هو أجمل ما في هذا الكون؛ فهو عكس القنوط واليأس اللذيْن يعنيان ببساطة معولًا لهدم المشاريع المستقبلية والدخول في دروب مظلمة من المعاناة التي تُنهى مشوارنا في هذه الدنيا الجميلة، التي أوجد الله فيها الإنسان ليُعمرها ويعمل بجد وإخلاص لتحقيق طموحاته الواعدة التي لا يمكن لها أن تتحول إلى حقيقة إلّا بالإرادة الصلبة والعزيمة القوية.
لا شك أن الناس قد وُجِدَت للعمل والتعمير؛ ولا يوجد في قاموس الحياة من يُحقق أهدافه بدون خطط واضحة المعالم، ومثابرة وجهد مضنٍ، فلا يوجد طريق مفروش بالورود في هذا الكوكب. ومن هنا يجب أن يدرك الجميع بأن أجمل يوم في حياتنا لم يأتِ بعد؛ بل هو ذلك اليوم الدافئ والواعد والذي يحمل لنا في طياته الكثير والكثير من الأماني التي تتحقق فيها الآمال الكبرى والإنجازات العظيمة والتي سوف يفتخر فيها كل من وقف معنا وشجعنا، ونقصد بهم هنا أولئك الذين أخذوا بأيدينا في أحلك الظروف وأصعبها على الإطلاق، ومن سوء الحظ أن هؤلاء قلائل في هذا الزمن الصعب؛ فالحصول على أشخاص يمكن أن نعدهم في حياتنا بأنهم أملنا وسندنا للولوج إلى قادم الأيام الجميلة أقرب إلى الخيال منه إلى الواقع.
والإنسان إذا فقد الأمل يمكن تشبيهه بالورد أو النبات بدون ماء، فنهايته الفناء والذبول الأبدي. فلا شيء أقوى وأفضل لقهر التحديات والعقبات التي تواجهنا في مختلف محطات الحياة إلا الإيمان بالله الذي أوجدنا لتعميرالكون؛ ولا يُمكن أن يتخلى عنَّا، ثم القوة السحرية التي أذهلت الفلاسفة وعلماء النفس والاجتماع عبر التاريخ، فهي سر وقوة الابتسامة الواثقة التي تظهر على شفاهنا ووجهونا أمام الآخرين من حولنا من الأصدقاء والأعداء على حد سواء مهما كانت الظروف، فهي سلاح فتَّاك يزلزل الجبال ويُحقق النصر الساحق أمام الهزائم المفترضة التي تجعلنا نستسلم لمن خذلنا أو أراد لنا الاندحار والتوقف عن السعي في سبيل الرزق وتحقيق النجاح. كما أن الصبر والصمود والثبات في مسيرة حياتنا الملئة بالأحداث الدراماتيكية؛ من أهم مفاتيح النجاح التي يمكن أن تصنع الفارق بل المستحيل.
كم هو عظيم هذا الإنسان الذي يقهر اليأس والظلم بالابتسامة الصادقة التي تعنى ببساطة بأن هناك رباً يدبر الأمور في هذه الحياة؛ ولا يمكن بأي حال من الأحوال؛ أن يخذل عبده المؤمن بالأقدار الإلهية، فهناك قاعدة ربانية صادقة نومن بها جميعا أشد الإيمان مفادها بعد العسر يسر، يقول الله تعالى في سورة الطلاق "سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا"؛ لِمَ لا فقد ذكر الله تعالى الأمل في القرآن الكريم أكثر من مرة، إذ قال جل جلاله في سورة الكهف "وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا".
الأمل هو النافذة الصغيرة التي تفتح لنا آفاقًا رحبة في الحياة، فعند ما نزف خبرا سارا لصديق قد ضاق صدره من الحزن والألم؛ نجده قد كتب له حياة جديدة في رحاب الأمل ودروبه، فيكون رد فعله لذلك الخبر هو (بشر). بالطبع لولا أملنا في الغد لتحطمت اشرعة سفننا العابرة للمستقبل على الصخور الصماء في أعماق البحار؛ والتي تهلك الحرث والنسل، ولكن بالأمل تستمر الحياة، فكل إنسان في هذا العالم الواسع المترامي الأطراف يطمح إلى تحقيق أحلام ومشاريع مؤجلة. وهذه القاعدة تنطبق على جميع البشر كبيرًا وصغيرًا، فكل واحد فينا يتطلع إلى إضافة المزيد من الإنجازات المستقبلية المتمثلة في الشهرة والسمعة الطيبة، وكذلك زيادة الأرصدة البنكية والأموال بشكل عام؛ والحصول على المراتب العليا في المناصب، هذا بالنسبة للطبقة المخملية، بينما عامة الناس تجاهد للحصول على مصدر رزق أساسي يغطي مصاريف الحياة اليومية فقط، هذا إذا كان الانسان العادي محظوظا في هذه الدنيا التي تتلون بالألوان الرمادية الباهته وتفتح أبوابها واذرعها للبعض فقط.
ومن المفارقات العجيبة هنا، أن تجد كل من رحل من هذه الدنيا يحمل في نفسه طموحات وآمال يتمنى تحقيقها قبل الموت؛ فهؤلاء الذين استقر بهم الحال في المقابر كان كل واحد منهم عنده قائمة طويلة من الأعمال المستقبلية والتي لم تر النور انتظارا لأمل قد لا يتحقق، على الرغم بأن كل فرد من حقه أن يحلم وينظر بعين نحو السماء لعل ذلك يتحقق يومًا ما!
من المؤسف حقًا بأن هناك من البشر في هذا العصر من يصابون بخيبة أمل وانزعاج شديد؛ عندما يرون غيرهم من الناس قد حققوا مكاسب مالية، ومناصب رفيعة، وشهادات عُليا من أعرق الجامعات، حتى ولو كانت مكاسب هؤلاء المغضوب عليهم، سوف تعود بالنفع للوطن والمجتمع بشكل عام. من هنا أتذكر كلامًا مُعبِّرًا عن هذا الواقع المرير؛ للعالم المصري الراحل أحمد زويل الذي قال "الأوروبيون ليسوا أذكى منّا، لكنهم يقفون ويدعمون الفاشل حتى ينجح، أما نحن فنحارب الناجح حتى يفشل". بالفعل هناك أعداء النجاح في كل المنافذ والزوايا المحيطة بنا، والذين يتمنون أن يعُمَّ الفشل الجميع دون تمييز، لكي يتساوى معهم الناجحون والمجتهدون، ويتقاسم الجميع الأصفار. إنها خيبة أمل ونظرة سلبية للأمور، فمنطق هؤلاء الحُسَّاد أنهم لا يحبون الخير لغيرهم؛ فهم لا يتحملون أن تنزل النعم على من حولهم من العباد!
وفي الختام.. يجب التأكيد على قاعدة مُهمة؛ وهي أن السعي في الأرض والمثابرة والاجتهاد والأخذ بالأسباب التي تدفع بصاحبها إلى الغايات الكبرى، كل ذلك من أهم أساليب النجاح المقرونة بالأمل الصادق، وإذا اعتقد البعض أنه يمكن الركون على الأمل الذي يُصاحبه الكسل والانتظار، ففي حقيقة الأمر السماء لا تُمطِر ذهبًا ولا فضة، فلكل مجتهد نصيب في هذه الحياة.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
استعراض جهود تصفير البيروقراطية في الخدمات النفسية
دبي: «الخليج»
عقدت مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية جلسة دورية لمجلسها الاستشاري للمرضى وعائلاتهم، في مستشفى الأمل للصحة النفسية التابع لها، بحضور الدكتور يوسف محمد السركال، مدير عام مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية، ومحمد بن طليعة، رئيس الخدمات الحكومية في حكومة دولة الإمارات، ومشاركة الدكتورة نور المهيري، مدير إدارة الصحة النفسية، والدكتور عمار البنا، مدير المستشفى، وعدد من مديري الإدارات والمسؤولين في المؤسسة.
واستعرضت المؤسسة محطات نجاح مجلسها الاستشاري للمرضى وعائلاتهم، الذي أطلقته في عام 2021، بهدف تعزيز الشراكة بين المرضى والمؤسسة، والذي عقد منذ تأسيسه 15 اجتماعاً دورياً بمشاركة ممثلين من مختلف إمارات الدولة، نتج عنها تبنّي 30 توصية فاعلة، أسهمت في تحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة، حيث أظهرت النتائج أن 98% من المرضى يرون في المجلس منصة فعالة لإحداث تغيير ملموس.
نحو تجربة أكثر فاعلية وأمناً
وسلّط اجتماع المجلس الاستشاري للمرضى وعائلاتهم الضوء على إنجازات مستشفى الأمل للصحة النفسية في إطار تحقيق مستهدفات برنامج «تصفير البيروقراطية الحكومية»، بما في ذلك مبادرة «دخول أسرع وجودة أفضل» التي أطلقها المستشفى لتبسيط إجراءات دخول المرضى إلى الأقسام الداخلية لتلقي العلاج، وقد حققت المبادرة نتائج لافتة، تمثلت في تقليص عدد خطوات الدخول من 10 خطوات إلى ثلاث خطوات فقط، وتخفيض زمن الانتظار بنسبة 90%، الأمر الذي يتماشى مع التزام المستشفى بتقديم خدمات أكثر كفاءة وسلاسة تُعزّز رضا المتعاملين وترتقي بتجربتهم.
ويسعى مستشفى الأمل للصحة النفسية إلى تقديم خدمات نفسية استباقية تهدف إلى تحسين جودة الحياة وتقليل العبء على المرضى وأسرهم. ومن بين هذه الخدمات، برنامج الطب النفسي المجتمعي الذي يشمل الزيارات المنزلية والذي أسهم في تقليل عدد الزيارات إلى المستشفى وتحقيق نتائج إيجابية تمثلت في رفع مستوى رضا المرضى وأسرهم إلى 96%. كما يوفر المستشفى خدمات إضافية مثل الخط الساخن لمساعدة المرضى.
وأكّد الدكتور يوسف محمد السركال أن مؤسسة الإمارات للخدمات الصحية تعمل على تطوير منظومة الصحة النفسية بما ينسجم مع التوجهات الوطنية وأرقى المعايير العالمية، مع التركيز على تصفير البيروقراطية وتبسيط الإجراءات، موضحاً أن مستشفى الأمل للصحة النفسية يمثل نموذجاً عملياً لرؤية القيادة الرشيدة في تقديم خدمات صحية متكاملة تسهم في تعزيز جودة الحياة ورفاهية المجتمع.
من جهته، أكد محمد بن طليعة أن تصفير البيروقراطية الحكومية هو جهد وطني شامل لمختلف القطاعات ومجالات العمل الحكومي، وأشار إلى أن برنامج تصفير البيروقراطية الحكومية يعكس رؤية قيادية محورها الإنسان في دولة الإمارات، وهدفها الأساسي تسهيل الحياة وممارسة الأعمال، من خلال تقليل الإجراءات وتبسيط المتطلبات، مثنياً على مبادرات مؤسسة الإمارات الصحية وجهودها في تصفير البيروقراطية بما يسهل حياة المرضى وعائلاتهم.
بدورها، أكدت الدكتورة نور المهيري، مدير إدارة الصحة النفسية في المؤسسة، أن المجلس الاستشاري للمرضى وعائلاتهم يمثل حلقة الوصل المحورية بين رؤية المؤسسة الرامية لتقديم خدمات صحية مبتكرة وبين تحقيقها على أرض الواقع، مشيرةً إلى أن جهود تصفير البيروقراطية في خدمات الصحة النفسية تُعدّ خطوة أساسية لتحسين تجربة المرضى وتعزيز الكفاءة التشغيلية، وأضافت: «نعمل على تقديم خدمات صحة نفسية تتسم بالسهولة والفاعلية، وتُلبي تطلعات المتعاملين بشكل مباشر، مع التأكيد على دور المجلس كمنصة تعزز الشفافية وتحقق التكامل بين الخدمة ومتلقيها».
نهج مزدوج لتعزيز جودة الحياة
من جهته، أكّد الدكتور عمار البنا، مدير مستشفى الأمل للصحة النفسية، أن المستشفى يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق رؤية المؤسسة الرامية إلى تقديم خدمات علاجية وتأهيلية متكاملة تسهم في تحسين جودة حياة المرضى وتعزيز دعم أسرهم، موضحاً أن المستشفى يلتزم بتوفير بيئة علاجية مبتكرة تُعزز التعافي النفسي، وتدعم عملية الدمج المجتمعي بما يحقق أثراً إيجابياً مستداماً.