وحدة المجتمع.. ضرورة تنموية
تاريخ النشر: 29th, June 2024 GMT
د. محمد بن خلفان العاصمي
على مدى أكثر من خمسة عقود مضت من عمر النهضة بقيادة السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- والنهضة المتجددة تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أيده الله- تشكّلت لدى المجتمع العُماني قيم اجتماعية تناسقت مع قيم ومبادئ الدين الحنيف، وظهر السلوك المجتمعي المتناسق مع طبيعة الإنسان السوي، ليظهر لنا ثيمة خاصة أصبحت ترافق العُماني حيثما حل، وأضحت هي السمة السائدة والطبيعة المعروفة لدى جميع الشعوب من تسامح وتعايش واحترام وتقبل للرأي الآخر والإيمان بالحريات والحقوق.
هذه السمات التي يتصف بها غالبية العُمانيين هي نتاج عوامل عديدة تكونت من خلالها، ولعل أهم هذه العوامل هي العادات والتقاليد الاجتماعية التي يتصف بها المجتمع من تقارب وعلاقات وارتباط فيما بينه وما تشكله القبيلة من مصدر لهذه العلاقات وما تعززه الأسرة سواء كانت الكبيرة الممتدة أم الصغيرة المحدودة من سلوكيات هي أيضاً مساهم رئيسي في تشكل هذه السمات، التي أخذت في الترسخ داخل الفرد حتى صارت طبيعة خاصة به.
وعندما نرى المُمارسات التي يمارسها أفراد المجتمع من تعاضد وتآزر وتواصل وتكافل وتعاون، ندرك أن هذا المجتمع يمضي في الطريق الصحيح لبناء أمة ذات هوية خاصة، هذه الهوية التي تحدد ملامح المجتمع وسلوك أفراده فتعيدهم دائماً إلى الطريق السليم إذا ما انحرفوا وتعزز لديهم الممارسات والسلوكيات الأخلاقية والاجتماعية الصحيحة، وتنشئ أجيالا من أبناء المجتمع على نفس هذا النهج وفق أسس وضوابط وقواعد مجتمعية ذات طبيعة متوارثة وسليمة.
فلا نعجب عندما يجمع المجتمع بكل مكوناته على صحة أو خطأ أي سلوك يُمارس من قبل فرد أو جماعة من أفراد المجتمع؛ فالمجتمعات التي تصل إلى مرحلة مُتقدِّمة من الوعي وتلك التي تملك هوية خاصة وسمات اجتماعية وقيمًا ومبادئ ثابتة، تستطيع مُمارسة النقد بكل وضوح وموضوعية، فيَمِيزُ أفرادها بين السلوك الصحيح وغير الصحيح بسهولة ودون مزيد من الجدل والتساؤل عن مدى صحة هذا التقييم، هذا النقد هو المعيار الذي يتحدَّد من خلاله المسار السلوكي والقيمي للفرد والجماعة في المجتمع.
لقد تربى العُمانيُّ على الاحترام وتقدير الآخر وتقبل الرأي والتعامل مع المواقف وفق نمط محدد، ولعبت منظومة القيم المجتمعية التي شكلت هذا السلوك دورا مُهما في بناء مجتمع متفاعل بشكل إيجابي بكل مكوناته، هذا التفاعل نتاج وجود تعددية اجتماعية وثقافية ودينية داخل المجتمع، تلقى التقدير والاحترام والقبول من الجميع دون الخوض في تفاصيل هذه التعددية وأسسها ومنطلقاتها؛ بل إنها تعد من المسلمات التي يجب تقبلها وتقدير أفرادها مهما كان الاختلاف والخلاف حولهم.
وقد عضّدت القوانين كل ذلك وجعلت من الحريات وحماية الحقوق أساس العلاقة بين أبناء المجتمع وحرمت المساس بها ووضعت العقوبات الرادعة لمن يقترب من هذا الخط الأحمر الذي هو بداية إفساد نسيج المجتمع المترابط، هذا النسيج الذي يستمد جماليته من اختلاف ألوانه وتعددها وتداخلها فيما بينها وتناسقها الذي يشبه لوحة فسيفسائية تتداخل فيها الألوان والأشكال بشكل عميق.
ووحدة المجتمع العُماني لم تتحقق بمحض الصدفة؛ بل هي عملية استغرقت وقتا طويلا وجهدا عظيما من قبل القيادة الرشيدة والمؤسسة الدينية والمؤسسات الأمنية والمؤسسات الوطنية الأخرى التي عملت لترسيخ هذه المفاهيم بين أبناء الشعب وحافظت على هذه الوحدة من خلال منظومة القوانين والتشريعات التي تحفظ كرامة المواطن وتضمن أمنه واستقراره ومن خلال منظومة القيم والمبادئ التي تشرب بها أفراد المجتمع من خلال الأسرة والمسجد والمدرسة حتى أصبحت جزءا أساسيا من سلوكياته وهويته.
إنَّ الأمم والحضارات تبقى في ذاكرة الزمن عندما تكون ذات تأثير على المحيط، وقد كان الأجداد هكذا عندما نشروا الإسلام في شرق القارة الأفريقية وشبه القارة الهندية إلى آسيا الوسطى وغيرها من البلاد التي وصلوها كتجار إلّا أنهم غادروها كدعاة للدين الإسلامي الحنيف بفضل ما يحملونه من قيم جعلت أبناء هذه البلاد يدخلون الإسلام، ونحن اليوم لا بُد لنا أن نكمل هذا الطريق من خلال ترسيخ الصورة المثالية التي عرف بها العُماني، وهذا الأمر لن يتأتى إلا إذا حافظنا على قيمنا وسماتنا وخصائصنا التي عرفنا بها لنكون أمثلة ونماذج وقدوات.
هذه دعوة لجميع أفراد المجتمع بكل أطيافه وتوجهاته بأن نستوعب معنى وقيمة الإرث الذي نحمله، وأن نحافظ على نسيج المجتمع المتماسك؛ بل علينا أن نزيده متانة وترابطًا وقوة متجنبين مسببات الخلاف والشقاق، مُبتعدين عمّا يمكن أن يضرب لحمتنا الوطنية، متخذين التعايش والتسامح منهجي حياة لنا يحددان مسار العلاقات المجتمعية بين الجميع؛ حيث إن وحدتنا الوطنية هي أحد أركان النجاح الذي تحقق خلال الفترة الماضية، وهو أساس المستقبل المشرق الذي نطمح له.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مجلسُ الأعمال العُماني السّعودي يطّلع على الفرص الاستثمارية الواعدة بمحافظة الظاهرة
العُمانية/ قام أعضاء مجلس الأعمال العُماني السعودي بزيارة إلى محافظة الظاهرة للتعرف على الفرص الاستثمارية والتجارية في المحافظة، حيث كان في استقبالهم سعادة نجيب بن علي الرواس، محافظ الظاهرة وبحضور أصحاب السعادة الولاة وأعضاء مجلسي الشورى والبلدي وعدد من المسؤولين من كلا الجانبين.
واستعرض سعادة محافظ الظاهرة خلال اللقاء الفرص الاستثمارية والتجارية المتاحة بمحافظة الظاهرة وما تزخر به من مكنونات تاريخية وطبيعية لا سيما موقعها الاستراتيجي الحدودي مع المملكة العربية السعودية الشقيقة، وأهم المزايا التنافسية للمحافظة والمشروعات التنموية والاستراتيجية والمستقبلية والفرص الاستثمارية المستهدفة، إلى جانب تقديم عرض مرئي من "أوباز" حول المنطقة الاقتصادية الخاصة المتكاملة بولاية عبري، التي تعد مركزًا صناعيًّا ولوجستيًّا واعدًا بفضل موقعها الاستراتيجي وما توفره من حوافز وتسهيلات للمستثمرين.
كما تضمن اللقاء عرضًا مرئيًّا من قِبل المنطقة العامة للمناطق الصناعية "مدائن" استعرض أهم القطاعات المستهدفة والمؤشرات الرقمية والمزايا النسبية لمدينة عبري الصناعية التي تهدف إلى جذب الاستثمارات الصناعية والتجارية من خلال بنية أساسية متطورة وحوافز تنافسية، بالإضافة إلى استعراض مشروع إطلالة عبري ومشروع منتجع الصفا وشركة الظاهرة الدولية للتنمية والاستثمار.
كما قام أعضاء مجلس الأعمال العُماني السّعودي بزيارة ميدانية للمشروعات في ولاية عبري مثل مشروع إطلالة عبري المزمع تنفيذه ليكون إضافةً لمشروعات محافظة الظاهرة، إلى جانب زيارة لمواقع المحاجر والتعدين القائمة التي تعد فرصة واعدة للمستثمرين.
وقال إبراهيم بن يوسف الزدجالي مدير مشروع تطوير المنطقة الاقتصادية المتكاملة بمحافظة الظاهرة بالهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة إن من أهم الأهداف الاستراتيجية لمشروع المنطقة الاقتصادية المتكاملة بمحافظة الظاهرة هي تعزيز التعاون وفتح آفاق جديدة للاقتصاد العُماني والسعودي المشترك، حيث تم طرح مناقصات الميناء البري والمحجر البيطري أخيرا بمساحة إجمالية مخصصة تبلغ ٤ كيلومترات مربعة، كما طرحت الهيئة في نهاية العام الماضي مناقصة الطرق الرئيسة وقنوات تصريف المياه السطحية بالمنطقة، موضحًا أن لقاء الجانبين العُماني والسعودي يأتي من أجل تعزيز التجارة البينية بين البلدين، والاستفادة من مقومات المنطقة لاسيما في مجال التعدين، حيث تزخر محافظة الظاهرة بثروات معدنية كبيرة جديرة بالاستغلال التجاري.
ويأتي هذا اللقاء ضمن فعاليات ملتقى الأعمال العُماني السعودي الذي عُقد أخيرا بمحافظة مسقط وناقش سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية بين سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية، إلى جانب بحث فرص زيادة حجم التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة، وتعزيز التعاون بين القطاع الخاص في البلدين، لا سيما في المشروعات القائمة.
وختم أعضاء المجلس زيارتهم لمحافظة الظاهرة بجولة ميدانية إلى مشروع إطلالة عبري الذي يعد أحد المشروعات المستقبلية القادمة ضمن مشروعات المحافظة الواعدة، إلى جانب زيارة مواقع التعدين والمحاجر التي تزخر بها محافظة الظاهرة وتعد فرصة مثالية للمستثمرين في هذا المجال.