جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-17@11:02:54 GMT

وحدة المجتمع.. ضرورة تنموية

تاريخ النشر: 29th, June 2024 GMT

وحدة المجتمع.. ضرورة تنموية

 

د. محمد بن خلفان العاصمي

على مدى أكثر من خمسة عقود مضت من عمر النهضة بقيادة السلطان الراحل قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- والنهضة المتجددة تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- أيده الله- تشكّلت لدى المجتمع العُماني قيم اجتماعية تناسقت مع قيم ومبادئ الدين الحنيف، وظهر السلوك المجتمعي المتناسق مع طبيعة الإنسان السوي، ليظهر لنا ثيمة خاصة أصبحت ترافق العُماني حيثما حل، وأضحت هي السمة السائدة والطبيعة المعروفة لدى جميع الشعوب من تسامح وتعايش واحترام وتقبل للرأي الآخر والإيمان بالحريات والحقوق.

هذه السمات التي يتصف بها غالبية العُمانيين هي نتاج عوامل عديدة تكونت من خلالها، ولعل أهم هذه العوامل هي العادات والتقاليد الاجتماعية التي يتصف بها المجتمع من تقارب وعلاقات وارتباط فيما بينه وما تشكله القبيلة من مصدر لهذه العلاقات وما تعززه الأسرة سواء كانت الكبيرة الممتدة أم الصغيرة المحدودة من سلوكيات هي أيضاً مساهم رئيسي في تشكل هذه السمات، التي أخذت في الترسخ داخل الفرد حتى صارت طبيعة خاصة به.

وعندما نرى المُمارسات التي يمارسها أفراد المجتمع من تعاضد وتآزر وتواصل وتكافل وتعاون، ندرك أن هذا المجتمع يمضي في الطريق الصحيح لبناء أمة ذات هوية خاصة، هذه الهوية التي تحدد ملامح المجتمع وسلوك أفراده فتعيدهم دائماً إلى الطريق السليم إذا ما انحرفوا وتعزز لديهم الممارسات والسلوكيات الأخلاقية والاجتماعية الصحيحة، وتنشئ أجيالا من أبناء المجتمع على نفس هذا النهج وفق أسس وضوابط وقواعد مجتمعية ذات طبيعة متوارثة وسليمة.

فلا نعجب عندما يجمع المجتمع بكل مكوناته على صحة أو خطأ أي سلوك يُمارس من قبل فرد أو جماعة من أفراد المجتمع؛ فالمجتمعات التي تصل إلى مرحلة مُتقدِّمة من الوعي وتلك التي تملك هوية خاصة وسمات اجتماعية وقيمًا ومبادئ ثابتة، تستطيع مُمارسة النقد بكل وضوح وموضوعية، فيَمِيزُ أفرادها بين السلوك الصحيح وغير الصحيح بسهولة ودون مزيد من الجدل والتساؤل عن مدى صحة هذا التقييم، هذا النقد هو المعيار الذي يتحدَّد من خلاله المسار السلوكي والقيمي للفرد والجماعة في المجتمع.

لقد تربى العُمانيُّ على الاحترام وتقدير الآخر وتقبل الرأي والتعامل مع المواقف وفق نمط محدد، ولعبت منظومة القيم المجتمعية التي شكلت هذا السلوك دورا مُهما في بناء مجتمع متفاعل بشكل إيجابي بكل مكوناته، هذا التفاعل نتاج وجود تعددية اجتماعية وثقافية ودينية داخل المجتمع، تلقى التقدير والاحترام والقبول من الجميع دون الخوض في تفاصيل هذه التعددية وأسسها ومنطلقاتها؛ بل إنها تعد من المسلمات التي يجب تقبلها وتقدير أفرادها مهما كان الاختلاف والخلاف حولهم.

وقد عضّدت القوانين كل ذلك وجعلت من الحريات وحماية الحقوق أساس العلاقة بين أبناء المجتمع وحرمت المساس بها ووضعت العقوبات الرادعة لمن يقترب من هذا الخط الأحمر الذي هو بداية إفساد نسيج المجتمع المترابط، هذا النسيج الذي يستمد جماليته من اختلاف ألوانه وتعددها وتداخلها فيما بينها وتناسقها الذي يشبه لوحة فسيفسائية تتداخل فيها الألوان والأشكال بشكل عميق.

ووحدة المجتمع العُماني لم تتحقق بمحض الصدفة؛ بل هي عملية استغرقت وقتا طويلا وجهدا عظيما من قبل القيادة الرشيدة والمؤسسة الدينية والمؤسسات الأمنية والمؤسسات الوطنية الأخرى التي عملت لترسيخ هذه المفاهيم بين أبناء الشعب وحافظت على هذه الوحدة من خلال منظومة القوانين والتشريعات التي تحفظ كرامة المواطن وتضمن أمنه واستقراره ومن خلال منظومة القيم والمبادئ التي تشرب بها أفراد المجتمع من خلال الأسرة والمسجد والمدرسة حتى أصبحت جزءا أساسيا من سلوكياته وهويته.

إنَّ الأمم والحضارات تبقى في ذاكرة الزمن عندما تكون ذات تأثير على المحيط، وقد كان الأجداد هكذا عندما نشروا الإسلام في شرق القارة الأفريقية وشبه القارة الهندية إلى آسيا الوسطى وغيرها من البلاد التي وصلوها كتجار إلّا أنهم غادروها كدعاة للدين الإسلامي الحنيف بفضل ما يحملونه من قيم جعلت أبناء هذه البلاد يدخلون الإسلام، ونحن اليوم لا بُد لنا أن نكمل هذا الطريق من خلال ترسيخ الصورة المثالية التي عرف بها العُماني، وهذا الأمر لن يتأتى إلا إذا حافظنا على قيمنا وسماتنا وخصائصنا التي عرفنا بها لنكون أمثلة ونماذج وقدوات.

هذه دعوة لجميع أفراد المجتمع بكل أطيافه وتوجهاته بأن نستوعب معنى وقيمة الإرث الذي نحمله، وأن نحافظ على نسيج المجتمع المتماسك؛ بل علينا أن نزيده متانة وترابطًا وقوة متجنبين مسببات الخلاف والشقاق، مُبتعدين عمّا يمكن أن يضرب لحمتنا الوطنية، متخذين التعايش والتسامح منهجي حياة لنا يحددان مسار العلاقات المجتمعية بين الجميع؛ حيث إن وحدتنا الوطنية هي أحد أركان النجاح الذي تحقق خلال الفترة الماضية، وهو أساس المستقبل المشرق الذي نطمح له.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

النائب أيمن محسب يطالب المجتمع الدولي بالتصدى للانتهاكات الإسرائيلية التي تمس السيادة السورية

أدان الدكتور أيمن محسب، وكيل لجنة الشؤون العربية بمجلس النواب، التوغل الإسرائيلي داخل المنطقة العازلة مع سوريا، وسلسلة المواقع المجاورة لها بكل من جبل الشيخ ومحافظتي القنيطرة وريف دمشق، الأمر الذي يخالف اتفاقية فك الاشتباك الموقعة بين دمشق وتل أبيب عام 1974، فضلا عن انتهاك قرارات مجلس الأمن أرقام (242)، و(338) و(497).

ودعا "محسب"، الأمم المتحدة لممارسة الدور المنوط بها في التصدي للانتهاكات الإسرائيلية، خاصة مع استمرار الغارات الإسرائيلية المستمرة على عدد من المواقع المدنية والعسكرية السورية، في اعتداء صريح على سيادة دولة، وخرقاً للقانون الدولي، ، مؤكدا على ضرورة وجود موقف عربي ودولي موحد تجاه الحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها ومؤسساتها في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد.

ودعا عضو مجلس النواب، المجتمع الدولة بإلزام إسرائيل بوصفها السلطة القائمة بالاحتلال، بالامتثال لقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، لا سيما قرار مجلس الأمن رقم 497 لعام 1981، التي تُلزم فيها إسرائيل بالانسحاب من الجولان السوري المحتل، فضلا عن اتخاذ إجراءات فورية وفاعلة لوقف التدابير والممارسات الرامية إلى تغيير الطابع العمراني والتركيبة الديموغرافية والوضع القانوني للجولان.

وشدد النائب أيمن محسب، على أن الممارسات الإسرائيلية لا تُشكل تهديد للشرق الأوسط فقط، وإنما تهديد صريح للسلم والأمن الدوليين، داعيا السوريين إلى إعلاء مفاهيم التسامح والحوار وصون حقوق جميع مكونات المجتمع السوري ووضع مصلحة الوطن فوق كل شيء، والتحلي بالمسؤولية حفاظاً على الأرواح والمقدرات، والعمل على استكمال عملية الانتقال السياسي على نحو سلمي وشامل وآمن.

مقالات مشابهة

  • رئيس جامعة الأزهر: الفتوى الرقمية ضرورة ملحة لتعزيز الأمن الفكري في المجتمع
  • القصة الكاملة .. مجدي الهواري يكشف أخطر الجرائم التي هزت المجتمع المصري
  • نهضة تنموية في تعز: مشاريع خدمية استراتيجية وتطورات واعدة
  • «دور المرأة في بناء المجتمع» في ندوة توعوية بالبحيرة
  • "منتدى الأعمال العُماني الياباني" يناقش آليات تعزيز التعاون وفرص الاستثمار في "تكنولوجيا المناخ"
  • مراسلة الجزيرة بموسكو تكشف عن الفندق الذي نزل به الأسد والأموال التي بحوزته
  • وزير الأوقاف: المفتي الراصد الأول لمخاطر المجتمع التي تهدد الأمن الفكري
  • النائب أيمن محسب يطالب المجتمع الدولي بالتصدى للانتهاكات الإسرائيلية التي تمس السيادة السورية
  • أحمد موسى: الرئيس السيسي يؤكد على ضرورة وحدة سوريا وسلامة أراضيها
  • شعبة مواد البناء : طفرة تنموية في صناعة الحديد والأسمنت