الحديدة.. حيس تنعي طبيبها السوداني بعد 3 عقود من الخدمة
تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT
غيب الموت الدكتور عبدالرزاق حسين عباس، الذي يُلقبه الكثير من أبناء مدينة حيس بـ"السوداني" البلد ينتمي له، بعد حياة حافلة كرسها في المجال الصحي وخدمة المرضى في جنوب الحديدة (غرب اليمن).
الدكتور عباس جاء إلى الحديدة بطلب من الحكومة في الثمانينات، ليضع ما اكتسبه من علم ومعرفة طبية في خدمة المرضى في وقت كانت حيس والحديدة تشهدان انتشاراً واسعاً للأمراض والأوبئة، إلى جانب الافتقار للكوادر الطبية وأصحاب المؤهلات في الطب العام كغيرها من ريف تهامة واليمن بشكل عام.
رسالة إنسانية سطرها الطبيب السوداني خلال ثلاثة عقود عاشها في اليمن، وأكدت مدى العلاقة السودانية بالشعب اليمني، ومثلت دليلا على أصالة عربية وعلاقات متينة تربط بين البلدين كشعب ودولة وتربطهما علاقة الدم العربي والتاريخ والآلام والآمال والمصير المشترك كعرب.
عرف الطبيب عبدالرازق بأخلاقه الحسنة عند كل من عرفه أو تعرف عليه سواءً في الحي السكني الذي يقطنه أو في المستشفى الريفي بمدينة حيس مكان عمله، أو في عيادته الخاصة التي كان يداوم فيها غير الدوام الرسمي.
مكث الطبيب السوداني في حيس ثلاثة عقود ونصف العقد ومع الحرب الحوثية واشتداد المعارك التي شهدتها حيس عام 2018م لجأ إلى صنعاء ليمارس عمله هناك لمدة تجاوزت 4 أعوام. وبرغم ذلك كان يتواصل مع من تعرف عليهم في حيس وتربطه علاقة أخوية بشكل متواصل.
كان حُلمه العودة إلى حيس بعد تحريرها وتأمينها، لكن الحرب الحوثية وقطعها للطرقات، حالت بينه وبين مجتمع كان له الأقرب إلى قلبه بعد بلده الأول. غيبه الموت فجأة يوم السبت 5 أغسطس 2023، في أحد مستشفيات العاصمة المصرية القاهرة التي نقل إليها، متأثراً بوعكة صحية ألمت به.
وشكلت وفاته فاجعة لأبناء حيس والحديدة ولكل من استفاد من خدماته العلاجية والصحية خلال عمله في القطاع الصحي في حيس والحديدة وخارجها. وجميع أبناء المدينة والأماكن تندب رحيل عبدالرازق السوداني، الذي اختلط مع المحيط التهامي، وتأثر بعادات وتقاليد البلد القادم إليه، وكذلك أولاده الذين تلقوا تعليمهم من الابتدائية إلى الثانوية في حيس، وتأثروا بهذا المجتمع.
غالبية من عرفه من أهالي المناطق المجاورة لحيس وفُجع برحيله أيضا، بعثوا رسائل عزاء ومواساة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تقدموا فيها بالعزاء لمدينة حيس بشكل خاص ثم لدولته وأبنائه المكلومين.
وأكد مدير مكتب الصحة بمديرية حيس الدكتور محمد طالب حمنه، في تصريح لـ"نيوزيمن"، أن الدكتور عبدالرازق حسين أتى إلى حيس في العام 1986م وكان نعم الأخ والزميل والطبيب ذي القلب الرحيم والعطوف مع مرضاه والابتسامة العريضة مع أصدقائه ومحبيه في حيس وخارجها.
وتطرق حمنه إلى مناقب الفقيد: لقد عمل، رحمة الله عليه، في مستشفى حيس جيلاً كاملاً من الزمن وافنى شبابه وحياته في خدمة الناس فيها ومن خارجها وله السمعة الطيبة والكبيرة لدى قلوب الناس صغيرها وكبيرها، لافتاً إلى ان الكثير من الكادر الصحي بالمديرية تتلمذ على يديه، وكان يتعامل مع الجميع بطيبة قلب خالصة ونقاء سريرة ويعطف ويتعاطف مع كافة مرضاه بلا استثناء.
وكان مدير بيت الفن التشكيلي بالحديدة فضل الوحيدي وباعتباره أحد أبناء حيس وممن تربطه علاقة ودية مع المرحوم، نشر منشوراً على حائطه بالفيسبوك نعى فيه الفقيد وعزى فيه أهله ومحبيه. وقال إنه وهب نفسه لخدمة الشعب اليمني وبالذات مدينة حيس التي احتضنته أول ما وطأت قدمه فيها حمل لحيس الوفاء الانساني لمعالجة الفقراء والمساكين.
واستذكر الوحيدي، مواقف كان يتميز بها الفقيد السوداني ذو القلب الرحيم، كان عندما يستدعيه أحدهم، ينزل بقدمه إلى منازل المرضى والمساكين ويقوم بمعالجتهم مجاناً، فحيس اليوم تحمل رداءها الأسود للحداد وتذرف دموعها على هذا الدكتور النادر.
من جانبه الناشط التهامي عبدالله الأعجم، انتقد التجاهل المعيب والمغزي لوفاة الدكتور عبدالرازق عباس السوداني. وقال: "لو كان في دولة تحترم نفسها لنعت رحيله السلطات والقنوات والمشايخ والأعيان". وأضاف: "عاش أكثر من ثلاثين سنة لمدينة حيس يتنقل بحقيبته الطبية من مكان لمكان ومن بيت إلى بيت يعالج مرضاها ويواسي مبتلاها إضافة إلى دوامه الرسمي في مستشفى حيس الريفي العام وإضافة الى عيادته الخاصة، وعند وفاته لم يرثه أحد سوى أهله ومحبيه".
المصدر: نيوزيمن
كلمات دلالية: فی حیس
إقرأ أيضاً:
الدكتور سلطان القاسمي يكتب: ميدان الرولة... شاهد على التاريخ
في عام 1803م، تولى الشيخ سلطان بن صقر بن راشد القاسمي حكم رأس الخيمة، ولم يكن متصوفاً مثل جده، الشيخ راشد بن مطر القاسمي، ولم يكن كذلك سلفياً مثل أبناء عمه رحمة بن محمد بن رحمة بن مطر القاسمي، والذين جمعوا حولهم جميع سكان مدن القواسم على منهج السلفية، وقاموا بتصرفات دون علمه من الاعتداءات على السفن في الخليج.
ما كان من الشيخ سلطان بن صقر القاسمي إلّا أن وقّع اتفاقية مع مندوب شركة الهند الشرقية «ديفيد سيتون» «David Seton»، في شهر فبراير عام 1806م، الأمر الذي أغاظ جماعة الدعوة السلفية، والأمير سعود بن عبد العزيز آل سعود في الدرعية، فقام أبناء عمه، رحمة بن محمد القاسمي، بتدبير مكيدة، باتهامه بمقتل عمه الشيخ عبد الله بن راشد القاسمي، حاكم رأس الخيمة، لدى الأمير سعود بن عبد العزيز آل سعود، حيث طلب منه الوصول إلى الدرعية للتفاهم حول بعض الأمور، فما كان منه إلّا أن توجه براً إلى الدرعية في شهر مارس عام 1809م.
في الدرعية، تم احتجاز الشيخ سلطان بن صقر بن راشد القاسمي، وتمّ تنصيب حسن بن رحمة بن محمد القاسمي، حاكماً على رأس الخيمة وما تبعها من بلدان القواسم.
كانت بلدة الشارقة إحدى البلدات التابعة للقواسم، وكانت تمتد على طول خور الشارقة، بعرض لا يزيد عن ثلاثمائة متر فقط، وبرّها صحراء مستوية إلّا من تلة رملية مرتفعة، تشرف على الطرق البرية المتجهة إلى الشارقة.
في عام 1810م، وصل القائد السعودي مطلق المطيري إلى الشارقة، ونصبت خيام جيشه على تلك البقعة المستوية قبالة بلدة الشارقة، وقد نصبت خيمة قائد تلك الحشود، مطلق المطيري، على التلة الرملية المرتفعة المشرفة على الطرق المؤدية إلى بلدة الشارقة، وسميت تلك التلة بند المطيري.
في تلك البقعة، قبالة بلدة الشارقة تجمّع آلاف الناس، منهم من أتى لتسليم الزكاة من الشارقة والبلدات المجاورة، ومنهم من جاء لتقديم الولاء والطاعة، والناس بين تكبير وتهليل.
أما أهل نجد، في تلك القوات، فقد قاموا بأداء العرضة النجدية، رافعين الأعلام الخضراء التي كتب عليها: «لا إله إلّا الله، محمد رسول الله»، لقد أخذت تلك الاحتفالات أياماً وليالي.
في بداية عام 1813م، وصل الشيخ سلطان بن صقر بن راشد القاسمي إلى مسقط هارباً من سجنه في الدرعية عاصمة الأمير سعود بن عبد العزيز آل سعود، حيث اتخذ طريقه من خلال وادي الدواسر حتى وصل إلى ذمار في اليمن، ومنها إلى ميناء المخا في اليمن كذلك، وأبحر منها إلى صور في عُمان.
أرسل الإمام سعيد بن سلطان سفينة إلى الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، بعد أن وضع عليها قوات، وأرسلها إلى لنجة، حيث وصلت بسلام، وحملت على ظهرها كتيبة من ثلاثمائة رجل من جماعة الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، وأبحرت إلى ميناء الشارقة، واحتلت مدينة الشارقة، حيث قام الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، ببناء قلعة تكون مقرّاً له ولقواته.
جرت عملية وحشية في الشارقة، حيث وصلت إلى الشارقة، قوة عسكرية قادمة من رأس الخيمة، فقتل ما لا يقل عن سبعمائة رجل من كلا الطرفين، ونجحت جماعة رأس الخيمة في الاستيلاء على سفينة الإمام سعيد بن سلطان، وأخذوها معهم إلى رأس الخيمة، لكن الشيخ سلطان بن صقر بن راشد القاسمي، نجح في استقلال الشارقة عن رأس الخيمة وتخليصها من السلفية.
في تلك البقعة التي أقام مطلق المطيري القائد السعودي معسكره، حوّلها الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، إلى مزرعة زرعها بالنخيل، وكان الفحل للنخيل قد أطلق عليه «غالب» تشبهاً بالشيخ سلطان بن صقر القاسمي، وحفر بركة ماؤها من الماء الأرضي، ومطوية بالصخور، وبجانبها شجرة رول جلبها من بلدة لنجة على ساحل فارس.
أما ند المطيري، فقد حوّله الشيخ سلطان بن صقر القاسمي إلى مسكن صيفي له مبني من سعف النخيل.
يمر الزمن على الشارقة، حتى جاء زماننا، فقد كنت ابن ست سنوات أدرس القرآن الكريم عند الشيخ فارس بن عبد الرحمن، حتى إذا ما جاء الصيف، انتقل هو وأهل بيته إلى ند المطيري بالقرب من فحل النخيل «غالب»، وقد استطال إلى عنان السماء، وبالقرب منه بني عريش؛ ليكون فصلاً للدراسة عند الشيخ فارس بن عبد الرحمن.
وإذا قرب الظهر نرجع إلى بلدة الشارقة بعد أن نمر ببركة الماء لنشرب منها، حيث كانت لها درجات تصل إلى مستوى الماء، وقد وضع هنالك علبة صفيح يغرف بها الماء للشرب.
بقيت شجرة الرولة، مكاناً يلتقي به أهالي الشارقة والمدن المجاورة، مساء كل عيد يتوافد إلى شجرة الرولة، الوارفة الظل، الرجال والفتية والفتيات والأطفال. وتُعلّق الحبال على الأغصان الكبيرة من شجرة الرولة، وتجلس الفتيات في صفين على الحبال، وتشبك كل فتاة أصابع رجليها بالحبال التي تجلس عليها الفتاة التي تقابلها، فتتكون المرجيحة من ثماني فتيات. أما الفتيان فيقومون بشط المرجيحة، أي إبعادها إلى أعلى بكل عفة. تُباع تحت شجرة الرولة الحلويات والمكسرات.
في فترة الستينيات، بنيت مدرسة العروبة في بقعة الرولة، وكانت بها البعثة الكويتية حيث كانت المدارس تحت إدارتها، وبها البعثة المصرية والبعثة القطرية والبعثة البحرينية.
في عام 1978م، جفت أغصان شجرة الرولة، حيث بلغ عمرها مائة وخمساً وستين سنة، وحيث إنني قد استوعبت التاريخ، فقمت في الخامس والعشرين من شهر يناير عام 1979م، بافتتاح ميدان الرولة، حيث وضعت في وسطه نصباً رسمته بيدي حيث كان توقيعي، وفي قلبه الرولة التي كانت شاهدة على كل تلك الأحداث.