نضال من أجل تحقيق سلام عادل
تاريخ النشر: 29th, June 2024 GMT
خالد بن أحمد بن سيف الأغبري
نقاط التحول السلبي التي نراها متفاعلة مع مُجمل هذه التوترات والمُغالطات والقضايا الشائكة والأزمات التي وَضَعت المنطقة على صفيح ساخن من البراكين الثائرة هي بلا أدنى شك، انعكاس طبيعي لمؤامرات ومخططات مُعلنة وغير مُعلنة.
وهي في ذلك مدعومة بأفكار ونوايا سيئة وسياسات عنصرية غير آمنة، وذلك نتيجة التباين الواضح في المواقف والرؤى التي ينتهجها البعض تجاه ما يتوجب فعله في مواجهة تلك التحديات والأزمات التي تُفرض على الأمة الإسلامية والتكالب عليها من أجل أن تبقى مهمشة ومسلوبة الإرادة ومنزوعة السلاح لئلا تكون قادرة على اتخاذ أي قرار سيادي يحمي مصالحها وأمنها ويصون حقوقها ويحافظ على مكتسباتها من هذه الفوضى والعنجهية البغيضة والحقودة التي تتطور أساليبها وتسوء حالتها يوماً بعد يوم.
ولقد أصبح الإنسان المسلم مستهدفًا أكثر من غيره من قبل بعض العصابات والجماعات التي تقف وراء كل معضلة وكل أزمة تثير القلق والتوترات بهدف تعميق الخلافات البينية وتسويق النزاعات والدسائس الماكرة، وذلك على خلفية ما تقوم به تلك الجماعات المناهضة للفطرة السليمة والقيم الأخلاقية الفاضلة والمبادئ الإنسانية الحميدة؛ بل أصبحت تضخ إمكانياتها وتعمل على إبادة الشعوب الإسلامية وتضمر لها المكائد والحقد والكراهية، مستحلة دماءها وأعراضها ومقدراتها على اعتبار أنها أمة لا تستحق العيش على هذه الأرض من وجهة نظرهم وذلك من منطلق تخوفهم وشعورهم بأنَّ هذه الأمة قد نالت مكانة خاصة من لدن الخالق سبحانه وتعالى من حيث المميزات الإيمانية والسلوكية والمبادئ الكريمة والقيم المثلى التي قد تشكل خطرًا كبيرًا عليهم وعلى مستقبلهم من وجهة نظرهم، وهو نتاج معطيات ونجاحات ما قدمته تلك الرسالة المحمدية التي شقّت طريقها منذ بزوغ فجر الإسلام وانبلاج يومه العظيم بزعامة قائده الكريم سيدنا محمد الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، والذي بعثه الله ليختتم به الرسالات وتتوحد من خلاله الإنسانية وتنجلي به ظلمات الجهل والظلال، بعيدًا عن العنصرية والدكتاتورية الحمقى التي أضحت متفشية في عالم اليوم دون أن تجد من يصحح مسارها ويوجهها توجيهًا سليمًا؛ بما يجسد طاعة الله والعمل وفق منهجه الصحيح في إطار السلوك الأمثل.
هذا المنهج الذي يهدف إلى تحقيق معطيات الأمن والاستقرار، وبعدما انطلقت تلك الرسالة العظمى بدأت المواجهة الحقيقية بين الحق والباطل، بين حماة الدين الإسلامي وزعاماته من جهة وبين زعامات الباطل والفساد والغطرسة من جهة أخرى؛ حيث إن الدين الإسلامي دين رسالة متكاملة وشاملة وعادلة فرضها الخالق- جلت قدرته- لتشمل كافة مكونات الحياة الدينية والمجتمعية والتي سوف تبقى وتظل مدعومة ومحمية من قبله سبحانه وتعالى لتضفي على الحياة البشريّة طوقًا مقدسًا وآمنًا وحراسة عقائدية وشرعيّة مؤثرة في حياة الإنسان المسلم، إذا ما وجدت من يحتضنها بفلسفة إيمانية عميقة وراسخة تدار بعقلية واعية وعادلة ومدركة لمحاور الفضيلة وأركان الشريعة ومقارعة الباطل وهزيمته.
وتحقيق ذلك بلا شك لا يتم بقوة السلاح وكثرة العدد والعتاد فحسب بل بقوة الإيمان والتسلح بتقوى الله وحسن المُعاملة والتأثر بأخلاقيات رموز الدين ومجالسة أصحاب الخير والصلاح والفكر الرصين وهو ليس من أجل رفع الأرصدة المالية وتخزين الأموال الطائلة والظهور بمظاهر تلك السيارات الفاخرة والقصور الفارهة المحصنة بالجنود والخدم وما خفي أعظم، الأمر آلذي أدى إلى إلحاق الضرر بأبناء الأمة الإسلامية وانشغالهم بما يفسد عليهم تلك القيم والثوابت الأساسية، فضلًا عن موالاتهم لأعدائهم والسير وراء مخططات أولئك الأعداء المنحرفين عن جادة الصواب، بدليل ما تخطط له تلك الدولة الصهيونية وأعوانها المارقون الذين أكثروا في البلاد الفساد والبغي على العباد وانعدمت فيهم المبادئ والقيم الإنسانية لتتشكل من خلالهم أبواق الفتن وحاضنات الفساد والمفسدون بعد ما تعطلت الضمائر الحية وتعفنت الروح الإنسانية وتحللت مظاهر الديمقراطية وطمرت الحرية وتلاشت الشهامة وتطايرت الكرامة في زمن قست فيه القلوب وتحجرت فيه العقول وانكشفت فيه الأقنعة وتبعثرت فيه القيم وانصهرت فيه المبادئ.
لم يعد للإنسان في هذا العصر قيمة حقيقية كما كان عليه سابقًا، ولم يعد للعروبة والإسلام مرجعية تحميها من فساد المفسدين إلّا من رَحِمَ ربي، ولم يعد لهما مكانة في ساحة المتنفذين، بقدر ما هي صور مُتلاحقة من صولات المجرمين وعنجهية الفاسدين وضجيج المنافقين من ذوي العقول الميتة والنفوس المريضة.. فسلام على تلك الحياة التي همشت فيها العدالة وظهرت فيها قوى الظلم والظالمين وتعددت فيها بؤر البغي والفساد.
على أبناء الأمة الإسلامية أن ينتبهوا ويضعوا في اعتبارهم أنهم يقفون أمام تحديات كبرى سواء كان ذلك من قبل أعدائهم الذين يواجهونهم بصورة مباشرة وواضحة وجها لوجه أو من قبل تلك الفئة التي تُمارس نشاطها في الخفاء تحت مظلة عدوهم الأكبر، فهم جميعًا يُشكِّلون حلفًا خطيرًا على الامة، ويمارسون قانون الغاب الذي لا يحترم حقوق الآخرين..
نسأل الله العفو والعافية لجميع المسلمين والنصر والتمكين لعباده المجاهدين.. ولله عاقبة الأمور.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الصرخة مشروع تحرر وجهاد
إن أولى خطوات التحرر الحقيقي تبدأ بكسر حاجز الصمت والخوف، وتبني الموقف الذي يرفض الهيمنة والتسلط من أي جهة كانت، وكان الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) أول من أدرك هذه الحقيقة بوعيٍ فذ. فإطلاقه لشعار “الصرخة” كان أكثر من مجرد كلمات تقال، بل كان إعلانًا عمليًا لموقف جهادي شجاع، يعبّر عن البراءة من أعداء الله، ويعيد للأمة هويتها القرآنية التي حاول الاستكبار العالمي أن يطمس معالمها.
ففي مواجهة الظلم الذي يطال الأمة الإسلامية من قوى الاستكبار العالمي، وعلى رأسها أمريكا وإسرائيل، كانت الصرخة بمثابة تجسيد لروح الثورة والرفض. لم تكن مجرد كلمات تردد في لحظات عاطفية، بل كانت دعوة صادقة ونداء مدوٍ في مواجهة الظلم والعدوان. ومع مرور الأيام، أثبتت الصرخة قدرتها على أن تكون أداة تحررية فعالة، تساهم في إعادة بناء الوعي الجمعي للأمة، وتبعث في نفوسها روح العزة والكرامة.
وفي فكره الثوري، لم يكن الشهيد القائد (رضوان الله عليه) ينظر إلى الصرخة ككلمات وحسب، بل كانت بالنسبة له مشروعًا جهاديًا حقيقيًا يساهم في تحفيز الأمة للتصدي للأعداء. ففي تلك اللحظات الصعبة التي كان يعصف فيها الخوف والجمود بالأمة، كان يطرح هذا السؤال الجوهري: “هل نحن مستعدون للعمل؟” ويقدم الجواب القاطع: “انطلقوا بالصرخة!” ليبث في قلوب الأمة قوة وعزيمة.
وتتجلى أهمية الصرخة في كونها ليست مجرد شعار سياسي أو إعلامي، بل هي إعلان للموقف الجهادي، وكسر للجمود الفكري الذي حاول الأعداء أن يغرسوه في الأمة. إن إطلاق هذه الصرخة على مرأى ومسمع من العالم كان بمثابة تحدٍ هائل لقوى الاستكبار، وأداة قوية في معركة الوعي والهوية. الصرخة كانت مصدرًا لإشعار الأمة بضرورة التحرك الجاد، وترك كل أشكال التحلل والتراخي.
ورغم بساطة الكلمات التي تضمنها الشعار، إلا أن له تأثيرًا عميقًا في نفوس الأعداء، حيث كان يعكس التحدي والرفض لكل محاولات التسلط. ولعل من أعظم مفاهيم هذه الصرخة هو أنها تأتي في وقت كان فيه الإعلام الغربي يحاول تزوير الحقائق وفرض رواياته المشوهة عن الإسلام والمسلمين. في مواجهة هذا، كانت الصرخة بمثابة جرس إنذار، يفضح ما يدور خلف الستار من مؤامرات، ويكشف الوجه الحقيقي للعدو.
وأكد الشهيد القائد أن الصرخة ليست مجرد إعلان لحالة رفض، بل هي جزء من جهادٍ فكري وأيديولوجي طويل. ففي معركة الأفكار، كان هدفه أن يثبت في أذهان الأمة أن أمريكا هي عدوها الأول، وأن إسرائيل هي المصدر الأساسي للشر والفساد في الأرض. هذه المفاهيم، التي حاول الإعلام الأمريكي أن يروجها، كانت بحاجة إلى مواجهة جادة. ولذلك كانت الصرخة الأداة التي تنبه الأمة لما يحاك ضدها، وتنبه أعداءها إلى أن الأمة الإسلامية لن تبقى صامتة إزاء الجرائم التي ترتكب بحقها.
ومن خلال تكرار هذه الصرخة في مختلف الأوساط، كان الشهيد القائد (رضوان الله عليه) يدعو الأمة إلى أن تكون هي المبادرة في نشر هذه الرسالة، وتوسيع تأثيرها إلى أبعد مدى. فكلما زادت الأصوات التي تردد هذا الشعار، كلما زادت قوة التأثير النفسي على الأعداء، وأصبح من الصعب على القوى الاستكبارية أن تتجاهل هذه الرسالة الجهادية العميقة. وعندما تردد الأمة هذا الشعار في كل مكان، فإنها تؤكد على رفضها لكل أشكال الاستعباد والهيمنة، وتعلن رفضها للمشاركة في المؤامرات التي تهدف إلى تدمير الهوية الإسلامية.
ويستمر الشهيد القائد (رضوان الله عليه) في التأكيد على أن الصرخة لا تقتصر على كونها جهادًا معنويًا فقط، بل هي جزء من جهاد شامل يشمل كل المجالات. فعندما يتبنى المسلمون هذا الشعار في حياتهم اليومية، فهم يرسخون في أنفسهم مواقفهم الثابتة تجاه قضايا الأمة. وهذه الصرخة تُعد جهادًا اقتصاديًا ونفسيًا، يؤثر على القوى الاستكبارية بشكل يفوق القوة العسكرية في بعض الأحيان.
وقد أكد الشهيد القائد (رضوان الله عليه) أن المقاطعة الاقتصادية جزء من هذا الجهاد الشامل في سبيل الله، وأنها أداة قوية تكشف حجم التبعية التي فرضها الاستكبار على الأمة، وتُظهر قدرتها على التأثير على أعدائها من خلال قطع تدفق الأموال التي يستخدمها هؤلاء الأعداء في تنفيذ مؤامراتهم. وبالتالي، فإن المقاطعة الاقتصادية تندرج ضمن مفهوم الجهاد الحقيقي في وقتنا الحاضر، حيث تُعتبر سلاحًا اقتصاديًا ونضاليًا لا يقل أهمية عن الجهاد العسكري.
وكان الشهيد القائد يؤمن أن هذه الصرخة ليست مجرد كلمات تردد بلا معنى، بل هي أداة تحررية تسهم في كسر العزلة التي فرضتها قوى الاستكبار على الأمة، وتفتح أمامها آفاقًا جديدة من الصمود والمقاومة. فكلما علت الصرخة في سماء الأمة، كلما قربت لحظة النصر على الأعداء، وأصبح المستقبل أكثر إشراقًا.
وفي الختام، يمكن القول إن الصرخة التي أطلقها الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي (رضوان الله عليه) هي أكثر من مجرد شعار يردد في مناسبات معينة، بل هي مشروع تحرري شامل، يدعو الأمة إلى الاستيقاظ من سباتها، وتبني الموقف الجهادي بكل أبعاده. هي صرخة عز وفخر، ومفتاح لتحرير الأمة من قيود الهيمنة الاستكبارية، ودعوة للعمل الجاد في مواجهة أعداء الله، لنكون أمة حية، ترفض الظلم والعدوان، وتؤمن بأن النصر لا يأتي إلا بالتحرك الفعّال، والعمل الجاد، والتمسك بالهوية القرآنية التي أراد لها الله أن تكون منبع عزتنا وقوتنا.