الباحثون عن عمل.. مُعاناة بالنهار وهَمٌ بالليل
تاريخ النشر: 29th, June 2024 GMT
راشد بن حميد الراشدي
ملف الباحثين عن عمل الساخن خلال هذه الأيام بات يقض مضجع الأسر مع ازدياد أعدادهم، ومع إضافة عدد من المُسرحين، يُصبح الملف أكثر سخونة؛ لأنها أقوات مواطنين يسعون لوظيفة تسد مُتطلبات حياتهم، رغم التوظيف الخجول في بعض الوزارات والمؤسسات والشركات الحكومية والخاصة، خلال الفترة الماضية، ومع ازدياد أعداد العمالة الأجنبية المُنافِسة للمواطن في عُقر داره وتحت قوانين تسمح لها بالعمل بحرية في وطن أبناؤه يبحثون عن وظائف لاستمرارية عطائهم ودوران عجلة حياتهم، وقد أكملوا كل متطلبات ما تحتاجه الوظيفة من شهادات وبعضهم خبرات عملية.
طوابير من الباحثين عن عمل بشهاداتهم الجامعية من أرقى الجامعات العالمية والمحلية، هم في شقاء البحث عن الوظيفة نهارًا، وفي الليل يُعانون الهَمَّ وهم عاطلون، يعتمدون على رب الأسرة الذي أثقلته متطلبات أسرته في تلبية حاجياتهم مع ضعف الأجور وضعف راتبه التقاعدي إن كان رب الأسرة مُتقاعِدًا.
معضلة الباحثين عن عمل والمُسرَّحين تفاقمت نتيجة لسوء التخطيط فيما يتعلق بالمخرجات التعليمية، وعدم التنظيم الجيِّد والمُحكم لسوق العمل الذي يشهد زيادة في أعداد العاملين من الأجانب، بينما كان الأولى ابن الوطن!
الحلول يجب أن تأتي اليوم من القمة وأقصد مجلس الوزراء، ومن جميع المؤسسات والوزارات المعنية بالأمر؛ فثروة عُمان ومواردها البشرية الغنية بالطاقات عاطلون عن العمل! حيث نرى ملف الباحثين يتمدد سنويًا ليصل إلى أكثر من 100 ألف باحث عن عمل، فيما يزيد عدد العاملين الوافدين لأكثر من مليوني عامل، ألا نستطيع توفير 100 ألف وظيفة من هذين المليونين؟!
ومع ضرورة وضع حلول سريعة، يتعين تشخيص الحالة من جميع المؤسسات كلٌ حسب اختصاصه، والبداية من وزارة التربية والتعليم، التي تُهيِّء وتُعد الأجيال نحو ميولهم وتخصصاتهم الطامحين لها، عن طريق إعداد دراسات واستراتيجيات تربوية ناجعة، التوسع في مسارات التعليم المهني والتقني.
ثانيًا، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، التي يجب أن تدرس احتياجات سوق العمل دراسة وافية لمعرفة الوظائف التي يحتاجها الوطن وتمكين المواطن منها عبر دراسة تخصصات أكاديمية متقدمة.
فمن المحزن أن الأمور ما زالت إلى اليوم تمشي كما نقول بالعامية "بالبركة"، وإلّا فكيف بآلاف الخريجين من كليات الهندسة باحثين عن عمل، وأيضًا أعداد كبيرة من خريجي التخصصات الطبية باحثين عن عمل، رغم حاجة مُعظم مستشفياتنا لخريجي التخصصات الطبية.
ثالثًا: وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار وغرفة تجارة وصناعة عُمان، الذين نأمل منهما إعادة النظر في كل التشريعات المُنظِّمة للأنشطة التجارية والاقتصادية وتمكين الشباب للعمل فيها؛ سواءً في الشركات الخاصة أو زيادة الدعم المقدم لهم وخاصة رواد الأعمال. مع دراسة ملف الاستثمار الذي مكّن عدداً من الوافدين (غير المستثمرين) من فتح سجلات تجارية تضم أنشطة عديدة ومُنافِسة للمواطن، وهي منافسة غير عادلة، وهنا مربط الفرس!
رابعًا: وزارة العمل، فعلى الرغم مما تبذله من جهد في سبيل تنظيم سوق العمل، إلّا أن تلك الجهود تحتاج الى مزيد من المتابعة ودراسة تشريعات التعمين الحالية، وسن تشريعات تُلزم الشركات الكبيرة بتعيين المواطنين ورفع نسب التعمين في القطاعات التي تشهد تسجيل باحثين عن عمل بأعداد كبيرة.
فهناك قطاعات لو خُصِّصت الوظائف فيها للعُمانيين فقط، سنوفِّر آلاف الفرص، منها على السبيل لا الحصر: الوظائف الصيدلانية، ووظائف السفر والسياحة وحجوزات الطيران، وقطاع بيع المواد الغذائية، والكثير والكثير مما لا يتسع المجال لذكره.
خامسًا: إدارات الهجرة والجوازات، التي نأمل منها مُراجعة معايير منح التأشيرات السياحية، خاصة لبعض الدول التي تبين أنَّ رعاياها يدخلون البلاد ليس لغرض السياحة، وإنما للبحث عن وظيفة، بل والبعض منهم يُمارس أنشطة مخالفة للقانون، ويمثلون خطرًا أمنيًا واجتماعيًا، ويستنزفون الكثير من الموارد.
سادسًا: كل من له علاقة مُباشرة أو غير مباشرة بملف التوظيف، أقول لهم إنَّ ملف الباحثين عن عمل أصبح الشغل الشاغل في مجتمعنا، فالأب يرى عددًا من أبنائه بلا عمل، وباتت الوظيفة حلمًا بعيد المنال!! لذا يجب أن تتكاتف اليوم جهود جميع المؤسسات الحكومية والخاصة من أجل توفير فرص العمل لأبنائنا الباحثين عن عمل، وانتشال هؤلاء الشباب من شبح الفراغ والضياع؛ فهناك حالات كثيرة أصبحت نفسياتها في تراجع مُستمر وتُنذر بعواقب سلبية، وهناك أعداد كبيرة تاهت بين دورب الحياة ومخاطرها المحدقة بهم بينما كان ما يحلم به في وطنه وظيفة تسد حاجته لعيشٍ كريم وأسرة صالحة، بعد أن أكمل كل متطلبات التوظيف من شهادات علمية وإعداد متخصص، بينما بقي بعضهم طي النسيان لعشر سنوات بلا توظيف، فمتى ستنتهي مُعاناة هؤلاء الشباب وآلامهم فقد صبروا سنين من أجل بلوغ أهدافهم؟!
الكُرة اليوم في ملعب جميع المؤسسات والوزارات المعنية ذات الاختصاص لمُراجعة سياساتها حول ملف الباحثين والمُسرَّحين، والتي يجب أن تؤدي بدورها وتعمل على إيجاد الحلول وخلق فرص العمل، فالوطن وأبناؤه مسؤوليتهم المباشرة، ويجب بذل الغالي والنفيس لحل هذا الملف.
وأخيرًا.. إنَّ الثقة السامية من لدن جلالة السلطان المُفدى- أعزَّه الله- في الجميع؛ سواءً الحكومة ومؤسساتها أو قطاعاتها المختلفة، تفرض على الجميع القيام بدوره المنوط به، وأولهما الاهتمام بالمواطن وتوفير العيش الكريم له.. وإنني ومنذ فترة أكتبُ مقالات عدة توضح مكامن هذا الملف الشائك الذي أقلق كل مواطن سعيًا نحو إيجاد الحلول السريعة والمناسبة له، واليوم أكتب مرة أخرى عسى أن ترى كل هذه الكلمات والمقترحات النور، وأن ينعم الشباب العُماني على بناء وطنه والعيش الكريم في رحابه.
حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها، وأدام عليهم نعمة الأمن والأمان والاستقرار، وعسى أن يكون القادم خيرًا ويُسرًا بإذن الله.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
السياحة الجيولوجية في الإمارات تستقطب الباحثين والزوار من مختلف أنحاء العالم
تعد السياحة الجيولوجية في دولة الإمارات ضمن حملة “أجمل شتاء في العالم” من العوامل الهامة لتعزيز السياحة الداخلية وجذب الباحثين والزوار من جميع أنحاء العالم.
وأكد سعادة المهندس سيف غباش، وكيل وزارة الطاقة والبنية التحتية المساعد لقطاع البترول والغاز والثروة المعدنية أن دولة الإمارات تتمتع بتراث جيولوجي غني يمتد تاريخه إلى أكثر من 600 مليون سنة مشيراً إلى أهمية هذا التراث في تعزيز السياحة الجيولوجية بوصفه جزءا من مبادرة “أجمل شتاء في العالم.
وقال إن هذا التنوع الجيولوجي الفريد يعكس العمليات الطبيعية التي شكلت تضاريس الدولة عبر العصور، ما أوجد طبيعة مميزة ومواقع ذات قيمة جيولوجية عالية تجذب الباحثين والسياح من مختلف أنحاء العالم.
وأضاف أن السياحة الجيولوجية في دولة الإمارات تشكل جسراً يجمع بين العلم والجمال والاستدامة، ما يضع الدولة على خريطة السياحة العالمية ويعزز مكانتها وجهة رئيسية للباحثين والسياح على حد سواء، في إطار رؤية وطنية تسعى لاستدامة التراث الطبيعي وإثراء الاقتصاد.
وأكد المهندس سيف غباش أهمية تضافر الجهود لتطوير قطاع السياحة الجيولوجية من خلال تطوير البنية التحتية و توفير مسارات مخصصة للمشي في المناطق الجبلية، وإنشاء مرافق تدعم الأنشطة الترفيهية مثل التخييم والتسلق، والترويج والتسويق للمواقع الجيولوجية الفريدة، وحماية المواقع الجيولوجية من التدهور وضمان استدامتها للأجيال القادمة.
وأشار إلى أن وزارة الطاقة والبنية التحتية تلعب دورًا محوريًا في توثيق التراث الجيولوجي للدولة من خلال برنامج المسح الجيولوجي الوطني، الذي أتاح إنشاء قاعدة بيانات جيولوجية وجيوفيزيائية شاملة تغطي المعادن، الصخور، والموارد الطبيعية والمائية ، منوها إلى أن هذه البيانات تُثري المحتوى المعرفي وتسهم في دعم خطط الاستدامة البيئية والاقتصادية.
وقال إن مكتبة الوزارة تضم إصدارات متخصصة في مجال الجيولوجيا، تسلط الضوء على تكوين الجبال والجزر والمعادن، و هذه الإصدارات تدعم جهود الترويج للسياحة الجيولوجية عالميًا، وتسهم في تعزيز فهم الظواهر الجيولوجية بين مختلف الفئات.
وأضاف أن السياحة الجيولوجية في الإمارات تعد فرصة اقتصادية واستثمارية واعدة تسهم في تنويع مصادر الدخل وتعزيز الاستدامة البيئية ، ومن خلال الجهود الحكومية المستمرة في الحفاظ على التراث الجيولوجي، تواصل الدولة تعزيز مكانتها وجهة رائدة في هذا المجال، مما يدعم رؤيتها في تحقيق التنمية المستدامة وجذب المزيد من السياح والباحثين من مختلف أنحاء العالم.
وأوضح سعادته أن دولة الإمارات أدركت مبكراً أهمية الحفاظ على التراث الجيولوجي وتعزيز السياحة الجيولوجية حيث تعمل وزارة الطاقة والبنية التحتية على تفعيل البرنامج الوطني لحماية التراث الجيولوجي من خلال عدة مبادرات، أبرزها، تنظيم فعاليات “المسير الجيولوجي” لتعريف المجتمع بأهمية المواقع الجيولوجية، وإدراج المواقع الطبيعية ضمن قوائم الحماية البيئية، وإطلاق برامج توعوية لنشر المعرفة العلمية حول التكوينات الجيولوجية، وتعزيز البنية التحتية في المناطق الجبلية لاستقطاب المزيد من السياح والباحثين، إضافة إلى سعيها للانضمام إلى الشبكة العالمية للحدائق الجيولوجية التابعة لليونسكو.
من جانبه قال خالد الحوسني، مدير إدارة الجيولوجيا والثروة المعدنية في وزارة الطاقة والبنية التحتية، إن التضاريس الجيولوجية في دولة الإمارات تمثل سجلًا حيًا لتاريخ الأرض، وهي موزعة على مناطق رئيسية، أبرزها المناطق الجبلية التي تمتاز بتشكيلات صخرية نادرة مثل تكوينات “الأفيوليت”، التي تُعد من أندر التتابعات الصخرية عالميًا، فيما تشكل هذه الجبال، الممتدة شرقًا، مقصدًا للسياح والعلماء على حد سواء، حيث يجذب تباين ألوانها ومنحدراتها الطبيعية الزوار لاكتشاف جمالها والتاريخ الديناميكي لها الذي يعود إلى 95 مليون سنة، كما أن هذه المناطق الجبلية هي الأكثر مطرًا في الدولة، ما أدى إلى نشوء واحات ومزارع وينابيع طبيعية، فضلاً عن تنظيم أنشطة سياحية مثل تسلق الجبال واستكشاف الكهوف.
وأضاف أن السياحة الجيولوجية في الدولة تتخذ مسارين رئيسيين، الأول النمط العلمي الذي يستهدف العلماء والباحثين وطلاب الجامعات والمدارس ويمكنهم من دراسة التراكيب الجيولوجية الفريدة والتتابعات الطبقية والأحافير، وبدورها تستهدف وزارة الطاقة والبنية التحتية بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة تصميم برامج سياحية علمية موجهة لهذه الفئة، وتسويقها عالميًا لجذب الجامعات ومراكز البحث التي تحتاج إلى مواقع ميدانية لدراسة الجيولوجيا، والثاني النمط الترفيهي، الذي يستهدف السياح الباحثين عن الراحة والاستجمام في مواقع طبيعية فريدة مثل الكثبان الرملية أو الجبال الخلابة.
وأكد الحوسنى أن السياحة الجيولوجية في الإمارات تعد نشاطًا مستدامًا يهدف إلى الاستمتاع بالمظاهر الطبيعية ذات الأهمية الجيولوجية دون الإضرار بتكويناتها، مما يساهم في الحفاظ على هذا التراث الطبيعي للأجيال المقبلة.
وتشمل التضاريس الجيولوجية في دولة الإمارات، السهول الحصوية والصحراوية، حيث تغطي الكثبان الرملية حوالي 74% من مساحة الدولة، وتعد متحفًا طبيعيًا لأنواع الكثبان المختلفة، مثل الكثبان الهلالية والطولية والنجمية، منها على سبيل المثال واحة ليوا، التي تتميز بكثبانها الرملية التي يصل ارتفاعها إلى أكثر من 100 متر، مما يجعلها وجهة مثالية لمحبي المغامرات مثل سباقات السيارات والدراجات والتزلج على الرمال.
كما تحتوي المناطق الساحلية والجزرية على جزر مثل دلما وصير بني ياس وصير أبو نعير، التي تتميز بتكوينات ملحية جيولوجية نادرة، فيما تشكل جبال الملح ألباب هذه الجزر نتيجة عمليات جيولوجية تعود إلى ملايين السنين.
وتُعد هذه الجزر، إلى جانب المناطق الساحلية المليئة بالشعاب المرجانية، وجهات سياحية ساحرة لمحبي الطبيعة والاستجمام فيما تعتبر الواحات التاريخية مثل واحات العين وهيلي والبريمي، مواقع جذب سياحي تجمع بين الجمال الطبيعي والتاريخ الثقافي من خلال القلاع والأفلاج التي تعكس عبقرية الإنسان الإماراتي في التعامل مع البيئة الطبيعية.
وتتمتع دولة الإمارات بمقومات فريدة تجعلها وجهة متميزة للسياحة الجيولوجية فهي تضم تضاريس جيولوجية متنوعة تشمل سلسلة جبال الحجر، وصخور الأفيوليت النادرة التي تعود إلى أكثر من 90 مليون سنة، إلى جانب الكثبان الرملية الشاهقة في صحراء الربع الخالي، كما توفر الدولة مواقع جيولوجية مثل وادي الوريعة في الفجيرة وشلالاته الطبيعية، التي تتيح تجارب استكشافية لمحبي الطبيعة، وتعزز شبكة الطرق المتطورة والمرافق الفندقية الحديثة من سهولة الوصول إلى هذه المواقع.وام