سعيدة بنت أحمد البرعمية

 

لا يتورع الديك الرومي عن عدوانيته لبقية الدواجن وغالبًا ما يقوم ببسط هيمنته عليها،  فكبر حجمه واستصغار الدجاج نفسها أمامه هو ما يجعله يتمادى، الدور نفسه الذي تلعبه أمريكا مع الدول العربية؛ فالأحياء تكتسب سماتها من بيئتها.

يتنحّى القانون الدولي جانبًا ويتخلى عن مساره عندما يتعلَّق الأمر بمصالح الأمريكان وحروبهم الجائرة على البشرية والناهبة للأوطان أو المناصرة لابنة الغرب اللقيطة المستزرعة مع شجر الصنوبر في فلسطين، كيد صناعية صنعت للعناية بمصالح أمريكا في المنطقة، هذا ما يدركه العالم خاصة بعد تعرية غزّة للكيان؛ عملت هذه اليد منذ أكثر من نصف قرن على إيهام العالم بامتلاكها من القوة والاستخبارات ما يضمن لها الانتماء والتشعب الجيوسياسي في فلسطين والمنطقة حتى كسرتها المقاومة.

 

قرأتُ عن صفات العربي كالشجاعة والمروءة والنخوة والجود والكرم والغيرة، بالإضافة إلى صفات أخرى اختص بها العربي المسلم كالإيمان بالله والتراحم والتكافل والصدق والأمانة والوفاء والعدل والإحسان والتعاون والذود عن الأوطان والمُقدسات، وأخذ التشريعات من الدين الإسلامي لا من تشريعات شرّعها الإنسان، ولمستُ هذه الصفات حقًا في مجتمعي وفي تشريعات بلدي ولا أشكك بعدم وجودها بين الشعوب العربية الأخرى؛ ولكن ما يحدث يجعلني أشعر بتراجع هذه القيم إلى حدّ ما، فقد كان للمسلم رايته المنطلقة من عالمية دينه وشموليته؛ فانحدر عن عالميته ليرضخ تحت فكر الوصاية والعولمة وتشريعات سنها الإنسان؛ فخطى على مساراتها واتبع أهدافها التي قد لا تتفق أغلبها مع مبادئه وأهدافه فجردته من نخوته وغيرته وما يُميزه كعربي ومسلم عن غيره من بني البشر، لينفذ تشريعات تدوس على كرامته وتسلب مقدساته، وتجعله يقف صاغرا أمام ما تفعله أمريكا بأبناء جلدته متجاهلا حقيقة أن يحلّ به ما حلّ بالثور الأبيض يومًا.

أصبحنا نعي ما نحن فيه من شلل؛ ولكن أيعقل أن نكون قد تجردنا من تلك السمات جميعها، ألم يبق تراحم أوتكافل! لنا أطفال وإخوة يموتون جوعا في غزة منع عنهم الأكل والماء والدواء، تتنفس قنابل الفسفور الهواء بدلاً منهم وتخنقهم، وكأن الأمر متفق عليه أو أنّ ما يحدث لا يعنينا وكأن ديننا لا يفرض الجهاد والدفاع عن الشرف والمُقدسات!      

لقد استنزفت هذه الحرب كلّ ما يُمكن أن تقع عليه، ولم يبق سوى غيمة العار المتكاتلة في سماء الشرق الأوسط متمثلة بالكثير من الشواهد التي سجلتها الحرب منذ أن بدأ الطوفان.

"إيش الأخبار اليوم؟"!

سؤال سأله طفل غزّاوي على أمل أن يجد في الإجابة ما يُبدّد القهر وشبح الموت الذي ينهش فيه وفي أترابه قتلًا وجوعًا.

"عمو بدّي أسألك شغلة، هذا حلم ولا بجد"؟

سؤال آخر سألته طفلة وهي على سرير الإسعاف، يا ابنة الأرض ما أمرّ السؤال وما أصعب الإجابة! يحدث هذا وأنتِ القوة الصامدة في وجه الاحتلال، أنتِ العزّة التي فقدتها أمّة واحتفظتِ بها غزّة، أنتِ من تعيشين وتفعلين وتتحدثين الحقيقة وترفعين يدك وحدكِ فتدخلين أصابعك الخمس في عيون صنّاع الإبادة، فتفقأين عيون المحتل ومن معه من الأحزاب وتفقديهم صوابهم، أنتِ من قلبتِ الطاولة فعرقلتِ مسارات التطبيع، أنتِ الحفيدة لجدة غزّاوية مولودة في الخامس عشر من أيار 1948م رأتْ السيناريو ذاته، من خيانة وجوع وموت وصمت خاذل؛ فصمدتْ وأورثتك الأرض لتقفي عليها وتحظي وحدكِ بشرف الذود عنها، أنتِ من رموها إخوتها في البئر ورأيتِ بأم عينيك شتى أصناف الخذلان ومازلتِ تتساءلين! لا تتساءلي وامض في أمرك، الأمر والمجد لكِ.

وبسياق آخر تتحد ألسنة الجمهور الراكن خلف شاشات الأخبار يتساءلون"متى تنتهي الحرب؟ فقد آلمهم مشاهد الدم وتطاير الأشلاء وأرهقهم عدّ عظام الأطفال المُخبر عن العار! وأصبحوا يعتذرون لأنفسهم عن الإفراط والإغراق في مشاهدة الموت والجوع والعراء، لذلك يتمنون إنهاء الحرب مُراعاة لإنسانيتهم المجروحة ويتمتمون بكلمات تبرأ منها ومنهم معجم ابن منظور منذ أن وقّع أنور السادات اتفاقية كام ديڤد مع ابنة العهر الغربي.

من بين أبشع الصور الإجرامية التي نشاهدها كل يوم، إحدى الماجدات الفلسطينيات تحتضن جثث أبنائها المفحمين وتقول: "أبنائي الستة الذين لم تتسع لهم الخيمة يتسع الآن كفي لرمادهم"

كلّ هذا ولا تتوقف أمريكا عن إدارة الحرب في غزّة وإدارة مصالحها في الشرق الأوسط، تعين وتناصر حرب الإبادة من جانب وتعتني بمصالحها الدبلوماسية والاستثمارية من جانب آخر، ضاربة عرض الحائط بشعارات حقوق الإنسان والطفل والمرأة، تدير الحدث وتحرق بذخيرتها الأطفال وتجوعهم وتتخذ من المدنيين دروعا بشرية لتسجل في تاريخها الأسود الدامي أقذر جرائمها في حق الإنسانية.  

شبّه أحدهم الدول العربية وجيوشها الواقفة مكتوفة الأيدي بالدجاج الراقد على بيضة، لا عجب؛ فالصهاينة أنفسهم يهزأون بموقف العرب، وإسرائيل صفر يساري دون أمريكا وما تستعين بهم من المرتزفة والأحزاب، وغزّة تواجه وحدها الجور الغربي والخذلان العربي، إلّا أنّ المعطيات تسجل الهزيمة التي حلَّت بالكيان وبعثرته وخلخلت أعمدته وعرّته وعزلته، ومثلما اقتلع الزيتون أشجار الصنوبر وحل مكانها في تربة لا تعترف بالدخيل عليها، ستنتصر المُقاومة وتحطم يدّ الاحتلال وتعود الأراضي المُحتلة كاملة لهويتها الفلسطينية؛ فحرب الوجود لا يصمد أمامها سوى الحائز على حق الانتماء؛ لذا نرى منذ بداية الحرب وقبل أيّ تهديد بعمليات جديدة مطار بن جوريون يكتظ بالمغادرين الصهاينة فارين عائدين إلى شتاتهم؛ فهم يدركون الحقيقة التي تحارب من أجلها حماس ويموت بسببها الأطفال وتلد على إثرها النساء تحت القصف والحريق.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

من سيرة النبي.. قصة اجعلها دليلك في مواجهة الابتلاء

في حياتنا اليومية، نواجه كثيرًا من التحديات والمصاعب التي قد تجعلنا نشعر باليأس أو القلق، قد تمر لحظات نشعر فيها أن الأمور لا تسير كما نتمنى، وقد نرى أن ما نمر به ليس إلا شدة أو اختبارًا عسيرًا. ولكن، في ظل هذه اللحظات، يجب أن نتذكر دائمًا أن "رب الناس لا يأتي إلا بالخير"، وأن كل ما يحدث لنا قد يكون بداية لخيرٍ عظيم لم نره بعد، إحدى أجمل القصص التي تبرز هذا المعنى، هي قصة النبي صلى الله عليه وسلم عندما تعرض لمحنة في غزوة أحد.

قصة غزوة أحد وتأكيد خيرية الابتلاءات

في غزوة أحد، خرج المسلمون للقتال ضد قريش، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد وضع خطة محكمة، وكان من ضمنها أن يظل الرماة على الجبل في موقعهم حتى إذا انتصر المسلمون، كي لا يُطعن الجيش الإسلامي من الخلف. ولكن ما حدث كان عكس ما توقعه الجميع.

بينما كان المسلمون يحققون النصر، خالف بعض الرماة أوامر النبي صلى الله عليه وسلم وتركوا مواقعهم على الجبل معتقدين أن النصر قد تحقق، وهذا أدى إلى هجوم مفاجئ من فرسان قريش من الخلف، مما تسبب في قتل العديد من الصحابة، وجرح النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وأصيب المسلمون بشدة.

ولكن ما نراه من هذه المحنة هو دروس عظيمة، أولها أن الابتلاءات التي يمر بها الإنسان في حياته، مهما كانت شديدة، قد تكون بداية لخير لا نعلمه، فعندما أصيب النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه، فقال بعض الصحابة: "لو كان النبي قد مات لما كان ذلك أفضل لنا؟". لكن النبي صلى الله عليه وسلم، وبصبره العظيم، أظهر أن هذا الابتلاء هو جزء من مسيرة الإيمان، وأن الله سبحانه وتعالى يختار لنا ما فيه الخير، وإن لم نكن نراه في اللحظة الحالية.

دروس عظيمة في الصبر والتوكل على الله

من خلال هذه المحنة، تأكد المسلمون أن النصر في النهاية بيد الله، وأن المؤمن لا يتأثر بما يراه من شدة، بل يعلم أن ما يقدره الله له هو الخير، وقد رد النبي صلى الله عليه وسلم في تلك اللحظات الصعبة على تلك الأصوات المحبطة قائلاً: "ما كان الله ليخذلكم"، ليعطيهم درسًا في الإيمان بالله والتوكل عليه، وأكد لهم أن ما يمرون به في هذه الدنيا ليس سوى اختبار للإيمان، وأنه سيكون دائمًا بعده فرج من الله.

عبرة لزماننا

اليوم، قد نمر بتجارب مشابهة من الفقد أو الألم أو الخسارة، وقد نشعر أن ما نحن فيه هو نهاية الطريق، لكن من خلال سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأحداث غزوة أحد، نتعلم أن الله لا يأتي إلا بالخير، وأنه قد يكون وراء كل ابتلاء خيرٌ عظيم لا نراه في اللحظة الحالية. علينا أن نثق في حكمته ورحمته، وأن نعلم أن كل شيء له حكمة، وأنه في النهاية، مهما كانت التحديات، سيكون الخير هو النتيجة.

مقالات مشابهة

  • ندوب الحرب التي لن تبرأ بصمت المدافع
  • من "الحافة" إلى "بكين".. سيرة ومسيرة
  • بالتزكية.. أيمن سلامة رئيسا لجمعية مؤلفي الدراما خلفا لبشير الديك
  • رسالة دعاة الحرب البلابسة والإسلاميين خاصة … هذه هي الحرب التي تدعون اليها
  • وزير خارجية أمريكا يكشف عن خطة تشمل قرارات صعبة لغزة بعد الحرب
  • محلل إسرائيلي: هذه التغيرات التي عجّلت بإنجاز صفقة تبادل الأسرى
  • "كنتُ اليد الحازمة التي كان العالم بحاجة إليها".. بايدن يخرج من البيت الأبيض منتشيًا بـ"إنجازاته"
  • تعرف على جزيرة غرينلاند الغنية التي يريد ترامب الاستيلاء عليها
  • جمعة: الحب الحقيقة الكبرى التي قام عليها الكون
  • من سيرة النبي.. قصة اجعلها دليلك في مواجهة الابتلاء