أكد السيد منذر بن سيف بن حمد البوسعيدي رئيس مجلس إدارة الاتحاد العُماني للفروسية والسباق عزمه على تحويل الاتحاد العماني للفروسية من اتحاد تقليدي إلى اتحاد مستدام مستقبلا، لافتا في السياق ذاته إلى رغبة مجلس إدارة الاتحاد في تصحيح بعض المسارات المتبعة في تنظيم البطولات الخاصة للفروسية، ناهيك عن توجه الاتحاد خلال الفترة المقبلة إلى إحداث بعض التغييرات التي تسهم في تعزيز الحراك التطويري الدائر في مسابقات الفروسية، فضلا عن نوايا الاتحاد الحثيثة في نقل مقر الاتحاد من موقعه الحالي بمبنى اللجنة الأولمبية والاتحادات الرياضية بالغبرة الشمالية إلى مزرعة الرحبة ببركاء، حيث تقام أغلب مناشط وفعاليات الاتحاد العماني للفروسية والسباق.

جاء ذلك في حوار موسع وشامل أجرته "عُمان" مع السيد منذر بن سيف بن حمد البوسعيدي رئيس مجلس إدارة الاتحاد العُماني للفروسية والسباق في مقر الاتحاد بمبنى اللجنة الأولمبية العمانية والاتحادات الرياضية بالغبرة الشمالية، والتي عرج من خلالها على استيضاح العديد من المحاور والجوانب التي تخص اتحاد الفروسية والسباق وأجندة مسابقاته التي تخطت نطاق المائة مسابقة خلال الموسم الواحد.

هدف سامٍ

لفت البوسعيدي في مستهل حديثه لـ"عُمان" إلى أن الهدف الأسمى الذي يصبو لتحقيقه خلال المرحلة المقبلة يكمن في تغيير هُوية الاتحاد العُماني للفروسية بحيث يغدو اتحادا مستداما، فقال: هذا ما يؤرق هواجسنا إبان الفترة الحالية التي نكثف من خلالها وتيرة الجهود سعيا لتأطير توجه الاتحاد في نقله من صبغة الاتحاد النمطي التقليدي إلى صبغة الاتحاد المستدام والمتكامل الأركان بصورة أكثر اتساقا وشمولية.

وفي السياق ذاته لفت السيد قائلا: منذ أن تم إقرار مجلس الإدارة الجديد للاتحاد العُماني للفروسية والسباق الذي اعتمد وشكل بموجب القرار الصادر في شهر أغسطس من العام الماضي ٢٠٢٣م، عقدنا اجتماعا تنسيقيا لمناقشة التحديات التي تواجه الاتحاد وارتأينا وضع استراتيجية شاملة على المدى القصير والبعيد لتحقيق أهداف الاتحاد المستقبلية.

وأضاف: تم تشكيل فريق عمل متكامل يعنى بمتابعة ملف الاستراتيجية الشاملة بحيث يتمكن من رصد الملاحظات الجوهرية الدقيقة التي تقودنا في نهاية المطاف إلى تحقيق أهدافنا المرسومة في نقل الاتحاد العُماني للفروسية والسباق إلى اتحاد مستدام يحدث قفزة نوعية رائدة على صعيد العمل التطويري المتنامي في مسابقات الاتحاد وأنشطته وفعالياته المتنوعة. وفي الصدد ذاته أردف السيد قائلا: بطبيعة الحال باشرنا العمل في تطبيق الاستراتيجية خلال الموسم الحالي، ونعمل على تطبيقها بحذافيرها جملة وتفصيلا من خلال إيجاد شركاء فاعلين يسهمون إيجابا في دفع عجلة الاستراتيجية بشكل ملموس ومطرد. واستطرد قائلا: بيد أننا وضعنا حجر زاوية الاستراتيجية وخطونا الخطوات الأولى في سلم تطبيقها، بل ومن خلالها تمكنا من تدشين الانطلاقة التسويقية لمسابقات الاتحاد باعتبارها البوابة التعريفية لها.

تحديات

وحول أبرز التحديات التي تعتري مجلس الإدارة الحالي للاتحاد العُماني للفروسية والسباق، بين السيد منذر بن سيف بن حمد البوسعيدي قائلا: لا شك أن ازدياد أنشطة ومسابقات الاتحاد العُماني للفروسية والسباق يمثل التحدي الأبرز لمجلس الإدارة الحالي الذي يكافح بدوره لاحتواء جميع الأنشطة والمسابقات المنضوية تحت مظلته والتي بلغت زهاء المائة مسابقة، وعلى الرغم من تنامي الأعداد الهائلة لمسابقات اتحاد الفروسية، إلا أننا نبذل جهودا مضنية لإدراجها وتنظيمها في مواعيدها المحددة طبقا لروزنامة الموسم التي لا تتعدى فترته الست أشهر حسب ملائمة الأجواء في سلطنة عُمان.

وأضاف: حرصنا على تذليل كافة الصعاب والمعوقات على الرغم من ضيق الفترة الزمنية المرتبطة بتنظيم تلك المسابقات، فعملنا على تأهيل وتشكيل لجان العمل التي تتمحور مهامها في إدارة مختلف السباقات أيا كان نوعها، وفي واقع الأمر تم اعتماد 94 سباقا خلال هذا الموسم، على الرغم من أن العدد الفعلي للسباقات قد يفوق 100 مسابقة. وزاد: بطبيعة الحال تنوعت تلك السباقات لتشمل سباقات القدرة والتحمل وسباقات الخيل وقفز الحواجز وأدب الخيل، علاوة على التقاط الأوتاد وجمال الخيل، بالإضافة إلى رياضات الخيل التقليدية العرضة في مختلف ولايات ومحافظات سلطنة عُمان.

حصر المشاركين

وردا على سؤال يتعلق بحصر الاتحاد العُماني للفروسية لأعداد المشاركين في سباقات الخيل على مدار الموسم أجاب السيد بقوله: في الواقع نحن الآن بصدد تطوير نظام إلكتروني معين يعنى بحصر أعداد المشاركين في مختلف سباقات الفروسية خلال الموسم الواحد، وهذا النظام سيرى النور لأن العمل جار عليه على قدم وساق، ولن نألو جهدا في سبيل تطوير كل ما من شأنه الارتقاء والنهوض بهذه الرياضة العريقة.

وفي الشأن ذاته علق قائلا: سنقوم بحصر جميع منتسبي الفروسية بحيث سيتم تصنيفهم إلى فئات مختلفة سواء أكانوا فرسانا أو ملاكا للخيل، عطفا على حصر أعداد الخيل نفسها ولكن المسألة ستستغرق أمدا طويلا نظرا لحاجتنا إلى إدراج بيانات دقيقة تواكب متغيرات المرحلة وتتوافق مع الظروف الراهنة التي تشهد تباينا وتراوحا في أعداد الخيول المشاركة في مناشط وفعاليات الاتحاد سواء في الرياضات الأولمبية أو الدولية او المحلية، ومن هذا المنطلق يجب حصر بياناتها وأرقامها بشكل دقيق جدا دون إغفال أعداد الفرسان وملاك الخيل الذين تشهد أعدادهم تزايدا مستمرا وملحوظا خلال الآونة الأخيرة.

المنتخبات الوطنية

وبالحديث حول الجزئية المتعلقة بالمنتخبات الوطنية عرج البوسعيدي قائلا: بطبيعة الحال حصدت منتخباتنا الوطنية للفروسية إنجازات جيدة خلال الموسم الحالي، حيث سطر منتخب التقاط الأوتاد إنجازا مهيبا بحلوله في المركز الأول أثناء مشاركته في بطولة العلا بالمملكة العربية السعودية، متربعا على عرش القمة ومتصدرا المشهد الختامي لبطولة التقاط الأوتاد وسط مشاركة إقليمية حاشدة نالت استحسان وإعجاب الحضور. وتطرق السيد أيضا إلى إنجاز منتخب قفز الحواجز للناشئين الذي حل رابعا في مشاركته هذا الموسم بإمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة، وهي بطبيعة الحال أول مشاركة لهذا المنتخب الواعد وقطعا سيحقق نتائج أفضل خلال المشاركات الإقليمية والدولية القادمة مع تراكم الخبرة الميدانية في السباقات.

علاوة على ذلك شارك العديد من الفرسان وملاك الخيل العُمانيين في عدد من سباقات الخيل حول العالم واستطاعوا تحقيق نتائج لافتة في كل من: بولندا وفرنسا والإمارات والسعودية وقطر، برهنوا من خلالها على عطائهم الفذ والغزير وقدرتهم الكامنة على رفع علم سلطنة عُمان في شتى المحافل الإقليمية والدولية متى ما تفجرت طاقاتهم وآمنوا بموهبتهم ولمع بريق توهجهم ومخروا عباب الألق والإبداع المتجدد وحذوا حذو أقرانهم الدوليين في شق طريق النجومية في عالم الفروسية.

واردف البوسعيدي: نتوجه بالتهنئة لفرسان سلطنة عُمان على تأهلهم لنهائيات كأس العالم للقدرة والتحمل والمقرر إقامتها في مدينة مونبازير الفرنسية لمسافة 160 كم بعد اجتيازهم وسيمثل سلطنة عُمان في هذا الحدث البارز كلا من الفارس صاحب السمو السيد علي بن غالب آل سعيد وكذلك عدد خمسة من فرسان الخيالة السلطانية.

قطاع المراحل السنية

وحول دور الاتحاد العُماني للفروسية والسباق في دعم قطاع المراحل السنية أوضح السيد منذر البوسعيدي قائلا: بلا شك أن دور الاتحاد يعد محوريا في دعم المشاركات الخارجية لمنتخبات المراحل السنية في رياضة الفروسية، وآن الأوان لتلك المنتخبات أن تنغمس في مشاركات أكثر على الصعيد الإقليمي بالذات من أجل اكتساب الخبرة الميدانية الكافية في سباقات الخيل.

واستدرك قائلا: كان ينبغي على مسابقينا الواعدين أن يشاركوا في سباقات الفروسية التي اختتمت مؤخرا في قطر، ولكن لظرف خارج عن إرادتنا اعتذرنا عن المشاركة في آخر لحظة، ولكننا نعد بمشاركات إقليمية ودولية قادمة ستضمن لفرساننا الناشئين احتكاكا أكبر ومعادلات أعلى من الخبرة والاستفادة القصوى في قادم الوقت، وهذا ما نعمل عليه حاليا بكل جهد وتفان وإخلاص.

واسترسل السيد بقوله: الموسم الماضي كان قصيرا ومزدحما بالسباقات، مما سبب لنا بعض التحديات في التعاطي مع جل السباقات خلال ظرف زمني وجيز لا يتعدى الخمسة أشهر على وجه التحديد، حيث انحصرت السباقات خلال الفترة من شهر نوفمبر إلى شهر مارس، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة تأهيل الخيل المشاركة قبل مغادرتها ودخولها في دوامة المشاركات الخارجية، وهنا يكمن التحدي، حيث إنك بحاجة لتطويع ظروف المشاركات الخارجية لصالحك من خلال الإعداد المسبق في المعسكرات التدريبية الخاصة بالفرسان، وهي إجمالا فترة ضيقة جدا ولكننا نحاول قدر المستطاع أن نتيح الفرصة للفرسان الشباب من أجل تسهيل عملية تأهيل خيولهم قبل الانخراط في المشاركات الخارجية.

الارتقاء بالفرسان العمانيين

وردا ما إذا كانت البطولات الخاصة تساهم بشكل أو بآخر في الارتقاء بالفرسان العُمانيين لفت رئيس الاتحاد العماني للفروسية والسباق قائلا: مما لا شك فيه أن البطولات الخاصة تعد بمثابة مرآة عاكسة للارتقاء بالفرسان العُمانيين نظرا لقيمة الجوائز المالية التي تقدم للفرسان، وهو ما يدفعهم للتنافس على حصد المراكز الأولى، وهنا استشهد ببطولة "نماء العقارية"، التي أقيمت خلال شهر رمضان المبارك، حيث شهدت صراعا ضاريا وتنافسا محتدما لحصد المراكز المتقدمة، ولا تقل بطولة "الريان" شأنا وقيمة عنها، حيث بلغت الإثارة ذروتها بين الفرسان المتسابقين طمعا في خطف مراكز المقدمة.

وفي سياق متصل أوضح السيد بقوله: بلا شك أن تنظيم مثل هذه البطولات الخاصة يساعد الفرسان والملاك على اقتناء الخيل الجيدة، وهي تعد بمثابة محطة أيضا للارتقاء بمستوياتهم إلى أعلى المستويات. واستدرك قائلا: لكن وفي المقابل نرغب في تسليط الضوء أكثر على البطولات الكبيرة على غرار بطولة "كأس العيد الوطني"، فهي محط اهتمام بالغ بالنسبة لنا ونريد أن نظهرها بشكل أقوى في النسخ القادمة.

سباق الخيل السلطاني

وتعليقا على دور الاتحاد العُماني للفروسية والسباق في مهرجان سباق الخيل السلطاني السنوي، أوضح السيد منذر بن سيف البوسعيدي بقوله: دور الاتحاد العُماني للفروسية والسباق في مهرجان سباق الخيل السلطاني السنوي يعتبر دورا فنيا بحتا بحيث يهتم الاتحاد بتفاصيل فنية من منظور دقيق جدا كآلية تسجيل الخيل المشاركة في السباق والتحقق من سلامتها بموجب فحوصات بيطرية والإشراف العام على ميدان السباق، فضلا عن تصنيف وانتقاء الخيول المؤهلة للمشاركة في السباق، وذلك بالتنسيق والتعاون مع شؤون البلاط السلطاني ممثلا بالخيالة السلطانية ونوجه لهم كل الشكر والتقدير، وأضاف: يعتبر هذا المهرجان وما يضمه من سباق للخيل رافدا جيدا لإعداد السباقات الأخرى التي ينظمها الاتحاد خلال الموسم يستفيد منها المشاركين من ملاك الخيل والمدربين والفرسان.

القطاع النسائي

وحول دور الاتحاد العماني للفروسية في دعم القطاع النسائي علق السيد قائلا: المرأة جزء لا يتجزأ من أنشطة ومسابقات الاتحاد العماني للفروسية، فهي حكم دولي وبيطرية ومنظمة سباقات وفارسة ومالكة خيل، وتوجد العديد من النساء المشاركات في رياضة الفروسية، وهذا ما يبرر وجود للتنسيق مع لجنة رياضة المرأة بشأن تمكين دور المرأة من رياضة الفروسية ومنحها الضوء الأخضر للعب دور ريادي ومحوري في مسابقات الفروسية بصفة عامة. وأردف: نحن نرحب دائما بفكرة التنسيق والتعاون المباشر مع لجنة رياضة المرأة من أجل التوصل لصيغة اتفاق معينة بشأن إعداد برامج زيارات دعم خاصة لعدد من الفارسات ومالكات الخيل والحكمات والمنظمات أسوة بالبيطريات بهدف وضع النقاط على الحروف وتجويد العلاقات المثمرة بين الطرفين.

نقل مقر الاتحاد

وبالحديث حول إمكانية نقل مقر الاتحاد العماني للفروسية والسباق من مبنى اللجنة الأولمبية العمانية والاتحادات الرياضية بالغبرة الشمالية إلى مزرعة الرحبة ببركاء أوضح السيد: بالتأكيد هذا هدف ونسعى لتحقيقه خلال المرحلة القادمة ولكنه بحاجة إلى بعض الوقت، حيث نهدف لجعل مزرعة الرحبة الحاضنة الأولى لرياضة الفروسية في سلطنة عُمان ولا بد أيضا أن تكون مكتملة الأركان بحيث تضم مكاتب إدارية وسجلات خيل جنبا إلى جنب مع مضمار السرعة والميدان الأولمبي والميادين الأخرى.

وأضاف في هذا الشأن: لا بد أن نقدم خدمة لملاك الخيل على اعتبار أن أعداد الخيل أصبحت في ازدياد مستمر والوضع يحتم علينا مواكبة هذه التغييرات الجديدة التي طرأت على الساحة. وتابع: ينبغي علينا كمجلس إدارة اتحاد أن نعير اهتماما خاصا بملاك الخيل من قبيل الاهتمام بتسجيل بيانات الخيل وإرفاق الفئة المندرجة فيها بالسباق، ومن هذا المنطلق يتعين علينا الاهتمام بكل شاردة وواردة تماشيا مع التطور المتنامي في رياضة الفروسية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاتحاد العمانی للفروسیة المشارکات الخارجیة البطولات الخاصة ریاضة الفروسیة سباقات الخیل مقر الاتحاد خلال الموسم مجلس إدارة من خلالها من خلال

إقرأ أيضاً:

أمريكا من إمبراطورية إلى دولة

 

 

علي بن سالم كفيتان

نشأت عقيدة الولايات المتحدة الأمريكية لتصبح إمبراطورية مهيمنة على العالم عقب الحرب العالمية الثانية والنصر الذي حققه الحلفاء بعد تدخلها الدامي في اليابان واستخدام السلاح النووي للمرة الأولى، وهذا مهَّد لطموح سيادة العالم والتنافس مع الاتحاد السوفييتي- آنذاك- عبر الدخول في صراع تسلُّح وحرب النجوم، ومن ثم الحرب الباردة، حتى انهار الاتحاد السوفييتي في 25 ديسمبر 1991.

وانفردت الولايات المتحدة بقيادة العالم عبر قوتها العسكرية الضاربة وتسييرها لمنظمة الأمم المتحدة من نيويورك، في ظل انشغال الدول الأوروبية بلملمة شتاتها بعد الحرب، ومن ثم إنشاء الاتحاد الأوروبي والتوجه للتنمية الاقتصادية واعتمادها على حلف "الناتو"، الذي تُهيمن علية الولايات المتحدة الأمريكية من الناحية الأمنية والعسكرية، في الوقت الذي كانت فيه جمهورية الصين الشعبية ترسم خطتها بعيدة المدى للنهوض عبر بناء منظومة إنتاجية وقاعدة صناعية ضخمة، وبقي العالم يدور في فُلك أمريكا الواعدة التي استقبلت كل الشعوب وفتحت أذرعها لهجرة العقول، وبنت سلاسل تبادل تجاري مع مختلف شعوب الدنيا؛ فصارت ذلك الحلم الذي يتمناه الجميع، في ظل اهتمام بالغ بحقوق الإنسان والمجتمعات المُهمَّشة حسب الظاهر، فمارست عبر هذه الملفات ضغوطًا على كل دول العالم.

نمو الصين الهائل ومنافستها لبلوغ سقف الاقتصاد العالمي وإعادة تشكيل الاتحاد الروسي على يد الرئيس فلاديمير بوتين وقفزات النمو الاقتصادي والسياسي الكبيرة التي حققها الاتحاد الأوروبي، كل هذه الأسباب مجتمعة أوجدت توجسًا أمريكيًا عميقًا حول سيادتها للعالم، وأفرز ذلك تغيُّرًا في مزاج الرأي العام الأمريكي؛ حيث أصبح بموجبه رجل الأعمال الأمريكي دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية للمرة الأولى بتاريخ 20 يناير 2017، دون خلفية سياسية أو عسكرية. الرجل لم يكن عضوًا في مجلس الشيوخ ولا في مجلس النواب، ولم يكن يومًا ما حاكمًا لولايةٍ، ولم يتقلد في حياته منصبًا أمنيًا أو عسكريًا، ولم يستوعب أن الولايات المتحدة الأمريكية إمبراطورية تحكم العالم وتُسيِّر اقتصاده وترسم الخطوط العريضة لسياسته؛ فدخل ترامب في مواجهات غير مدروسة مع حلفاء أمريكا قبل أعدائها، عبر حسبة اقتصادية بحتة، تقوم على الفارق في الميزان التجاري، ومقدار الرسوم على السلع، وأقحم بلاده في ملفات سياسية شائكة، ومنها مشكلة الشرق الأوسط عبر عرض مبادرات مثل صفقة القرن واتفاقيات إبراهام؛ لإدماج الكيان الصهيوني في المنطقة، وفرض التطبيع، ومنح إسرائيل كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإلغاء دور منظمة التحرير الفلسطينية، وإغلاق مكتبها في أمريكا. كل ذلك وَلَّدَ احتقانًا سياسيًا عميقًا في الداخل الفلسطيني؛ حيث انقلبت أمريكا على صنيعتها السلطة الفلسطينية، فبرز تيار المقاومة كخيارٍ قائمٍ بعد فشل الخيار السياسي، وانكشاف عورة اتفاقيات أوسلو، وحسب اعتقادنا هذا هو السبب الرئيسي لما حدث في السابع من أكتوبر 2023.

لم يُوَفَّق ترامب في تجديد انتخابه لدورة ثانية تالية للأولى، وخسر انتخابات 2020 أمام جو بايدن الديمقراطي المخضرم وصاحب التاريخ السياسي الحافل، لكن الأخير لم يستطع إصلاح ما أحدثه ترامب من مغامرات في العالم؛ فمارس سياسة ضعيفة هي أقرب إلى تسيير الأعمال، وكان عامل السن ضاغطًا على ولايته المُتعثرة كتعثُّر خطواته المُتكرِّر على سلالم الطائرة الرئاسية، وسرحانه في المناسبات العامة، وهيامه على وجهه في أحيان كثيرة في الاحتفالات الرسمية، كل ذلك إضافة إلى انحيازه السافر للكيان الصهيوني وازدواجية المعايير في التعامل مع قضيتيْ فلسطين وأوكرانيا؛ مما ولَّد احتجاجات طلابية ضخمة في مختلف الجامعات الأمريكية، عقب السابع من أكتوبر 2023؛ فضعف موقفه؛ لينسحب من السباق الانتخابي في وسط المنافسة، ويخسر الحزب الديمقراطي مرة أخرى، ويعود ترامب في 2025 الى البيت الأبيض، ليُكمل مغامراته التي بدأها في 2017.

قد يتساءل البعض: لماذا انتخب الأمريكيون ترامب؟ والجواب هو أن الرجل عمل على ابتزاز حلفاء وأصدقاء أمريكا وجلب مليارات الدولارات التي حسَّنت الأداء الاقتصادي وخلقت ملايين الفرص الوظيفية، والمعلوم أن الشعب الأمريكي لا يُعير اهتمامًا كبيرًا بسياسة بلاده الخارجية، بقدر نجاح الأداء الاقتصادي في الداخل، وهذا ما حققه ترامب في دورته الأولى.

الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تنكفئ على نفسها منذ اليوم الأول لرئاسة ترامب الثانية، عبر منع الهجرة، وترحيل المهاجرين غير الشرعيين بل والمعارضين لسياسات أمريكا من الطلبة والناشطين السياسيين، الذين يحظون بحق الإقامة، مع فرض رسوم جمركية على الواردات القادمة من أكبر الاقتصاديات التي تتعامل مع السوق الأمريكي، مثل كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي والصين، علاوة على طرد السفراء الذين تنتهج دولهم سياساتٍ إنسانية تدعم القضايا العادلة مثل جنوب افريقيا، وإحراج الحلفاء التاريخيين لواشنطن عند زياراتهم للبيت الأبيض، كل هذا يقود لأفولٍ تدريجيٍ لنجم الإمبراطورية الأمريكية، وتحولها لمجرد دولة على خارطة العالم، مع صعود الصين لريادة العالم.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • لقطات لبعض الذخائر والأسلحة والحبوب المخدرة التي عثرت عليها قوات الجيش داخل أوكار ميليشيا حزب الله بقرية حوش السيد علي بريف القصير غرب حمص
  • 8 سنوات على رحيل السيد ياسين.. أستاذ الباحثين
  • عضو مجلس اليد: محمد قاسم مديرا فنيا لبنات 2008.. وحلمي مصبح لشبات 2006
  • اتحاد اليد يكلف عبير عقيل بالإشراف على المنتخبات النسائية
  • أمريكا من إمبراطورية إلى دولة
  • السخيري والحلاوي يغيبان عن مواجهة تونس وليبيريا
  • الشباب والرياضة: بدء تفعيل تطبيقات مشروع الجينوم الرياضي لدعم المنتخبات الوطنية
  • بدء تفعيل تطبيقات مشروع الجينوم الرياضي لدعم المنتخبات الوطنية
  • تركيا الأولى عالميا ضمن الدول التي يصعب فيها امتلاك منزل!
  • الاتحاد الآسيوي يضع خارطة طريق توضح المعايير التي ينبغي الالتزام بها