سواليف:
2024-07-01@15:34:02 GMT

تلبيس إبليس

تاريخ النشر: 29th, June 2024 GMT

#تلبيس_ابليس د. #هاشم_غرايبه

منذ أن خلق الله البشر، وقدر أن يهبهم حياة محددة لكل فرد منهم، فيها يتم ابتلاؤهم ليميز من يستحق الجنة ممن يستحق النار، وباختيارهم الحر، لذلك أوجد الخير والشر، وأغوى إبليس ليكون عنوانا لكل الشرور، وأوجد في البشر فطرة الإيمان التي هي الدافع الأول للصلاح وفعل الخير، لكنه أوجد بالمقابل فطرة حب البقاء والأنانية التي ولدت الأطماع، ولكي يعزز الدافع للخير أرسل الرسالات هادية ومبشرة لمن اختار الصلاح، ومنذرة بعواقب اتباع الشرور والمعاصي.


من هنا كان شياطين الإنس، هم ليسوا من ذرية ابليس كما يتوهم البعض، بل اختاروا طواعية منهجه، فاستحبوا الكفر على الإيمان، وأضلوا غيرهم، وناصبوا المؤمنين العداء ليكرهوهم على ترك الإيمان.
هكذا انقسم البشر بين فسطاطين، فسطاط الخير ويجتمع فيه كل من اتبع فطرته واستجاب لدعوات المرسلين، ولأن عنوان هؤلاء الإيمان بالله فمنهجهم واحد وإن اختلفت أعراقهم وقومياتهم، وفسطاط الشر يجتمع فيه الضالون والمضلون، لذلك فهم الأغلبية وإن اختلفت مشاربهم الفكرية وتعددت عقائدهم الفاسدة، لذلك فهم متناقضون بسبب تضارب مصالحهم، فلا يجمعهم إلا العداء للمؤمنين، ولا يلتم شملهم الا حين شن عدوان عليهم.
كان من المنطقي أن يكون التفوق في المال والقوة في جانب معسكر الأشرار، فهم يحبون المال حبا جما، ويأكلون حقوق الآخرين، ويشنون الحروب لنهب خيرات الأضعف منهم، لذلك فهم يجهزون الجيوش الجرارة، وينفقون على تطوير وتصنيع الأسلحة، ليبقوا على الدوام متفوقين عددا وعدة.
بعد أن أكمل الله الدين، انحصر فسطاط الخير بمتبعيه، فأصبح العالم الإسلامي المستهدف الدائم من قبل فسطاط الشر، ولذلك ظلوا يشنون الحروب عليه طوال التاريخ، فلم ينعم العالم الى اليوم بأية فترة سلام أواستقرار فكلما خبت نيران حرب شنوا غيرها.
هذا هو تفسير الحرب الأخير التي يشنونها على القطاع طوال الشهور التسعة الماضية، هي ليست دفاعا عن النفس كما يزعمون، بل ازداد سعار معسكر الشر بدرجة مبالغة، والسبب لأنهم كانوا يظنون أنهم قد أخضعوا العالم الإسلامي لسلطانهم، عندما تمكنوا من شرذمته وأقطعوا على ولاياته من اتباعهم من ارتضوا فساده مقابل ممانعة منهج الله واستبعاده من الحكم في ديار الإسلام.
كانت شراسة هذه الحرب ودمويتها غير مسبوقة، لأنهم شعروا بالخطر حينما قام ثلة من متبعي منهج الله بهجوم صاعق على كيانهم اللقيط – قلعتهم المحصنة في قلب ديار المسلمين.
ليس مصدر هلعهم كان من حجم الخسائر، بل من مبادرة شن الهجوم ذاتها، إذ كانوا مطمئنين الى نشرهم الاحباط واليأس بين المسلمين، واعتقدوهم تخلوا عن عقيدتهم الجهادية – وسيلة القوة الوحيدة لديهم -، خاصة بعد الحملة الصليبية الأخيرة (الحرب على الإرهاب)، التي اعتقدوا أنها أخافت كل من تحدثه نفسه بالجهاد.
هجوم السابع من تشرين قلب كل حساباتهم، لذا وجدناهم يردون بتلك القوة الساحقة لتقضي باعتقادهم على هذه الروح التي فوجئوا أنها ما زالت مستعرة، وبأن الأموال التي انفقوها على عملائهم والجهود التي بذلوها بالتعاون مع وكلائهم – الأنظمة العربية لم تنفع في وأد الروح الجهادية.
بعد أن فشلت القوة الفائقة بإحداث أي تغيير في ميدان المعركة، عادوا الى الاستعانة من جديد بالأنظمة، فكان ترتيب اجتماع في البحرين، جمع رئيس أركان جيش الكيان اللقيط بالقادة العسكريين لخمسة أقطار عربية بترتيب أمريكي تحت عنوان مشاركة الحلفاء العرب في هذه المعركة.
معروف أن التحالف العسكري يكون بين الأنداد في القوة، ولمصلحة مشتركة، لكن العلاقة بين القوي والضعيف أوالتابع والمتبوع لا تسمى تحالفاً، لذلك فمن استغباء الشعوب العربية قول أي نظام عربي بأنه حليف لأمريكا وبالتالي لربيبتها، فلن يكون تحالفه هذا الا لتحقيق أملاءاتها وتنفيذ لخططها، والتي لن تكون لصالح الأمة قطعا.
طوال تاريخ الأمة، ظل المنافقون يبررون تحالفهم مع أعدائها الخارجيين بالقول أن ذلك للحفاظ على سلامة البلاد، ودرء مخاطر العدوان عنها، لكن الله تعالى كشف لنا خبيئتهم، وأنهم إنما يخشون على أنفسهم ومكتسباتهم: “فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَٰرِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰٓ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ ۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِىَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍۢ مِّنْ عِندِهِۦ فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِىٓ أَنفُسِهِمْ نَٰدِمِينَ” [المائدة:52].
ندعو الله أن يعجل بالفتح، لنرى هؤلاء نادمين.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: تلبيس ابليس

إقرأ أيضاً:

نقطة نظام

#نقطة_نظام د. #هاشم_غرايبه

مثلما أن هنالك استنساخيين في الفكر الديني، كذلك يوجد في الفكر المضاد، وهؤلاء أكثر تطرفا وأشد وطأة، فهم يرون ضرورة استنساخ التجربة الأوروبية التي أخرجتها من عصور الإنحطاط الى النهضة، تتجمد عقولهم عن ابتداع تجربة موازية، فيصرون على النسخ الحرفي من غير اعتبار للفوارق الموضوعية والظرفية والتطبيقية بيننا وبينهم.
أبسط الفوارق هي التباين الهائل في الظروف، ففي العصور الوسطى كانوا في غياهب الظلمة والإنحطاط، في المقابل كنا في ذروة التنور والتقدم الحضاري، كان العلماء عندهم يُحرقون أو يسجنون بتهمة التجديف، في الوقت الذي كانوا يكافؤن في الدولة الإسلامية بوزن كتبهم ذهبا.
كان اللاهوت تحتكره الكنيسة، من يخالفه يصدر بحقه صك حرمان، لكن الحضارة الإسلامية كانت منفتحة على علوم الآخرين وفلسفاتهم، وكان العالِم في الكيمياء أو الفيزياء أديبا أو شاعرا، وفقيها أيضا، وقد يكون له آراء مغايرة لأئمة المذاهب.
في القرن السابع عشر بدأت عندهم النهضة في الصعود، وعندنا في النزول، ولم يكن للتدين دور في الحالتين كعامل أساسي، لكن كان للكنيسة دور في معاكسة حركة الصعود وتأخيرها، بسبب من أنها مؤسسة مستقلة منتفعة من تحالفها مع طبقتي الإقطاعيين والعائلات المالكة على احتكار السلطة والإقتصاد.
كان الطريق الوحيد للتخلص منها شعار فصل الدين عن الدولة، فقضت العَلمانية على تسلط الكنيسة، لكنهم لم تحررهم من سيطرة الإقطاع، لأنه تحول الى الرأسمالية، فتغير جلد تلك الطبقة ولم يتغير جوهرها البرجوازي.
بالطبع لم يكن للتمسك بالدين أو تركه أي دور في النهضة الأوروبية، فسبب التقدم الأوروبي هو الثورة الصناعية والإستكشافات، والتي تكن دوافعها جغرافية علمية كما يدّعون، بل استعمار الشعوب الفقيرة والمتخلفة، وبالتالي التحكم في طرق المواصلات التجارية، والاستيلاء على الموارد الإقتصادية للأمم المستضعفة، وابقاء شعوبها مستهلكين للانتاج الامبريالي.
فعندما تحورت الإقطاعية الى الشكل الرأسمالي، نشأت الحاجة الى المكننة لتخفيض كلف الأيدي العاملة وزيادة الإنتاج، فبدأت الإختراعات تتوالى لتحقق للصناعيين توسعا في الإنتاج، مما استلزم مواد أولية أرخص وتطوير النقل من أجل شحن البضائع، وإيجاد زبائن مستهلكين أكثر، لذلك بدأت الإستكشافات، وعندها تطورت الرأسمالية الى الإمبريالية والتي من متطلباتها القوة، فتطورت الصناعات الحربية لتحقيق التفوق على الشعوب الجنوبية.
نحن وضعنا مختلف فحتى لو ألغينا الدين وليس حيدناه فقط، سنبقى بلدانا متخلفة، لأن البلدان المتقدمة لا تسمح لنا بالخروج من دائرة التبعية، لذا ليس لنا الا كسر هذا الحصار عنوة وليس بالاستجداء، ولما كان ذلك يحتاج الى الإرادة الصلبة أولا ثم بناء الوسيلة لذلك، لهذا ليس لنا الا الاعتماد على مقومات قوتنا الذاتية.
ومهما بحثنا في رصيدنا عن عناصر قوة وتفوق حضاري، فلن نجد إلا الاسلام، لذلك من يدعونا الى التخلي عنه أو تحييد دوره هو واحد من اثنين: إما جاهل بأهم وسائل وعناصر تحرر الشعوب وهي الإنطلاق من العقيدة الصلبة الجامعة وليس الإعتماد على زعامات فردية، وإما هو عميل للقوى المتحكمة فيسعى الى افراغ الأمة من أهم مقوماتها الحضارية وإلحاقها بالغرب تحت وهم سراب تقليده.
فصل الدين عن الدولة بمعناه الإيجابي مطبق في الإسلام فليس هنالك سلطة تسمى رجال الدين، وليست هنالك مؤسسة دينية تستقبل طلبات الإلتحاق وتقرر قبول الناس في الإسلام، فتمنحهم الغفران أو الحرمان، والسلطة الحاكمة ليس من شروطها نيل درجات كهنوتية أو الوصول الى قمة التسلسل البطريركي، وأعلى منصب ديني في الدولة هو القاضي، وهو يفصل في النزاعات وليس في السياسات.
هكذا نرى أن الدين الإسلامي ليس هو العائق أمام التقدم، بل على العكس، هو أكبر عامل مساعد له، فهو يحقق البنية الفكرية السليمة للنهضة، فالعدالة الإجتماعية والتكافل والترابط المجتمعي والمساواة والتآخي بين أفراد المجتمع بلا تفريق في العرق واللون، تضع قاعدة صلبة يرتفع عليها البنيان المجتمعي.
قد يقول قائل: هنالك كثير من الأمم نهضت بغير اسلام ولا تدين، والإجابة هي أنه بتشخيص دقيق للحالة الخاصة الآنية لأمتنا، نجد أن الوحدة هي الوصفة الأنجح للتحرر من التبعية، ومن ثم النهضة، ولا شيء يحققها أفضل من الإسلام، فهو الرابط الأوثق، والجامع الوحيد الذي تلتقي عليه كل مكونات الأمة، لذلك وجدنا القوى الاستعمارية تبذل جهدها في أبعاده وإلغاء دوره السياسي.

مقالات مشابهة

  • إسرائيل البديل التقتيل
  • ويل سميث يشعل مسرح جوائز BET بأغنية جديدة عن الإيمان والمثابرة
  • بعض أساليب الحرب الناعمة
  • تفسير رؤية «إبليس» في المنام لابن سيرين
  • هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم
  • نقطة نظام
  • مسؤول: وجود الجيش الإسرائيلي في غزة رهن "القوة البديلة"
  • قراءة لقصيدة اغتراب للشاعرة (آمال صالح)
  • إظهار القوة في البحر الأحمر… كيف طرد اليمنيون البارجة “أيزنهاور”؟