فضيلي جمّاع

سعدت وأنا أطالع الرسائل التي وصلتني صباح اليوم عبر وسائط التواصل، إذ رفدني الأستاذ الخضر دلوم – مدير إحدى منظمات الأمم المتحدة للإغاثة بالقرن الأفريقي- بفيديو يخاطب فيه الرئيس الكيني الشاب وليام روتو مؤتمراً صحفياً بأنه لابد من التنازل والإستجابة لرغبة الشعب. وأنه اتخذ قراراً بعدم التوقيع على (مشروع قانون زيادة الضرائب للعام 2024) والذي أجازه البرلمان الكيني.

ظللت أتابع قرابة الأسبوع ، التظاهرات الضخمة التي انتظمت المدن الكينية، احتجاجاً على مشروع القانون الذي أجازه البرلمان الكيني، بانتظار أن يوقع عليه رئيس الجمهورية، ليصبح ساري المفعول. ولأني كنت ولم أزل مشفقاً على التجارب الديموقراطية حديثة النشأة في بعض أقطار قارتنا السمراء، فقد سعدت كثيراً بانتصار الإرادة الشعبية التي أملت على الرئيس روتو عدم توقيع مسودة المشروع!

إنّ الذين يصفقون للمارشات العسكرية ، داعمين لإنقلابات العسكر على النظم الديموقراطية بحسبان أن حكم العسكر هو (الضبط والربط) ، وأن الحكم المدني مجلبة للفوضي، يتجاهلون أو يجهلون أن قبعة العسكر تقف مثلما وقف حمار الشيخ في العقبة متى واجهتها مشكلات عصرنا شديدة التعقيد وعلى رأسها إدارة البلاد والإقتصاد. كما يجهل أولئك أنّ وعي الشعوب وتقبلها للنظم الديموقراطية لن يبلغ سن الرشد بين يوم وليلة. فانتشار الوعي يتطلب قيام مؤسسات تنشر العلم والمعرفة.. وهذا يتطلب استقراراً وجرعات من الحرية. ولقد عانت شعوب الدول التي استقرت بها الأنظمة الديموقراطية ما عانت قبل أن تصبح الديموقراطية نظام حياة في البيت وفي الشارع وفي محل العمل. بينما غرقت بلاد في آسيا وأفريقيا وأميريكا اللاتينية في الفقر والخوف والسجون لأن ضابطاً مغامراً وعصبة من زملائه حسبوا أن استلام مبني الإذاعة والتلفزيون وإذاعة بيان منه ستكون طوق نجاة للشعب والبلاد مما تعانيه. يتبع ذلك تكميم الأفواه ، والإعلام التبريري ذو الإتجاه الواحد. ويولد في هذا الجو الخانق أرذل النخب من الساسة والمثقفين الذين يصبح كل همهم السكوت عن جرائم السلطة وتبرير أفعال البطش والتنكيل بالشعوب.

لقد نجحت التجربة الديموقراطية في كينيا أمس – رغم التخريب وعصابات السرقة التي سطت على المحال التجارية وعلى مكاتب الحكومة إبان هذه التظاهرات – وهو أمر متوقع في بلد ترتفع فيه نسبة الفقر. لكن وبمتابعة سريعة لتقرير صندوق النقد الدولي للعام 2023م (فإن الحصول على الخدمات الأساسية قد تحسن. وبالنسبة لبعض الخدمات فإن الفجوة بين الريف والمدينة وكذلك الفجوة بين الفقراء والأغنياء قد صغرت. علي سبيل المثال فإن حصة الأسرة من وسائل المياه الصالحة للشرب ومياه التحلية قد زادت.كما تحسنت وسائل الحصول على الخدمات الكهربائية بصفة خاصة في المدن ، رغم أنها ظلت محدودة إلى حد كبير في المناطق الريفية.) – ترجمة كاتب المقال من النص الإنجليزي للتقرير.

قلنا إنّ الوعي هو الذي يسند ويعلي القيم الديموقراطية ويمضي بالتجربة قدماً من جيل لآخر. تقول صحيفة ( نيشن Nation ( الكينية في موقعها الإليكتروني عن مردود هذه التظاهرات المصحوبة بالعنف : (أن ما حدث ينبغي أن يكون علامة فارقة لكل القادة السياسيين بأن السلطة التي يتمتعون بها تعود إلى سيدهم الحقيقي – الناخب الكيني) The (Nation/ 27-6-2024))
في مقال قبل بضع سنوات عن تجربة الحكم في كينيا ، أشار كاتب هذه السطور إلى أن كينيا وبلدان أخرى في قارتنا السمراء تخطو بثقة إلى الأمام في إرساء الديموقراطية ودولة القانون. كان ذلك حين استجاب الرئيس الكيني السابق أوهورو كنياتا للمثول أمام محكمة الجنايات في لاهاي بتهمة ارتكاب مجزرة عرقية في انتخابات سابقة بكينيا. أذكر أن الرئيس أوهورو قام وقتها بتسليم سلطاته لنائب الرئيس أمام البرلمان الكيني ، ثم استقل سيارته الخاصة إلى مطار جومو كينياتا في العاصمة نيروبي. وأكمل مراسم الخروج والصعود إلى الطائرة كمواطن عادي.

وفي المحكمة الجنائية بلاهاي ، وقف ومحاموه بكل شموخ مفندين التهم التي الصقت به. الكل يعرف أن المحكمة لم تجد بينة ضده ، فأخلت طرفه ليعود إلى عاصمة بلاده بذات الكيفية- مواطناً عادياً في طائرة الخطوط الجوية الكينية. وفي دعوة عاجلة للبرلمان الكيني حدثت إجراءات التسليم والتسلم أمام نواب الشعب الكيني بين الرئيس المؤقت (نائب الرئيس) والرئيس المنتخب الذي أسقطت عنه التهم في المحكمة الجنائية. كتبت حينها أن كينيا تعطي الشعوب درساً في الممارسة الديموقراطية. لم يمثل أوهورو كنياتا آنذاك دور هرقل أو شمشون الجبار أو عنترة العبسي ويصيح أن امريكا والمجتمع الدولي تحت حذائه. ذهب أهورو كنياتا إلى لاهاي بكل وقار المواطن المسئول وعاد منها لبلاده مرفوع الرأس دون أن يملأ الدنيا ضجيجاً في غير معترك!

وها شعب كينيا يعود اليوم ليعطينا درساً في حق الشعوب أن ترفض دفع ديون الدولة بقانون هدفه سرقة جيوب الفقراء. ويستجيب رئيس الجمهورية لصراخ الملايين، فيرفض – وفق الدستور – أن يوقع مشروع قانون 2024 لزيادة الضرائب. ويقول في كلمته للشعب – بعد أن ترحم على الذين قضوا في التظاهرات- استجابة لطلب الشعب الكيني فإنني أرفض توقيع مشروع القانون الذي أجازه البرلمان. لكن دعونا نفكر معا كيف يمكننا سداد الديون والمضي قدماً.

شكراً يا حفدة الماوماو.. ما زالت صرخة مقاتليكم الشجعان إبان حقبة التحرر والإستقلال بقيادة الرمح الملتهب جومو كنياتا – ما زالت صرختكم (أهورو) – أي الحرية – يتوارثها أبناؤكم وحفدتكم ! شكرا على الدرس المجاني الذي اعطيتمونا. نحن – حفدة بعانخي والمك نمر والمهدي والسلطان عجبنا والسلطان تاج الدين – ما نزال بحاجة لمثل هذا الدرس ، لننفض عن ذاكرتنا غبار التاريخ!

لندن
27-06-2024

الوسومفضيلي جماع

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

إقرأ أيضاً:

صنعاء.. باجعالة يتفقد دُور الإحسان للعجزة والشفقة لمرضى السرطان الرحمة للأيتام

 

يمانيون/

 

تفقّد وزير الشؤون الاجتماعية والعمل، سمير باجعالة، اليوم، بصنعاء، دُور رعاية العجزة والمسنين المسندة لبعثة الإحسان الدولية، ومرضى الفشل الكلوي والسرطان التابعة لمؤسسة الشفقة.

كما تفقد الوزير باجعالة، إيواء ورعاية وتأهيل اليتيمات التابعة لمؤسسة جود الرحمن، ودار رعاية الأيتام التابع لمؤسسة الرحمة للتنمية الإنسانية، ومركز الطفولة الآمنة، الذي يُعنى برعاية وتأهيل الأطفال غير المصحوبين والمشردين من الفئات الأكثر هشاشة.

واطلع على احتياجات نزلاء الدور من المرضى والعجزة والأيتام، ووزع لهم جعالة عيدية من حلويات ومكسرات، واستمع منهم ومسؤولي المؤسسات والدور إلى شرح عن الخدمات التي يقدمونها لتلك الفئات، حيث يضم دار الإحسان 135 حالة من العجزة والمسنين، وتحتضن مؤسسة الشفقة وتعالج 160 حالة مرضية، ودار الرحمة 550 يتيمة، ومؤسسة جود الرحمن تأوي 65 يتيمًا.

وعبر الوزير باجعالة عن سعادته بزيارة العجزة والمسنين والمرضى والأيتام ومشاركتهم فرحة العيد، ناقلًا لهم تهاني قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، ورئيس المجلس السياسي الأعلى ورئيس حكومة التغيير والبناء، وحرصهم على تقديم الرعاية الكاملة.

وأكد أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، لن تتوانى عن الاضطلاع بدورها، وتوسيع نشاطها ومهامها في الرعاية والحماية الاجتماعية، مشددًا على توحيد الجهود وتنفيذ البرامج وتوجيهها للارتقاء بمستوى الخدمات الاجتماعية وتوسعيها لتضم كل من له حاجة من الفئات المستضعفة في أمانة العاصمة والمحافظات.

ووجه وزير الشؤون الاجتماعية، القطاعات والإدارات المختصة، بفتح قنوات وآليات تواصل مع قيادات المؤسسات الرعاية والرائدة في مجالات العمل الاجتماعي والإنساني بهدف إيصال المساعدات والدعم إليها، وتذليل الصعوبات، وتمكينها من تنفيذ برامجها وأنشطتها الإنسانية.

ودعا رجال المال والأعمال والمؤسسات والمنظمات العاملة في المجال الإنساني، إلى الإسهام في تقديم الدعم والمساندة لتلك الجهات التي تحتاج لإمكانات كبيرة، إزاء ما تنفذه من برامج في مجالات الإيواء والتأهيل والتربية والتعليم والصحة وغيرها.

وأشار إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية، تسعى خلال المرحلة المقبلة لمنح تلك المؤسسات الرائدة في مجال الرعاية والإيواء والمعالجة للفئات المستضعفة، وضع خاص، يمكنها من التوسع في أنشطتها ويعزز من قدراتها واستيعابها للمساعدات.

وجددّ الوزير باجعالة التأكيد على أن الوزارة بجميع قطاعاتها مستمرة في الاضطلاع بمسؤوليتها في الرعاية وتوفير الحماية الاجتماعية لكل الفئات المستضعفة، بالرغم من التحديات والعدوان الأمريكي، الصهيوني المستمر على اليمن.

ولفت الى حرص الوزارة على تحقيق أرقى مستوى من الرعاية من خلال تطبيق البرامج العلمية والخطط المدروسة بالاستفادة من القدرات والخبرات والكفاءات البشرية، وتوسيع وتحديث البنية التحتية وتطوير المعدات والوسائل المتعلقة برعاية ومعالجة ذوي الاحتياجات الخاصة والمتشردين والأمراض النفسية والمتسولين وبما يعكس اهتمام قيادة الدولة في الارتقاء بالخدمات الاجتماعية والإحسان لكل المحتاجين والمستضعفين.

رافقه خلال الزيارة مدير عام الحماية الاجتماعية بالوزارة ماجد المخرفي.

مقالات مشابهة

  • حماية الأجور .. خطوة لبيئة عمل جاذبة تتصدر مخاوف الشركات
  • الرئيس الكيني يفجر مفاجأة بشأن مبيعات بلاده من الشاي إلى السودان
  • المؤسسات الإنسانية تستقبل عيد الفطر بروح العطاء والتكافل
  • صنعاء.. باجعالة يتفقد دُور الإحسان للعجزة والشفقة لمرضى السرطان الرحمة للأيتام
  • تصاعد الجدل السياسي في كينيا حول شعار يرحل روتو
  • على أحد شواطئ كينيا.. صلاة عيد الفطر تجمع الآلاف والدعاء لغزة حاضر
  • رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة يهنئ الرئيس الشرع بمناسبة تشكيل الحكومة السورية الجديدة
  • من هي الجهة التي وجهت بقطع تغذية الجيش وعرقلة صرف مرتباتهم.؟
  • الحكومة تواصل إصلاح المؤسسات العمومية
  • بعد تحرير الخرطوم.. مصر تدعم المؤسسات الوطنية السودانية لاستعادة الاستقرار