تأتي الإحالة الملكية لبعض المقترحات المرتبطة بنصوص دينية على المجلس العلمي الأعلى، والتي رفعتها الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة إلى النظر السامي لجلالة الملك، لتعزز دور المغرب كمرجع للفكر السني الوسطي المعتدل، القائم على الانفتاح والاجتهاد.

وتعكس هذه المبادرة الملكية، التي تهدف إلى التأكد وتعزيز الأسس الشرعية لمقترحات مراجعة قانون الأسرة من وجهة نظر الدين، المكانة التي تحظى بها المملكة كمنارة مشعة في هذا المجال.

إنها مقاربة ديناميكية، منفتحة، وشمولية، واستشرافية حول القضايا المتعلقة بالدين، والتي تجعل المغرب نموذجا متفردا، وهو الذي دعا دائما إلى تأويل معتدل للإسلام، مع الأخذ بعين الاعتبار فضائل الاجتهاد بما يخدم مصلحة الأسرة. وتنطلق هذه الإحالة الملكية من جوهر اختصاصات إمارة المؤمنين وحرص جلالته على توسيع المسار التشاوري المؤسساتي بخصوص مراجعة أحكام مدونة الأسرة، بما يستجيب لانتظارات عموم المواطنات والمواطنين المغاربة.

ويتعلق الأمر أيضا بإبراز أهمية الاجتهاد لملاءمة الحالات الناشئة عن تطور المجتمع، وللتأكيد أيضا على قدرة الأحكام الشرعية ذات الطبيعة الدينية على التكيف مع الواقع الجديد.

وتحيل مبادرة جلالة الملك أيضا على الدور المركزي للعلماء المغاربة المشهود لهم بكفاءتهم العلمية واعتدالهم، في احترام المبادئ الدينية، وقدرتهم على مواكبة التطورات المجتمعية.

الإحالة الملكية، تكريس لخيار الاجتهاد المنفتح والبناء

بإحالته بعض المقترحات المرتبطة بنصوص دينية على المجلس العلمي الأعلى، يكرس جلالة الملك خيار الاجتهاد المنفتح والبناء، ويجسد، مرة أخرى، العناية السامية التي يوليها جلالته للأسرة، الركيزة الأساسية للمجتمع.

وهكذا، ومن خلال هذه المبادرة الملكية المتبصرة، التي تندرج في إطار الاختصاصات الدستورية لجلالة الملك، بصفته أميرا للمؤمنين، ورئيسا للمجلس العلمي الأعلى، فإن هذه المؤسسة مدعوة إلى إصدار فتوى جماعية، من شأنها تجويد مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة قانون الأسرة وتعزيز اللجوء إلى الاجتهاد من أجل تحسين مصير جميع أفراد الأسرة.

كما أن العلماء المغاربة مدعوون إلى إصدار رأي يتطابق مع قيم الإسلام في احترام لمقاصد الدين والتحولات التي تخضع لها مع مرور الزمن.

ويحرص جلالة الملك، من خلال هذه الإحالة، على إشراك العلماء، من خلال إطارهم المؤسساتي، في التفكير الجماعي التشاركي لمراجعة مدونة الأسرة، التي لها خصوصية مقارنة بالقوانين الأخرى، لكون عدد من مقتضياتها مستمدة من المرجعية الدينية. وذلك بهدف التأكد وتعزيز السند القانوني لبعض مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة ذات المرجعية الدينية عبر سلك باب الاجتهاد.

ومن خلال المراجعة الحالية، يعتزم المغرب، تحت القيادة الحكيمة لجلالة الملك، تأمين النجاح لهذا المشروع المجتمعي الكبير، الذي سيستجيب لتطلعات المجتمع بأسره، ويضمن الحقوق الكاملة لكافة مكونات الأسرة المغربية. وهكذا، تأتي الإحالة الملكية أيضا لتساير القوة الاقتراحية والمطالب الاجتماعية المعبر عنها، وفق توفيقيات تجديدية، تستحضر مصلحة الأسرة، واستقرار العلاقات الزوجية، وديمومة السكينة والمحبة بين جميع مكوناتها.

الإحالة الملكية على المجلس العلمي الأعلى تتفرد بطابعها الشمولي، الاعتدالي والتوافقي

تتفرد الإحالة الملكية على المجلس العلمي الأعلى، للمساهمة في التفكير الجماعي حول مراجعة مدونة الأسرة، بطابعها الشمولي، والاعتدالي، والتوافقي بهدف مواكبة التطورات المجتمعية.

وبدافع الرغبة في الاستجابة لحاجيات حماية الأسرة وتحقيق صلاحها واستقرارها، فإن المقاربة التي ينهجها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أمير المؤمنين، تفتح الطريق أمام الاجتهاد البناء للخروج بنص قانوني كفيل بتلبية الانتظارات والاحتياجات التي تنشدها مؤسسة الأسرة.

وهكذا، فإن العلماء، من خلال المجلس العلمي الأعلى، المؤسسة المخول لها حصريا بموجب الدستور بإصدار الفتاوى، مدعوون إلى إصدار فتوى شرعية في مقترحات محددة مرتبطة بالنص الديني من بين المقترحات التي رفعتها الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة إلى النظر السامي لأمير المؤمنين.

وكان جلالة الملك قد أكد، في خطاب العرش لسنة 2022، أنه "وإذا كانت مدونة الأسرة قد شكلت قفزة إلى الأمام، فإنها أصبحت غير كافية".

وفي هذا الصدد، دعا جلالة الملك كافة الفاعلين والمؤسسات المعنية إلى الانخراط في مسلسل الإصلاح، بما في ذلك المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، والمجلس العلمي الأعلى، مع الانفتاح على المجتمع المدني والباحثين والمتخصصين في قضايا الأسرة.

وبهذا، فإن المملكة تستعد ليس فقط لاتخاذ خطوة جديدة في إصلاح مدونة الأسرة، وإنما، أيضا، وبشكل خاص لإعادة تحديد معالم مجتمع منسجم مع التطورات والتغيرات المجتمعية.

الاستفادة من فضيلة الاجتهاد خدمة لمصلحة الأسرة

من المؤكد، أن الإحالة على المجلس العلمي الأعلى تندرج في سياق الطموح الملكي لتلبية المطالب ومواكبة الواقع المجتمعي الجديد، وذلك في إطار توافقي يتسم بالتجديد، مع إيلاء الاهتمام اللازم لمتطلبات استقرار العلاقات الزوجية، وديمومة السكينة والمحبة بين جميع مكونات الأسرة، الخلية الأساسية للمجتمع.

ويتعلق الأمر، بالنسبة للمجلس، بإصدار فتوى جماعية تهدف، من بين أمور أخرى، إلى وضع حد لمختلف التأويلات الفردية التي لا تتماشى مع واقع المجتمع المغربي، في ما يتعلق باحترام القيم الدينية، التي تراعي فضائل الاجتهاد من أجل تحقيق صالح الأسرة المغربية.

لذلك، ينبغي أن تكون مدونة الأسرة الجديدة منسجمة ومتلائمة مع تطور المجتمع المغربي، والإحالة الملكية تنسجم تماما مع هذه الروح، لدعم القوة الاقتراحية والمطالب الاجتماعية المعبر عنها، مع الأخذ بعين الاعتبار مصلحة الأسرة واستقرار العلاقات الزوجية.

وتشكل هذه المقاربة الجريئة مسارا يتجه بحزم نحو المستقبل، ليس فقط لبناء مجتمع ديناميكي يتميز بقوة وتنوع جميع مكوناته، وإنما، أيضا، لجعل هذا الإصلاح الجديد حافزا للتنمية.

وتأتي حقوق المرأة وقضايا الأسرة، بشكل عام، في مقدمة أولويات جلالة الملك، كما يتضح ذلك من الرسالة التي وجهها جلالته إلى رئيس الحكومة بخصوص موضوع مراجعة مدونة الأسرة.

وتماشيا مع التوجيهات الملكية السامية، فقد جسدت المشاورات التي جرت بخصوص هذا الموضوع المقاربة التشاركية المبتكرة التي يدعو إليها جلالة الملك من أجل الاستجابة، بطريقة جيدة، لتطلعات مختلف الحساسيات المجتمعية بدون استثناء.

وتكريسا لهذه المقاربة الديناميكية والشمولية والمنفتحة والاستشرافية، فإن الإحالة الملكية تظل مؤطرة بحدود واضحة المعالم تذكر المجلس العلمي الأعلى بأسس الفتوى القائمة على مبادئ الإسلام وقواعده ومقاصده، وكذا بما جاء في مضمون الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة، والتي يدعو فيها جلالة الملك إلى اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح والبناء لاستكمال ورش مراجعة مدونة الأسرة بنجاح.

   

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: على المجلس العلمی الأعلى الهیئة المکلفة بمراجعة مراجعة مدونة الأسرة جلالة الملک من خلال

إقرأ أيضاً:

جناح المجلس الأعلى للشئون الإسلامي بمعرض الكتاب يستقبل طلاب مدرسة الجودة "بحلايب وشلاتين"

برعاية الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، وإشراف الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، استضاف جناح المجلس الأعلى للشئون الإسلامية اليوم مجموعة من طلاب مدرسة الجودة الإعدادية بحلايب وشلاتين.

وقد استقبل الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي الطالبات في جو من الحفاوة والاهتمام، إذ أتاح لهم فرصة الاطلاع على مجموعة متنوعة من الكتب القيمة التي تمثل مراجع ثقافية مهمة، من أبرزها: "قطار الأخلاق"، و"شخصيات مصرية لها تاريخ"، و"يحدث في المدرسة"، و"النباتات في القرآن الكريم". وقد تم التطرق إلى محتوى هذه الكتب بطريقة تفاعلية؛ ما أسهم في إثراء المعرفة وتنمية الوعي الثقافي لدى الطلاب.

كما تخلل الزيارة تقديم فقرة فنية رائعة من تنظيم طلاب المدرسة، إذ أظهروا مهاراتهم في تقديم عروض فنية نالت إعجاب الحضور؛ ما أضاف بعدًا ثقافيًا وفنيًا للفعالية.

ويأتي هذا النشاط في إطار حرص معالي الوزير على تعزيز الاهتمام بالمناطق النائية والارتقاء بمستوى التعليم والثقافة فيها، وقد كانت زيارة معاليه الأخيرة لحلايب وشلاتين بمثابة خطوة عملية نحو تعزيز هذه الجهود؛ إذ أكد معالي الوزير في زيارته على أهمية دعم التعليم وتنمية مهارات الطلاب في هذه المناطق، وهو ما تجسد في الفعالية التي أقيمت اليوم.

من جانبها، أشادت رباب فاروق، معلمة النشاط بمدرسة الجودة الإعدادية، بجناح المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وبما يحتويه من إصدارات نادرة وكتب قيمة تسهم في بناء شخصية الطلاب وتنمية مهاراتهم الثقافية والفكرية. وأضافت أن الطلاب حظوا بتجربة معرفية غنية، إذ أتيح لهم الاطلاع على موضوعات متنوعة تعزز فهمهم للثقافة الإسلامية والعلمية.

كما قدمت الشكر والتقدير لـ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، والدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، على رعايتهما الكريمة لأبناء حلايب وشلاتين وتقديم كل سبل الدعم لهم، مشيرة إلى أن مثل هذه المبادرات تعزز من مكانة الثقافة والتعليم في المجتمعات النائية، وتفتح أمام الطلاب فرصًا واسعة للتعلم والتطور.

وتعهدت المدرسة بالمضي قدمًا في تعزيز التعاون مع المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في المستقبل، لتنظيم المزيد من الأنشطة والفعاليات الثقافية التي تسهم في رفع مستوى المعرفة والوعي لدى الطلاب.

مقالات مشابهة

  • شرطة أبو ظبي تعزز وعي الطلبة بمخاطر «التنمر»
  • يضم 6 وزراء.. التشكيل الكامل للمجلس الأعلى للأجور في القانون الجديد
  • من إعداد القانون إلى الجريدة الرسمية.. هذه مراحل طويلة تنتظر تعديل مدونة الأسرة
  • 5 خطوات للتقدم لعضوية اللجان العلمية أو المحكمين بـالأعلى للجامعات 2025
  • مهمة استطلاعية برلمانية تنزل ميدانياً لتقييم برامج محو الأمية بعد تقرير المجلس الأعلى للحسابات
  • الأغلبية الحكومية تجدد الدفاع عن تماسكها بعد تسخينات انتخابية
  • الأغلبية الحكومية تؤكد تعبئتها لتنزيل ورش تعديل مدونة الأسرة بعيداً عن التوظيف السياسي والإيديولوجي
  • ضبط مواطن مخالف لنظام البيئة للرعي بمحمية الملك عبد العزيز الملكية
  • جناح المجلس الأعلى للشئون الإسلامي بمعرض الكتاب يستقبل طلاب مدرسة الجودة "بحلايب وشلاتين"
  • السياحة المعرفية لأطفال حلايب وشلاتين بجناح المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بمعرض الكتاب