تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تساءلت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية عن مستقبل قارة أوروبا؟ هل ستظل القارة السلمية والديمقراطية والموحدة كما هي الصورة التي عليها في العقود القليلة الماضية؟ أم أوروبا المفتتة والمتقلبة والمبتلاة بالصراعات التي كانت موجودة لقرون قبل ذلك؟ 

وترى المجلة الأمريكية أن الإجابة على هذا التساؤل ستتكشف إذا فاز دونالد ترمب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر المقبل، حيث كان ترمب يفكر في انسحاب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلسي (ناتو) خلال فترة ولايته الأولى كرئيس.

ويعتقد بعض مساعديه السابقين أنه قد يفعل ذلك إذا وصل مجددا إلى البيت الأبيض.

ويأمل المتفاءلون أن تتمكن أوروبا من الاستمرار في الازدهار حتى لو فقدت المظلة الأمنية الأمريكية (انسحاب واشنطن من حلف الناتو)، ولكن من المرجح أن أوروبا ما بعد أمريكا سوف تناضل من أجل التعامل مع التهديدات التي تواجهها، بل وربما ترتد في نهاية المطاف إلى أنماط ماضيها الأكثر قتامة وفوضوية وغير ليبرالية. 

وأوضحت المجلة الأمريكية أن أوروبا تغيرت بشكل كبير منذ الحرب العالمية الثانية، حتى أن العديد من الناس لم يعد يتذكروا كيف بدت القارة يائسة ذات يوم، حيث كانت أوروبا أرض الحروب والمتاعب التي لا نهاية لها.

وبطبيعة الحال، لم تكن ولادة أوروبا الجديدة أمرا يسيرا، حيث تضمنت مجموعة من الالتزامات المتشابكة ذات التأثيرات الثورية. وكان الأمر الأكثر أهمية هو الالتزام الأمني الأمريكي، عبر حلف شمال الأطلسي، حيث كسرت الحماية العسكرية الأمريكية حلقة العنف المميتة داخل القارة، ولم يعد الأعداء القدامى (مثل فرنسا وألمانيا) مضطرين إلى الخوف من بعضهم البعض، وبالتالي التخلي عن سباقات التسلح التي ابتليت بها المنطقة، وحمل السلاح فقط في مواجهة التهديدات المشتركة للقارة العجوز.

وأشارت "فورين بوليسي" إلى أنه لم يكن المقصود من التزام الولايات المتحدة تجاه أوروبا أن يستمر ذلك إلى الأبد. فعلى سبيل المثال، كان بول هوفمان، الذي أشرف على خطة مارشال (المشروع الاقتصادي لإعادة إعمار أوروبا)، يحب أن يقول مازحا إن هدفه كان "جعل أوروبا تقف على قدميها وإنزالها عن ظهورنا (واشنطن)". كما تساءل الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور في خمسينيات القرن الماضي، عن متى يمكن للأوروبيين أن يتقدموا إلى الأمام حتى تتمكن واشنطن من "الجلوس والاسترخاء إلى حد ما". 

بلا شك، فكرت الولايات المتحدة في عدة مناسبات في خفض أو حتى إلغاء وجود قواتها في أوروبا. ولا ينبغي أن يكون ذلك مفاجئا، فقد جلب الدور الأمريكي في أوروبا فوائد غير عادية، ولكنه فرض في الوقت نفسه تكاليفا غير عادية. فمن خلال توفير المساعدات الخارجية والسماح بالوصول غير المتماثل إلى أسواقها المحلية الواسعة، أعادت الولايات المتحدة بناء قارة وساعدت دولها على النمو بشكل أسرع من الولايات المتحدة نفسها.

ونبهت "فورين بوليسي" إلى أنه مع استمرار بعض المضايقات من دول أوروبية والتحديات الجديدة التي تجذب انتباه واشنطن إلى اتجاهات أخرى، أصبحت الشكوك بشأن استمرار التزامات أمريكا تجاه أوروبا أقوى من أي وقت مضى. 

وفي هذا الصدد، لطالما أعرب ترمب عن أسفه للأعباء التي تتحملها واشنطن في حلف شمال الأطلسي، وقد هدد بالسماح للروس بأن يفعلوا "ما يريدون" مع الحلفاء الأوروبيين الذين لا يشاركون (يدفعون) في تحمل هذه الأعباء. ومن الواضح –وفقا لفورين بوليسي- أن ترمب يكره الاتحاد الأوروبي، حيث لا ينظر إليه باعتباره تتويجا للوحدة القارية، بل كمنافس اقتصادي شرس. وباعتباره شعبويا غير ليبرالي، فترمب لا يبالي لمصائر الديمقراطية الليبرالية في أوروبا. لذا، عندما يروج لسياسته الخارجية "أمريكا أولا"، فإنه يعني سياسة خارجية تتخلى فيها الولايات المتحدة عن الالتزامات غير العادية التي أخذتها على عاتقها منذ الحرب العالمية الثانية.

وأكدت المجلة الأمريكية أن الوقت قد حان للنظر بشأن احتمال أن تغادر الولايات المتحدة أوروبا في يوم من الأيام، وأن يتم التفكير فيما سيحدث بعد ذلك.

ونوهت المجلة إلى أنه في سيناريو متفائل، سوف تظل أوروبا ديمقراطية، ومتماسكة، وموحدة في مواجهة أعدائها، حيث إن انسحاب الولايات المتحدة قد يجبر الاتحاد الأوروبي على دعم أوكرانيا خلال الحرب الحالية، وإعطاء كييف ضمانات أمنية ذات معنى بعد السلام، وتحويل نفسها إلى جهة فاعلة عسكريا من الطراز العالمي من أجل درء روسيا والتهديدات الأخرى التي تصدت لها الولايات المتحدة في السابق. وبالتالي، فإن أوروبا ستظهر باعتبارها ركيزة قوية ومستقلة للنظام العالمي الليبرالي، وستكون واشنطن حينها حرة في التركيز على أولويات أخرى.

ولفتت "فورين بوليسي" إلى أنه بالنسبة للمشاكل المتعلقة بهذا السيناريو، فعلى سبيل المثال، عندما يروج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للتكامل الأوروبي كبديل للقيادة الأمريكية، يبدو أنه ينسى أن أوروبا أصبحت موحدة ومتماسكة على وجه التحديد بسبب مناخ الطمأنينة الذي قدمته واشنطن، وأن الاتحاد الأوروبي كان منقسما بشدة حول كيفية التعامل مع العدوان الروسي حتى فبراير 2022، إلى أن أخذت واشنطن زمام المبادرة في وقت مبكر في إمداد أوكرانيا. والدرس المستفاد هنا هو أنه من الصعب للغاية تنسيق العمل الجماعي بين العشرات من الدول (الأوروبية) ذات المصالح المختلفة، ما لم يكن هناك من يطرق الرؤوس بلطف ويوفر القيادة المهيمنة.

وعليه، فإن الاتفاق على من ينبغي أن يقود أوروبا سيكون صعبا، حيث إن فرنسا تتطلع دائما إلى القيادة، ولكن هذا الأمر يثير انزعاجا كبيرا لدى بعض الدول، خاصة في أوروبا الشرقية، التي لا تعتقد حقا أن باريس لديها الميل أو القدرة على التعامل مع أمنها على أنه أمنها الخاص. كما أن برلين تتمتع بالموارد الاقتصادية اللازمة لقيادة القارة، ولكن الطبقة السياسية فيها تشعر بالقلق منذ فترة طويلة من أن القيام بذلك سيؤدي ببساطة إلى إحياء المخاوف من القوة الألمانية. 

وتتمثل مشكلة أخرى في هذا السيناريو في أن أوروبا القادرة على التعامل مع شؤونها الأمنية سوف تكون أكثر تسليحا مما هي عليه اليوم، وأنها ستستثمر بكثافة في الأسلحة الأكثر فتكا في العالم، وأنه مع فقدان المظلة النووية الأمريكية، يمكن لدول خط المواجهة التي تأمل في ردع روسيا - وفي المقام الأول بولندا - أن تسعى إلى الحصول على أسلحة نووية خاصة بها (سباق تسلح نووي).

وبالنسبة للسيناريو الثاني، فيتلخص في أوروبا، ما بعد أمريكا، الضعيفة والمنقسمة ــأو قارة لا تتقاتل بلدانها مع بعضها البعض ولكنها لا تدعم بعضها البعض. وإن هذه النسخة من أوروبا لن تكون بمثابة عودة إلى الفوضى بقدر ما ستكون استمرارا لحالة اللامبالة تجاه القضايا الوجودية. ففي هذا السيناريو، سوف يفشل الاتحاد الأوروبي في توفير القوة العسكرية اللازمة لتحرير أوكرانيا وحماية دول خط المواجهة الشرقية، وسوف تكافح القارة من أجل التعامل مع التهديد الاقتصادي والجيوسياسي الذي تفرضه الصين. كما قد تجد أوروبا نفسها عالقة بين ما وصفته المجلة الأمريكية بـ "روسيا العدوانية، والصين المفترسة، والولايات المتحدة المعادية" في عهد ترمب. وهذا هو السيناريو الذي يقلق ماكرون وغيره من الزعماء الأوروبيين. 

وأوضحت "فورين بوليسي" أن تحقيق التوازن بين روسيا من دون قوة الولايات المتحدة سوف يتطلب زيادات هائلة ومرهقة ماليا في النفقات العسكرية الأوروبية، الأمر الذي قد يضطر الدول الأوروبية إلى فرض زيادات ضريبية ضخمة لا تحظى بشعبية أو خفض برامج الرعاية الاجتماعية. وقد تقبل بعض الدول، مثل بولندا ودول البلطيق، بدفع هذا الثمن للحفاظ على استقلالها، فيما قد يقرر آخرون أن الاستعداد العسكري لا يستحق تمزيق العقد الاجتماعي، وأن استيعاب روسيا "العدوانية" هو المسار الأكثر حكمة.

وفي السيناريو الثالث، قد يبدو مستقبل أوروبا مشابها إلى حد كبير لماضيها. فمع انحسار نفوذ واشنطن المعزز للاستقرار، تبدأ العداوات الوطنية المكبوتة منذ فترة طويلة بين بعض دول أوروبا في الظهور من جديد. وفي هذا الوضع، تبدأ الدول الأوروبية في تسليح نفسها بشكل أكبر، ويسعى البعض إلى تحقيق الأمن الذاتي الذي لا يمكن أن توفره إلا الأسلحة النووية، وتتراجع الديمقراطية مع انتشار النزعة القومية غير الليبرالية، والتي تتسم في كثير من الأحيان بكراهية الأجانب. ومع مرور الوقت، وقد يستغرق الأمر أعواما، وربما عقودا، تصبح أوروبا ما بعد أمريكا مرتعا للتطرف والتنافس.

وخلاصة الأمر أن أوروبا ما بعد أمريكا سوف تختلف جوهريا عن أوروبا التي نعرفها، خاصة وأن أوروبا اليوم هي نتاج تشكيل فريد تاريخيا وغير مسبوق من القوة والنفوذ أنشأته الولايات المتحدة. 

وقد يتوهم أنصار أمريكا أولا أن الولايات المتحدة يمكنها تحقيق كافة الامتيازات المترتبة على استقرار أوروبا من دون دفع أي من التكاليف. ولكن الواقع يشير إلى أن أوروبا الأضعف والأكثر تشرذما من شأنها أن تجعل من الصعب على العالم الديمقراطي أن يتعامل مع التحديات التي تفرضها روسيا، أو الصين، أو إيران. كما أنه إذا تحولت أوروبا إلى الظلام والشر مرة أخرى، فقد تقوم مرة أخرى بتصدير صراعاتها إلى العالم، وبالتالي تعريض ما هو أكثر بكثير من مستقبل أوروبا للخطر.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: أوروبا واشنطن الاتحاد الأوروبي ترمب المجلة الأمریکیة الولایات المتحدة الاتحاد الأوروبی ما بعد أمریکا فورین بولیسی التعامل مع فی أوروبا أن أوروبا إلى أنه فی هذا إلى أن

إقرأ أيضاً:

ويتكوف: الولايات المتحدة تجري مناقشات مع “الدول المعنية” في أوروبا بشأن أوكرانيا

الولايات المتحدة – صرح المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف بأن الولايات المتحدة تجري مناقشات مع “الدول المعنية” بأوروبا بما في ذلك بريطانيا والنرويج وفرنسا وفنلندا ودول أخرى بشأن التسوية في أوكرانيا.

وقال ويتكوف في مقابلة مع قناة “سي إن إن”: “نجري مناقشات مع جميع الدول الأوروبية المعنية بما في ذلك فرنسا، وبريطانيا، والنرويج، وفنلندا، وجميع الدول الأخرى”.

وفي وقت سابق، فنّد ويتكوف في مقابلة مع قناة “سي بي إس” المزاعم الأوروبية حول أن “موسكو ليست صادقة” في مسألة تسوية النزاع الأوكراني، معربا عن أسفه لتقييم الأمر من قبل البعض دون امتلاكهم المعرفة المباشرة اللازمة للواقع.

وأشار إلى أن “مسألة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في أوكرانيا معقدة للغاية”، إلا أن “الجميع يرون لزاما عليهم مناقشتها” مع ذلك.

يشار إلى أن ويتكون التقى مساء الخميس الماضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو بعد يومين من المحادثات بين واشنطن وكييف في جدة والتي وافقت أوكرانيا بعدها على اقتراح واشنطن وقف إطلاق النار لمدة 30 يوما مع إمكان تمديده بموافقة الطرفين.

وأكد المبعوث الأمريكي الخاص أن اجتماعه مع الرئيس بوتين كان إيجابيا، معربا عن توقعه توقيع اتفاق بين أوكرانيا وروسيا خلال الأسابيع المقبلة.

من جانبه، أعلن الرئيس بوتين موافقته على اقتراح الولايات المتحدة، مشددا على أن هذا الاقتراح مقبول فقط إذا كان يؤدي إلى سلام مديد.

وذكر الكرملين أن الرئيس الروسي حمّل ويتكوف معلومات، وإشارات إضافية إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

من جانبه، صرح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، بأن إدارة ترامب، تشعر الآن بتفاؤل حذر بشأن تعاونها مؤخرا مع روسيا على حل النزاع في أوكرانيا.

وأعلن روبيو أن موظفي الإدارة في واشنطن سوف يقومون،  بعد عودة ويتكوف إلى الولايات المتحدة، بتقييم موقف روسيا “بشكل أكثر دقة” خلال اجتماع، مشيرا إلى أن ترامب سيقرر بعد ذلك “ماذا ستكون عليه الخطوات التالية” للولايات المتحدة في ما يتعلق بالتسوية.

المصدر: “سي إن إن” + RT

Previous نائب وزير الخارجية الروسي يوضح الهدف من الشائعات حول نشر قوات أجنبية في أوكرانيا Related Posts نائب وزير الخارجية الروسي يوضح الهدف من الشائعات حول نشر قوات أجنبية في أوكرانيا دولي 17 مارس، 2025 وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يناقشون التسوية السلمية في أوكرانيا دولي 17 مارس، 2025 أحدث المقالات ويتكوف: الولايات المتحدة تجري مناقشات مع “الدول المعنية” في أوروبا بشأن أوكرانيا نائب وزير الخارجية الروسي يوضح الهدف من الشائعات حول نشر قوات أجنبية في أوكرانيا وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي يناقشون التسوية السلمية في أوكرانيا المستشارة القضائية الإسرائيلية لنتنياهو: لا يمكنك إقالة رئيس الشاباك ويتكوف: موسكو وواشنطن تبحثان إمكانية الوصول إلى موانئ البحر الأسود

ليبية يومية شاملة

جميع الحقوق محفوظة 2022© الرئيسية محلي فيديو المرصد عربي الشرق الأوسط المغرب العربي الخليج العربي دولي رياضة محليات عربي دولي إقتصاد عربي دولي صحة متابعات محلية صحتك بالدنيا العالم منوعات منوعات ليبية الفن وأهله علوم وتكنولوجيا Type to search or hit ESC to close See all results

مقالات مشابهة

  • الولايات المتحدة: الطبيبة التي تم ترحيلها إلى لبنان لديها صور للتعاطف مع حزب الله
  • الولايات المتحدة تجري مناقشات مع الدول المعنية في أوروبا بشأن أوكرانيا
  • ويتكوف: الولايات المتحدة تجري مناقشات مع “الدول المعنية” في أوروبا بشأن أوكرانيا
  • تشكيك إسرائيلي باستمرار دعم أمريكا.. واقع مختلف خارج البيت الأبيض
  • البيت الأبيض: أخطرنا إيران بإنهاء دعمها للحوثيين بعد الضربات التي تلقتها
  • ترامب يقطع التمويل عن إذاعة صوت أمريكا وراديو أوروبا الحرة ويضع المئات في إجازة قسرية
  • أخبار العالم | أمريكا تقصف اليمن .. ترامب يتعهد باستخدام «قوة مميتة» ضد الحوثيين.. والجماعة تتوعد: الهجمات الأمريكية لن تردعنا وسنواصل دعم غزة
  • ارتفاع عدد قتلى العاصفة القوية التي ضربت الولايات المتحدة إلى 28
  • روبيو يعلن أن سفير جنوب إفريقيا في واشنطن شخص غير مرغوب به في الولايات المتحدة
  • روبيو: سفير جنوب إفريقيا في واشنطن شخص غير مرغوب به في أمريكا