سواليف:
2024-07-01@14:01:49 GMT

عبد ربه يوسف غيشان / سعيد الصالحي

تاريخ النشر: 29th, June 2024 GMT

عبد ربه يوسف غيشان
سعيد الصالحي

في النصف الثاني من شهر آب اللهاب من العام 1996 كنت عائدا من الجامعة بعد أن أعلمني المسجل العام في دائرة القبول والتسجيل بأنني لن أتخرج مع زملائي لأنني قد حملت ساعات حبطرش تتطلب مني أن أخدم عاما آخرا في الجامعة للحصول على شهادة البكالوريس، غادرت الجامعة حزينا ونادما على طيشي وغبائي وخائفا من التقريع الذي سأسمعه بمجرد عودتي إلى المنزل، نزلت من باص الكوستر بعد أن شكرت السائق “عودة” على وصولي بالسلامة إلى حارتنا، لأجد في وجهي صحيفة يعتلي إحدى زوايها رجلا مبتسما ينتعل حذاء كبيرا مكتوب عليه “السعر (٣) برايز” وكان اسم الصحيفة “عبد ربه”، استغربت من اسمها وبعد أن ألقيت التحية على صديقي صاحب السوبر ماركت، أمسكت الصحيفة وبدأت بتقليب صفحاتها وأخذت أضحك ولا كأنني “راسب” ونسيت همي الشخصي وخوفي من بهدلة البيت وبدأت بالضحك على رسوب غيري مطبقا المثل الشعبي “اللي بشوف مصيبة غيره بتهون عليه مصيبته”، وأمسكت خواصري من الضحك عندما شاهدت صحفيا يمسك ميكروفونا ويجري حوارا مع حمار مثقف وحكيم من أصول قبرصية، وعرفت فيما بعد أن الكاتب والصحفي الذي أنفرد بهذا السبق الصحفي النوعي هو الأستاذ يوسف غيشان.

ومنذ تلك اللحظة باتت زاوية “شغب” التي يحررها غيشان في صحيفة عبد ربه المربع الأول الذي أبحث عنه وأقرأه ثم بعد ذلك أفلي كل صفحات الصحيفة، ولم يكن مصير “عبد ربه” في بيتنا كغيرها من الصحف فلم نلف بها ضمة ملوخية ولم نلمع بها زجاج الشبابيك ولم نكفن بها الأواني الخزفية التي سنخزنها ولن نستخدمها، فقد إحتفظت بكل الأعداد التي كنت أواظب على شرائها وما زلت محتفظا بها حتى اليوم.

كانت الصدف تحملني دائما نحو الأستاذ غيشان فذات يوم كنا ننتظر صحن الحمص والفول وبعض حبات الفلافل لنتناول وجبة “البرانش” كما يسميها أولاد اليوم؛ وهي تلك الوجبة التي تأتي بين الفطور المتأخر والغداء المبكر، وقام صديقي بفرش الجرايد على طاولة صغيرة في المحل، حتى نزيت كلماتها ونطعمها بعض فتات خبزنا أثناء هجومنا الذي لا يرحم على الطعام، فلمحت اسم يوسف غيشان على عمود فيها فأخذت صفحة الجريدة ولا أعرف إن كنت حميت كاتبنا ذلك اليوم من الزيت واللقم المتساقطة أم حرمته منها؟ ومنذ ذلك اليوم بدأت أتابع عواميده في الصحف العديدة التي كان يكتب فيها كلما وجدت ثمن الجرائد أو إن أستطعت ان اقرأها خلسة ومجانا على باب البقالة التي تبيعها.

مقالات ذات صلة النقد أم النقض.. إشكالية التخوين 2024/06/29

وصدفة أخرى جمعتني به بعد سنوات عندما كنت أسير في وسط البلد بجوار كشك ومكتبة الطليعة لأجد عنوانا لكتاب صغير اسمه “لماذا تركت الحمار وحيدا؟” وكان غيشان هو الكاتب والمتسائل فاشتريت الكتاب وكل ما تيسر من كتبه لدى المكتبة وقفلت عائدا نحو منزلي لأضحك وأبكي وأنا أقلب الكتب.

وعندما ظهرت وسائل الاتصال بالانتشار وتحديدا الفايسبوك بحثت عن حساب الأستاذ يوسف لأطلب صداقته فوجدت أن حسابه أستنفذ عدد الأصدقاء المسموح بهم وكالعادة عندما يتعلق الأمر بغيشان هذا الأمر أفرحني وأحزنني وأكتفيت بمتابعته ووضع علامة “أعجبني” قبل أن أقرأ.

يوسف غيشان كاتب ساخر يحول أي كلمة أو موقف إلى صورة كاريكاتيرية تماما كناجي العلي ولكن غيشان يستخدم قلم حبر بيك وورقة فلسكاب، وأظن اليوم أنه واكب التقنية الحديثة وبات يكتب مقالاته على هاتفه أو جهازه الشخصي دون أن ينسى جذوره البسيطة التي طالما تحدث عنها، فمن خلال غيشان عرفت عزيز نيسين وجلال عامر وغيرهم من الكتاب الساخرين، وهو قامة مثلهم تماما في هذا النوع من الكتابة الساخرة، لكن حظه قليل وعلى الأغلب نحن من لا يعرف قيمة هذا الكاتب وقدره ومستوى جودة أعماله وكتاباته.

فجلال عامر ابن النيل وابن شعب يعتبر تؤام النكتة والقفشة على حد تعبيرهم، فالنكتة في جيناته أما يوسف غيشان فقد وجد نفسه كاتبا ساخرا في بيئة متجهمة، وتعتبر الضحك في بعض الأحيان ينتقص من الرجولة، وعلى الرغم من ذلك استطاع أن يعبر يم الكتابة الساخرة متحديا أمواج المجتمع وأعرافه التي لا تعترف بالضحك إلا في الغرف المغلقة وبعيدا عن أعين الناس.

لعل سئم غيشان من الكتابة النمطية المنتشرة في مجتمعنا وكذلك من المثقفين أو أشباههم الذين يلتقون يوميا في المقاهي أو على صفحات الجرائد ومن آرائهم التي لا تعبر عنه ولا تلامسه، فاختار غيشان السخرية طريقا للخلاص، وعلى الرغم من صعوبتها، كان غيشان وما يزال كالصقر الذي يحلق عاليا للبحث عن فرائس السخرية في كل مكان، وكان يصطاد شخصياته وكائناته بكل مهارة وشطارة ليثري مشروعه الساخر الذي لا يعرف حدودا.

عندما تقرأ في كتب غيشان أو مقالاته تجد إنسانا يجيد السخرية من كل شيء بدء من نفسه وانتهاء بأي شيء، ولكنه يسخر دون أن يسيء أو يقدح، ينتقد دون أن يجرح، وهذا أمر يتطلب قدرا عاليا من الإنسانية، وميزان كميزان الصائغ لوزن الكلمات قبل التفوه بها أو كتابتها، ومع هذا لم ينجو في بعض الأحيان من قضية هنا وشكوى هناك.

عند قراءة مذكرات أو سيرة أو أعمال أي كاتب ساخر ستجد أنه قد نشأ في ظروف اجتماعية أو سياسية صعبة، وأنه يمتلك في داخله حزنا يكفي مدينة بحالها، وعند دراسة شخصيات الكتاب الساخرين عن كثب ستجد أن الحزن والتمرد والرفض قواسم مشتركة وعوارض أساسية في حياتهم ولم ينج غيشان بدوره من بعض هذه العوارض أو كلها.

لم أكتب هذا المقال إلا لأعبر عن إعجابي بهذا الكاتب المبدع، هذا الإعجاب الذي يشاطرني به الكثيرون، ولأوجه رسالة للأستاذ يوسف غيشان بجمع كل أعماله القديمة في الجزء الأول من الأعمال الكاملة له، وأن تتحرك إحدى دور النشر لإنجاز هذا العمل قبل معرض الكتاب القادم في أيلول من هذا العام، فيوسف غيشان يستحق تقديرا أكثر من جائزة نقابة الصحفيين اليتيمة التي حصل عليها في العام 2005، وكتبتها كذلك لطرح بعض الأسئلة وتوجيهها إلى المعنيين في الأدب والثقافة والنشر وعلى رأسها وزارة الثقافة والأستاذ غيشان نفسه، فلماذا لا يتم إطلاق صحيفة “عبد ربه” مرة أخرى بشكل الكتروني وبحلة تتناسب مع زماننا الذي لا يعرف الفرق بين السخرية والاساءة؟ أو لماذا لا تترجم أعمال غيشان إلى لغات أخرى أسوة بكتابات عزيز نيسين التركية التي أضحكت العالم بمعظم اللغات؟

خاتمة القول إننا نستطيع أن نجد في أغلب الأوقات العديد من كتاب الروايات والقصص والشعراء ولكن الكتابة الساخرة عملة نادرة لا تجود الأرض بها دائما وهي هبة من الله لم يمنحها لكل من أمسك قلما، وبالتأكيد لا يمكن صناعتها وتفصيلها في مشاغل كليات الصحافة أو الآداب.
يوسف غيشان علم من أعلام الكتابة الساخرة ليس فقط في الأردن بل على مستوى العالم العربي ويستحق بكل تأكيد تقديرنا ومحبتنا.

وبما أن ما كتبته قصة حقيقية وأراء كلي إيمان بها فانا لن أنهي مقالي على طريقته الشهيرة بأن أكتب “تلولحي يا دالية” بل سأكتب له تعويذتي ” على حسب وداد قلبي”.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: عبد ربه بعد أن

إقرأ أيضاً:

بعد تصدرها التريند.. أزمات تعرضت لها رانيا يوسف في حياتها

تصدر اسم الفنانة رانيا يوسف، خلال الساعات القليلة الماضية تريند محرك البحث الشهير جوجل، وذلك بسبب أزمة الفيلم المفبرك المنسوب إليها "شهوة جسد" حيث روَّج أحد الأشخاص المجهولين لمقطع فيديو على أنه فيلم جديد لها.


 

ويقدم لكم الفجر الفني أزمات في حياة "رانيا يوسف"


 

انتشار فيديو مفبرك لرانيا يوسف

و تصدرت صورة رانيا يوسف الفيديو، حيث بدأ في الانتشار عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، لتتلقى بعدها الفنانة رسائل من المقربين يخبرونها بما حدث.


 

واتجهت  على الفور رانيا يوسف إلى مباحث الإنترنت بالقاهرة وحررت محضرا بالواقعة، وسلمت المسؤولين رابط الفيديو الموجود عبر يوتيوب للتعامل معه والوصول إلى صاحب تلك القناة للتحقيق معه، ولم تكتف بذلك بل توجهت أيضا بشكوى رسمية إلى نقيب الممثلين المصريين الفنان أشرف زكي، حتى تتبني النقابة تلك الأزمة ومتابعتها ومحاسبة الشخص الذي فعل ذلك.


 

أزمة البطانة


 

وتعتبر أزمة بطانة فستان رانيا يوسف من أشهر الأزمات التي شهدها الوسط الفني، والتي شهدها ختام مهرجان القاهرة السينمائي عام 2018 والذي  ظهرت الفنانة رانيا يوسف على الريد كاربت بفستان دون "بطانة" وتعرضت وقتها لانتقادات شديدة، وظهرت في أكثر من لقاء وأكدت أنها لم تتأثر بأي تعليقات سلبية على الفساتين التي ارتدتها سابقًا في المهرجانات السينمائية، وأنها لم تر أي مشكلة في أي فستان ارتدته مسبقا، كما وصفت المشاكل التي طالتها بسبب فساتينها بأنها "مشاكل حلوة ودمها خفيف وشقية.


 

اتهام رانيا يوسف بالاتجار في المخدرات


 

عثرت الأجهزة الأمنية على مخدرات في «شنطة» سيارة الفنانة رانيا يوسف أمام العمارة التي تقيم بها في منطقة الزمالك، عام 2013، قرر فيها المستشار حمدي منصور المحام العام الأول لنيابات وسط القاهرة، حفظ التحقيقات في اتهام الفنانة رانيا يوسف بالاتجار في المخدرات، وذلك في واقعة العثور على مواد مخدرة بسيارتها أمام منزلها بمنطقة الزمالك، التحريات وتقارير المعمل الجنائي أثبتت أن سيارة الممثلة تم فتحها بواسطة مفتاح مصطنع غير مفتاح سيارتها، كما أن السيارة لها ثلاثة مفاتيح مع سايس الجراج، وأن النيابة بعد التحقيق تبين لها أن مجهولا وضع مخدر الحشيش داخل سيارتها ولم يتم تحديد هويته.


 

ازمة التحرش برانيا يوسف


 

حرصت رانيا يوسف على مكافحة ظاهرة التحرش من خلال استخدامها لصفحاتها الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، فلم تترك قضية تعرضت فيها أي فتاة للتحرش، إلا وتعبر عن رأيها وتطالب باتخاذ الإجراءات القانونية بكل حزم، حيث اعتبر البعض أنها سبب من أسباب التحرش بسبب ملابسها الملفتة، وهو ما أدى إلى شن حملة هجوم واسعة عليها بسبب إطلالاتها التي تتعمد الظهور بها على حساباتها الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي وفي المناسبات الفنية أو الخاصة، حيث اعتبرها الكثيرون أيقونة التحرش على مواقع التواصل.

مقالات مشابهة

  • أمراض المهنة.. الكتابة تسبب أمراض العمود الفقري
  • مغامرة بمتحف التحرير.. تمثال يُثبت أن الخط العربي والخطوط القديمة أصولهم مصرية
  • الوالد/ عماش بن غازي الصالحي رحمه الله تعالى
  • استجابةٌ أولى تستبطِنُ نداءَ الكتابة، فلِلبَيَانِ صهيلُه ونجواه
  • “أفريكا إنتجليجنس”: شخصيات رئيسية في نظام البشير موجودة في صفوف حميدتي
  • متحدياً إصابته… الجريح يوسف أسعد يؤسس مشروعاً لصناعة الحلويات بريف طرطوس
  • بالتناقض مع خطابات سعيد.. استمرار الشراكة بين تونس والغرب على قدم وساق
  • السباق نحو خلافة سعيد الناصري في مجلس عمالة الدارالبيضاء يخلق انقساماً داخل البام
  • بعد تصدرها التريند.. أزمات تعرضت لها رانيا يوسف في حياتها