تداعيات تأزم علاقة فرنسا مع النيجر
تاريخ النشر: 7th, August 2023 GMT
كشف الانقلاب العسكري الذي أطاح برئيس دولة النيجر في 26 يوليو الماضي، والذي قاده قائد الحرس الرئاسي عبد الرحمن تيشياني عن روح العداء والكراهية التي يكنها غالبية شعب النيجر لفرنسا، وبخاصة الشباب والطلاب الذين يعتبرون تدخل فرنسا في دول الساحل الإفريقي ليس من أجل محاربة الجماعات الإرهابية، ولا من أجل التنمية في دول الساحل الإفريقي بل من أجل سرقة موارد تلك البلدان، والتسبب في زيادة حد الفقر والمعاناة، وتأخر تلك البلدان عن الركب.
فبعد خسارة فرنسا لموقعها ومكانتها في مالي وبوركينا فاسو، واضطرار فرنسا بعد الانقلاب العسكري في كلا البلدين لسحب قواتها العسكرية، وخسارة شراكاتها الاقتصادية في البلدين، جاء خبر الانقلاب العسكري بالنيجر كالصاعقة على فرنسا، وبخاصة أنها كانت تعول على الرئيس محمد بازوم كشريك سياسي واقتصادي وعسكري لفرنسا باعتباره آخر الحلفاء في منطقة الساحل الإفريقي، ولهذا فقد جاءت تصريحات وزارة الخارجية الفرنسية والرئيس إيمانويل ماكرون شديدة اللهجة تجاه الانقلابيين بالنيجر، والإصرار على عودة الرئيس محمد بازوم إلى السلطة، والتهديد باستخدام القوى العسكرية ما أدى إلى تفشي روح العداء، والكراهية عند شعب النيجر تجاه فرنسا، والذين خرجوا في مظاهرات مناهضة لفرنسا، واتهامها بالسعي للتدخل العسكري في بلادهم، واقتحام الآلاف من المحتجين لسفارة فرنسا في العاصمة نيامي رافعين الأعلام الروسية للتعبير عن ترحيبهم بالوجود الروسي في بلادهم، ما أدى بفرنسا إلى إجلاء رعاياها، لتفقد باريس بلدًا جديدًا بعد مالي وبوركينا فاسو.
ولهذا يرى بعض الخبراء والمحللين الدوليين أن خسارة فرنسا لموقعها بالنيجر يعد بمثابة الضربة القاضية لوجود فرنسا في دول الساحل الإفريقي، وذلك بعد أن فشل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في إعادة الدفء للعلاقة مع دول الساحل الإفريقي، ففرنسا كانت تروج للديمقراطية في تلك البلدان، وتحافظ على استمرارية وبقاء أنظمتها الحاكمة، وتدعو لعودة الرؤساء، وتندد بالانقلابات، وهو الأمر الذي لم يجد نفعًا أمام الحركات الشعبوية، وحركات الانقلابيين العسكريين في تلك البلدان، والذين كانوا يتحدون فرنسا، ويتهمونها بالاستعمارية، ونهب الثروات الإفريقية، والتسبب في زيادة الفقر والمعاناة، ما جعلهم ينجحون في انقلاباتهم العسكرية، وإطاحتهم بالرؤساء الأفارقة باعتبارهم أداة في يد فرنسا ودول الغرب.
وتعد النيجر ضمن أكبر الدول الغنية بموارد الطاقة بالعالم إذ تمتلك واحدة من أكبر احتياطات العالم من اليورانيوم، إضافة إلى مواردها من الذهب والنفط والفحم، ولهذا كانت النيجر تمثل مكانة إستراتيجية واقتصادية وعسكرية كبيرة لفرنسا التي كانت تعتمد على نسبة ٣٥٪ من حاجاتها من اليورانيوم لمساعدة محطاتها النووية، وغيرها من الموارد، ما يهدد احتياجات فرنسا من الطاقة على المدى بالبعيد.
ومع خسارة فرنسا لمكانتها، وهيبتها في إفريقيا تحافظ أمريكا بهامش المناورة في تلك البُلدان، ما يجعل دول الغرب وعلى رأسها فرنسا تخسر مكانتها، ومصالحها في تلك الدول، وبالمقابل فإن روسيا تسعى منذ سنوات، لتعزيز علاقاتها التجارية والاقتصادية والعسكرية مع دول غرب أفريقيا التي ترحب بالوجود الروسي الآن، ما يهدد مستقبل الامتيازات الفرنسية في تلك البُلدان، فهل تستسلم فرنسا لخسارة مكانتها في دول الساحل الإفريقي؟ أم ما زالت تمتلك بعض الأوراق التي تمكنها من استعادة مكانتها في النيجر وغيرها من بلدان أفريقيا؟
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: فی تلک
إقرأ أيضاً:
محلل سياسي يكشف تداعيات واقعة الهرمل في لبنان| التفاصيل الكاملة
شهدت منطقة الهرمل في لبنان حادثا جديدا يعكس حجم التحديات التي تواجهها القوى العسكرية في ضبط الحدود ومكافحة التهريب.
وفي هذا الإطار، اتخذت وحدات الجيش اللبناني إجراءات أمنية مشددة عقب حادث إطلاق نار عبر الحدود، ما أسفر عن سقوط جرحى من الجانبين اللبناني والسوري.
قال الدكتور أحمد يونس، الباحث الأكاديمي والمحلل السياسي اللبناني، إنه لا شك أن الحوادث الأمنية التي جرت في منطقة الهرمل الحدودية مع سوريا خلال الأيام الأخيرة والتي أسفرت عن وقوع جرحى من الجانبين اللبناني والسوري، لم يكن مجرد حادث عرضي، بل جاء ليضع الاتفاق السياسي والأمني الناشئ بين بيروت ودمشق أمام أول اختبار فعلي له.
وأضاف يونس- خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن اللافت أن هذه المواجهة الحدودية وقعت بعد نحو عشرة أيام فقط من زيارة رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام إلى دمشق ولقائه الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، في زيارة تاريخية حملت عنوان "إعادة تنظيم العلاقات الثنائية"، وأفضت إلى تفاهمات مبدئية حول ضبط المعابر الحدودية وتعزيز الأمن المشترك، في إطار مقاربة جديدة للتحديات العابرة للحدود.
وأكد يونس، وقوع الاشتباك رغم الاتفاق السياسي المسبق، يكشف بوضوح أن آفة التهريب على الحدود اللبنانية السورية أعمق وأخطر من أن تُعالج بمجرد تفاهمات سياسية، والتهريب هنا ليس مجرد نشاط فردي بل هو شبكة منظمة تتداخل فيها المصالح المحلية والاقتصادية وحتى السياسية، مما يجعل السيطرة عليها تتطلب إرادة صلبة وعملا ميدانيا طويل النفس، وقد أظهر الجيش اللبناني، برده السريع عبر تنفيذ مداهمات أمنية وتوقيف متورطين، أن هناك قرارا واضحا لدى السلطات اللبنانية بعدم السماح بتكرار الفوضى، لا سيما في ظل الضغوط السياسية والأمنية الإقليمية التي تحتم على لبنان إظهار جدية أكبر في حماية حدوده.
وأشار، إلى أن وقد تبين من الاتصالات المكثفة التي أجرتها قيادة الجيش اللبناني مع الجانب السوري والتي أفضت إلى احتواء التصعيد، تعكس وجود قناة مفتوحة وجدية للتنسيق بين الجيشين، غير أن احتواء الحادث لا يعني انتهاء المشكلة، بل يعني تأجيل الانفجار المحتمل ما لم يتم اجتثاث جذور الفوضى الحدودية.
وأوضح، أن التفاهمات السياسية، مهما كانت متينة، تبقى حبرا على ورق إذا لم تتحول إلى إجراءات عملية ومنها:
إنشاء نقاط مراقبة ثابتة ومتحركة،تفعيل عمل المخابرات في ملاحقة شبكات التهريب.التنسيق الميداني اليومي بين الوحدات الأمنية على طرفي الحدود،والأهم، معالجة الأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي تغذي هذه الظاهرة.وتابع: "ومن الواضح أن الحادث الأخير أظهر أن التهريب تحول إلى سلطة أمر واقع في بعض المناطق الحدودية، وأن تفكيك هذه السلطة يتطلب قرارا سياسيا عابرا للحسابات الضيقة والمصالح المحلية".
وأكمل: "وبالتالي، فإن نجاح التنسيق اللبناني السوري سيتوقف على مدى استعداد الطرفين للمضي في معركة صعبة ومعقدة ضد منظومات اقتصادية وأمنية استفادت طويلاً من غياب الضبط الحدودي".
واختتم: "نستطيع أن نقدر بأن ما حدث في الهرمل ليس حادثا معزولا، بل هو جرس إنذار مبكر وهو مؤشر إلى أن مرحلة جديدة بدأت على الحدود اللبنانية السورية، عنوانها صراع الإرادات بين الدولة وشبكات التهريب، فإما أن تنجح بيروت ودمشق في ترجمة نواياهما إلى أفعال تحمي السيادة وتستعيد هيبة القانون، وإما أن تبقى الحدود مشرعة على احتمالات التصعيد والفوضى".