فرض رقابة مركزي عدن على حركة التحويلات الداخلية.. جولة جديدة من المعركة الاقتصادية
تاريخ النشر: 29th, June 2024 GMT
أصدرت قيادة البنك المركزي اليمني في عدن، الأربعاء، دفعة جديدة من القرارات، استهدفت حركة التحويلات والمدفوعات الداخلية بالتزامن مع تزايد الانتقادات تجاه استمرار تراجع قيمة العملة المحلية مقابل العملات الصعبة بالمناطق المحررة.
حيث أصدر محافظ البنك أحمد غالب المعبقي قراراً بوقف العمل بشكل كلي ونهائي بشبكات الحوالات المالية المحلية المملوكة للبنوك والمصارف أو شركات ومنشآت الصرافة العاملة في الجمهورية وحصرها عبر الشبكة الموحدة للتحويلات المالية (UNMONEY).
وسبق ذلك صدور تعميم موجه للبنوك من وكيل محافظ البنك المركزي لشؤون الرقابة منصور راجح بحظر التعامل المباشر وغير المباشر مع 12 من الكيانات والمحافظ وخدمات الدفع الإلكتروني غير المرخصة من قبل البنك، وتعمل في اليمن.
ويظهر بوضوح استهداف البنك المركزي في عدن لحركة التحويلات والأموال الداخلية والمدفوعات المحلية التي تتم حالياً بعيداً عن رقابة وإشراف إدارة البنك، وهو ما يمثل أحد أهم العوائق أمامها في فرض سلطتها القانونية بالإشراف التام على القطاع المصرفي في اليمن، وهي المعركة التي تخوضها منذ أشهر ضد تسلط جماعة الحوثي على هذا القطاع.
وفي حين تخوض إدارة البنك المركزي بعدن هذه المعركة، تشهد العملة المحلية بالمناطق المحررة تراجعاً مستمراً أمام العملات الصعبة، على الرغم من الإعلان عن وصول دفعات جديدة للبنك من الدعم المقدم من السعودية لدعم الموازنة وتعويضها عن النقص الحاد في الإيرادات وفي مصادر العملة الصعبة جراء وقف تصدير النفط بسبب هجمات مليشيا الحوثي.
ويثير هذا التراجع المستمر بالعملة المحلية الاتهامات بوجود "مضاربات" أي طلب غير حقيقي على العملة الصعبة بالمناطق المحررة، في ظل وجود نحو 75% من الكتلة النقدية من العملة الجديدة خارج البنوك التجارية أي خارج رقابة البنك المركزي بعدن.
حيث كشف أحدث تقرير صادر عن البنك لشهر مارس الماضي بأن العملة المتداولة خارج البنوك بلغت نحو 3.650 مليار ريال من أصل الكتلة النقدية المقدرة بـ4.889 مليار ريال، وهو ما يتيح المجال واسعاً لأي عمليات مضاربة بالعملة في المناطق المحررة وبخاصة عبر شبكات التحويل المحلية غير الخاضعة لرقابة وإشراف البنك المركزي.
كما أن هذه الشبكات تحتفظ بعدد كبير من الودائع غير المستلمة من قبل أصحابها وهي الضجة التي تم إثارتها مطلع العام الماضي بالكشف عن وجود حوالات "منسية" في شبكات التحويل بعشرات المليارات، يمكن بسهولة استخدامها في عملية المضاربة بالعملة المحلية لشراء وبيع العملات الصعبة وتحقيق مكاسب من وراء ذلك.
وهو ما ركز عليه قرار محافظ البنك الأخير، بإلزام لبنوك والمصارف وشركات الصرافة المعنية بتقديم تقرير إلى إدارة البنك عن الحوالات المالية غير المدفوعة التي لم يتم تسليمها لأصحابها خلال فترة لا تتجاوز عشرين يوماً من تاريخ القرار، في خطوة تسعى إلى قطع الطريق أمام استغلال هذه الحوالات من قبل البنك المركزي الخاضع لسيطرة الحوثي بصنعاء الذي سبق وأن وجه بتوريدها إليه.
إصرار قيادة البنك المركزي على فرض رقابتها على حركة التحويلات الداخلية يأتي في ما كشفته مجريات المعركة المشتعلة بين البنك وسلطة مليشيا الحوثية، باحتفاظ الأخيرة بكميات كبيرة من العملة الجديدة التي صادرتها من مناطق سيطرتها أواخر 2019م، وأظهرت ذلك بشكل رسمي رداً على توجه البنك المركزي بعدن إلغاء التعامل بالعملة القديمة المتداولة في مناطق سيطرة المليشيا.
حيث أعلنت المليشيا استبدال العملة القديمة من المواطنين بالمناطق المحررة بثلاثة أضعاف من العملة الجديدة في منافذها التشطيرية التي أقامتها في منطقة الراهدة بتعز وعفار بالبيضاء، وكان لافتاً إعلان المليشيا أنها استبدلت خلال 5 أيام فقط نحو 500 مليون ريال من العملة القديمة بمليار و727 مليوناً من العملة الجديدة.
ما يكشف حجم الأموال التي تحتفظ بها المليشيا من العملة الجديدة واستخدامها بالمضاربة بها في المناطق المحررة بحسب اتهام رسمي صادر عن البنك المركزي في عدن بتقرير له الشهر الماضي، ويسهل امتلاك المليشيا لقطاع مصرفي خاص بها العمل على سحب العملة الصعبة من المناطق المحررة عبر طرق مختلفة أهمها شبكات التحويل، حيث تقع مقرات أكبر هذه الشبكات في صنعاء.
وكان لافتاً في قرار محافظ البنك الأخير بوقف شبكات الحوالات المالية المحلية، استثناء الشبكات المملوكة للبنوك من التنفيذ الفوري واستمرارها بتنفيذ التحويلات المحلية بجانب الشبكة الموحدة للتحويلات المالية حتى تاريخ 30 يوليو 2024م، وكذا استثناء المحافظ الإلكترونية ومزودي خدمات الدفع المرخصة من قبل البنك.
في خطوة تهدف بشكل واضح إلى ضمان استمرار حركة التحويلات بين المناطق المحررة ومناطق سيطرة المليشيا الحوثية التي من المتوقع أن ترد على قرارات البنك بتعطيلها كما حدث مع القرارات السابقة، دون الاكتراث بأي أضرار قد تلحق باليمنيين.
المصدر: نيوزيمن
كلمات دلالية: من العملة الجدیدة بالمناطق المحررة المناطق المحررة العملة المحلیة حرکة التحویلات البنک المرکزی محافظ البنک من قبل
إقرأ أيضاً:
ما تأثير العقوبات الأمريكية على رئيس البنك المركزي بصنعاء على القطاع المصرفي؟
أثار قرار الولايات المتحدة فرض عقوبات على رئيس البنك المركزي في صنعاء، الموالي لجماعة الحوثيين، وعدد أخر من الكيانات المصرفية، تساؤلات عدة عن تداعيات وتأثيرات هذا القرار على القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الجماعة.
وكانت وزارة الخزانة الأمريكية قد أعلنت قبل أيام عن فرض عقوبات على عدد من الكيانات والمسؤولين في جماعة الحوثي بينهم هاشم المداني المعين رئيسا للبنك المركزي في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة، بتهمة "غسيل الأموال لصالح جماعته وتسهيل وصول الأموال إليها".
تحجيم دور الحوثي المصرفي
وفي السياق، قال الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي، وفيق صالح، إن إدراج محافظ البنك المركزي بصنعاء على لائحة العقوبات من قبل وزارة الخزانة الأمريكية، يحمل دلالات هامة، كونها تأتي لأول مرّة منذ حدوث الانقسام النقدي والمصرفي، الذي كرسته مليشيا الحوثي بصورة نهائية في أواخر 2019.
وأضاف صالح في تصريح خاص لـ"عربي21" أن هذه العقوبات وفقاً لما أعلنته الخزانة الأمريكية " تُمثل جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى شل الموارد المالية للحوثيين" وهو ما يعكس تغيير لافت في الموقف الأمريكي تجاه الأزمة باليمن، خصوصاً على مستوى الأوضاع الاقتصادية والمالية.
وأشار "هذه العقوبات أعتقد أنها سيكون لها تداعيات مباشرة على تحجيم الدور الذي تقوم به جماعة الحوثي في التأثير على القطاع المصرفي والأوضاع النقدية في البلد بشكل عام".
وتابع الصحفي الاقتصادي اليمني: "كما ستضع القطاع المصرفي والبنوك التجارية التي تتواجد مراكزها الرئيسية في صنعاء، أمام تحديات جديدة، حيث من المحتمل أن تزيد الضغوطات التي تواجهها هذه البنوك خصوصا مع استمرار الانقسام النقدي والمصرفي، وإصرار الحوثيين على استخدام سياسات مالية ومصرفية تضع القطاع المصرفي تحت مقصلة العقوبات والعزلة الدولية".
وبحسب صالح فإن هذه العقوبات التي طالت الكيانات المالية للحوثي، "قد تعزز من دور البنك المركزي اليمني في عدن المعترف به دولياً في إدارة السياسة النقدية"، موضحا أنها تشكل دفعة مساندة قوية للسلطات النقدية في الحكومة الشرعية، لاتخاذ أي خطوات في إطار مهامها وأنشطتها لإعادة ضبط الوضع النقدي والمصرفي، وإصلاح الإختلالات التي تعرضت لها المنظومة المصرفية، بفعل الانقسام وازدواج القرارات.
شل الموارد المالية للجماعة
من جانبه، رأى الباحث الاقتصادي اليمني، وحيد الفودعي، أن الخطوة الأمريكية ليست مجرد إجراء عقابي بل جزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى شل الموارد المالية للجماعة الحوثية ومحاسبة من يسهم في استمرار الحرب والدمار في اليمن.
وقال الفودعي في منشور على حسابه بموقع "فيسبوك" إن هذه العقوبات تسلط الضوء على ضرورة تعاون دولي أوسع لمكافحة الأنشطة المالية غير المشروعة التي تغذي الحروب والنزاعات في المنطقة، ولتعزيز الأمن والاستقرار لشعوبها.
وحول مدى تأثير قرار العقوبات الأمريكية على البنوك التي تعمل في صنعاء، أكد على أن هذه البنوك تعمل تحت مظلة أو بتوجيهات من البنك المركزي في صنعاء، فإن التداعيات المحتملة قد تكون متعددة الأبعاد.
وتابع الفودعي بأن البنوك التجارية والمصارف التي تعمل في صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين تواجه بالفعل ضغوطًا معقدة نتيجة الانقسام السياسي والاقتصادي في اليمن، وقد يؤدي هذا القرار إلى تعميق عزلتها الدولية.
وذكر أن "أي تعاملات مالية مع الأفراد أو الكيانات المدرجة على لائحة العقوبات قد تضع هذه البنوك في دائرة الاشتباه، مما يعرضها لخطر فقدان ارتباطها بالنظام المصرفي الدولي".
وأضاف الباحث الاقتصادي اليمني أن الأنظمة المالية العالمية تتطلب الالتزام الصارم بمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وأي انتهاك لهذه المعايير قد يؤدي إلى فرض قيود إضافية أو حتى عقوبات على هذه البنوك".
كما لفت أيضا إلى أن التعاون بين هذه البنوك والبنك المركزي في صنعاء، الذي يُتهم بالضلوع في أنشطة غير مشروعة، قد يجعلها عرضة للتدقيق الدولي.
وإذا تبين وفقا للفودعي "إن هذه البنوك تسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في تنفيذ سياسات مالية تخدم مصالح الجماعة الحوثية أو تُستخدم كأدوات لتمرير الأموال المشبوهة، فقد تواجه إجراءات صارمة تشمل تجميد أصولها أو الحد من تعاملاتها مع البنوك الدولية".
وعلى المستوى المحلي، أوضح الباحث الفودعي أن هذا القرار قد يؤدي إلى تعقيد العمليات المصرفية في صنعاء، مما يزيد من التحديات التي تواجهها البنوك في ظل بيئة اقتصادية هشة.
ولفت إلى أن التعاملات التجارية قد تتأثر نتيجة انخفاض الثقة وزيادة القيود، مما ينعكس سلبًا على العملاء المحليين والشركات التي تعتمد على البنوك للحصول على التمويل أو تسهيل التجارة، وفق قوله.
كما شملت العقوبات الأمريكية "هاشم إسماعيل المداني"، محافظ البنك المركزي الموالي للحوثيين في صنعاء، الذي اعتبرته الوزارة "المشرف الرئيسي على الأموال المرسلة إلى الحوثيين من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وقد تعاون مع المسؤول المالي الحوثي المدعوم من فيلق القدس، الجمل، لإجراء أنشطة تجارية لصالح الحوثيين".
ومن بين الأشخاص المشمولين بالعقوبات " أحمد محمد حسن الهادي"، وهو مسؤول مالي كبير يقوم بالتنسيق وتسهيل نقل الأموال الحوثية نيابة عن جماعته.
وبحسب الخزانة الأمريكية فإن الحوثيين استخدموا شركات خدمات مالية مقرها صنعاء تحت سيطرتهم لنقل مبالغ كبيرة والالتفاف على العقوبات منها "شركة محمد علي الثور للصرافة (الثور للصرافة)"، التي قامت بجلب تحت إشراف المسؤول المالي الحوثي المدرج على قائمة الولايات المتحدة الأمريكية عبد الله الجمل، ملايين الدولارات نيابة عن شبكة الجمل إلى اليمن لتمكين عمليات غسل الأموال مع فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
وبالمثل، وفقا للوزارة "قام خالد الحزمي وشركته العامة (الحزمي للصرافة) بتحويل أموال إلى شركة دافوس للصرافة والتحويلات المالية (دافوس للصرافة) الخاضعة لسيطرة الجمل والمدرجة على قائمة الولايات المتحدة الأمريكية (دافوس للصرافة) في أوائل عام 2024 لتغطية أصول دافوس للصرافة الخاضعة للعقوبات ومساعدة شبكة الجمل في الالتفاف على العقوبات.
وأضافت الخزانة الأمريكية أن الحوثيين استخدموا أيضا شركات الخدمات المالية للوصول إلى التمويل في الخارج، استخدمت شبكة الجمل أيضًا العملات المشفرة للالتفاف على العقوبات.
وتابعت : "اليوم، أضاف مكتب مراقبة الأصول الأجنبية خمسة عناوين محفظة يستخدمها الجمل وشبكته إلى قائمة الأشخاص المحظورين والمواطنين المعينين خصيصًا لتعطيل هذه التدفقات المالية".
وفي وقت سابق الشهر الحالي أدرجت واشنطن رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى التابعة للحوثيين، عبدالقادر المرتضى في قائمة العقوبات المفروضة على الأفراد والكيانات المتورطة بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
وفي آب/ أغسطس الماضي، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية، عن فرض عدد جديد من العقوبات ضد شبكات تجارية تابعة لحركة "أنصار الله"، وتنظيم "حزب الله" اللبناني، وذلك في "إطار السعي إلى زيادة الضغوط على إيران وأذرعها".
وأوضحت الوزارة، عبر بيان لها حينئذ، أنّ "العقوبات استهدفت شركات وأفرادا وسفنا متّهمة بالتورّط في شحن سلع إيرانية، بما في ذلك النفط والغاز المسال، إلى اليمن والإمارات نيابة عن شبكة تابعة لمسؤول مالي حوثي".