إذا أزهر الصبر هل تجف نبتة الصبر؟
سعيد ذياب سليم
سؤال ما زلت أطرحه على نفسي منذ أن رأيت صورة نشرها صديقي عبدالرحمن لنبتة صبار لديه من نوع التين الشوكي على صفحته في منصة “فيس بوك”، تلك النبتة بدت أكفها مجعدة مثل كفيّ عجوز، حُفٌرت عليها خطوط و أخاديد عميقة حزّت بها سكين الدهر على أطرافها وحول عينيها و خديها وجذعها الباسق الذي مازال يحمل البؤس و يقاوم جذب الأرض كالنخل الثابت على شاطئ غزة.
عاودني السؤال نفسه و أنا أروي نباتاتي العزيزات صباح الأحد فأنا أرش أُصُصه بالقليل من الماء مطمئنا لصبره على العطش كصبر الجمل العربي على سفر الصحراء! أدلل نباتاتي الأخريات القلب الأرجواني و إبرة الراعي بمزيد من الماء أداعب أوراقها وأشمها وأنظر في عيونها متملّيا منها مثلما تتملّى الأمهات من عيون أقمارهن في غزة وهن يودعنهم الوداع الأخير يتعلقون بها قليلا حتى لا ينسوا بريقها لكن.. هل يجف الصبر؟
كنت أحتفظ بنباتات صبار الكرة الذهبية و قنفذ البحر و إصبع السيدة على حافة النافذة كنت أراها تمد أصابعها المغطاة بزغب شوكي تشير إلى الشمس كل صباح متحدية نيرانها مثلما يتحدى أطفال غزة الموت المحلق فوقهم كل صباح لا يتوقفون عن اللعب حتى لو لامستهم أجنحته فالصبر لا.. لا يجف.
تراوحت شهرة الصبار بين كونها نبتة تمتص الطاقة السالبة وكونها رمز للقوة وللدفء العاطفي ومحفزة للعمل لذا فهي تنتشر على مكاتب الموظفين بشكل عام. لكن مظهرها بما تحمله من درع شوكي يثير في النفس إحساسا بالحذر والحيطة والحاجة للحماية وهذا ما جعل الكثيرين يبعدونه من غرف النوم إلى المطبخ و ربما خارجا، في نفس الوقت الذي يعتبره البعض أيقونة لجلب الحظ والثروة. يتحمس البعض لاقتنائه و آخرين ينفرون من منظره الكئيب و إبره المشرعة كالرماح في يد عدو وهذا ما جعل أفراد أسرتي يجتمعون علي لأخرج بزمرة الأشرار من أصص الصبر إلى ساحة البيت و أبعدها عن نافذتي.
يقال أن هناك ما يزيد عن 2000 نوع من الصبار(cacraceae) تنتشر بين الصحاري والمناطق الجافة في الأمريكيتين يتميز بأشواكه. أما الصبر(Aloe) فله 500 نوع تنتشر في الغابات الاستوائية وشبه الاستوائية والجزيرة العربية و يتميز بأوراقه اللحمية ذات الحواف المسننة، ربما الأكثر انتشارا في حدائقنا هو الصبر الحقيقي ” Aloe Vera ” عرف عنه خصائصه الطبية حيث يصنع من أوراقه اللحمية خنجرية الشكل جلا يستطب به كدهون موضعي للعناية بالجلد والوجه و في حالة الحروق و الصدفية و حب الشباب.
تسمع من يقول “فإذا جاء تموز أقطف الكوز” إشارة لموسم الصبار البلدي تسمع فيه الباعة ينادون عليه فتطرب لأصواتهم ..”أبو جبر يا صبر.. حلو يا صبر.. بلدي يا صبر” وتسمع آخر ينادي كمن يخاطب الغياب “فقوعي يا صبر” – نسبة إلى فقوعة بين جنين و بيسان – يعرض الباعة أكوز الصبر مقشرا أو بقشره ويتسابق الناس لتذوقه و شراء بعض منه خاصة إذا كان من أرض مأدبا لمذاقه الحلو. اشتهر أبناء المكسيك و أمريكا الوسطى بأنهم يأكلون ألواح الصبار و ثماره رغم شوكاته العنيدات ويستخرج زيتا من بذوره يستطب به. لا تنتهي عجائب الصبار ففي الوقت الذي يستشفى ببعض أنواعه تعد أنواع منه سامة وبعضها مثل “سان بيدرو” ” Echinopsis pachanoi ” يستخلص منه مادة “المسكالين” Mescaline””التي تسبب الهلوسة، تستخدمها الشعوب الأصلية في جبال “الأنديز” في أمريكا الجنوبية في الطقوس الشامانية لأغراض دينية و روحية .
فوجئت ليلة العيد و أنا أروي النباتات -فلم أستطع في النهار لشدة الحر- فوجئت بصبار”Echinopsis oxygon ” قنفذ البحر يمد ذراعا في الهواء ينتهي بزهرة بيضاء كالطُهر لقد أزهر قمرا أبيضا في غابة الشوك بدت كإكليل عروس! عاش هذا الفرح الأبيض يوما واحدا ثم ذبلت ابتسامته! فمتى يزهر الصبر في غزة؟ غزة الأسطورة التي زرعت ميادينها صبرا لها طبيعة خاصة تصد بها الأعداء وتحمي نفسها، كالصبار لها درع حاد الأشواك و قشرة سميكة لا تقدر عليها أفواه الأعداء ولا تقوى حناجرهم على مر نسغها وسميته، وأبناؤها كالفيلة لا ينسوا أبدا وقد ذاقوا مر الصبر و نار الغيض و وجع القهر سيزهر صبرها بنادق و ينفلق عن بحرها سبعة أبحر تسبح فيها الدلافين صاخبة فرحا و المراكب تلاحقها الأماني والنوارس والأقمار الفضية .. وأرواح الشهداء. سعيد ذياب سليم
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
أطفال فلسطين في عيون «حمزة» المصري.. «أبطال خارقون يتعلم منهم الصبر»
بين آثار القتل والدمار كانت رؤية حمزة إبراهيم، صاحب الثمانية أعوام، مختلفة لأطفال فلسطين، يراهم أبطالاً خارقين بكل ما يتحملونه من صبر وكفاح، كلما تابع ما يُقال، أو يشاهد الصغار عبر التلفاز، يزيد إعجابه بقدرتهم على الصمود، يأمل بأن تكون هناك وسيلة مساعدة يستطيع أن يسهم بها فى إنقاذ صغار تبدّلت حياتهم، أصبح الموت أقرب إليهم من الدماء فى الوريد، لكنهم رغم كل هذا يتمتّعون بإيمان شديد بالله، لا يأكلون لأيام وليالٍ، يميتهم البرد القارس والحر الشديد فى فصول العام المتقلبة، ومع هذا لم تتزعزع ثقتهم بأن النصر قريب.
رؤية الأطفال لصغار فلسطين بعد الحربيروى «حمزة»، الطفل البالغ من العمر 8 سنوات، ويدرس فى الصف الثانى الابتدائى، لـ«الوطن»، أن الحرب الأخيرة التى حدثت فى فلسطين فى السابع من أكتوبر العام الماضى، جعلته يرى الأطفال بشكل مختلف، يتعلم منهم صفات كثيرة: «رغم التعب، وأنهم كل يوم بيُستشهدوا، لكنهم صابرين ومؤمنين بالله، ومقتنعين بأنهم هينتصروا، وأنا باتعلم منهم الصبر، وإنهم أكيد هينتصروا، هما صغيرين وبيموتوا، مالهمش ذنب، ونفسى الحرب تقف ويرجعوا يتعلموا تانى ويروحوا المدرسة».
لم يكن الصغير يعرف الكثير من التفاصيل عن فلسطين قبل الحرب، لكن الإعلام و«السوشيال ميديا» ساعدت فى نشر قصص الصغار وصورهم، كما قال: «قبل الحرب ماكنتش عارف عن فلسطين حاجة، بس السوشيال ميديا والتليفزيون نشرت قصص كتير عنهم، وكل مرة بيصعبوا عليّا، بس فخور بيهم وبقوتهم، لأنهم ثابتين ومتأكدين إنهم هينتصروا، ومن التفاصيل اللى عرفتها عن فلسطين إنهم محتَلين من زمان، والاحتلال بيموت فى أهالينا كل يوم، بس هما ولا مرة يأسوا، باشوف الأطفال زى سوبر مان».
الأهالي مصدر المعلومات الأول في القضيةلا توجد طريقة لمساعدة الأطفال، ولا الأهالى فى الحرب يستطيع الصغير أن يقدمها، لكن «حمزة» منذ بداية حملات الدعم بـ«المقاطعة» يحرص على شراء المنتجات المصرية، ويبتعد تماماً عن تلك الواردة فى قائمة المقاطعة: «فى المدرسة بنشارك فى الأنشطة، زى علم فلسطين، وبره مشارك من بدرى فى حملات الدعم من أولها، وكنت باشجع زمايلى عليها».