نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للصحفي ديفيد ويرنج قال فيه إنه إذا كنت تريد تكوين فكرة واضحة عن شخصية حزب المحافظين الحديث، وفهم المدى الكامل للضرر الذي أحدثه خلال فترة ولايته الأخيرة، فليس هناك مكانا أفضل للبدء به من اليمن. فبحلول أواخر العقد الثاني من الألفية الثانية، كان اليمن مسرحا لأسوأ كارثة إنسانية في العالم، وفقا للأمم المتحدة.



ولم تكن هذه كارثة طبيعية. لقد كانت من صنع الإنسان، وقد تسبب بها حلفاء الحكومة البريطانية بشكل كبير، بمساعدة الحكومة البريطانية. ونادرا ما ظهرت الحرب ودور بريطانيا فيها في الصفحات الأولى. ولكن من حيث التكلفة البشرية الهائلة، فقد كان ذلك أسوأ حلقة في العلاقات الخارجية للمملكة المتحدة منذ غزو العراق عام 2003. ومن ناحية حقوقية، كان ينبغي أن تكون فضيحة وطنية.

في عام 2015، شن تحالف من الدول بقيادة السعودية والإمارات حربا ضد جماعة متمردة يمنية، تعرف باسم الحوثيين، والتي أطاحت بالحكومة المعترف بها دوليا في العام السابق. ووعد وزير الخارجية البريطاني آنذاك، فيليب هاموند، بأن بريطانيا "ستدعم السعوديين بكل الطرق العملية باستثناء الانخراط في القتال". وهذا يعني توفيرا مستمرا للذخيرة والمكونات والدعم اللوجستي والصيانة لأساطيل الطائرات العسكرية البريطانية الصنع والتي تشكل جزءا رئيسيا من القوات الجوية الملكية السعودية. هذا الإسناد الذي لا غنى عنه أبقى تلك الطائرات قادرة على العمل في سماء اليمن لعدة سنوات. وكانت العواقب مدمرة.


منذ بداية الحرب، قامت جماعات حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية الإنسانية وهيئات الأمم المتحدة بجمع أدلة دامغة على "الاستخدام المنهجي والواسع النطاق للغارات الجوية العشوائية" من قبل التحالف الخليجي، بما في ذلك قصف المدارس والمرافق الطبية وحفلات الزفاف والجنازات والأسواق ومساكن المدنيين، والبنية التحتية الأساسية. وتم فرض حصار جوي وبحري عقابي، مما أدى إلى إفقار عامة السكان فيما كان من الواضح أنه حملة عقاب جماعي بالجملة.

في عام 2018، قدرت منظمة إنقاذ الطفولة أن ما يصل إلى 85 ألف طفل دون سن الخامسة ربما لقوا حتفهم بسبب الجوع الشديد في السنوات الثلاث والنصف الأولى من الحرب، مع الإشارة إلى تكتيكات الحرب التي يتبعها التحالف كسبب رئيسي. في عام 2021، قدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ما مجموعه 377 ألف حالة وفاة مرتبطة بالصراع بحلول نهاية ذلك العام، مع مقتل 154 ألف شخص بشكل مباشر في أعمال العنف، والباقي بسبب الكارثة الإنسانية التي هي من صنع الإنسان. ووصف أليكس دي وال، وهو خبير بارز في شؤون المجاعة، اليمن بأنه "جريمة المجاعة المميزة لهذا الجيل، وربما هذا القرن"، وأن المسؤولية "تتجاوز الرياض وأبو ظبي إلى لندن وواشنطن".

وكان دور حكومة المحافظين في حرب اليمن مكملا لسياستها الأوسع في الشرق الأوسط، والتي تزامنت مع موجة الانتفاضات المؤيدة للديمقراطية التي اجتاحت العالم ذي الأغلبية العربية منذ شتاء 2010-2011. وفي حين لا يمكن اعتبار الحوثيين جزءا من تلك الحركة، إلا أنهم يمثلون تهديدا للنظام الإقليمي المحافظ بالقدر نفسه. وعلى الرغم من الدعم الانتهازي الذي قدمه ديفيد كاميرون للثورات في ليبيا وسوريا، فإن السياسة الأساسية التي انتهجتها بريطانيا في جميع المجالات كانت تتمثل في مضاعفة دعمها التقليدي للوضع الراهن الاستبدادي.

وفي البحرين، تم سحق الحركة السلمية المؤيدة للديمقراطية بعنف من قبل النظام الملكي، بدعم بريطاني في شكل إمدادات الأسلحة والتبرير الدبلوماسي. كما قدمت لندن الأسلحة والدعم الدبلوماسي للديكتاتور المصري عبد الفتاح السيسي بعد أن قضى على الديمقراطية الوليدة في البلاد في انقلاب عسكري قُتل فيه المئات في الشوارع. وفي جميع أنحاء المنطقة، أعطى المحافظون تصويتا استراتيجيا كبيرا بالثقة لمجموعة كاملة من المستبدين المؤيدين للغرب ومنتهكي حقوق الإنسان، بما في ذلك "إسرائيل". وتضاعفت مبيعات الأسلحة إلى تلك الأنظمة تقريبا في السنوات الخمس التي تلت عام 2011، وتعمق التعاون العسكري بشكل كبير، وازدهرت الصفقات الاقتصادية.

في قلب نظام الدولة الإقليمي هذا تكمن ممالك الخليج الغنية بالوقود الأحفوري. بالنسبة لرؤساء الوزراء البريطانيين المتعاقبين، كانت جائزة الحفاظ على الوضع الراهن في الشرق الأوسط هي التدفق المتواصل لـ "دولارات النفط" الخليجية إلى صناعة الأسلحة البريطانية، وصناعة الخدمات المالية، والاقتصاد البريطاني ككل. بالنسبة للأنظمة الملكية، يعد هذا ثمنا بسيطا يجب دفعه للاحتفاظ بالعلاقات مع راعيها الإمبراطوري السابق، والحليف الغربي الذي يواصل دعم أمنها، وحتى بقائها. لكن تدفقات البترودولار لا يمكن اعتبارها رهانا آمنا أو مستداما لبريطانيا مع ظهور حالة الطوارئ المناخية العالمية.

إن تفضيل حكومة المحافظين المستمر للمصالح الاستراتيجية للدولة البريطانية ورأس المال البريطاني على حقوق وحياة شعوب الشرق الأوسط ساهم بشكل كبير في معاناة لا حصر لها وخسائر في الأرواح، وترك المنطقة في حالة من عدم الاستقرار العميق. ونظرا للأدلة المتاحة، ليس هناك سبب يذكر لتوقع تغيير جوهري من حكومة حزب العمال المقبلة.


كما كان متوقعا، تم تخفيف التعهد الذي قطعه كير ستارمر عند ترشحه لقيادة الحزب في عام 2020 بـ "وقف بيع الأسلحة إلى السعودية" إلى مجرد "مراجعة الوضع". عندما يقول وزير خارجية الظل، ديفيد لامي: "عليك أن تكون مستعدا للعمل مع شركاء مثل السعودية والإمارات، على الرغم من أن قيمك قد لا تكون متوافقة تماما"، فهو يكرر حرفيا جملة حزب المحافظين المألوفة في السنوات الـ 14 الماضية، وفي الواقع حكومة حزب العمال التي سبقتها؛ الحكومة التي باعت للسعوديين في الأصل أسطول طائرات تايفون التي استخدمت فيما بعد لسحق اليمن.

إن حقيقة أن حزب العمال يرفض أيضا استبعاد استمرار مبيعات الأسلحة إلى "إسرائيل"، على الرغم من الأدلة الواضحة والمتزايدة على ارتكاب الأخيرة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في غزة، تقدم إشارة قاتمة ولكن واضحة لما يمكن توقعه في السنوات المقبلة: العمل كالمعتاد، بغض النظر عن التكلفة البشرية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية اليمن بريطانيا الشرق الأوسط بريطانيا الشرق الأوسط اليمن صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشرق الأوسط فی السنوات فی عام

إقرأ أيضاً:

الغارديان: حرب اليمن كانت مكملة لحكومة المحافظين البريطانيين

 وأكدت أنه إذا كنت تريد تكوين فكرة واضحة عن شخصية حزب المحافظين الحديث، وفهم المدى الكامل للضرر الذي أحدثه خلال فترة ولايته الأخيرة، فلا يوجد سوى القليل من الأماكن الأفضل.. وللبدء من اليمن.. حيث أن بحلول أواخر عام 2010، كان اليمن مسرحًا لأسوأ كارثة إنسانية في العالم ، وفقًا للأمم المتحدة.

وذكرت أنه لم تكن هذه كارثة طبيعية. بل كانت من صنع الإنسان، وتسبب فيها إلى حد كبير حلفاء الحكومة البريطانية، بمساعدة الحكومة البريطانية.. ونادراً ما تصدرت الحرب ودور بريطانيا فيها الصفحات الأولى للصحف.. ولكن من حيث التكلفة البشرية الهائلة ، كانت أسوأ حلقة في العلاقات الخارجية البريطانية منذ غزو العراق في عام 2003، ومن الطبيعي أن تكون فضيحة وطنية.

وأفادت أنه في عام 2015، شن تحالف من الدول بقيادة السعودية والإمارات ضد اليمن.. ومع ذلك، وعد وزير الخارجية البريطاني آنذاك، فيليب هاموند، بأن بريطانيا "ستدعم السعوديين بكل الطرق العملية باستثناء المشاركة في القتال".. وهذا يعني إمدادًا مستمرًا بالذخيرة والمكونات والدعم اللوجستي والصيانة لأساطيل الطائرات العسكرية البريطانية الصنع التي تشكل جزءًا رئيسيًا من القوات الجوية الملكية السعودية.

 وأوردت أن هذا الدعم قد أبقى الذي لا غنى عنه تلك الطائرات تعمل في سماء اليمن لعدة سنوات. وكانت العواقب مدمرة..ومنذ بداية الحرب، قامت جماعات حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية غير الحكومية وهيئات الأمم المتحدة بجمع أدلة دامغة على " الاستخدام المنهجي والواسع النطاق للغارات الجوية العشوائية" من قبل التحالف الخليجي، بما في ذلك قصف المدارس والمرافق الطبية وحفلات الزفاف والجنازات والأسواق ومساكن المدنيين. والبنية التحتية الأساسية.

وأضافت انه تم فرض حصار جوي وبحري عقابي، مما أدى إلى إفقار عامة السكان فيما كان من الواضح أنه حملة عقاب جماعي بالجملة..وفي عام 2018، قدرت منظمة "أنقذوا الأطفال" أن ما يصل إلى 85 ألف طفل دون سن الخامسة ربما ماتوا من الجوع الشديد في السنوات الثلاث والنصف الأولى من الحرب، مع الإشارة إلى تكتيكات الحرب التي انتهجها التحالف كسبب رئيسي. في عام 2021، قدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إجمالي عدد الوفيات المرتبطة بالصراع بنهاية ذلك العام بنحو 377 ألف حالة، مع مقتل 154 ألف شخص بشكل مباشر في أعمال العنف، ووفاة الباقين بسبب الكارثة الإنسانية التي صنعها الإنسان.

ووصف أليكس دي وال ، الخبير البارز في مجال المجاعة، اليمن بأنها "جريمة المجاعة التي تحدد هذا الجيل، وربما هذا القرن"، مع مسؤولية تتجاوز "الرياض وأبو ظبي إلى لندن وواشنطن"..وكان دور حكومة المحافظين في حرب اليمن مكملاً لسياستها الأوسع في الشرق الأوسط، والتي تزامنت مع موجة الانتفاضات المؤيدة للديمقراطية التي اجتاحت العالم ذي الأغلبية العربية منذ شتاء 2010-2011.

  الصحيفة رأت أنه على الرغم من الدعم الانتهازي الذي قدمه ديفيد كاميرون للثورات في ليبيا وسوريا واليمن فإن السياسة الأساسية التي انتهجتها بريطانيا في جميع المجالات كانت تتمثل في مضاعفة دعمها التقليدي للوضع الراهن الاستبدادي.. أن تفضيل حكومة المحافظين المستمر للمصالح الاستراتيجية للدولة البريطانية ورأس المال البريطاني على حقوق وحياة شعوب الشرق الأوسط قد ساهم بشكل كبير في معاناة لا حصر لها وخسائر في الأرواح، وترك المنطقة في حالة من عدم الاستقرار العميق.

 ونظراً للأدلة المتاحة، ليس هناك سبب يذكر لتوقع تغيير جوهري من حكومة حزب العمال المقبلة..وكما كان متوقعًا، تم تخفيف التعهد الذي قطعه كير ستارمر عند ترشحه لقيادة الحزب في عام 2020 بـ "وقف بيع الأسلحة إلى السعودية" إلى مجرد " مراجعة الوضع ".

فعندما يقول وزير خارجية الظل، ديفيد لامي، "عليك أن تكون مستعداً للعمل مع شركاء مثل السعودية والإمارات، على الرغم من أن قيمك قد لا تكون متوافقة تماماً"، فهو يكرر حرفياً جملة حزب المحافظين المألوفة.. وفي السنوات الـ 14 الماضية، وفي الواقع حكومة حزب العمال الجديد السابقة، التي باعت للسعوديين في الأصل أسطول طائرات تايفون التي استخدمت فيما بعد لسحق اليمن.

ومع ذلك فإن حقيقة أن حزب العمال يرفض أيضًا استبعاد استمرار مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، على الرغم من الأدلة الواضحة والمتزايدة على ارتكاب الأخيرة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في غزة، تقدم إشارة قاتمة ولكن واضحة لما يمكن توقعه في السنوات المقبلة: العمل كالمعتاد، بغض النظر عن التكلفة البشرية.

مقالات مشابهة

  • تركيا تسعى للتوازن مع إيران في سوريا ولبنان؟
  • محمد الباز يكشف كيف أجهضت 30 يونيو مخطط الشرق الأوسط الجديد (فيديو)
  • كيف أنقذت ثورة 30 يونيو العالم العربي من مخطط الإخوان لتقسيم الشرق الأوسط؟
  • علاقة زواج سيئة.. كيف يمكن للغرب التعامل مع التحالف الروسي الصيني؟
  • سفارة بريطانيا تنكس العلم إثر وفاة والدة الملك محمد السادس
  • الغارديان: حرب اليمن كانت مكملة لحكومة المحافظين البريطانيين
  • «الوزراء»: 13 شركة مصرية ضمن الأفضل في الشرق الأوسط
  • بعد ولاد رزق:- طارق وعمر العريان مع زوي سالدانا في سينمات الشرق الأوسط
  • The Absence of Eden يصل سينمات الشرق الأوسط