الوطن:
2025-03-03@21:47:21 GMT

الأنبا بنيامين مطران المنوفية يكتب.. مفهوم الصوم

تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT

الأنبا بنيامين مطران المنوفية يكتب.. مفهوم الصوم

فضيلة الصوم مرتبطة بلقاء الإنسان مع الله منذ بدء الخليقة، فلقد أوصى الله آدم وحواء بأن يأكلا من جميع شجر الجنة ما عدا شجرة معرفة الخير والشر، وهذا هو مفهوم الصوم، ترك الطعام لأجل محبة الله الذى خلق كل شىء لإسعاد الإنسان لأنه يحبنا، لذلك نصلى فى القداس «خلقتنى إنساناً محباً للبشر»، ولكى نعبر عن محبتنا له نترك طعاماً كدليل أن الله هو الذى طلبه لنُعبر عن حبنا له، وللأسف لقد أغوى الشيطان الإنسان فأكل من الشجرة الممنوعة وطرد من حضرة الله والنقاء القلبى الذى خلق عليه.

لذلك فى الصوم لا نمتنع عن أكل محرم، بل نمتنع عن طعام حلال، كدليل على محبتنا لله وهناك حكمة تقول: (الإنـسان هو ما يأكل)، بمعنى أن الأكل يظهر نوعية وطريقة الإنسان، ليؤكد أن واهب الحياة هو الله وليس الطعام، وبذلك نشعر بأن الصوم مدرسة فى الفضيلة، ومن هذا المنطلق يقول القديس بولس الرسول (أقمع جسدى وأستعبده حتى بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسى مرفوضاً).

لذلك نفرح بالصوم، لأن الأكل كان مصدراً للسقوط فى الشر، والصوم هو تدريب على التفرّغ للصلاة، واستعداد روحى للشبع من محبة الله والقرب منه، وهنا تظهر جلياً قيمة الصوم فى كل الأديان للتدرب على قمع الشهوات الجسدية والسمو الروحى وليس الانحدار فى شهوات الجسـد، ومنها التعلق بأطعمة شهية تثير الرغبات الجسدية والغرائز التى يجب ضبطها حتى ينتصر على الإغراءات الشيطانية التى تحاربنا.

ومن هنا نجد أن الصوم مرتبط بالعبادة، لأنه يفرّغ المصلى ليجد الفرصة للاتصال بالله كدليل على محبتنا للعبادة، ويؤكد القديسون المختبرون الحياة مع الله أن كل جهاد ضد الخطيئة وشهواتها يجب أن يبدأ بالصوم، وكلام الله فى الإنجيل يُعلمنا أن الحياة حسب الجسد تؤدى إلى الموت، أما إن عشنا حسب الروح فهذا يوصلنا إلى الحياة الحقيقية مع الله وفى (رو8: 13) لأَنَّهُ إِنْ عِشْتُمْ حَسَبَ الْجَسَدِ فَسَتَمُوتُونَ، وَلكِنْ إِنْ كُنْتُمْ بِالرُّوحِ تُمِيتُونَ أَعْمَالَ الْجَسَدِ فَسَتَحْيَوْنَ.

لذلك فالصوم يميت الأهواء والشهوات والانحرافات الداخلية، لكى يكون لنا نصيب فى الأبدية السعيدة مع الله، لأن ميولنا وشهواتنا هى عدونا أكثر من الأعداء الخارجيين الذين أعوانهم الشياطين الذين يحاربوننا دائماً بالشهوات والملذات وإثارة النزوات.

ولقد أعطى الله الصوم كرامة، لأنه يمنح الإنسان قوة إرادة وسلطاناً قوياً ينجينا من الشرور، إذن فالصوم ليس مجرد انقطاع عن الطعام ولكنه إماتة للذة والشراهة فى الأكل، وانتصار على الذات والأنا التى تحرك فينا كل النوازع الخاطئة من كبرياء وارتباطات شريرة كاذبة، والصوم أيضاً بداية لحياة التوبة والرجوع إلى الله كمثال أهل نينوى الذين صاموا بمناداة يونان النبى حتى ينجوا من الهلاك الذى كان سيحدث لهم كنتيجة للخطايا التى صنعوها ضد الله ومحبته.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: مريم مع الله

إقرأ أيضاً:

محمد غنيم يكتب: مع الشيخ محمد رفعت

بعد أن فقد بصره وهو ابن ثلاث سنوات سأل والده: "متى النهار يطلع يا بابا؟"، فبكى الأب بحرقة وقال "سترى بقلبك يا بني أكثر مما ترى بعينيك"، لم يعرف الأب وقتها أن صوت ابنه سيكون كالشمس في تاريخ مصر، لا يبدأ النهار إلا بسماعه عندما تشير عقارب الساعة إلى تمام السابعة صباحا.

إنه الشيخ محمد رفعت -رحمه الله- الذي تلاحم صوته مع نسيج الوعي المصري ووجدانه، فأراد الله أن يحيا صوت الشيخ رفعت في مناسبتين، الأولى طوال العام عند الساعة السابعة صباحا عبر أثير إذاعة القرآن الكريم، هذا الوقت الذي يتعلق بذاكرة كل مصري أثناء ذهابه إلى المدرسة ونزوله إلى عمله صباحًا، إذا سمع صوت الشيخ رفعت أدرك أن الشمس قد أشرقت إيذانًا بميلاد يوم جديد مصحوب بصوت الشيخ محمد رفعت.

وأما الثانية فطوال شهر رمضان المبارك مع أذان المغرب، هذا الأذان الذي إن سمعه المصريون في أي وقت استشعروا بنسمات شهر الصيام، ارتبط أذان الشيخ محمد رفعت بالإعلان عن وقت الإفطار كل يوم في رمضان، فأصبح له خصوصية يتفرد بها عن أي أذان آخر.

الشيخ محمد رفعت هذا الصوت الملائكي الخالد الذي تجددت فيه معجزة القرآن، إلا أن التسجيلات التي وصلتنا لم توفه حقه، ذلك لأن أغلب التسجيلات كانت قديمة تحتاج إلى ترميم وإصلاح، فغير المونتاج الصوتي شيئا من حقيقة صوت الشيخ رفعت، والأمر الثاني أن التسجيلات بدأت في فترة مصاحبة المرض لهذا الصوت، كما قال موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب في إحدى لقاءاته إن تسجيلات الشيخ محمد رفعت تحمل تأثير مرضه وكأنك تسمع صوتا جميلا لكن عليه مسحة من المرض، وذكر أن تسجيل سورة مريم هو الذي يعطي بعضا من صوت الشيخ رفعت في اكتماله وشبابه ومقدرته.

في حي المغربلين بمنطقة الدرب الأحمر ولد الشيخ محمد رفعت سنة 1882 لأب يعمل ضابط شرطة بقسم الخليفة، وأم طيبة ترعى بيتها وتقوم على شئون الزوج والأولاد، واسم محمد رفعت هو اسم مركب أما والده فاسمه محمود رفعت وهو اسم مركب أيضًا، ولأن كل إنسان منا يسير إلى قدره المكتوب في الحياة، فقد واجه الشيخ محمد رفعت مصيره في الحياة مبكرا، المأساة الأولى عندما فقد بصره وهو في الثالثة أو الرابعة من عمره، والمأساة الثانية عندما فقد والده وهو ابن تسع سنوات.

ولأن في المنع عطاء، وفي كل محنة منحة، فكانت المأساة الأولى هي سبب العطاء الأعظم في حياة الشيخ محمد رفعت بعد أن قرر والداه أن يهباه للقرآن، وأتم حفظ القرآن وتجويده وهو طفل صغير في مسجد فاضل باشا، والذي عين فيه قارئا للسورة يوم الجمعة إلى أن أقعده المرض، وأما المأساة الثانية فكانت السبب في أن يتحمل الشيخ رفعت مسئولية أسرته الصغيرة المكونة من أمه وخالته وأخيه الأصغر بعد أن أصبح هو العائل الوحيد لهم، وظل على هذا الحال حتى ذاع صيته وأصاب سحر صوته كل من سمعه وتأثر به.

الشيخ محمد رفعت هو معجزة القرن العشرين في تلاوة القرآن الكريم، كان لصوته مفعول السحر على مستمعيه، فلا تسمع تلك الصيحات أثناء تلاوته كما يحدث في السرادقات مع قراء اليوم، ولكن طريقة قراءة الشيخ رفعت بما فيها من هيبة ووقار وإبهار كانت تجعل المستمعين لا يحركون ساكنا، يخشعون رهبة وإجلالا لعِظم ما يُقرأ عليهم.

تقليد الشيخ رفعت يحتاج لإمكانيات صوتية خاصة ولطبقة صوت اختص بها الله الشيخ رفعت، فيصعب جدا تقليده، تمتع الشيخ رفعت بصوت ماسي حاد جدا رنان كأنه الياقوت والمرجان، وبصوت عميق عريض جدا كأنه زئير الأسد في أدنى طبقات صوته، والعجيب أن في علو صوت الشيخ رفعت وهبوطه لا يشعر المستمع بأنه ينتقل بين القرار والجواب فهو يقرأ بطريقة السهل الممتنع، يلون الآيات بصوته وبما يناسب كل آية، فالموهبة وحدها لا تكفي، ولكنها تحتاج لذكاء يوظفها بطريقة صحيحة، والشيخ محمد رفعت وهبه الله من الذكاء الفطري والبصيرة الربانية ما جعله يقرأ القرآن بوعي وتدبر وذكاء.

عاش الشيخ محمد رفعت واهبًا حياته لخدمة القرآن الكريم ينشر صوته في كل مكان ويلبي الدعوات بعفة نفس خدمة للقرآن، لم يكن طالب مال ولا شهرة أو جاه، ترك لأبنائه ساعة يد وروشتة طبيب ومصحفًا، كما أخبر بذلك ابنه الأكبر محمد رحمه الله، وأصيب الشيخ رفعت بمرض الزغطة الذي اتضح أنه سرطان الحنجرة، فتوقف عن القراءة سنة 1943 بعد أن حبسه المرض وهو يقرأ ولم يخرج صوته في بعض الآيات فسكت ثم غادر المسجد وسط بكاء كل الحاضرين، وظل يعاني من هذا المرض الذي فشل الطب في علاجه، كان راضيا صابرا ولم يسخط، وفي يوم التاسع من مايو سنة 1950 أخذ يردد (الحمد لله) ويسأل زوجته عن أولاده، ويقول (الحمد لله) ثم فاضت روحه إلى رب العالمين، ليترك لنا صوتا لم ينطفئ يومًا، هذا الإرث الذي يشهد له بما قدمه في حياته لخدمة القرآن وإيصال رسالته، رحم الله قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت.

مقالات مشابهة

  • الكنائس القبطية بالمهجر تشهد أنشطة مكثفة وسيامات كهنوتية خلال الصوم الكبير
  • بعد حادثة التمثال.. من يمول الدكتور زاهي حواس وبعثته؟ ولماذا تصمت وزارة السياحة والآثار؟!
  • ترند زمان.. أنا ضحية جبروت امرأة .. اعترافات المذيع إيهاب صلاح بقتل زوجته
  • لقاء تكويني لكهنة حديثي السيامة بإيبارشيتيّ سوهاج وأسيوط
  • مطران إيبارشية الموصل وكركوك يترأس قداس الأحد الأول من الصوم الأربعيني
  • "رمضان يعنى".. ابتهالات النقشبندي والأذان بصوت محمد رفعت وخواطر الشعراوى
  • حكم الأكل والشرب بعد مدفع الإمساك.. الأزهر للفتوى يوضح
  • محمد غنيم يكتب: مع الشيخ محمد رفعت
  • ابراهيم في رسالة الصوم: أدعوكم الى التضرع للبنان
  • فلسفة الحياة والزمن