خمسة عشر يوماً فى حب السيدة مريم العذراء التى ملكت قلوب الأقباط، فقدَّسوا صومها ونذروا فى صوم العفيفة، ذلك الصوم الذى تسلّمته الكنيسة من الآباء الرسل عندما صاموا أملاً فى رؤية جسد العذراء بعد الصعود عقب وفاتها لتحقق أمنيتهم فى 16 مسرى بظهور جسد العذراء الذى اختفى، بحسب الاعتقاد المسيحى، وحباً فى «مريم» يصومه البعض بزهد وتقشف زائد كإطالة فترة الانقطاع حتى الغروب أحياناً، أو الصوم بـ«الماء والملح» بدون زيت وبدون سمك.

شاع بين الناس فى القرن الـ14 واحتفل به الأقباط قديما بتعليق صور العذراء والمصابيح على واجهات منازلهم

ويحتل صوم العفيفة مكانة مقدسة عند الأقباط على الرغم من أنه صوم من الدرجة الثانية، فهو الصوم الوحيد الذى فرضه الشعب على الكنيسة حباً فى البتول، ويذكر «ابن العسال» فى عام (1260م) فى كتابه «المجموع الصفوى»: صوم السيدة العذراء أكثر ما يصومه المتنسكون والراهبات، وأوله أول مسرى بحسب التقويم القبطى، وعيد السيدة فصحه»، وبحلول القرن الرابع عشر الميلادى شاع هذا الصوم بين الناس كلهم. ومع أنه خمسة عشر يوماً فإن البعض ينذر أسبوع صيام قبله ليكون 21 يوماً، ويجوز فيه أكل السمك، لكن البعض يمتنع عنه تكريماً للعذراء وزهداً.

ويتناول الأقباط خلال صوم العذراء المأكولات الخفيفة فى صورة من صور الزهد والتقشف، ومن هذه المأكولات طبق «الشلولو» وهو ملوخية ناشفة، وماء، وثوم، وملح، وليمون.

وعن سبب شهرة هذا الطبق فى فترة الصوم يقول الباحث القبطى أشرف أيوب معوض إن العذراء أثناء رحلة العائلة المقدسة إلى مصر لم تجد ما تأكله، فأعطاها البعض قليلاً من «الملوخية الناشفة»، فوضعت عليها ماء وتناولتها، وجرت العادة أن تهدى السيدات القبطيات هذا الطبق لجاراتهن المسلمات فى الأعياد والمناسبات، مثل أطباق الكعك التى يهديها المسلمون للأقباط.

كما يوجد بعض المسلمات يحرصن على صيام العذراء تبركاً بها وحباً لها، وقديماً كان الأقباط فى فترة الصوم يعلقون صور العذراء على واجهات منازلهم وفى الشرفات، ويضعون أسفلها مصباحاً مضيئاً أو يثبتون حولها عقداً من النور كما يفعل المسلمون فى احتفالهم برمضان بتعليق الزينة والأنوار فى الشوارع.

وفى بعض النجوع والقرى التى غالبيتها مسيحيون فى الصعيد، يطوفون فى ليلة عيد العذراء بأيقوناتها فى الشوارع والحوارى المحيطة بالكنيسة، ومع الألحان الكنسية، وتتدافع الجموع لنيل البركة بلمس الأيقونة وتقبيلها، وتزغرد النساء مع الطبل والزمر والتصفيق.

فيما يحتفظ الأقباط بصور العذراء مريم فى حافظة نقودهم، ويعلقونها فى سياراتهم، ويزينون بها منازلهم، ويطلق المصريون، أقباطاً ومسلمين، اسمها على بناتهم.

وتكون مدة صوم العذراء، وفقاً لكنيسة الروم الأرثوذكس، 15 يوماً، وتتشابه فى ذلك مع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بينما تبلغ مدة الصوم 5 أيام فقط عند كل من «السريان والأرمن الأرثوذكس»، ويقتصر الصوم عند الروم الكاثوليك على أيام الجمعة فى الفترة من 1 أغسطس حتى 14 من ذات الشهر، بينما يصوم «الكلدان الكاثوليك» يوماً واحداً فقط، وتصوم الكنيسة الكاثوليكية صوم العذراء من بداية أغسطس لمدة 15 يوماً.

وتنطلق الاحتفالات والموالد فى الأديرة والكنائس التى تحمل اسم العذراء مريم عقب نهاية مدة الصوم، كما يقيم دير العذراء مريم بدرنكة احتفالات يحضرها ما يقرب من مليون شخص سنوياً، بالإضافة لكنيسة السيدة العذراء بمسطرد، حيث توجد المغارة التى احتمت بها العائلة المقدسة فى مصر.

القس باسيليوس جرجس: السيدة مريم لها مكانة لا يشاركها فيها أحد

ويقول القس باسيليوس جرجس، كاهن كنيسة العذراء بالمقطم والمنسق الإعلامى لكنائس المقطم، إن صوم العذراء يُعد تقليداً رسولياً تسلمته الكنيسة من الآباء الرسل، حيث توفيت السيدة العذراء فى عمر يقترب من الـ58 عاماً، وعندما قام التلاميذ بدفنها كان توما الرسول فى رحلة تبشيرية فى الهند ورأى خلال رحلة عودته صعود جسد العذراء للسماء، ولما رجع سأل التلاميذ عن السيدة العذراء، فقالوا له إنها قد ماتت.

فقال لهم: «أريد أن أرى أين دفنتموها!»، وعندما ذهبوا إلى القبر لم يجدوا الجسد المبارك، فابتدأ يحكى لهم أنه رأى الجسد صاعداً، وطلبوا أن يروا هذا المنظر وأن يتأكدوا وأن يتوثق الاعتقاد عندهم بصعود جسد العذراء، فصاموا 15 يوماً من أول مسرى حتى 15 مسرى، فرأى الرسل جسد العذراء مرة أخرى، وكان هذا فى اليوم السادس عشر من مسرى.

وأوضح أن صوم العذراء يستمر لمدة 15 يوماً فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كما بدأه الآباء الرسل، وهو يبدأ من بداية شهر مسرى القبطى، ويوافق السابع من شهر أغسطس، حتى يوم 22 من نفس الشهر، حيث تحتفل الكنيسة بظهور جسد العذراء فى 16 مسرى نهاية الصوم.

وتابع القس باسيليوس: «تحتل السيدة مريم العذراء مكانة لا يشاركها فيها أحد فى قلوب المسيحيين والمسلمين، فهى مذكورة فى الإنجيل والقرآن، لذلك تُعتبر أمنا كلنا، فهى تساند كل من يطلب شفاعتها فى كل مكان وزمان»، وتجلى حب المصريين للعذراء عندما ظهرت فى الزيتون فى 2 أبريل 1968 فى عهد البابا كيرلس السادس، حيث ذهب جموع المصريين، مسيحيين ومسلمين، لأخذ بركاتها، والسهر طوال الليل، وكل ذلك بسبب حبهم لها وتطلعهم لرؤيتها، كذلك عندما ظهرت السيدة العذراء فوق كنيسة «السيدة العذراء والشهيدة دميانة» بابا دبلو فى شبرا، كان المصريون، مسيحيين ومسلمين، يسهرون حتى الصباح، لمتابعة هذا الحدث الكبير.

وأردف كاهن كنيسة العذراء بالمقطم: «كانت العذراء مُحبة للبشر ومُحبة لكل الناس، وظهر ذلك فى معجزة عرس قانا الجليل، فمن دون أن يطلب منها أصحاب العرس ذهبت وطلبت من ابنها السيد المسيح وقالت «ليس لهم خمر» وسمع المسيح لطلبها وحوّل الماء لخمر، وكانت مُربية فاضلة فكانت تعلم المسيح عقيدته».

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: مريم السیدة العذراء صوم العذراء

إقرأ أيضاً:

إمام مسجد السيدة زينب يتحدث عن سورة النحل وأهم مضامينها

تحدث الدكتور أحمد عصام فرحات، إمام مسجد السيدة زينب، عن سورة النحل، موضحًا أنها سورة مكية باستثناء بعض الآيات المدنية، وتأتي بعد سورة الكهف في ترتيب النزول، وتضم 128 آية تتناول العديد من الموضوعات الجوهرية. 

وأشار إلى أنها تُعرف أيضًا باسم "سورة النعم"، لما ورد فيها من تعداد نعم الله على عباده، مثل المطر، الشمس، القمر، النجوم، الأولاد، والزوجة.

إعجاز النحل ودوره في الكون

سلط الدكتور فرحات الضوء على ذكر النحل في السورة، حيث جعله الله وسيلة لإنتاج العسل، الذي يُعد غذاءً نافعًا يحمل الشفاء للإنسان، وهو ما يعكس إحدى مظاهر قدرة الله في خلقه.

مناقشة المشركين ودلائل التوحيد

وأوضح إمام مسجد السيدة زينب أن السورة تناولت مناقشة المشركين في عقائدهم، حيث بيّنت بطلان عبادة الأصنام، وأظهرت دلائل التوحيد من خلال عرض مظاهر قدرة الله في الكون.

كما تطرقت إلى الحديث عن يوم القيامة، متناولة أهواله الشديدة، وحساب البشر، والثواب والعقاب الذي ينتظرهم.

صفات النبي إبراهيم كما وردت في السورة

في سياق الحلقة، استعرض الدكتور فرحات قول الله تعالى: "شاكِرًا لأنعُمه اجتَباه وهداه إلى صراطٍ مستقيم. وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين. ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين".

وأوضح أن الله سبحانه وتعالى وصف نبيه إبراهيم عليه السلام بصفات عظيمة، حيث ذكره في القرآن بأنه كان "أمة"، وهي كلمة تحمل معاني متعددة، منها الجماعة، كما في قوله تعالى: "ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون". 

كما تُطلق على الدين والملة، كما في قوله تعالى: "إنا وجدنا آباءنا على أمة".

دعوة للتأمل في نعم الله والتفكر في دلائل التوحيد

ختم الدكتور فرحات حديثه بالتأكيد على أن سورة النحل ليست مجرد سورة تتحدث عن النحل، بل هي دعوة للتأمل في نعم الله، والتدبر في بديع خلقه، والتفكر في دلائل التوحيد وعظمة الخالق.

مقالات مشابهة

  • الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحتفل بأحد السامرية في الصوم الكبير لعام 2025
  • أشهر قصة في العالم.. الكنيسة تحتفل بأحد الابن الضال| ماذا قال البابا تواضروس؟
  • الأنبا بشارة يترأس محفل التكريس السنوي لجنود مريم بالإيبارشية
  • البطريرك الأنبا إبراهيم إسحق يترأس مَحفل التكريس السنوي لجنود مريم
  • برج الحمل .. حظك اليوم الأحد 16 مارس 2025 .. مواجهة أي تحديات
  • انعقاد الملتقى الثقافي لذوي القدرات الخاصة بمسجد السيدة زينب
  • بفستان بسيط.. مريم الخشت تخطف الأنظار في أحدث ظهور لها
  • مريم بنت محمد بن زايد: أطفالنا مستقبلنا والأمل الذي نحمله في قلوبنا لغدٍ أكثر إشراقاً
  • إمام مسجد السيدة زينب يتحدث عن سورة النحل وأهم مضامينها
  • برج العذراء| حظك اليوم الجمعة 14 مارس 2025.. تحديات صعبة