عقب ثورة يناير 2011، برزت جماعة الإخوان الإرهابية كلاعب رئيسى فى المشهد، محملة بوعود تغيير جذرى وتحقيق نهضة شاملة عبر ما سمته «مشروع النهضة». روّجت الجماعة لهذا المشروع بقوة، مدعية أنه نتاج عمل خبراء متخصصين ولجان استشارية، وأنه سيحول مصر إلى دولة متقدمة على جميع الأصعدة. إلا أن هذه الوعود لم تكن إلا أوهاماً تم بيعها للشعب، وسرعان ما تكشَّف زيفها مع تولى الإخوانى محمد مرسى منصب رئيس الجمهورية عام 2012.

زعمت الجماعة أن 1000 خبير و16 لجنة استشارية متخصصة شاركوا فى إعداد مشروع «النهضة»، وتم تصوير المشروع على أنه خارطة طريق تحول مصر إلى واحدة من أهم الدول اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، وأن جزءاً منه سيتم تنفيذه خلال المائة يوم الأولى من حكم الجماعة.

لعبت وسائل الإعلام التابعة للجماعة الإرهابية دوراً كبيراً فى الترويج للمشروع، حيث تم تقديمه كنتاج عمل شاق استمر لأكثر من 15 عاماً وأن المشروع يحمل الخير لمصر وسيجلب مئات المليارات، وكل ذلك بمشاركة العقل المدبر للمشروع خيرت الشاطر، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان الإرهابية. وقد ادعى «الشاطر» أن المشروع يهدف لإعادة بناء الإنسان والمجتمع المصرى على مرجعية إسلامية مع الاعتزاز بالمصرية والعروبة.

مع تولى الإخوانى محمد مرسى الحكم، بدأت تتكشف الحقائق المزعجة حول مشروع النهضة على المستوى الاقتصادى، حيث ادعى المشروع أنه سيسعى للتحول السريع والشامل من اقتصاد ريعى إلى اقتصاد ذى قيمة مضافة، فى إطار مجتمع المعرفة والإنتاج، من خلال 100 مشروع قومى. ومع ذلك، قوبل هذا الادعاء بالسخرية من خبراء الاقتصاد، معتبرين أن الظروف الاقتصادية التى كانت تمر بها مصر آنذاك تجعل من تنفيذ هذه المشاريع أمراً مستحيلاً.

وكان نتاج بيع الوهم بحجة مشروع النهضة أنه خلال حكم «المعزول»، وصل الدين الداخلى إلى 136 مليار جنيه، ومع تراجُع الناتج القومى وعدم الاستقرار السياسى والأمنى، ارتفع حجم العجز بالموازنة، مما أدى إلى ارتفاع الدين المحلى واستهلاك الاحتياطى النقدى من الدولار، وزيادة الدين الخارجى بنسبة 30%.

وأشارت تقارير البنك المركزى إلى أرقام كارثية خلال فترة حكم جماعة الإخوان الإرهابية، فقد ارتفع الدين العام بنحو 36.23%، وزادت نسبة الدين العام المحلى إلى الناتج المحلى من 79% إلى 89%. كما استمر تآكل الاحتياطى النقدى من الدولار، الذى انخفض إلى نحو 14.93 مليار دولار بدلاً من 15.53 مليار دولار. وفشلت الجماعة الإرهابية فى السيطرة على الانهيار الاقتصادى، مما أدى إلى هروب المستثمرين الأجانب وانخفاض تصنيف مصر الائتمانى لعدة مرات.

وبلغ العجز الكلى للموازنة العامة للدولة 239.9 مليار جنيه فى الفترة من يوليو 2012 إلى يونيو 2013، مقارنة بـ166.7 مليار جنيه خلال العام المالى السابق. مروراً بالزراعة، فقد روَّج مشروع النهضة لدعم الفلاحين وإدماج حزمة متكاملة من القوانين والتشريعات لحماية البيئة والحقوق البيئية للمصريين، ولكن تبين لاحقاً أن المشروع الزراعى تمت سرقته من عضو مجلس شورى سابق، محمد سعد سلامة، وهو ما أكده النائب السابق بالدليل، حيث إنه مسجل فى مضابط الجلسات فى 19 يناير سنة 2004 و7 ديسمبر 2006 و6 يناير 2003 و26 يناير 2005، والذى تضمَّن استصلاح 7 ملايين فدان ابتداء من الساحل الشمالى وانتهاء بصحراء أكتوبر ومنخفض القطارة ومثلها فى سيناء وتقسيمها على ثلاث مراحل. وصولاً للأمن والخدمات، فقد زادت معدلات البطالة، وتراجع قطاع السياحة إلى مستويات متدنية.

ولم تتمكن حكومة هشام قنديل من معالجة النقص الحاد فى الخدمات، خاصة فى مجال الكهرباء، حيث انقطعت الكهرباء لفترات طويلة تصل إلى 12 ساعة يومياً. كما لم تشهد مصر خلال حكم الإخوان أى تحسن فى شبكة الطرق، واستمرت حوادث النقل فى التصاعد، مما زاد من معاناة المصريين، حيث شهدت مصر حادثة مأساوية على مزلقان بأسيوط أودت بحياة 50 طفلاً، ولم ينفذ وعد الإخوان بإصلاح شبكة الطرق.

حاصرت المشكلات الاقتصادية مصر فى عهد «المعزول»، وزاد عدد المصانع المتعثرة، وارتفع معدل البطالة، وتراجعت السياحة، وازدادت انقطاعات الكهرباء، وتوالت تقارير وكالات التصنيف الائتمانى بخفض مستمر.

ولم تعترف جماعة الإخوان الإرهابية بفشلها فى تنفيذ مشروع النهضة إلا بعد سقوطها فى ثورة 30 يونيو 2013. فى تصريح مثير، اعترف أحمد مطر، القيادى بالجماعة، بأن المشروع كان وهماً وأن الجماعة تسرعت فى الإعلان عنه. كما اعترف بفشل التنظيم فى إدارة السياسة والاقتصاد، مؤكداً ضرورة اعتراف الجماعة بأنها «جماعة من المسلمين وليست جماعة المسلمين». فى المقابل سخر المصريون من مشروع النهضة وأطلقوا عليه اسم «فنكوش النهضة»، فى إشارة إلى أنه مشروع غير حقيقى وهش.

المفكر السياسى على الدين هلال من أوائل الرموز التى وصفت المشروع الاقتصادى الإخوانى بأنه «فنكوش»، وقال: «إن المشروع الاقتصادى الذى خرجت به جماعة الإخوان الإرهابية على الشعب، هو وهم إعلامى بدون أى أثر فعلى على أرض الواقع». وأضاف «هلال»، فى تصريحات له، أن «أحد قادة جماعة الإخوان الإرهابية ادعى مشاركة 360 من أعظم الخبراء فى مصر والدول الأجنبية فى كتابة هذا المشروع، ولكن عندما وصلوا للحكم لم يتمكنوا من تنفيذ أى وعد من وعود المشروع، ما جعل المشروع يظل «فنكوش» إعلامياً لا يتجلى فى أى إنجازات ملموسة».

وتابع أن مشروع النهضة لم يكن سوى «شو إعلامى»، وأنه لم يكن له أى تأثير فعلى على تحسين الأوضاع الاقتصادية أو الاجتماعية للمواطن، وأن الاستفسارات المستمرة من قبَل المواطنين حول مصير المشروع كانت مبررة تماماً، نظراً للوعود السابقة التى قدمتها الجماعة الإرهابية فيما يتعلق بتحسين الظروف المعيشية.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: 30 يونيو الاخوان الإرهاب الإخوان جماعة الإخوان الإرهابیة مشروع النهضة أن المشروع

إقرأ أيضاً:

هل تفعلها قطر في الأردن كما فعلتها في سورية؟

محمد الجوهري

أعلنت الأردن حظر جماعة الإخوان المسلمين في البلاد، لا لخطيئةٍ ارتكبته، وإنما لنصرة بعض شبابها للقضية الفلسطينية وانخراطهم في أنشطة داعمة لغزة، وهذا ليس جرماً، بل هو الشرف بذاته، لكن وضع إخوان الأردن يختلف عن وضع إخوانهم في سورية، فالنظام هناك كان معادية لـ”إسرائيل” وداعماً للمقاومة الفلسطينية، بينما الحال في الأردن يختلف، فالدولة بكلها عميلة، وهذا من سوء حظ الجماعة هناك.

وبما أن دولة قطر مولت جماعة الإخوان السورية على مدى عقد ونصف، وزودتها بمختلف الأسلحة حتى تسنى لها إسقاط الدولة، فإنها في الأردن، وبدافعٍ أخلاقي، مطالبة بنصرة الإخوان، سيما وهم جماعة مظلومة، وتتداعى على قمعهم الدولة الأردنية وحلفائها في السعودية والإمارات، كما أن نصرتهم من نصرة الشعب الفلسطيني، خاصة إذا تحركوا اليوم لإعلان الجهاد ضد النظام وضد الكيان الموالين له.

إنّ التجربة القطرية في دعم جماعة الإخوان السورية ليست سرًا، بل هي من أبرز تجارب التمويل السياسي-العسكري التي شهدها العقد الماضي في المنطقة. فقد تلقّت الجماعة في سورية دعمًا سخيًّا من الدوحة، شمل المال والسلاح والمنصات الإعلامية، حتى باتت الذراع الأبرز لها في المنطقة، ونجحت في إسقاط الدولة، بالتعاون مع الجماعات المتطرفة المنبثقة منها، كالقاعدة وداعش وتحرير الشام.

لكن رغم ذلك، فإن ذلك الدعم لم يكن مجرد انحياز سياسي، بل كان انعكاسًا لتقاطع مصالح بين قطر، وبعض القوى الغربية خدمةً لـ”إسرائيل”، ولو أن نظام الأسد أقام علاقات تطبيعية مع الكيان الغاصب لما سُلطت عليه جماعة الإخوان، مهما تعرضت له من القمع والحظر والملاحقة، كما هو حال نظرائهم في بعض الدول الخليجية، خاصة السعودية والإمارات.

أما في الأردن، فالصورة تختلف من حيث البيئة، لكن لا تختلف كثيرًا من حيث المظلومية. فالجماعة هناك لا تزال تحتكم إلى أدوات سلمية، ولم ترفع السلاح قط، بل اكتفت بالتحرك الشعبي والنقابي والبرلماني، وكانت شريكًا سياسيًا لبعض الحكومات. لكنّ ذلك لم يشفع لها، إذ تعرضت في السنوات الأخيرة لسلسلة من الإجراءات الاستئصالية، تمثلت في إغلاق مقراتها، وحظرها رسميًا، وتجفيف منابع تمويلها، لا لسبب إلا لمواقفها من العدوان على غزة، واحتضانها لأصوات شبابية ترى في فلسطين قضية الأمة المركزية.

والسؤال المطروح اليوم: ألا تستحق جماعة الإخوان في الأردن، دعمًا مماثلًا من قطر؟
خاصة وأن الدوحة قدّمت ذلك الدعم يومًا لجماعة رفعت السلاح في بلدٍ يقف ضد “إسرائيل”، فهل يُعقل أن تتخلى عن جماعة يُجرَّم أفرادها فقط لأنهم قالوا “لا” للتطبيع؟

إنّ دعم إخوان الأردن اليوم لا ينفصل عن دعم إخوان سورية، فالأردن، كما هو معلوم، يمثل عمقًا استراتيجيًا حساسًا للمشروع الصهيوني، وأي انتفاضة فيه أو تصدع داخلي يُربك حسابات تل أبيب وواشنطن، ويعيد خلط أوراق الصفقة الإقليمية التي تُطبخ على نار هادئة. كما أن الأردن هو إحدى بوابات غزة والضفة الغربية من جهة الشرق، وأي تغير في ميزان القوى فيه قد يُسهم في فك الحصار الجغرافي-السياسي المفروض على الشعب الفلسطيني.

لذلك فإن دعم إخوان الأردن اليوم هو استثمار في خيار وطني-قومي ، وهو خطوة في طريق دعم الشعب الفلسطيني، لا سيما إن تحولت الجماعة إلى حالة شعبية مقاومة، تضع النظام الأردني أمام لحظة الحقيقة: إما أن يكون مع الأمة، أو مع أعدائها.

لقد دعمت قطر إخوان سورية في لحظة مفصلية، وسواء أصابت أم أخطأت في رهاناتها، فإن اللحظة الحالية تتطلب منها إعادة النظر في موقعها من جماعة الإخوان الأردنية التي تقف اليوم في موقع الضحية فعلياً. فهل تفعلها قطر؟ وهل ترى في نصرة المظلوم فريضة، وفي إسقاط المؤامرة على فلسطين واجبًا؟

أم علينا الانتظار حتى يأتي طرف شريف في الأردن ويسقط الحكومة المطبعة، وعندها ستتحرك قطر ودول الخليج الأخرى في استخدام الإخوان لفتح جبهة عسكرية هناك ضد أبناء الشعب الأردني، كما سبق وفعلوا في اليمن؟!

مقالات مشابهة

  • أنباء عن اعتقال رئيس دائرة فلسطين في جماعة الإخوان المسلمين بالأردن
  • الإخوان المسلمون في مواجهة الحملة الصهيونية.. أبعاد المؤامرة وواجبات المرحلة
  • هل تفعلها قطر في الأردن كما فعلتها في سورية؟
  • في عيدهم.. مزايا بالجملة لعمال مصر بالقانون الجديد
  • عبدالحميد خيرت: القيادات الحالية في جماعة الإخوان الإرهابية هم الجناح المسلح الإرهابي|فيديو
  • الإخوان المسلمون.. إشكالية الذاكرة المثقوبة!
  • اللواء عبد الحميد خيرت: حركة حسم تيار التغيير في جماعة الإخوان الإرهابية
  • اللواء عبد الحميد خيرت: الإخوان الإرهابية وحماس خططوا لتوريط الأردن في صدام مع إسرائيل
  • المحكمة تجدد حبس أحد قيادات الجماعة الإرهابية 45 يومًا
  • الدائرة الأولى إرهاب تنظر تجديد حبس أحد قيادات الجماعة الإرهابية