الناشر والكاتب.. «الأعدقاء»....!
تاريخ النشر: 28th, June 2024 GMT
خليل النعيمي: دور النشر يديرها محترفون في سرقة جهود الكتّاب -
نور الدين الغطَّاس: النشر الإلكتروني الذاتي هو المستقبل -
غنوة فضة: ما يعنيني من ناشري هو إيمانه بالنص -
زينة حموي: إذا طال الالتزام المتبادل يصبح الطرفان فريقا واحدا -
أشرف العشماوي: الكاتب يبحث عن تسويق جيد وتقدير للقيمة -
عبد الله مليطان: أفضِّل الدار الأكثر حضورا في المعارض -
رشا عمران: لستُ مفاوضة ماهرة وأخجل من المطالبة بحقي -
رزان نعيم المغربي: الكاتب ليست لديه رفاهية الاختيار دائما -
يونس الأخزمي: الكاتب يبقى مخلصا لدار واحدة أمينة وصادقة -
خليل صويلح: مصير بائع الطماطم أفضل من المؤلف العربي!
يفضل بعض الكتاب إصدار أعمالهم عند ناشر واحد؛ لأن ذلك يضمن لهم عدم تشتتها في كثير من الدور، وبشكلٍ يسهل على القراء إيجادها، لكن بعضهم الآخر يفضل توزيع كتبه على دور نشر مختلفة؛ لأنهم لا يأمنون للناشرين، ومدى التزامهم.
«عبث» إبداعي
الكاتب السوري خليل النعيمي يبدأ حديثه بالتأكيد على أنه «لا يوجد أفضل أو أسوأ في مسألة النشر، مبدئيا»، ويقول: إن العمل الإبداعي هو الأساس، لكن العمل الإبداعي لا يمشي على قدمين، ولا بد له من وسيط، والوسيط تجاري لا علاقة له بالأدب، إنه مثل صالات العروض بالنسبة للفن، وكل ما يدخل السوق يخضع لمبدأ العرض والطلب، فالأدب مثله مثل أي شيء آخر يمكن النظر إليه كسلعة، وهو ما يسود اليوم في السوق العالمية الأدبية، وعلى رأسها السوق العربية.
وأيا كان الأمر، بحسب النعيمي، فإن النشر في العالم العربي محنة كبرى بسبب مقدار الخبث والغش الذي ينطوي عليه، إنه نوع من «العبث» الإبداعي، أكثر مما هو تجارة محترمة، كما ينبغي له أن يكون، إذ لا يوجد في أي دار من دور النشر العربية لجنة اختيار محترفة للنصوص، أو هيئة قراءة جدية، أو متابعة استشارية، وليس ثمة حقوق للكُتاب مهما بلغوا من الشهرة. إضافة إلى ذلك يبدو الكاتب ضائعا بين دور النشر الحكومية التي أقحمتْ نفسها في العملية، وبين دور النشر الأهلية التي يديرها ناشرون هُواة، لكنهم محترفون في سرقة جهود الكُتاب، وابتلاع حقوقهم، حتى ولو وقعوا معهم عقودا «شكلية». ومما يزيد الأمر سوءا، مُزاحمة دور النشر الحكومية، وبعض المؤسسات الثقافية الرسمية، أو ما يقوم مقامها، ودور النشر الأخرى، وهو أحد أهم عوامل تخريب عملية النشر عندنا، مع العلم أن هذا الأمر غائب في الدول الديمقراطية، حيث الإبداع مسألة فردية، ودور النشر أهلية، وكذلك الجوائز التي هي في معظمها رمزية.
النعيمي يختتم حديثه قائلا: «أنا شخصيا أرتاح إلى النشر في دار واحدة تكون هي الأساسية بالنسبة لي، من دون أن يمنعني ذلك من النشر في دور أخرى إذا كانت تناسب وضعي وتطلعاتي».
انتشار مؤقت
من جهته يرى الكاتب الكويتي عبد الوهاب الحمادي، من واقع تأمل بسيط في تجربته وتجارب من حوله من الكتاب المخضرمين وحتى الراحلين، أنه كلما كان الناشر جهة واحدة كان ذلك مدعاة استقرار للكاتب أولا، وللقراء الذين سيسهل عليهم تتبع الإصدارات أولا بأول، بينما في حالة تنويع دور النشر قد يكسب الكاتب انتشارا مؤقتا مع تنوع الناشرين وبلدانهم، لكنه انتشار ما يلبث أن يختفي ويضعف، ويصبح من الصعب تعقب الإصدارات وتصير في حكم الإصدارات النادرة، خاصة إن لم يوفق الناشر في إعادة طبعها ولم تُوزع في المكتبات على الشكل المأمول.
ويقول: «هنالك تجربة لافتة تتمثل في نشر الإصدار عبر عديد من دور النشر العربية نشرا مشتركا، وهي تجربة حتى الآن بها بعض المميزات التي قد تزيد مع الوقت. ونترقب ذلك التوجه على أمل أن يتحسن سوق النشر والكتاب ويصب في مصلحة الجميع».
ويضيف: «لا أظن أن مطالب أي كاتب من دار النشر كثيرة، وإن تذمر الكتاب والناشرون من بعضهم البعض. في النهاية غاية ما يتمناه أي كاتب أن يُطبع الإصدار طباعة جيدة على ورق نظيف ويتوفر في المكتبات العربية المختلفة. ثم يُعرض من خلال المكتبات الصوتية والإلكترونية التي تلاقي رواجا جيدا في الآونة الأخيرة. وأن يقوم الناشر بجهده في وسائل التواصل الاجتماعي في الترويج للكتاب. هل يطالب الكاتب بالمزيد؟ طبيعي أن يطالب بزيادة المكاسب المادية من حصص الطباعة وغيرها».تجربة طويلة
الكاتبة الليبية رزان نعيم المغربي لديها تجربة طويلة مع النشر، فقد أنجزت عبر سنوات طويلة 12 كتابا، وتلخص تجربتها في النشر، بأنها تفضل التعامل مع دار نشر واحدة، ترتاح للتعامل معها، وقد فعلت مؤخرا وعادت إلى دار «ضفاف» بيروت، ونشرت روايتها «الرسام الإنجليزي»، وكانت تتمنى أن تنشر معها مجموعة قصصية بعنوان «مشاهد متعددة للحب» تعطلت في دار ليبية عاما كاملا ثم سحبتها، لكن «ضفاف» تنشر الروايات فقط، مما دعاها للبحث عن دار أخرى. تعلق: «إذن الكاتب ليست لديه رفاهية الاختيار دائما، وفي البلدان العربية لا يوجد وكيل أعمال يقوم بالنيابة عن الكاتب بتولي مهمة النشر والتوزيع والتسويق، وحتى المشاركة في الجوائز. وعلاقة الكاتب بدار النشر صارت مرهونة بما تحقق أعماله من الفوز بجائزة أو شهرة، ونلاحظ هنا أن العبء يقع على الكاتب نفسه وليس على مَن يدير أعماله، مع العلم أن كثيرا من الكتاب لا يجيدون العلاقات العامة، وبالتالي ليس كل ما نتمناه سهل الحصول عليه في سوق النشر العربية، بل الأمر مرهون بتشبيك العلاقات مع دار نشر تسهم في نجاح الكاتب بعد الانتهاء من عمله، وتتولى كل ما يخص التسويق والتوزيع وربما الدعوات لحضور حفلات التوقيع وبعض الندوات والجولات الثقافية».
شكل نهائي
الكاتب العماني يونس الأخزمي يقول: إنه حين نشر أولى رواياته «كهف آدم» عام 2017، عن دار عرب اللندنية، لم يكن هدفه الاستمرار في الدار نفسها، خاصة أنه أصدر قبلها بعام، روايته «بر الحكمان» عن دار سؤال اللبنانية. ومعظم كتبه السابقة طُبعت في دور نشر مختلفة. لكنه لاحقا اكتشف أن هناك ميزات في النشر من خلال دار واحدة. أولها، عدم تشتت القارئ الباحث عن أعماله بين العديد من دور النشر، خصوصا أيام معارض الكتب. ثانيها، من خلال النشر عن دار واحدة، يصبح الأمر سهلا له وللدار في معرفة كيف يخرج الكتاب بشكله النهائي، لوحة الغلاف والتصميم الخارجي والداخلي، وبقية الأمور الفنية، وذلك يوفر الكثير من الجهد والوقت. ثالثها، كما يقول: إن دار عرب بالذات لديها الجانب الآخر المهم للكاتب، ألا وهو الترجمة، ولديها مشروع طموح جدا في هذا الجانب، فمن خلالها تُرجمت روايته «بدون» والآن بصدد ترجمة أعماله وهي ثلاثية بحر العرب «بر الحكمان» و«غبة حشيش» و«رأس مدركة».
ويقول: رواية «كهف آدم» هي باكورة إصدارات دار عرب، وقد التزمتُ شخصيا مع صاحب الدار، الصديق ناصر البدري، بأن نعمل معا لإنجاح مشروعه المهم جدا في مجال نقل الأدب العربي بشكل عام، والعُماني بشكل خاص، إلى القارئ الأوروبي وغيره، ورغم أن ثمة نجاحات ملموسة حققتها الدار في فترة زمنية قصيرة، إلا أن المشروع لا يزال في مراحله الأولى، وما ينتظر من خطط وطموحات أكثر بكثير مما تحقق.
ويضيف: «في كل الأحوال، من وجهة نظري الشخصية، سيبقى الكاتب أمينا لدار واحدة طالما وجد فيها كل ما يطمح من اهتمام وأمانة وصدق وشفافية وجودة في الطباعة والتصميم والإخراج والتسويق».
الناشر والطريدة
أما الكاتب السوري خليل صويلح فيرى أن دمغ «لوجو» واحد على كل أعمال الكاتب أفضل من أن تتوزعها دور نشر متعددة، لكن مثل هذه الرغبة الجمالية صعبة التحقق، خاصة في نشر الأعمال الأولى، كما أن فخاخ بعض دور النشر تقود الكاتب إلى دار نشر أخرى، على أمل أن تكون ملاذا آمنا، لكن التعامل معه كطريدة يدعوه للانسحاب ثانية.
يحكي: «شخصيا تعاملت مع أكثر من دار نشر بانسحابات متعاقبة ولأسباب مختلفة. لا يغرنك توقيع العقد والوعود الوردية فأنت في نهاية المطاف مجرد ضيف على طرف المائدة، فالوليمة من حصة الناشر والموزع، وما عليك إلا أن تكتفي بالعظام أو بقايا الحساء. تعاملت مع دور نشر بعقود جيدة، لكنها واقعيا كانت تنتهي بدعوة على العشاء في مطعم فاخر، ذلك أن بعض الناشرين يعتمدون على حياء المؤلف الذي يغتبط برؤية كتابه مطبوعا ثم يفقد البوصلة بخصوص عدد النسخ المطبوعة فعليا. حاليا وبفعل تراكم عناوين كتبي أحظى باحترام ناشر أعمالي، لكننا عموما نحصل على فتات لا أكثر، فلسنا أوروبيين كي نعيش من إيرادات كتبنا، وليس لدينا وكيل أعمال حتى يفاوض الناشر. لدي نحو ١٠ روايات و١٠ كتب نقدية لكن مصير بائع الطماطم أفضل من مصير المؤلف العربي. لا أحد يعوضك في حال كنت ضحية آلام الرقبة كما حصل معي أخيرا بعد أن أنهيت كتابة رواية، إنها عملية عبثية ومرض لا شفاء منه.
طباعة فاخرة
من جهته يتساءل الكاتب المصري أشرف العشماوي: «ما الذي يريده أي كاتب من ناشره؟»، ويقول: إن هذا السؤال يتردد في ذهن غالبية المؤلفين، باحثين عن أشياء كثيرة: لجنة قراءة واعية، ومحرر أدبي، وتسويق جيد وترويج على مستوى عربي ودولي، وطباعة فاخرة واحتفاء وتقدير للقيمة الأدبية والمعنوية للكاتب ومعاملة مالية نزيهة، ويعلق: «كلها أو بعضها لو توافرت في دار نشر فمن الصعب بعدها أن يفكر الكاتب في تركها»، ويستدرك: «مع ذلك تثور أسئلة أخرى عن التنوع، عن التجربة، عن الطموحات للارتقاء والتطلع للعالمية، والانفتاح على قارئ آخر من خلال اختبار دور نشر جديدة، ربما تمنح الكاتب المزيد من اللمعان والتقدير، أو تقدمه بصورة معاصرة قبل أن يصيبه ترهل التوقع وجمود الاعتياد في دار النشر التي ظل يتعامل معها لسنوات بعيدة».
ويقول: «في ظني أن الإجابة ليست سهلة ولا تحتمل الاكتفاء بنعم أو لا، إنما لا بد من تغليب عنصر إنساني مثلما حدث معي، أمر متعلق بالوجدان، بالراحة النفسية التي يحتاجها كل مبدع أو مؤلف، شعور أنك تدخل بيتك لتطبع كتابك، هذا الإحساس يتفوق على عناصر مادية كثيرة ويفوق أخريات قد تبدو براقة ومغرية، على الأقل بالنسبة لي. تجربتي مع ناشر واحد لا تمنعني من متابعة كواليس دور نشر أخرى عبر أصدقاء أثق برأيهم وعلى ضوء ما يصلني منهم تكونت لديَّ قناعة شبه ثابتة أن جزءا كبيرا من النجاح يعود لتفاهم ضمني مع ناشر ناصح، يعرف متى وكيف تنشر عملك القادم دون أن يتدخل في إبداعك؟ وفي الوقت ذاته يوفر لك كل ما تحتاجه لدى ناشرين آخرين».
رسالة الكاتب
الأكاديمي الليبي الدكتور عبد الله مليطان يرى أن أي كاتب يحمل رسالة، أو يتبنى قضية، يعنيه بالتأكيد أن تصل رسالته، أو ما تحمله كتاباته من رؤى للمتلقي لتخاطب عقله ووجدانه، لذلك من الطبيعي أن يجتهد في اختيار أيسر الطرق وأكثرها انتشارا لتحقيق ذلك، وفي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة حاليا، والمتمثلة في ارتفاع أسعار صناعة الكتب، من حيث غلاء الورق، وارتفاع تكاليف الطباعة، ومحدودية دخل الكتاب عامة، أصبح للكاتب حساباته الخاصة من خلال النظر بجدية إلى كل ذلك، مقابل أن يحقق هدفه.
ويقول: «اختيار الدار الأكثر حضورا في المعارض العربية والدولية هو الخيار الأفضل للكاتب لكي يحقق انتشارا، وعمليا فإن التعامل مع دار نشر واحدة، سوف يعطي براحًا مهمًا للكاتب في طريقة وأسلوب التعامل من حيث ضبط حركة التوزيع، وكمية النسخ المطبوعة، بحكم ما ينشأ بينهما من ارتباط، خاصة إذا كانت الدار ملتزمة بما تعاهدت عليه من مواثيق وتعهدات النشر وفق ما يبرم بينها وبين الكاتب من اتفاق. عن نفسي أرى أن الالتزام مع ناشر واحد أجدى وأنفع وأضمن، لأكون حاضرا في كل المعارض، وأجزم أن من يكتب بالعربية خاصة، إذا ما وفق في اختيار الدار التي لا تغيب عن معرض القاهرة الدولي للكتاب، سيحقق انتشارًا لإنتاجه، ما لا يمكن أن يحققه حتى لو نشر مائة كتاب، عبر مائة دار عداها».
قوارب قوية
وبدورها تؤكد الكاتبة الكويتية إستبرق أحمد أن الكاتب يلجأ بنصه إلى دار تملك قوارب متقنة لها محرك بمواصفات قوية، تنطلق بالنص إلى موانئ قرائية من معارض، ومكتبات، ومناقشات وغيرها. يفترض أنها دار حريصة على حقوق الكاتب الأدبية والفكرية والمالية، والقيام باحترافية على تحرير النص لغويا وحتى أدبيا إن كانت الدار تؤسس علاقتها مع النص على هذه الشاكلة، بتحفيز الفكرة أم لإزالة العالق من هنات مع ضرورة الاهتمام والتسويق للتجربة.
وترى أنه في العالم العربي غالبا هناك اجتزاءات أو انتقاصات من حقوق الكاتب أو تجاهلها. فهو الضلع الأضعف في مشهد شرس تقوم بعض دور النشر خاصة الكبيرة منها على فرض اشتراطاتها عليه وتسليع الكتابة وحتى ابتذالها.
وتحكي: «في تجربتي الكتابية كنت مؤسسة وشريكة في دار نشر، ملتزمة بقرار شخصي بديهي بالنشر بها فقط، دار صغيرة بطموحات عالية ولها مساحة جيدة في التفاوض مع بعض نقاط بيع وبعض دور نشر لها صيتها واعتبارات تقع بعضها تحت لافتة «الربح والخسارة»، مشهرة قوائم بأسماء معينة أو فارضة نسبتها المرتفعة، هكذا كانت إصداراتي تتواجد وفق استراتيجية الدار وثمار جهودها في التغلب على شتى العراقيل. بعد انتقالي من هذه التجربة واعتزالي المشروعات الثقافية، أصبحت أكثر حرية في التنقل بين دور النشر، التي ترحب بنصي وتتباين بتحقيق التزاماتها ومصداقيتها ولأسباب مختلفة، هل تذكرون القارب ومحركه الأوتوماتيكي القوي؟ أستطيع أن أخبركم أنني صادفت دور نشر فقط بأشرعة عالية وأخرى بمجاديف بطيئة تكاد لا تلامس الماء».
وتختتم حديثها قائلة: «تعتبر تجربتي مع دار متمكنة مثل دار «تكوين» التي يديرها الشاعر محمد العتابي من أجمل التجارب، فلها قوارب بمحركات عظيمة، كل العاملين على سطحها مهتمون ويعرفون مهامهم للإبحار فيها. أصدرت كتابين برفقتها، أحدهما مجموعة قصصية مشتركة والآخر خاص بأدب الناشئة، تعاملها على مستوى لافت من المهنية واحترام تنوع الكتابة والإنصات لموسيقاها ومغامراتها وإيفاء حقوق الكاتب وانطلاقها بالنص إلى مواقع قصية».
علاقات جيدة
الكاتبة السورية زينة حموي تقول: إنه إذا افترضنا توفر الجدية والصدق والمهنية والمكانة الجيدة في السوق لدى كل دور النشر، فهي تميل إلى البقاء مع الدار نفسها. حيث يمكن للكاتب أن يبني علاقات قوية مع المحررين والمصممين والمسؤولين عن التسويق تجعل العمل أكثر فاعلية وسلاسة، إذ يصبح الكاتب على دراية بالآليات المتبعة في الدار لإنتاج الكتاب، فيحترمها ويشارك بها من موقعه، كما يصبح العاملون في الدار أكثر اطلاعًا على مزاج الكاتب وذوقه ورغباته.
وبحسب زينة إذا طال هذا الالتزام المتبادل قد يصبح الطرفان فريقًا واحدًا، فيعملان بعقلية الشراكة لا بصيغة طرفَين في عقد. وبالتالي، يحصل الكاتب على امتيازات أكبر مثل نسبة أعلى من المبيعات أو دفعات مقدمة أفضل أو دعم تسويقي أكبر، من دون أن يعني ذلك تنازلًا من قبل الدار، بل مُساهمةً في صنع النجاح وحَصْده، كما أن صدور كتاب جديد للكاتب عن دار النشر ذاتِها ينشط مبيعات كتبه السابقة ويساعد على إبقائها في دائرة القراءة والتناول النقدي والإعلامي. خاصة في حال كان لديه مشروع فكري أو إبداعي ينضوي تحته أكثر من إصدار.
بالمقابل، كما ترى زينة، فإن التنويع في دور النشر يمنح الكاتب فُرَصًا أكبر للتعرض إلى قراء جدد والولوج في أسواق ودوائر مختلفة فيحقق انتشارًا أوسع. تستدرك: «مع أنني أعتقد أنه في زمن وسائل التواصل الاجتماعي والبيست سيلر والجوائز بقوائمها القصيرة والطويلة أصبح القراء أكثر انجذابًا للعناوين الشائعة والمتداولة بالدرجة الأولى، ثم لاسم الكاتب بدرجة أقل مع انحسار واضح لفكرة الإخلاص لدار نشر بعينها».
وتضيف: «أنتظر من دار النشر أن تتبنى المُنتَج، بدءا من الفكرة مرورًا بالتحرير والتنقيح وليس انتهاءً بتنفيذ خطط تسويقية طويلة الأمد لا تنتهي بعد صدور الكتاب بأسابيع. ومشاركة الدار في التفاصيل الأولية لا تعني أنها تُملي على الكاتب ما يكتب أو تصادر منه خياراته وأسلوبه. مع ضرورة إعطاء كل مرحلة من مراحل الإنتاج حقها من الوقت والتمويل، من دون سعيٍ مُفرِط ومُؤذٍ إلى خفض التكاليف. أنتظر من الدار أيضا أن تنهض بالجزء الأكبر والأهم في ما يخص الإعلان عن الكتاب والترويج له والتسويق والتوزيع بشكل منظم ومدروس، خاصة أن هذا الأمر يتطلب إمكانيات مؤسساتية تتوفر للدار ولا تتوفر للكاتب».
حب وكراهية
الكاتب والمترجم المغربي الألماني نورالدين الغطَّاس يؤكد أن علاقة الناشر مع الكاتب بشكل خاص في عالمنا العربي، للأسف، تبدو علاقة مضطربة جدا. علاقة حب أحيانا وكراهية غالبا. علاوة على ذلك هناك غياب كبير للبرامج الأدبية في دور النشر العربية، بغض النظر عن انقراض المحرر الأدبي. بالإضافة إلى معضلة توزيع الكتاب، حيث يقتصر حضوره فقط في معارض الكتاب الوطنية. ويعلق: «أمام هذا الواقع المُرِّ لا فرق بين النشر في الدار العربية نفسها أو تغييرها. أعتقد جازما أن مستقبل الكتاب ينتمي للنشر الذاتي الإلكتروني. هكذا يمكن للكاتب تقرير مصير كتابه بيده، والقارئ يبقى دائما الحاكم النزيه عن الجودة في المحتوى واللغة».
خجل وطمأنينة
الكاتبة السورية المقيمة في مصر رشا عمران تفضِّل التعامل مع دار نشر واحدة ومحددة ومعتادة على التعاون معها في نشر كتبها، فهذا يحميها من التعرض لمفاجآت غير محسوبة. تقول: «أنا منذ خروجي من سوريا أنشر مع منشورات المتوسط وفي سوريا بداياتي كانت مع دار أرواد، الناشران صديقان لي، وهذا أيضا يشعرني بالطمأنينة إلى حد كبير ويجعلني أكثر حرية في طرح أسئلة متعلقة بعملية النشر، أنا في العموم لست مفاوضة ماهرة وأخجل من المطالبة بما هو حقي، مع الأصدقاء هناك أريحية في التعامل وأريحية في التسامح مع الأخطاء إن وجدت، سواء مني أو من الناشر، الذي أريد منه أمرين فقط: توزيع جيد للكتاب وشفافية بما يخص المبيع وعدد النسخ المتبقية في حال سألته عنها».
ركام مهول
بدورها تقول الكاتبة السورية غنوة فضة: «أعتقد أن ما يوجهني ككاتبة في البحث عن الناشر هو إيمانه بوجود قيمة نتشاركها في العمل».
وتضيف: «الكاتب والناشر، بهدفيهما المشترك - الناشر معرفيا والكاتب بمشروعه الأدبي - يمنحان القيمة للكتاب. إذ لا قيمة لعملٍ لا يُثمنهُ العامل عليه، من حيث ماهية ما يقدمهُ للقارئ، ومن جهة ما سيكون له من أثر. لا أشك بصعوبة الوصول إلى القراء ضمن هذه الفوضى والازدحام الكتابي، وأدركُ مدى صعوبة صناعة قارئ وسط هذا الكم المهول من الخيارات المتاحة. لكن ما يعنيني من ناشري اليوم، إيمانه بالنص، وتعاونه على الوصول به إلى أفضل صيغة ممكنة، حتى إن تطلب الأمر إعادة مراجعته وتحريره وحرصه على إخراجه بأفضل صورة. إلى جانب متطلبات التسويق والترويج، وهو ما يدفعني لأتعدى فكرة التمسك بدار نشرٍ واحدة. أؤمن بالاختلاف، وأفضِّل التعامل مع ناشرٍ يؤمن بجمالية النص والحاجة إلى نشرهِ بغض النظر عن فكرة تكرار التعامل معه».
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: النشر العربیة التعامل مع مع دار نشر دار النشر دار واحدة دور النشر فی الدار النشر فی دور نشر أی کاتب مع ناشر من خلال فی دور نشر فی عن دار فی دار
إقرأ أيضاً:
من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. ليلة واحدة فقط
#ليلة_واحدة_فقط..
من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي
نشر بتاريخ .. 1 / 10 / 2019
أفعلها كل شتاء ، أختار ليلة باردة وماطرة ، وأدعو الأولاد أن ننام في غرفة واحدة ، نعيد ترتيب “فرشات” الغرفة ، اجعلهم يقتربون من بعضهم أكثر ،ينامون على شكل سطور متلاصقة وأنا أختار مكاناً فوق رؤوسهم جميعاً حتى أكون مقسوماً على الجميع ، أطفئ الضوء العادي وأبقي على ضوء خافت ،أترك شقاً طفيفاً في الشباك لتحدث الريح صفيرها المعتاد..أمنع استخدام الأجهزة الاليكترونية او الهواتف في هذه الليلة..ثم أبدأ بسرد ما أحفظ من القصص والحكايا القديمة..وكلما زاد قذف المطر على الزجاج أسهبت في الحكاية وفي تفاصيلها وكأنني أشرك الطقس معي ليستمع مع باقي أفراد العائلة لأحداث الحكاية.. أحياناً أقوم بتقليدهم فرداً فرداً لأسمع قهقهات الصغار..أحاول جاهداً أن أصنع لهم ليلة مختلفة ، تبقى محفورة في روزنامة العمر ، تماماً كاستراحة وحيدة في طريق صحراوي طويل..
*
الأولاد مهما كبروا يبقوا أطفالاً، مهما ادعوا النضوج والاستقلالية الا أنهم في حنين دائم إليك إلى صوتك وملامحك ووجودك ،وأنت بأبويتك الصادقة، حاول أن تعيدهم إلى ذات الاحتياجات وذات الليالي القديمة وذات القصص ،لا لشيء ، لكن حتى لا تبعد المسافة بينك وبينهم أو تبعد فيما بينهم..الغرف المنفصلة برّدت العواطف، والهواتف الذكية عزلتنا عن أحاسيسنا تجاه بعضنا ، صار في البيت عوالم مختلفة في أمتار مربعة صغيرة ، أجساد متقاربة واهتمامات وأرواح متنافرة و”غرفة العيلة” أصبحت مجرّد “لوبي في فندق” ، ملتقى قصير للصاعدين والنازلين والمغادرين والقادمين يلتقطون فيها أنفاسهم ثم يذهب كل إلى وجهته..
مرّت بي أحداث كثيرة ونسيتها ،وأيام كثيرة ونسيتها، نجاحات واخفاقات ونسيت تفاصيلها، لكنني ما زلت أذكر ليالي الشتاء الماطرة ، وأذكر مكاني بين “الفرش” ، و الرسمات الطفولية على لحافي، وأماكن أشقائي واحداً واحداً، وأذكر مكان “السراج” وأماكن الدلف ، والأواني التي تتلقّى مطر السقف البطيء ، أذكر الحكايا والضحكات ، وصوت المزاريب ، واهتزاز الشباك الشمالي ،ورائحة الديزل النازل من “بطيحة” صوبة البواري..نسيت في العمر خصومات كثيرة واوجاع كثيرة وانجازات كثيرة..لكني لا أنسى غرفة من حجر وطين جمعتنا كلنا بمعجزة الأم والأب تحت سقفها ذات ليلة..قبل أن تهب علينا ريح الكهولة..
أيها الآباء أفعلوا مثلي..ليلة واحدة فقط ستزيّن العمر،أزيلوا الحواجز ،وجسروا الأرواح، كونوا بين أبنائكم ، صدقوني من هنا تصنع المحبة..
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com
#175يوما
#الحريه_لاحمد_حسن_الزعبي
#سجين_الوطن
#لأحمد_حسن_الزعبي