كريم العمدة يكتب: فنكوش برنامج الـ100 يوم وعود زائفة تطيح بالجماعة
تاريخ النشر: 28th, June 2024 GMT
وقعت جماعة الإخوان فى العديد من الأخطاء أثناء حكمها للدولة المصرية، نتيجة جهلها بطبيعة الشعب المصرى، وقلة خبرتها فى إدارة البلاد، والتى تختلف طريقتها تماماً عن حكم الجماعات.
نشر الإخوان وعوداً زائفة واقتحموا ملفات شائكة وعميقة تحتاج إلى جهد كبير وأموال ضخمة فى ظل ظروف دولة كانت غير مستقرة آنذاك، والاعتماد على أشخاص غير مختصين فى مجالاتهم، ما أدى إلى ضعف الوزارات.
لا شك أن برنامج الـ100 يوم، الذى أعلنت عنه جماعة الإخوان خلال فترة الانتخابات الرئاسية، ولم يتحقق منه شىء، أثبت فشلهم فى قدرتهم على إدارة شئون البلاد، ولم يكن هذا الأمر واضحاً فقط للمصريين، بل للعالم أجمع، ولم تدرك «الجماعة» عمق مشكلات الشعب بعد «25 يناير» والوزارات فى عهدهم اعتمدت على غير المختصين.
برنامج الـ100 يوم الذى طرحته الجماعة كبرنامج انتخابى للفوز برئاسة مصر، كان دليلاً على أن الإخوان غير واعين بمدى عمق المشكلات التى تعانى منها الدولة، حيث زعموا أن لديهم القدرة على حلها خلال 100 يوم، فى حين أنهم تولوا الرئاسة دون أن يكونوا مؤهلين لها، وظهر الأمر فى القيادات التى تم اختيارها وقتها.
إن ذلك البرنامج أثبت فشل الجماعة وأصبحت حقيقة واضحة ليس فقط للمصريين، بل وللعالم أجمع، حتى الدول التى كانت مساندة لهم، وعلى سبيل المثال دولة قطر، كانت أبرز الداعمين للجماعة الإخوانية، سبق وقالت إن الإخوان غير صالحين لإدارة «دكان»، فقد فرشوا الأرض بالوعود، وإنهم كانوا يتمنون أن يتم حلها، ولكن هذه الملفات كانت أعمق من هذا بكثير وشائكة وتحتاج لعمل دؤوب، وعندما فشلوا فى تنفيذ وعودهم بدأوا فى طرح أسباب غير منطقية تبريراً لهذا الفشل.
اختلقت جماعة الإخوان مبررات للفشل أمام الشعب وعدم أهليتها للرئاسة، فبدأت فى إلقاء اللوم على أمور عدة حتى تحمى نفسها من ضريبة الفشل، حيث كانت وعودهم أكبر من قدرتهم على التنفيذ، وكان الشعب والأنظمة السابقة أول الملومين على فشل الإخوان.
لم تفهم جماعة الإخوان أبعاد القضايا التى زعمت أنها سوف تحل خلال 100 يوم فقط، كل ملف من الملفات الـ5، التى قرروا حلها، وهى: (الأمن - الوقود - القمامة - المرور - رغيف الخبز)، فضلاً عن أن هذا التناقض أيضاً يأتى كتبرير للفشل، باستخدام التلاعب بالإحصائيات، ولكن الواقع كان دليلاً أقوى من الأرقام والإحصائيات.
لقد توقفت الجماعة فى العمل على مشروع النهضة وبرنامج الـ100 يوم بمجرد الوصول إلى الحكم، ولكن الشعب المصرى كان يعمل على تذكيرهم به، بعدة وسائل، مثل عد الأيام المتبقية على انتهاء فترة الـ100 يوم التى منحها محمد مرسى لنفسه ولجماعته من أجل إنجاز وحل هذه المشكلات، ومنها أيضاً موقع «مرسى ميتر»، الذى صممه الشعب من أجل حساب ما تم تنفيذه من البرنامج، وغيره من الوسائل الأخرى، وفى الفترة الأخيرة، عندما تم إثبات فشل البرنامج بشكل رسمى، بدأت الجماعة فى إلقاء اللوم على الشعب وعدم تعاونه، وعلى الأنظمة السابقة وغير ذلك من الأسباب.
مبدأ الإخوان الثابت هو الاعتماد على أهل الثقة وليس الخبرة، كان أحد أكبر أسباب فشل الإخوان فى إدارة البلاد، ونتائجه كانت كارثية، كما أنهم لم يتمتعوا بالقدرة على إدراك واستيعاب مدى سوء الوضع فى البلاد خلال هذه الفترة، إلى جانب عدم تقبّلهم للنصائح.
وختاماً، هناك العديد من الأخطاء التى وقعت فيها الجماعة، ويأتى الخطأ الأول فى أنهم أطلقوا وعوداً غير قادرين على تنفيذها، والخطأ الثانى أنهم اقتحموا ملفات شائكة وعميقة تحتاج إلى جهد كبير وأموال ضخمة فى ظل ظروف دولة كانت غير مستقرة آنذاك، أما الخطأ الثالث، فكان احتواء الوزارات وقتها على أشخاص غير مختصين فى مجالاتهم، ما أدى إلى ضعف الوزارات آنذاك
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: 30 يونيو الاخوان الإرهاب الإخوان جماعة الإخوان الـ100 یوم
إقرأ أيضاً:
العمدة صالح كوري: احرص على الموت توهب لك الحياة
العمدة صالح كوري:
احرص على الموت توهب لك الحياة
كتب – عثمان أبوزيد
حدثني الطيب الأمين من ولاية سنار عن مواقف إقدام وثبات لسكان بعض القرى حاربوا بالسهام وقليل من السلاح فاستطاعوا حماية أنفسهم وأموالهم من الجنجويد.
ذلك ما فعله مستنفرون شباب من قبائل الامبررو في جنوب الدندر وجنوب القضارف وجنوب النيل الأزرق، كان لهم دور بطولي في دحر وصد المليشيا المتمردة من الجنجويد والمتعاونين معهم بأسلحة بسيطة ومنها الأسلحة التقليدية الفتاكة.
يقول الطيب:
أذكر كنت في سفر بين الدمازين والكرمك والوقت في بداية الخريف والطرق شبه رملية، يعني العربات يمكنها السير ببطء وكنا من وقت لآخر ننزل من العربة ونمشي محاذين لها على الأقدام. في أثناء سيرنا وبعد منطقة باو وجدنا مجموعة من أبناء الامبررو يلعبون ويتبارون في إطلاق النشاب (السهام) على أشجار مستقيمة يسمونها (الطارايه) شبيهة بأشجار البان في وسط وشمال السودان، ولا تخطئ هذه السهام الأشجار لدقة التصويب فوقفت معهم مداعبا وقللت لهم من شأن هذه السهام، ولكن أحدهم حاول إقناعي بأن هذا السهم يقتل الفيل وقال لي: لو ما مصدق خذ رأس هذا السهم وضعه في لسانك ولم أفهم كلامه في البداية ولكني شاهدت أن هذه السهام موضوعة في جراب مكور وقيل لي إن به مادة قاتلة، ويمكن للسهم أن يقتل الفيل وهنا ضحكوا قليلا وتركتهم. ولحقت بعربتنا التي تترنح بين أشجار الطارايه وأنا أحدث نفسي أن هؤلاء قد حصنوا أنفسهم وأنعامهم من الحرامية والهمباتة.
ويروي حليم عباس قصة العمدة صالح كوري الرجل الذي واجه الدعامة عندما أوغلوا في المنطقة على متن عرباتهم القتالية المدججة بالدوشكا، فأتاهم الموت من حيث لم يحتسبوا… يأتي سهم في عنق سائق التاتشر فيرديه قتيلا دون أن يعرف من أين جاء وكيف؟ فهذا الشيء الذي ينغرز في العنق أو العين أو الرأس ما هو إلا قشة قاتلة.
بعد اجتياح مدينة سنجة ثم الدندر انتشر الجنجويد جنوبا وشرقا وبدأوا في نهب القرى في مناطق الدندر والرهد حتى تخوم ولاية النيل الأزرق دون أن يواجهوا أي قوة عسكرية. منطقة واسعة مفتوحة جنوب وشرق الدندر وعبر الجزء الجنوبي من ولاية القضارف إلى الحدود الأثيوبية. هناك حيث يستطيع الجنجويد أن يعيثوا فسادا دون أن يسمع بهم أحد. ولكن مقاومة العمدة صالح كوري غيرت المعادلة في تلك المنطقة. وجد الجنجويد أنفسهم أمام قوة ربما لم يتوقعوها، تفزع وتهجم وتتسلل وتطارد، وفي النهاية تم طردهم وتطهير المنطقة وتأمينها.
حلة إسمها “دبركي”، دخلها الجنجويد صباحا ونهبوها، بضائع السوق وسوق البهائهم؛ جمعوا البضائع بمهلة واطمئنان في كشك في السوق، وذهبوا إلى جزار وأخذوا منه بهيمة وأتوا بها إلى امرأة لتشويها لهم، فأكلوا ثم طلبوا منها أن تعمل لهم القهوة ولكن أحد المواطنين كان قد اتصل بالعمدة صالح، أفزعنا!
وصلت قوة صغيرة من قوات العمدة وانضم لها مواطنون مسلحين من الحلة وقع اشتباك وشهداء من المواطنين ولكن لم يخرج من الدعامة سوى ثلاثة لاذوا بالفرار.
أخبرني محدثي – والحديث ما يزال لحليم عباس – بأنه في تلك الأيام التي أعقبت سقوط سنجة والسوكي والدندر وقد نزح الآلاف، ومن لم ينزحوا في مناطق الرهد والحواتة بالذات كانوا قد حزموا أمتعتهم استعدادا للنزوح، وكلهم تقريبا نقلوا أموالهم وأسرهم وعرباتهم إلى مناطق أبعد، اتصل عليه أحدهم ليخبره: يازول ود عمكم دا قاطع ماش أم بقرة (يقصد قاطع نهر الرهد بالمركب). فسأله باستغراب واستنكار: ماش أم بقرة يا؛زول ماله ومال أم بقرة عمدة صالح؟ عنده نعجة هناك؟ عنده بقرة؟ عنده بيت؟ عنده شنو؟ قاطع بي جيش؟ قاطع بشنو؟
أجاب الرجل: والله قاطع معاه وليدات كدي ساي وماش.
قال محدثي: اتصلت عليه، عمدة صالح ياخ ما تكمل القبيلة. الناس ديل (يقصد الجنجويد) بتمشي بتهبشهم والله بجو يكملو القبيلة دي. يقصد مهاجمة الجنجويد ستجر الويلات على القبيلة كلها. (خوف منطقي في تلك اللحظات).
رد عمدة صالح: القبيلة خليها تكمل!
بقوة صغيرة راجلة، ثلاثة بنادق والباقي نشابات عبر العمدة صالح نهر الرهد إلى الضفة الأخرى. بلا سيارات وبذخيرة محدودة. في الضفة الأخرى توجد عربات لمواطنين هربوا من الدندر وتركوها لأنهم وجدوا النهر ممتلئا ونجوا بأنفسهم. جاء الدعامة لأخذ العربات ولكنهم وجدوا الموت في انتظارهم، وأنقذت العربات.
هكذا بدأت رحلة مقاومة طويلة للجنجويد من مناطق نائية بعيدة معزولة بظروف الطبيعية والخريف والأمطار والخيران انتهت بمطاردة الجنجويد حتى الدندر وما تزال مستمرة. معارك عديدة دارت في قرى غير معروفة مثل “دبركي”، “أم بقرة”، “عبدالبنات”، “الدليبة”، “منوفلي”، “حلة بلة” وغيرها، وصولا إلى كامراب قرية الجنجويد التي اشتهرت مؤخرا، ليتم تطهير القرية التي أصبحت جنجويدا بأكملها. في كامراب تم قتل وأسر العديد وهرب من هرب.
سعى العمدة نحو الجنجويد بنفسه بقدميه في البداية ثم على ظهر جمل وقاتلهم من على ظهر “تركتر زراعي”. رجل بسيط نحيف البنية يقود مجموعة شباب من أهله بإمكانيات قليلة ليطارد الجنجويد في مناطق لا يملك فيها لا مال ولا بيوت وليس لديه فيها عشيرة. ولم يستنفره أحد؛ مجرد غريزة فطرية ضد ظلم وإجرام الجنجويد. لذلك حظي بشعبية كبيرة في مناطق الرهد والدندر.
بدأ اسمه في الظهور في لحظة بلغ فيها الجنجويد أوج تمددهم بعد جبل مويا ثم سنجة والدندر وبدا أنهم سيزحفون نحو النيل الأزرق وربما القضارف. لحظة وصلت فيها الروح المعنوية للناس في مناطق الرهد والدندر إلى الحضيض؛ هزائم عسكرية ونزوح جماعي هربا من الجنجويد الذين ينتشرون مثل الطاعون، في تلك اللحظات بدأ الناس يسمعون أن رجلا اسمه صالح كوري قاتل الجنجويد في قرية تسمى أم بقرة واستطاع أن يسترد منهم تراكتورات زراعية كانوا قد نهبوها. خبر واحد جيد وسط المآسي والإحباط والخوف، فكرة مقاومة الجنجويد بواسطة مواطنين حتى لو كانوا مسلحين كانت تبدو غير منطقية مع الهزائم التي تعرض لها الجيش. من هنا بدأت قصة العمدة صالح كوري بالنسبة لأهل المنطقة.
في مناطق نفوذه دعا المزارعين للاستمرار في زراعتهم وطلب من سكان القرى عدم النزوح وتعهد بحمايتهم.
كانت تلك هي البداية، بعدها طلب العمدة الفزع بالذخيرة والرجال. طلب المساعدة من أهله ثم من الحكومة في لحظة كان يُمكن للدعم السريع أن يمده بما يريد من سلاح وعتاد وعربات، لو انضم لهم وهم حاولوا معه.
ولكن العمدة مقاتل قديم منذ التسعينيات. وعلاقة العمدة صالح مع الجيش تجددت مرة أخرى تقريبا في العام 2017 للمساعدة في تأمين الشريط الحدودي مع أثيوبيا من جنوب ولاية القضارف إلى النيل الأزرق حيث تنتشر قبائل الفلاتة الرعاة الذين يشكلون حائط صد طبيعي ضد (المليشيات الأثيوبية) الذين يعبرون الحدود في تلك المناطق ليحتلوا المشاريع الزراعية وينهبوا القرى المتاخمة للحدود ويشردوا أهلها. ويبدو أن هناك اتفاق ضمني يسمح الجيش بموجبه للمليشيات التابعة لعمدة صالح بحمل السلاح لتسرح وتمرح في المنطقة في مقابل تأمين الحدود من الأحباش.
استطاع العمدة صالح تكوين قوات هجومية تقدر ببضعة آلاف استطاعت التصدي لإجرام الجنجويد في مناطق واسعة بين الدندر وجنوب ولاية القضارف والنيل الأزرق. خاضت قواته معارك شرسة وكبدت الجنجويد خسائر واحتسبت شهداء. تطورت قواته لتضم قبائل أخرى من العرب الكنانة والمساليت وأولاد الصعيد وغيرهم، ليهبوا لحماية مناطقهم ويتقدموا إلى الدندر وقريبا سنجة ثم ضمن الزحف الكبير لجيوش سنار نحو الجزيرة ومدني.
قوات العمدة صالح حاليا تعمل كقوات عمل خاص تابعة للجيش وتحت إمرته تقاتل بوعي وطني ضمن ملحمة الكرامة التي تجري على امتداد التراب السوداني المترامي الأطراف، وفي كل جزء منه بطولات وتضحيات كلها تؤكد صلابة عود هذه الدولة وأنها لن تنكسر ولن تُهزم.
قصة تستحق التسجيل، فيها العبرة والفكرة لمن يتقاعسون أو ينكصون عن حماية أرضهم وعرضهم.
وقديما قال سيدنا أبوبكر الصديق لخالد بن الوليد رضي الله عنهم: احرص على الموت توهب لك الحياة.
وقال شاعر:
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد
لنفسي حياة مثل أن أتقدما…