يزخر التراث الفلسفى العربى بنماذج رائعة من المعالجين الفلسفيين رغم أنهم لم يكونوا يدركون ما نسميه نحن الآن « العلاج بالفلسفة « أو «الاستشارة الفلسفية»، ولعل أبو حيان التوحيدى الذى عاش فى القرن الرابع الهجرى من أبرز النماذج التراثية الذين تعد كتاباتهم من وجهة نظرى مؤسسة لهذا الاتجاه التطبيقى فى مجال الفلسفة، فهو حتى وهو يتحدث فى مشكلات ميتافيزيقية بحتة ينزع إلى معالجتها من منظور الفلسفة التطبيقية.
ولعلى أتوقف فى هذا المقال عند تناوله لمشكلة الموت فهو لا يتناولها من البعد الميتافيزيقى الماورائى بقدر ما يتناولها فى كثير من كتاباته وخاصة فى كتابيه الشهيرين «المقابسات» و«الهوامل والشوامل» ورسائله المعروفة وخاصة «رسالة الحياة» من منظور معاناة الانسان فى الحياة وخاصة لدى أؤلئك البشر الذين يضيقون بحياتهم لدرجة اتخاذ قرار التخلص منها والانتحار!
ولعل من أروع ما كتب أبو حيان ما كتبه فى تحليل ظاهرة الانتحار، فهو يتساءل موجهًا السؤال ربما للمنتحر ذاته «من قتل هذا الانسان؟ فاذا قلنا: قتل نفسه، فالقاتل هو المقتول، أم القاتل غير المقتول؟، فإن كان أحدهما غير الآخر، فكيف تواصلا مع هذا الانفصال؟ وإن كان هذا ذاك، فكيف تفاصلا مع هذا الاتصال؟!، ويتساءل من جانب أخلاقى ونفسى: ترى ما السبب فى قتل الانسان نفسه عند اخفاق يتوالى عليه وفقر يحوج اليه وباب ينسد دون مطلبه ومأربه وعشق يضيق ذرعا به؟ وما الذى يرجو بما يأتى والى أى شىء ينحو فيما يقصد وينوى؟ وما الذى ينتصب أمامه ويستهلك حصافته ويذهله عن روح مألوفة ونفس معشوقة وحياة عزيزة؟ وما الذى يخلص إلى وهمه من العدم حتى يسلبه من قبضة الوجدان ويسلمه إلى صرف الحدثان (يقصد الليل والنهار)؟.. » لم سهُل الموت على المعذب مع علمه أن العدم لا حياة معه وما الشىء المنتصب لقلبه؟ وهل هذا الاختيار منه بعقل أو فساد مزاج؟ «، وواضح هنا مدى ما يحاول به التوحيدى اقناع المنتحر ألا يقدم على فعلته حيث يكشف له فى العبارات السابقة عن أن فى الانتحار – من الناحية النفسية والأخلاقية – تناقضا لأن المنتحر يريد بفعلته أن يشعر براحة الخلاص ونعمة التحرر ولكن الواقع أن النتيجة المترتبة على فعله هذا هى الحيلولة بينه وبين الشعور على الاطلاق مادامت الذات المقتولة لن تكون هناك للشعور بقيمة فعل الذات القاتلة!
لقد كان التوحيدى مؤمنا – رغم الكثير من صنوف الألم والشقاء والعذاب والحرمان التى عانى منها – أن الحياة ينبوع الفرح والهم واللذة والمعرفة والحس والحركة، لا تمام للإنسان إلا بها ولا قوام إلا معها، ودلل على ذلك بأن الانسان اذا نظر إلى الميت استوحش منه وتبرم به وعُجلّ به إلى القبر!
لقد كان التوحيدى أميل إلى عشق الحياة اللذيذة والاستمتاع بها رغم أنه عانى فيها ومنها معاناة شديدة، ومع ذلك فقد نظر إلى الموت – بعيدا عن الانتحار البغيض- على أنه معانق للحياة. ولله در هذا الرجل الذى عاندته الحياة فى آخر عمره لدرجة أن اضطرته إلى احراق بعض كتبه والقول «لقد غدا شبابى هرما من الفقر، والقبر عندى خير من الفقر»، والى القول كذلك «لقد أمسيت غريب الحال، غريب اللفظ، غريب النحلة، غريب الخلق، مستأنسا بالوحشة، قانعا بالوحدة، معتادا للصمت، ملازما للحيرة، محتملا للأذى، يائسا من جميع من ترى، متوقعا لما لابد من حلوله، فشمس العمر على شفا، وماء الحياة إلى نضوب، ونجم العيش إلى أفول»!
وعلى كل حال فانه فى اعتقادى قد عبر عن حال معظم المفكرين المخلصين لفكرهم وعملهم فى كل مكان وزمان حينما قال بصدق «إن غربته قد أصبحت غربة من لا سبيل له إلى الأوطان، ولا طاقة به على الاستيطان، فهو غائب حتى عن حضوره، غريب حتى عن بنى وطنه»!
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نحو المستقبل
إقرأ أيضاً:
رد فعل غريب من ابنة رضوى الشربيني عن عودتها لوالدها
تداول رواد موقع التواصل الاجتماعى اليوتيوب مقطع فيديو للإعلامية رضوى الشربينى وابنتها تمارة تكشف فيه عن حقيقة عودة والدتها إلى زوجها.
وفجرت ابنة رضوى الشربينى مفاجأة من العيار الثقيل بردها القاطع على هذا الأمر قائلة: “لا الفكرة دى شيلوها من دماغكوا خالص.. احنا كويسين كدة”.
وتسبب هذا الأمر فى حالة من الجدل حيث ظن البعض أن هناك مشاكل بين الابنة ووالدها لدرجة أنها أجابت بهذه الطريقة.
شاهد الفيديو هنا
كله راح.. غرق منزل الفنانة نورهان أكبر خطأ فى حياتى.. فنانة مشهورة تثير الجدل برغبتها في الطلاق| ماذا حدث؟ رضوى الشربينى تنعى مفيدة شيحةوقد حرصت الإعلامية رضوى الشربيني، على نعي والدة الإعلامية مفيدة شيحة، التي رحلت عن عالمنا في الساعات الأولى من صباح اليوم الأحد.
وكتبت رضوى الشربيني، عبر صفحتها على موقع تبادل الصور والفيديوهات «إنستجرام» قالت: "أنا لله وأنا إليه راجعون البقاء والدوام لله، والدة الزميلة والصديقة العزيزة مفيدة شيحة في ذمة الله.. الله يرحمها ويغفر لها ويسكنها فسيح جناته ويربط على قلبها ويصبرك يا مفيدة يارب".
أعلنت الصفحة الرسمية للإعلامية مفيدة شيحة على موقع التواصل الاجتماعي انستجرام، وفاة والدتها منذ قليل، دون الإعلان عن تفاصيل الوفاة أو ميعاد الجنازة.
ونشر فريق الإعلامية مفيدة شيحة عبر حسابها الرسمي على «إنستجرام» نبأ الوفاة، وجاء فيه: "إنا لله وإنا إليه راجعون.. والدة الإعلامية مفيدة شيحة في ذمة الله.. نسألكم الدعاء لها بالرحمة والمغفرة".
وكانت الإعلامية مفيدة شيحة، قدمت برنامج "الستات ميعرفوش يكدبوا" على مدار 10 سنين الذى يذاع على قناة CBC، وتشارك في تقديمه الإعلاميتين منى عبدالغني وسهير جودة، ويُذاع من السبت للأربعاء على قناة cbc، في تمام الساعة الثالثة عصرًا، لتعلن عن مغادرته وتقديم برنامج بعنوان الستات.