بوابة الوفد:
2024-07-01@14:57:09 GMT

التوحيدى معالجًا فلسفيًا

تاريخ النشر: 28th, June 2024 GMT

يزخر التراث الفلسفى العربى بنماذج رائعة من المعالجين الفلسفيين رغم أنهم لم يكونوا يدركون ما نسميه نحن الآن « العلاج بالفلسفة « أو «الاستشارة الفلسفية»، ولعل أبو حيان التوحيدى الذى عاش فى القرن الرابع الهجرى من أبرز النماذج التراثية الذين تعد كتاباتهم من وجهة نظرى مؤسسة لهذا الاتجاه التطبيقى فى مجال الفلسفة، فهو حتى وهو يتحدث فى مشكلات ميتافيزيقية بحتة ينزع إلى معالجتها من منظور الفلسفة التطبيقية.


ولعلى أتوقف فى هذا المقال عند تناوله لمشكلة الموت فهو لا يتناولها من البعد الميتافيزيقى الماورائى بقدر ما يتناولها فى كثير من كتاباته وخاصة فى كتابيه الشهيرين «المقابسات» و«الهوامل والشوامل» ورسائله المعروفة وخاصة «رسالة الحياة» من منظور معاناة الانسان فى الحياة وخاصة لدى أؤلئك البشر الذين يضيقون بحياتهم لدرجة اتخاذ قرار التخلص منها والانتحار!
ولعل من أروع ما كتب أبو حيان ما كتبه فى تحليل ظاهرة الانتحار، فهو يتساءل موجهًا السؤال ربما للمنتحر ذاته «من قتل هذا الانسان؟ فاذا قلنا: قتل نفسه، فالقاتل هو المقتول، أم القاتل غير المقتول؟، فإن كان أحدهما غير الآخر، فكيف تواصلا مع هذا الانفصال؟ وإن كان هذا ذاك، فكيف تفاصلا مع هذا الاتصال؟!، ويتساءل من جانب أخلاقى ونفسى: ترى ما السبب فى قتل الانسان نفسه عند اخفاق يتوالى عليه وفقر يحوج اليه وباب ينسد دون مطلبه ومأربه وعشق يضيق ذرعا به؟ وما الذى يرجو بما يأتى والى أى شىء ينحو فيما يقصد وينوى؟ وما الذى ينتصب أمامه ويستهلك حصافته ويذهله عن روح مألوفة ونفس معشوقة وحياة عزيزة؟ وما الذى يخلص إلى وهمه من العدم حتى يسلبه من قبضة الوجدان ويسلمه إلى صرف الحدثان (يقصد الليل والنهار)؟.. » لم سهُل الموت على المعذب مع علمه أن العدم لا حياة معه وما الشىء المنتصب لقلبه؟ وهل هذا الاختيار منه بعقل أو فساد مزاج؟ «، وواضح هنا مدى ما يحاول به التوحيدى اقناع المنتحر ألا يقدم على فعلته حيث يكشف له فى العبارات السابقة عن أن فى الانتحار – من الناحية النفسية والأخلاقية – تناقضا لأن المنتحر يريد بفعلته أن يشعر براحة الخلاص ونعمة التحرر ولكن الواقع أن النتيجة المترتبة على فعله هذا هى الحيلولة بينه وبين الشعور على الاطلاق مادامت الذات المقتولة لن تكون هناك للشعور بقيمة فعل الذات القاتلة!
لقد كان التوحيدى مؤمنا – رغم الكثير من صنوف الألم والشقاء والعذاب والحرمان التى عانى منها – أن الحياة ينبوع الفرح والهم واللذة والمعرفة والحس والحركة، لا تمام للإنسان إلا بها ولا قوام إلا معها، ودلل على ذلك بأن الانسان اذا نظر إلى الميت استوحش منه وتبرم به وعُجلّ به إلى القبر!
لقد كان التوحيدى أميل إلى عشق الحياة اللذيذة والاستمتاع بها رغم أنه عانى فيها ومنها معاناة شديدة، ومع ذلك فقد نظر إلى الموت – بعيدا عن الانتحار البغيض- على أنه معانق للحياة. ولله در هذا الرجل الذى عاندته الحياة فى آخر عمره لدرجة أن اضطرته إلى احراق بعض كتبه والقول «لقد غدا شبابى هرما من الفقر، والقبر عندى خير من الفقر»، والى القول كذلك «لقد أمسيت غريب الحال، غريب اللفظ، غريب النحلة، غريب الخلق، مستأنسا بالوحشة، قانعا بالوحدة، معتادا للصمت، ملازما للحيرة، محتملا للأذى، يائسا من جميع من ترى، متوقعا لما لابد من حلوله، فشمس العمر على شفا، وماء الحياة إلى نضوب، ونجم العيش إلى أفول»! 
وعلى كل حال فانه فى اعتقادى قد عبر عن حال معظم المفكرين المخلصين لفكرهم وعملهم فى كل مكان وزمان حينما قال بصدق «إن غربته قد أصبحت غربة من لا سبيل له إلى الأوطان، ولا طاقة به على الاستيطان، فهو غائب حتى عن حضوره، غريب حتى عن بنى وطنه»! 
‏[email protected]

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: نحو المستقبل

إقرأ أيضاً:

هذه الأطعمة تخلص جسم الانسان من السموم

بغداد اليوم -  متابعة

كشفت أخصائية الغدد الصماء، زهرة بافلوفا، اليوم السبت (29 حزيران 2024)، عن مجموعة من الأطعمة يساعد تناولها على تخلص جسم الانسان من السموم.

وقالت الطبيبة في تصريحات صحفية، إن "الأطعمة المحتوية على الألياف الغذائية هي أفضل وسيلة للوقاية من الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان".

وأضافت ان "على الأشخاص الذين يعانون من أمراض القلب والأوعية الدموية، تناول اليقطين والهليون والثوم والملفوف والسبانخ وكذلك الكمثرى والبرقوق".

وبينت الاخصائية أنه "تساعد الفواكه والخضروات والخضروات الورقية الغنية بالألياف الغذائية على تطهير الجسم من السموم، كما ينصح بتناول البقوليات والحبوب الكاملة، حيث لبعض أنواع الألياف خصائص مضادة للأورام".

وأكدت ان "النظام الغذائي الغني بالألياف الغذائية يسمح بتخفيض خطر تطور سرطان القولون، حيث يكفي البدء بتناول 20 غراما من الألياف الغذائية في اليوم وزيادتها تدريجيا إلى 35 غراما".

المصدر: وكالات

مقالات مشابهة

  • كلمة مختصرة في مشواري التربوي الطويل ،،، بقلم /متعب شجاع العتيبي
  • نجم الأهلي السابق: ما حدث في الكرة المصرية خلال السنوات الماضية أمر غريب جدًا
  • «حوارات على حافة الأزمة» يكشف أسرار الحياة السياسية في مصر من 2011 حتى 2013
  • عودة زمن «الكافولة».. عزيزة تنتج حفاضات قماش صديقة للبيئة
  • تدخل جوي.. حدث غريب على سقف ملعب ألمانيا والدنمارك
  • رضا عبد العال يوجه طلب غريب لرابطة الأندية بشأن مباراة القمة
  • ظافر العابدين.. معالج ومدرب يوغا
  • هذه الأطعمة تخلص جسم الانسان من السموم
  • تنظيم الإخوان سعى للسيطرة على الحياة السياسية.. وتراجع عن وعوده وشارك في انتخابات الرئاسة 2012 بمرشحيْن