في أعقاب أزمة النفط عام 1973، وافقت المملكة العربية السعودية على إجراء جميع المعاملات النفطية بالدولار واستثمار أموال فائض النفط في سندات الخزانة الأمريكية مقابل الدعم العسكري الأمريكي. وكانت الاتفاقية نعمة للدولار وكانت أساسية في ترسيخ الدولار كعملة احتياطية عالمية، ونظرا للدور البارز الذي تلعبه المملكة العربية السعودية في تجارة النفط العالمية، فقد كان للاتفاق تأثير بعيد المدى.

ونتيجة لهذا، تم تسعير جميع معاملات النفط العالمية تقريبا بالدولار.

وقد أدى هذا إلى ضمان الطلب المستمر على الدولار، حيث كانت كل دولة في حاجة إليه لشراء النفط. ودعم هذا الطلب على الدولار سياسات "الاقتراض والإنفاق" التي تنتهجها الحكومة الأمريكية، إلى جانب عجزها الهائل. فطالما احتاج العالم إلى الدولارات لشراء النفط، فقد ضمن الطلب عليها. وهذا يعني أن البنك الاحتياطي الفيدرالي أصبح قادرا على طباعة المزيد من الدولارات وإصدار المزيد من سندات الخزانة مقارنة بما كان ليفعله لولا ذلك. وكما ورد في مقال نشره موقع ناسداك.كوم، فإن الاتفاق أدى إلى إنشاء "سوق أسيرة" لديون الحكومة الأمريكية.

لا تعني نهاية الاتفاقية أن السعودية ستتوقف عن قبول الدولار مقابل النفط، وهناك الكثير من اللاعبين المؤثرين الآخرين في هذا الميدان الذين من المرجح أن يستمروا في الاعتماد على الدولار، لكن انتهاء الاتفاق يفتح الباب أمام مبيعات النفط بعملات أخرى، بما في ذلك اليوان الصيني، وإذا ابتعدت السعودية عن الدولار، فمن المرجح أن تحذو دول أخرى حذوه
انتهت صلاحية الاتفاق في 9 حزيران/ يونيو، ولا يبدو أنه سيتم تجديده، وهذا يفتح الباب أمام السعوديين لبيع النفط بعملات أخرى غير الدولار. ولا تعني نهاية الاتفاقية أن السعودية ستتوقف عن قبول الدولار مقابل النفط، وهناك الكثير من اللاعبين المؤثرين الآخرين في هذا الميدان الذين من المرجح أن يستمروا في الاعتماد على الدولار، لكن انتهاء الاتفاق يفتح الباب أمام مبيعات النفط بعملات أخرى، بما في ذلك اليوان الصيني، وإذا ابتعدت السعودية عن الدولار، فمن المرجح أن تحذو دول أخرى حذوها.

وبحسب وكالة "سبوتنيك" الروسية للأنباء، فإن "نحو 80 في المئة من مبيعات النفط العالمية يتم تسعيرها بالدولار. ومع ذلك، فإن روسيا وإيران والسعودية والصين وغيرها من الدول تتحول بشكل متزايد إلى العملات المحلية في تجارة الطاقة. في عام 2023، تم شراء 20 في المئة من النفط العالمي بعملات أخرى، وفقا لصحيفة وول ستريت جورنال.

وتضغط الصين على السعودية لقبول اليوان مقابل النفط، كما أفادت تقارير أن الحكومة السعودية أعربت عن انفتاحها على الفكرة، ومن المرجح أن تعزز عضوية السعودية في كتلة بريكس هذا العام العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

البريكس هي كتلة تعاون اقتصادي تتكون في الأصل من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، واعتبارا من 1 كانون الثاني/ يناير 2024، توسعت الكتلة لتشمل المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة وإيران وإثيوبيا. وقد أعربت أكثر من 40 دولة أخرى عن اهتمامها بعضوية مجموعة البريكس.

يبلغ عدد سكان بريكس الموسعة حوالي 3.5 مليار نسمة، وتبلغ قيمة اقتصادات دول مجموعة البريكس أكثر من 28.5 تريليون دولار، وتشكل حوالي 28 في المئة من الاقتصاد العالمي. وتمثل دول البريكس أيضا حوالي 42 في المئة من إنتاج النفط الخام العالمي.

كان البترودولار في حالة استنزاف قبل انتهاء الاتفاقية السعودية الأمريكية، وفي أواخر الصيف الماضي أبرمت دولة الإمارات صفقة تجارة نفطية دون تحويل العملات المحلية إلى الدولار لأول مرة، عندما دفعت أكبر شركة تكرير في الهند ثمن الخام بالروبية، كما اشترت الهند النفط من روسيا دون استخدام الدولار. وتحتل الهند المرتبة الثالثة بين أكبر مستوردي النفط في العالم.

وكما ذكرت صحيفة إنديا توداي، فإن "هذه الخطوة التي اتخذتها المملكة العربية السعودية تمثل بداية تحول كبير في ديناميكيات الاقتصاد العالمي، على الرغم من أن آثارها الكاملة على التجارة والتمويل الدوليين لا تزال غير واضحة".

التداعيات المحتملة لزوال البترودولار

إن نهاية البترودولار قد تؤدي إلى تسريع عملية إزالة الدولرة على مستوى العالم، وهذا من شأنه أن يشكل كارثة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، وفي حين أن الاتجاه الحالي نحو إزالة الدولرة لا يهدد بشكل مباشر دور الدولار كعملة احتياطية عالمية -ومع ذلك- فإنه قد ينذر بمشاكل أكبر في المستقبل، وخاصة إذا تسارعت وتيرة ذلك.

نهاية البترودولار قد تؤدي إلى تسريع عملية إزالة الدولرة على مستوى العالم، وهذا من شأنه أن يشكل كارثة بالنسبة للاقتصاد الأمريكي، وفي حين أن الاتجاه الحالي نحو إزالة الدولرة لا يهدد بشكل مباشر دور الدولار كعملة احتياطية عالمية -ومع ذلك- فإنه قد ينذر بمشاكل أكبر في المستقبل، وخاصة إذا تسارعت وتيرة ذلك
الدولار بالفعل على أرض مهتزة، فالعديد من الدول تبحث عن طرق لتقليل الاعتماد على الدولار بسبب المخاوف المتزايدة بشأن استخدام أمريكا للدولار كسلاح في السياسة الخارجية. وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، حذرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي جيتا جوبيناث، من أن العقوبات المفروضة على روسيا قد تؤدي إلى تآكل هيمنة الدولار من خلال تشجيع الكتل التجارية الأصغر حجما على استخدام عملات أخرى، وهذا هو بالضبط ما نشهده.

بدون دعم البترودولار للعملة الأمريكية، قد نشهد المزيد من التسارع في نزع الدولرة، وحتى أولئك الذين يقللون من أهمية أي تهديد لمكانة الدولار باعتباره عملة احتياطية عالمية يعترفون بأن انتهاء اتفاقية البترودولار قد يضعف الدولار على المدى الطويل، ومن شأن ذلك أن يمتد إلى الأسواق المالية الأمريكية، وخاصة سوق السندات، كما أنه سيؤدي إلى المزيد من تضخم الأسعار للمستهلكين الأمريكيين.

في الواقع، إذا لم تعد الدول الأخرى بحاجة إلى الدولارات لإجراء التجارة، فإن الطلب على الدولار قد ينخفض بشكل كبير، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى خلق فائض من الدولار وانخفاض سريع في قيمته، وسترتفع أسعار الفائدة على سندات الخزانة الأمريكية. وسيكون هذا وضعا غير مقبول بالنسبة لحكومة تخدم أكثر من 34.5 تريليون دولار من الديون.

لقد أدت الزيادات المتواضعة في أسعار الفائدة التي قام بها بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بالفعل إلى ارتفاع مدفوعات الفائدة إلى مستويات عالية، حيث تنفق حكومة الولايات المتحدة الآن على خدمة الدين أكثر مما تنفقه على الدفاع الوطني أو الرعاية الطبية.

باختصار، يجب أن نحذر من الاعتماد على هيمنة البترودولار العالمي لدعم الاقتصاد الأمريكي الهش.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه النفط السعودية الدولار العملات الاقتصادية اقتصاد السعودية النفط الدولار عملات مدونات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المملکة العربیة السعودیة النفط العالمی الاعتماد على من المرجح أن على الدولار فی المئة من المزید من

إقرأ أيضاً:

إسرائيل والمأزق متعدد الجبهات

سرايا - منذ معركة طوفان الأقصى التي شنتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/ تشرين الأول وشن إسرائيل حربا مدمرة على قطاع غزة بات الحديث عن مأزق إسرائيلي متعدد الجوانب، ولكن ما يظهر على السطح أن إسرائيل ماضية في عدوانها على قطاع غزة ولن تقدم تنازلات مؤلمة للمقاومة لوقف الحرب، كما أنها تستعد لشن حرب على لبنان لردع حزب الله وإجباره على الانسحاب خلف نهر الليطاني لضمان أمن شمال إسرائيل حسب قولها.

فهل ما يظهر من تصميم لدى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته يعبر عن حقيقة ما يجري وما يثار بشأن المأزق الإسرائيلي المتعدد الجبهات؟

شنت إسرائيل حربها على غزة تحت شعار "معركة الاستقلال الثانية" أو "معركة وجود" وبالتالي فهي مسكونة بـ"رعب الفشل" وفقا للدكتور محسن صالح مدير مركز الزيتونة للدراسات.

كما يرى معهد راند للدراسات أن إسرائيل تعاملت مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من منطلق فرض القوة الكافية وليس المفرطة لردع الحركة، وقد عبر عن ذلك محلل إسرائيلي تابع لوزارة الدفاع قائلا " نرغب في تكسير عظامهم دون سحقهم"، إلا ان معركة طوفان الأقصى غيرت تلك الاستراتيجية.

إلا أن مسار الحرب ونتائجها لم تكن كما تصور نتنياهو وحكومته حتى بات العديد من القادة العسكريين السابقين والسياسيين يحذرون من نتائج الحرب على إسرائيل.
فقد أكد رئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت في مقابلة مع القناة الـ 12 الإسرائيلية على أن الحديث عن النصر الكامل على حركة حماس "غير واقعي"، كما باتت الخسائر التي يتعرض لها جيش الاحتلال في غزة بسبب ضربات المقاومة تشكل هاجسا لقادة الجيش.

وفي هذا الشأن يقول ألون بن دافيد في صحيفة معاريف إن كل الخطط العملياتية لجيش الاحتلال قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول كانت حول حرب تستمر لأسابيع معدودة، ولم يتوقع أحد أن تستمر لعام أو عامين، والجيش لم يستعد لذلك من ناحية قوات الاحتياط وكذلك بأعداد الآليات، حيث قتل 666 جنديا، وأصيب 3922 واحتاج 11 ألف جندي إلى الدعم النفسي منذ بداية الحرب.

ووفقا لبن ديفيد فإن هناك 500 آلية مصفحة تضررت منذ بداية الحرب، العشرات منها تدمرت بشكل كامل.

لذا بات التقدم المحدود الذي يحرزه جيش الاحتلال في غزة وفي تفكيك قدرات حماس، يثير الشكوك داخل القيادة العسكرية العليا بشأن إمكانية تحقيق الأهداف الرئيسية للحرب في الأمد القريب.

وأثار مسار الحرب وتصور نهايتها خلافا بين نتنياهو والجيش ظهر للعلن إثر تصريح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي من أن حماس فكرة لا يمكن القضاء عليها وأن "الاعتقاد أن بالإمكان تدمير حركة حماس وإخفاؤها هو ذر للرماد في عيون الإسرائيليين".

كما بات اليوم التالي للحرب الهاجس الذي يؤرق جيش الاحتلال، إذ يفرض الجيش الاحتلال المباشر للقطاع ولا يريد أن يتموضع في مواقع قد تعرضه لحرب استنزاف من قبل المقاومة في قطاع غزة.

فهل يتحول قطاع غز إلى ثقب أسود يكبد جيش الاحتلال مزيدا من الخسائر فيما يستمر نتنياهو بالقول إن "وقف الحرب قبل تحقيق الأهداف سيرسل رسالة ضعف"؟

سعى الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى استباق تفجر الوضع بالضفة الغربية وفق استراتيجية "جز العشب" كي لا تثور جبهة الضفة أثناء الحرب على غزة، فعمل على اعتقال الشخصيات التي يمكن أن تشكل حالة ثورة بالضفة أو تقوم بعمليات عسكرية، كما لجأ لاغتيال أي مقاوم ليبلغ عدد الشهداء أكثر من 550 شهيدا، فيما بلغ عدد المعتقلين نحو 9325.

ورغم ما تبدو عليه جبهة الضفة من شبه هدوء، فهناك في الواقع حرب مستعرة، ورغم كل جهود الاحتلال مازالت المقاومة تتقدم. إذ لم تسفر سياسة الاحتلال عن القضاء على العمل المقاوم في الضفة أو إضعافه، بل انتشر نشاط المقاومة إلى عدة مدن، ليتم بين الحين والآخر الإعلان عن تشكيل خلايا عسكرية كان آخرها إعلان سرايا القدس – مجموعات طمون عن "انطلاق عملها الجهادي" يوم 25 من الشهر الجاري.

وتعد قلقيلية مثلا بارزا لتطور العمل المقاوم، فقد أخذت المقاومة هناك بداية "الطابع الفردي" مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، وسارع المقاومون بعدها لتشكيل "مجموعات ليوث المجد" التابعة لكتائب شهداء الأقصى والمحسوبة على حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح).

وبعد أشهر، تشكلت "كتيبة قلقيلية- سرايا القدس" التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، ورغم خفوت وميضها بداية، فإنها عادت وأعلنت في بيان لها، مطلع الشهر الجاري، إطلاق أول أعمالها المقاومة بتفجير عبوة ناسفة بقوة تابعة للاحتلال اقتحمت المدينة.

وبعد نجاحات محدودة للاحتلال في منطقة نابلس والقضاء على العمل المقاوم هناك لفترة وجيزة، عادت عمليات المقاومة إليها خلال الفترة الماضية، وترافق ذلك مع عمليات للمقاومة في طوباس وطولكرم كما عادت جنين للصدارة بعد عملية تفجير مركبة نمر ومقتل ضابط وإصابة 16 جنديا.

وتظهر عمليات المقاومة بالضفة أن أداء المقاومين يتطور ويأخذ منحنى مختلفا عما كان عليه سابقا، كما استطاعت المقاومة تطوير خبرات قادرة على التعامل مع المتفجرات، وذلك حسب ما يقول محللون.

فقد ذكر موقع والا الإسرائيلي أن الفصائل الفلسطينية المسلحة بالضفة عملت بذكاء وخدعت قوات الجيش الإسرائيلي. لذا يعتقد العديد من المراقبين أن عمل المقاومة في الضفة سيشهد مزيدا من التطور والانتشار ما قد يسبب تشتتا لقوات الاحتلال التي تعاني بسبب حرب غزة والمناورات في جنوب لبنان.

لبنان.. نار تحت الرماد
ما إن بدأ العدوان الإسرائيلي على غزة حتى دخل حزب الله لمساندة القطاع بفتح جبهة في شمال إسرائيل لإشغال جيش الاحتلال، وعلى الرغم من حرص الطرفين على عدم خوض حرب مفتوحة إلا أن استمرار إطلاق النار وارتفاع وتيرته بات ينذر باحتمالية حرب وشيكة بين الجانبين.

ويرى حزب الله أنه أدخل "العدو في حرب استنزاف مستمرة وهو يعترف بأنه في مأزق استراتيجي"، وذلك وفقا لما يقوله نائب رئيس المجلس التنفيذي في الحزب علي دعموش.

فقد تمكن حزب الله من خلال إطلاق الصواريخ على شمال إسرائيل من تهجير نحو 70 ألف إسرائيلي وإفراغ مدن من سكانها حتى بات المعلقون الإسرائيليون يرون أن الشمال بات "تحت رحمة حزب الله".

وقد أثبت موقف حزب الله أن إسرائيل خسرت معادلة الردع مع الحزب، وأن عليها خلق حالة جديدة تمنع حزب الله من التمادي في استهداف الشمال وإظهار قدرتها للجمهور الإسرائيلي على حمايته من الإخطار التي تواجهه، وهو الأمر الذي دفع صحيفة تايمز أوف إسرائيل للقول إن ما يحدث في الشمال كشف عمق المأزق الإسرائيلي، وضيق الخيارات وصعوبتها وفداحة أثمانها، مهما كانت.

ويرى المحلل السياسي للقناة الـ 13 الإسرائيلية أن «الإذلال من طرف حزب الله بات أكبر مما يمكننا احتماله"، لذا كان على القيادة الإسرائيلية العمل على إثبات قدرتها على إدارة حرب على جبهتين وهو ما تمثل في تصريحات بعض المسؤولين هناك خاصة وزير الدفاع يوآف غالانت الذي هدد بإرجاع لبنان إلى العصر الحجري، وعلى الرغم من تلك المواقف التصعيدية والتهديدات من قبل مسؤولين إسرائيليين، إلا أنهم يذيلون تصريحاتهم بالخيار السياسي أو الديبلوماسي.

ووفقا لما يقوله المحللون الإسرائيليون فلا توجد رؤية واضحة لدى الحكومة الإسرائيلية حول أهداف الحرب المحتملة وكيفية تحقيقها، وهو ما يخلق معضلة إسرائيلية مضاعفة، لذا يمكن القول أن ما يثني إسرائيل – حتى الآن – عن التحرّك بشكل كبير ضد لبنان، هو قلقها الشديد مما سيكون عليه ردّ المقاومة بعد ذلك، ومن غياب الثقة بالقدرة على تحقيق أهداف هذه الحرب.

ووفقا لصحيفة معاريف الإسرائيلية فقد بعث ضابط كبير في قوات الاحتياط التابعة لسلاح الجو خلال الأيام الماضية برسالة لأعضاء هيئة الأركان طلب خلالها منهم التوضيح للمستويات السياسية أن الجيش غير مستعد لحرب طويلة في لبنان، وأن الذهاب لحرب كهذه حاليا سيؤدي إلى كارثة استراتيجية أكبر من 7 أكتوبر.

هذا الأمر دفع بعض المسؤولين العسكريين للقول "سيتعين علينا تدمير قدرات حزب الله – لكن ليس هناك عجلة، دعونا نفعل ذلك عندما يكون ذلك مناسباً لإسرائيل بدلاً من الانجرار إليه".

فحزب الله يطرح عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل طوفان الأقصى، وأنه سيلتزم بوقف إطلاق النار بمجرد وقفه في غزة.

فالمأزق الإسرائيلي بلا أي أفق، ما قد يكون قابلا لإطالة أمد حرب الاستنزاف، بانتظار معجزة إقليمية تسهم في تغيير الواقع أو إرساء تفاهمات أكبر، يكون انعكاسها أقوى من القدرة على تجنبها، كما يرى البروفيسور أماتسيا برعم مدير دائرة دراسات الشرق الأوسط والإسلام في جامعة حيفا.

"الحزن وانعدام الأمل يخيمان على الجميع والكآبة تعم الأجواء.. جميعهم منهكون لم يسبق لي أن رأيت الإسرائيليين كئيبين كما هم اليوم" هكذا استهل الكاتب في صحيفة واشنطن بوست ماكس بوث مقاله في الصحيفة يوم 25 من الشهر الجاري.

وذكر المقال أن 37% فقط من الإسرائيليين متفائلون بشأن مستقبل إسرائيل وذلك خلال استطلاع للرأي في مايو/ أيار الماضي، فقد بات الإسرائيليون يشعرون أنهم في حرب أبدية.

وما يمر به المجتمع الإسرائيلي دفع رئيس الوزراء الأسبق نفتالي بينيت، إلى دعوة مواطنيه إلى عدم مغادرة إسرائيل، التي تمر بأصعب أوقاتها منذ عام 1948. ووجه لهم نداء بعنوان "لا تغادروا البلاد"، مشيرا إلى أنهم يمرون "بأصعب فترة منذ حرب الاستقلال (نكبة 1948)، مقاطعة دولية، تضرر الردع، 120 إسرائيليا في الأسر، آلاف العائلات الثكلى، الجليل (شمال إسرائيل) مهجور، آلاف المهجرين، وزراء لا يهتمون إلا بأنفسهم، فقدان السيطرة على الاقتصاد والعجز". واستدرك "هذا صحيح بالكامل، لكن من المؤكد أننا قادرون، وسوف نخرج من هذه الحفرة".

ويقدر عدد الإسرائيليين الذين خرجوا بعد الحرب بأكثر من نصف مليون شخص وفقا لموقع زمان إسرائيل الإخباري. اما الداخل فيوجد أكثر من 100 ألف إسرائيلي مشردين وفقا للكاتبة الإسرائيلية داليا شيندلين، في مقال في صحيفة الغارديان البريطانية الشهر الماضي.

وتؤكد شيندلين أن الحرب تؤثر سلبا على دخل الناس وصحتهم العقلية، وفي كل يوم تفقد أسر إسرائيلية أبناءها في الحرب من أجل "النصر الكامل" الذي لا يتحقق أبدا.

ويرى المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه أن المجتمع اليهودي الإسرائيلي يشهد انقساما حادا، ويتألف المجتمع حاليا من معسكرين متنافسين غير قادرين على إيجاد أرضية مشتركة.

وينبع هذا الصدع من الخلافات التي تشوب تعريف اليهودية باعتبارها قومية، وإن كان هذا الأمر موضوعا للنقاش النظري بين التيارات الدينية والعلمانية، فقد أصبح الآن صراعا حول طبيعة المجال العام والدولة نفسها، وهذا الأمر لا يُحاربُ في وسائل الإعلام فحسب، بل في الشوارع أيضا.

ووفقا لبابيه يمكن تسمية أحد المعسكرين بـ"دولة إسرائيل"، والتي تضم أشخاصا أكثر علمانية وليبرالية، ومعظمهم، من اليهود الأوروبيين من الطبقة المتوسطة وأحفادهم، الذين أدوا دورا فعالا في تأسيس الدولة في عام 1948 وظلوا مسيطرين عليها حتى نهاية القرن الماضي، والمعسكر الآخر هو "دولة يهودا" التي نشأت بين مستوطني الضفة الغربية المحتلة. وتتمتع بمستويات متزايدة من الدعم داخل إسرائيل وتشكل القاعدة الانتخابية التي ضمنت فوز نتنياهو في الانتخابات.

كما يتزايد نفوذ هذه الطبقة في المستويات العليا في الجيش الإسرائيلي وأجهزة الأمن، وهي تريد أن تصبح إسرائيل دولة دينية تمتد على كامل فلسطين التاريخية.

ومع استمرار الحرب فان هذه الانقسامات ستستمر وقد تتسع ولا يعتقد أن وقف الحرب قد ينهي بل على العكس ممكن أن تكون نتائج الحرب سببا في اتساع الخرق في المجتمع الإسرائيلي وزيادة انقسامه، وفقا للمحللين.

يرى الدبلوماسي الإسرائيلي ألون ليل أن إسرائيل خسرت الردع الدبلوماسي الذي كانت تتمتع به في أعقاب الحرب على قطاع غزة، ووفقا للدبلوماسي فإن بعض الدول كانت لها خلافات مع إسرائيل ولم تجرؤ على الحديث عن ذلك سابقا ولكنها باتت الآن في الجانب المعاكس لإسرائيل.

فلم يسبق لإسرائيل قبل طوفان الأقصى أن تعرضت للضغط الدولي الكبير الذي تتعرض له الآن من عدة جبهات بسبب حربها الدموية على غزة، إذ باتت إسرائيل في عزلة خارجية، حيث تواجه اتهامات بالإبادة الجماعية في محكمة العدل الدولية.

وانضم بنيامين نتنياهو إلى صفوف زعماء العالم الذين يوصفون بالمنبوذين دوليا عندما أصبح هدفا للمحكمة الجنائية الدولية، التي يسعى المدعي العام فيها كريم خان إلى إصدار مذكرة اعتقال ضده وضد وزير دفاعه غالانت لاتهامها بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب الإسرائيلية على غزة.

كما شهدت الفترة الماضية احتجاجات عمت العديد من الجامعات في العالم خاصة أميركا وأوروبا تطالب بقطع صلات تلك الجامعات مع إسرائيل وشركاتها ونجحت بعض تلك الاحتجاجات في تحقيق مطالبها، كما يعتبرما تعرضت له المشاركة الإسرائيلية في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجين) من صيحات استهجان مؤشرا على الانزعاج من إسرائيل وسياساتها حتى في الأوساط الثقافية.


مقالات مشابهة

  • النفط يرتفع والدولار يتراجع والذهب يستقر
  • جدل حول مستقبل العلاقات الأمريكية العراقية بعد تصريحات الكونغرس
  • مختص في شؤون الطاقة: الذين ينتقدون المملكة لتوسعها في مجال الغاز لا يستوعبون أن هذا يخفف من استهلاكها للنفط
  • عاجل- أسعار البنزين اليوم.. هل سترتفع مع حلول شهر يوليو؟
  • بالتعاون مع الكويت.. تفكيك شبكة لتجارة المخدرات في البصرة
  • الخارجية الأمريكية: مبعوثنا الخاص إلى اليمن سيبحث في السعودية وعُمان هذا الأسبوع احتجاز الحوثيين لموظفين أممين
  • الخارجية الأمريكية: مبعوثنا الخاص إلى اليمن يزور السعودية وعُمان هذا الأسبوع لبحث "هجمات الحوثيين المتهورة
  • المشاط والرزامي يخططان لاحتجاز طائرات أخرى باسم الحجاج
  • هل ماتت اتفاقية البترودولار بالفعل؟
  • إسرائيل والمأزق متعدد الجبهات