خطبتا الجمعة بالحرمين: تمام الرشد في الإيمان بالله واتباع رسوله.. وتعظيم مكة والمدينة من تقوى القلوب
تاريخ النشر: 28th, June 2024 GMT
ألقى الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، وافتتحها بتوصية المسلمين بتقوى الله وعبادته، والتقرب إليه بطاعته بما يرضيه، وتجنب مساخطه ومناهيه.
وقال فضيلته: من اتقى الله تعالى جعل له هُدى يتبصر به من العمى والجهالة لقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا اتَّقُوا اللَّه وَآمنوا بِرَسُولِه يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِه وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِه وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّه غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
وأضاف: إن ممن يوفق لسبيل الخير وإصابة الطريق المستقيم مَنْ وَصَفَهم الله بقوله: ﴿والَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهم سُبُلَنا وإنَّ اللَّه لَمَعَ المُحْسِنِينَ﴾. إذ من سبل نيل الرشاد: طلب العلم النافع، كما قال الله تعالى على لسان موسى للخضر عليهما السلام: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾. كما أنّ من طرق اكتساب الرشد: سؤالُ الله سبحانه تلك المنزلةَ؛ فقد سألها الفتية المؤمنة حين آووا إلى كهفهم ﴿فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَة وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾، وأَمَر الله تعالى نبيَّه عليه الصلاة والسلام بذلك السؤال إذ يقول: ﴿وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا﴾، وامتثل النبي صلى الله عليه وسلم أمر ربه؛ فكان يسأل ربه الرشد ويقول: (اللهم ألهمني رشدي، وقني شر نفسي!).
وحين يكون العبد مستجيباً لربه، محباً للإيمان، مقبلاً على الطاعات، مبغضاً للمعاصي، فليحمد الله على تفضله عليه وإحسانه إليه، ويلزم الاستقامة، والتضرع إلى الله أن يثبته على الهدى، ويحب للناس ما يحبه لنفسه، بالسعي في نفع الخلق وهدايتهم بدلالتهم إلى الطريق السوي العدلِ الرضي.
واستطرد في الخطبة: جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الله وَمَلَائِكَتَه وَأهل السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ حَتَّى النَّمْلَة فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْر). والمقصود بمعلم الناس الخير: هم العلماء والدعاة وكل من يرشد الناس إلى ما يقربهم من الله تعالى وما فيه نجاتهم في الآخرة. كما أن النافع من الدروس والخطب والوصايا والأمثال والرسائل والكتب والنصائح والمواعظ كلَّها تدخل في باب الإرشاد.
وأشار إلى أن مما يمتاز به المجتمع المسلم أن يشيع بين أفراده روابط متينة وأخلاقيات سامية، كالتآخي والمحبة والتناصح والإرشاد، فشأن المسلم أن يحرص على هداية الخلق ولا يألو جهداً في دلالتهم على الخير وتوجيهِهم إلى طريق الصواب مستشعراً أن الإرشاد أداة إصلاح وهداية، وهو من النصيحة التي هي من حقوق الأخوة الإيمانية.
كما ينبغي أن يكون باعثه للقيام بهذا العمل هو وجه الله وطلب مرضاته، وألا يضيق صدره إن لم يُستجَب لإرشاده ولم يُعمل بتوجيهاته فإن ذلك لا يضيره شيئاً ولا يُضيع أجره.
وقال: إن من أعظم منّة الكريم المنان حين يحبِّبُ إلى عبده الإيمان، ويزيِّنُه في قلبه، ويبغِّض إليه الكفر والفسوق والعصيان! يقول الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّه لَو يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّه حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَه فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّه إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِنَ اللَّه وَنِعْمَة وَاللَّه عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾. كما أن الذين فقدوا صفة هؤلاء المؤمنين وحادوا عن سبيل الراشدين قد ضلوا وما كانوا مهتدين، فمن لم يؤمن بالله حق الإيمان فليس براشد، ومن لم يستجب للحق ويُذعن لربه واتبع هواه فليس براشد، ومن كذّب بآيات الله وأعرض عنها فليس براشد، ومن عادى الرسول وخالف منهجه من بعد ما اتضح له الحق فليس براشد، ومن استكبر في الأرض بغير الحق فليس براشد، ومن آثر الحياة الدنيا وزينتها وسعى لها وغفل عن الآخرة وترك العمل لها فليس براشد.
* وفي المدينة المنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور أحمد بن على الحذيفي المسلمين بتقوى الله، مبيناً أن التقوى خير زاد، وأوطأ مهاد، وأرفع عماد، فهي زينة لمن ارتدى أثوابها، وجُنَّة لمن تدرَّع بها، مستشهداً بقولة تعالي {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أولي الْأَلْبَابِ}.
وقال فضيلته: هنيئاً لحجاج بيت الله وقاصديه نعمة إتمام المناسك، وهنيئاً لولاة أمر هذه البلاد خدمة الحرمين ورعاية الحاج والناسك، فلله الحمد على سوابغ فضله وسوابقه، حمداً نعترف بالعجز عن الوفاء بحقه، ونُقِرّ بفضل مُسدِيه تعالى ومستحقِّه.
وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن مكة والمدينة مهبط الوحي ومشرق شمس الرسالة، فهي الديار المباركة والأرض المقدسة التي تهوي إليها أفئدة المسلمين وتتحرك نحوها قلوبهم، داعياً المسلمين إلى وجوب تعظيمهما ومعرفة حرمتهما، فقد اجتمع فيهما شرف الزمان وشرف المكان وشرف المقصد.
وحذر فضيلته من اجتراء العبد على حرمة الزمان والمكان، فكما يعظُم جزاء العمل الصالح فيهما تعظم فيهما العقوبة؛ قال تعالى {وَمَنْ يُرِدْ فِيه بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْه مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}، وقال عليه الصلاة والسلام: “المدينة حَرَمٌ، من أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يُقبل منه صرفٌ ولا عدلٌ”.
وأشار إلى أننا حين نودع موسم الحج فإننا نودع معه عاماً هجرياً ونستقبل آخر، فهي أيام تطوى، وأيام تنشر، داعياً إلى التفكر في هذه الدنيا، والاعتبار في ماضي الزمان وآتيه، وأن الأيام مراحل ورواحل، فلا سرور دائم ولا حزن ممتد.
واختتم فضيلته الخطبة موصياً أن يستفتح المؤمن عامه بتباشير التفاؤل والآمال، ويودع ما مضى من أيامه بما استودعها من صالح النيات والأقوال والأعمال.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية الله تعالى کما أن ه علیه
إقرأ أيضاً:
خطيب المسجد النبوي: الابتلاء سنة الحياة ليختبر الله الصبر ويزيد اليقين عند الإنسان
قال الشيخ عبدالبارئ الثبيتي، إمام وخطيب المسجد النبوي، إن من سنة الحياة الابتلاء الذي يأتي فجأة ليختبر الصبر ويزيد اليقين بحسن الظن بالله في تحول المحنة إلى منحة.
الابتلاء الذي يأتي فجأةوأوضح “ الثبيتي” خلال خطبة الجمعة الثالثة في جمادي الأول اليوم من المسجد النبوي بالمدينة المنورة ، أن حسن الظن بالله يمضي بمسيرة حياة الإنسان بثقة اطمئنان، وإذا أيقن الإنسان بأن الله يعده لمستقبل مشرق عاش بالأمل برحمة الله فتحركه قوة الإيمان إلى السعي والإبداع.
وأضاف الحياة وتقلباتها وتحدياتها يجد الإنسان حاجته إلى الشعور بما يبدد القلق ويمنحه الطمأنينة ويبعد عنه الخوف والشك، منوهًا بأن التوكل على الله غذاء حسن الظن بالله ومصدر للقوة المعنوية التي تحمي من اليأس في مواجهة الهموم.
ونبه إلى أن من توكل على الله بصدق تشرب قلبه الثقة بأن الله لن يخذله ويرى في الفتن طريقًا للنجاح وسلمًا للارتقاء وصقلاً للذات، مشيرًا إلى أن في قصة مريم وهي في أشد لحظات الضيق حين لجأت وقت المخاض إلى جذع النخلة وكان حسن ظنها بالله راسخًا.
قصص حسن الظن باللهواستشهد بما قال تعالى: {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا}، كما أن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يتجلى حسن الظن بالله، ففي الهجرة مع أبي بكر وقد حاصرهم الخطر قال أبوبكر للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لو أنَّ أحَدَهم نَظَر تحْتَ قدَمَيْه لَأبْصَرَنا"، فقال له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ما ظنُّكَ يا أبا بَكرٍ باثْنَينِ اللهُ ثالثُهما".
وأوصى المسلمين بتقوى الله تعالى تقوى من يرجو دار النعيم، موضحًا أن الإيمان العميق وحسن الظن بالله هما السر الكامن في ثبات الأمة أقسى الأزمات، والأمة مرت على مر العصور بأزمات خرجت منها أكثر قوة، وحسن الظن بالله لا يعني التواكل والكسل وترك العمل بل هو محفز على الجد والاجتهاد.
وأفاد بأن من مقتضيات حسن الظن بالله بذل الجهد وخدمة دينه وأمته وبناء وطنه ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا تَقوم حتى يَغرِسَها، فليَغرِسْها".
ودلل بما قال جل من قائل: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}.