باريس – قضت محكمة الاستئناف في باريس، الأربعاء الماضي، بأن مذكرة الاعتقال الدولية الصادرة بحق الرئيس السوري بشار الأسد بتهمة التواطؤ في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الهجمات الكيميائية التي حدثت في أغسطس/آب 2013، لا تزال سارية.

وفي عام 2021، بدأت فرنسا تحقيقا في الهجمات الكيميائية التي وقعت في الغوطة ودوما، وهما ضاحيتان بالعاصمة السورية دمشق، حيث تجاوزت حصيلة القتلى ألف شخص، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أصدرت السلطات القضائية الفرنسية مذكرات اعتقال دولية بحق الأسد وشقيقه ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة بالجيش (قوات نخبة) والجنرالين السوريين غسان عباس وبسام الحسن.

انتصار تاريخي

ووصفت المحاميتان جين سولزر وكليمنس ويت، اللتان مثلتا المدعين والمنظمات غير الحكومية التي قدمت الشكوى ضد الرئيس السوري في فرنسا، الحكم بأنه "خطوة مهمة إلى الأمام في مكافحة الإفلات من العقاب".

وأشاد مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني بقرار محكمة باريس، قائلا إنهم يدعمونه ويرحبون به ويرونه إنجازا حقيقيا وانتصارا لضحايا الأسلحة الكيميائية "الذين قتلهم النظام السوري ولأقاربهم الذين لا يزالون على قيد الحياة".

وأكد أن استخدام هذه الأسلحة ينبع من قرار مركزي وبأوامر من جهات عليا و"من بشار الأسد تحديدا الذي ستتم متابعته وملاحقته".

وفي حديث للجزيرة نت، أضاف عبد الغني أن "النيابة الوطنية لمكافحة الإرهاب" أحالت القضية إلى غرفة التحقيق بمحكمة الاستئناف فيما يتعلق بمسألة مذكرة التوقيف ضد الأسد، مشيرا إلى أن الحصانة لا تتعلق بشخصه وإنما بمنصب رئيس الجمهورية.

كما تطرق إلى التحقيق الرسمي الذي تم فتحه في أبريل/نيسان 2021 عندما تم تعيين قاضيين اقتنعا بحجم الأدلة وتفاصيلها التي تكشف أن الأسد -قائد الجيش والقوات المسلحة- وقائد الفرقة الرابعة ماهر الأسد، والعميد ومدير "الفرع 450" غسان عباس، والعميد بسام الحسن، "شاركوا جميعا في التخطيط للهجمات".

أدلة مثبتة

وقد لفتت الشبكة في تقرير سابق إلى وجود تخوف جدي من تكرار استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين لأن النظام السوري لا يزال يحتفظ بترسانة كيميائية، مضيفة أن هجماته تسببت في مقتل ما لا يقل عن 1514 مواطنا سوريا خنقا، بينهم 214 طفلا و262 سيدة، فضلا عن إصابة 12 ألفا آخرين.

كما وثق فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 34 مدنيا، بينهم 19 طفلا و17 سيدة، خنقا وإصابة قرابة 550 شخصا، عندما استخدم النظام السوري السلاح الكيميائي ضد مدينة دوما في محافظة ريف دمشق.

وفي هذا الإطار، أكد فضل عبد الغني أنه بالإضافة إلى كل الأدلة المتاحة "يُعتبر الشهود الذين قدموا شهاداتهم بالمحكمة عاملا محوريا لأنهم نجوا من الأسلحة الكيميائية المستخدمة".

ووصف هذه الأدلة بـ"القاطعة" لأن التحقيقات التي قامت بها منظمة الأمم المتحدة كانت على درجة عالية من المنهجية واتبعت المعايير الأعلى في العالم، وهناك 3 تقارير أصدرتها الآلية المشتركة بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي أنشأها قرار مجلس الأمن رقم (2ـ2ـ3ـ5).

وعن هجوم الغوطة، أصدرت كل من الشبكة السورية لحقوق الإنسان ومنظمة هيومن واتش رايتس تقريرين مهمين لما حدث فعليا، فضلا عن لجنة التحقيق الدولية التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان واتهمت النظام السوري بأكثر من 34 هجوما، وفق تصريحات عبد الغني.

ورطة قضائية

وفي قراءة مختلفة، يعتبر عبد المجيد مراري، خبير القانون الدولي ومدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة "أفدي" الدولية، أن قرار محكمة باريس انتصار للعدالة "لكنه وضع فرنسا في ورطة كبيرة".

وفسر ذلك بأنهم قدموا دعوى سابقة ضد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2014 تتعلق بجرائم التعذيب، وقد أحال قاضي التحقيق آنذاك الملف إلى محكمة الاستئناف التي رفضته بسبب مسألة التمسك بتمتع الرئيس بالحصانة التي تحميه من المتابعة القانونية أو التحقيق معه.

وفي تصريحه للجزيرة نت، قال مراري إن القانون الدولي ينص على أن الحصانة لا تُؤخذ بعين الاعتبار أمام جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، "وعليه قلنا للمدعي العام الفرنسي إن القضاء الفرنسي يجب أن ينظر في مثل هذه القضايا بكونه قضاء دوليا وفق ما خولته اتفاقية جنيف".

ويملك الاختصاص القضائي الفرنسي الحق في النظر في جرائم التعذيب مهما كانت جنسية أو منصب مرتكبها حتى لو كان رئيس دولة، لأن المادة 689 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أحقية ملاحقة مرتكبي الجرائم أو المتواطئين معها خارج أراضي الجمهورية، ومحاكمتهم من قبل المحاكم الفرنسية.

ويوضح مراري أن محكمة الاستئناف اعتمدت على توجه القضاء الدولي الذي ينص على عدم شرعية الحصانة أمام الجرائم ضد الإنسانية، معترضة على طلب المدعي العام الفرنسي برفض مذكرات التوقيف لأن المحكمة الابتدائية الفرنسية أمرت بإصدار المذكرات ضد بشار الأسد و3 من معاونيه نظرا لخطورة الأفعال المرتكبة.

وبرأيه، فإن القضية لم تنته بعد لأن المدعي العام -مدفوعا بضرورة الحفاظ على المصالح السياسية الفرنسية السورية- سيطعن في القرار أمام محكمة النقض، لكن القاضي سيؤيد حينها قرار محكمة الاستئناف لأنها احترمت القانون.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الأسلحة الکیمیائیة محکمة الاستئناف النظام السوری لحقوق الإنسان بشار الأسد عبد الغنی

إقرأ أيضاً:

أردوغان يؤكد استعداد بلاده للتطبيع مع النظام السوري.. "يمكننا اللقاء مع الأسد"

شدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الجمعة، على عدم وجود أي سبب يمنع أنقرة من إقامة علاقات مع النظام السوري، مشيرا إلى أن بلاده حافظت في الماضي على علاقات جيدة مع دمشق إلى درجة اللقاءات العائلية مع عائلة بشار الأسد.

 

وقال أردوغان في تصريح للصحفيين عقب أدائه صلاة الجمعة في مدينة إسطنبول، إن بلاده "مستعدة للعمل معا على تطوير العلاقات مع سوريا تماما كما فعلت في الماضي".

 

وأضاف أنه "لا يمكن أن يكون لدينا أبدا أي نية أو هدف مثل التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، لأن الشعب السوري من الشعوب التي عشنا معها سويا في مجتمع واحد"، حسب تعبيره.

 

وحول إمكانية لقائه برئيس النظام السوري، شدد أردوغان على أنه "كما التقى في الماضي مع السيد الأسد، فإنه من المستحيل تماما أن نقول إن ذلك لن يحدث في المستقبل".

 

تأتي تصريحات الرئيس التركي بالتزامن مع تجدد الحديث عن تطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري بعد ما يقرب من العام ونصف العام على التراجع الذي طرأ عليه بفعل تعنت النظام السوري بشروط مسبقة وانشغال أنقرة بفترات انتخابية متتالية.

 

والاثنين، شدد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، على أن "استقرار سوريا ووحدتها سيعززان مكافحة الإرهاب ويمكن أن يساعدا في عودة ملايين اللاجئين الذين فروا من البلاد"، مشيرا إلى أن أنقرة تريد من النظام السوري استغلال حالة الهدوء في البلاد من أجل حل المشاكل الدستورية وتحقيق السلام مع معارضيه.

 

ولفت إلى ضرورة أن يستغل النظام السوري فترة الهدوء هذه أيضا من أجل "إعادة الملايين من السوريين الذين فروا إلى الخارج أو غادروا أو هاجروا من جديد إلى بلدهم، ليعيدوا بناء بلادهم وينعشوا اقتصادها"، مستدركا بالقول: "إلا أننا من هنا لا نرى أنه (النظام) يستفيد من ذلك بما فيه الكفاية"، وفقا لوكالة الأناضول.

 

مسار التطبيع

 

يشار إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أعلن العام الماضي عن استعداده للقاء رئيس النظام السوري بشار الأسد، وذلك ضمن مسار بدأته أنقرة قبيل الانتخابات العامة منتصف العام الماضي من أجل إعادة تطبيع العلاقات مع دمشق عقب انقطاعها إثر اندلاع الثورة السورية عام 2011.

 

وفي أيار/ مايو 2023، عقد أول اجتماع بين وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري، في العاصمة الروسية موسكو، وذلك ضمن ما عرف بـ"الصيغة الرباعية".

 

وجاء هذا الاجتماع تتويجا للعديد من اللقاءات التي جمعت رؤساء استخبارات تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري، فضلا عن لقاء وزير الدفاع التركي بنظيره في حكومة الأسد بموسكو في كانون الأول/ ديسمبر عام 2022، حيث اتفقا على تشكيل لجان مشتركة من مسؤولي الدفاع والمخابرات.

 

لكن المساعي التركية لإعادة تطبيع العلاقات، تعثرت بعدما اعتبر الأسد أن "هدف أردوغان من الجلوس معه هو شرعنة وجود الاحتلال التركي في سوريا"، زاعما أن الإرهاب في سوريا "صناعة تركية"، ومطالبا بسحب القوات التركية بشكل كامل من شمال غرب البلاد.


مقالات مشابهة

  • هل يجتمع أردوغان مع الأسد خلال قمة شنغهاي المقررة في أستانا؟
  • هل يجتمع أردوغان مع الأسد خلال قمة شنغهاي المقررة في أستانة؟
  • تحذيرات من التسمم والسرطان.. هل ملابس الأردنيين الأون لاين آمنة؟
  • زعيم المعارضة التركية يسعى لترتيب لقاء مع الرئيس السوري
  • زعيم المعارضة التركية يحاول ترتيب لقاء مع الرئيس السوري
  • أردوغان:أنقرة منفتحة لتطبيع العلاقات مع دمشق
  • أردوغان يبدي استعداده للقاء بشار الأسد واستعادة العلاقات مع سوريا
  • أردوغان ينقلب على المعارضة السورية ويعلن استعداده لقاء بشار الأسد والتطبيع مع النظام
  • أردوغان يؤكد استعداد بلاده للتطبيع مع النظام السوري.. "يمكننا اللقاء مع الأسد"
  • بعد تصريح بشار الأسد.. أردوغان يُعلق على إمكانية عودة العلاقات مع سوريا