يقول عليه الصلاة والسلام: “إنما بُعِثْتُ لِإِتْمَامِ مَكَارِمِ الأَخْلَاق”.. لكن ما نعيشه اليوم وما نراه في أفعال أفراد المجتمع يضعنا أمام نقطة استفهام كبيرة أين نحن كمسلمين من هذا الحديث..؟.

وماذا أخذنا من أخلاق خير المرسلين؟ إنه حقا واقع محزن ما بتنا نعيشه، فساد من الكبير قبل الصغير، هذا عاق لوالديه ألقى بهما في دور كبار المسنين، سوء تفاهم يجر إلى شجار وقد ينتهي بجريمة قتل بكل دم بارد، أَمَة تُغتصب في وضح النهار، وحرمة تدنس، والفاعلون ضعاف النفوس غالبا يتنفسون تحت تأثير المهلوسات، فلم يعد يوم يمر علينا دون أن تتمزق قلوبنا لأخبار موجعة ضربت أخلاق المجتمع في مقتل.

. وصار يعاني من أزمة حقيقة، أزمة أخلاق.

يختلف أفراد المجتمع باختلاف جنسهم ودينهم وأعمارهم، وما يجمع بينهم روابط القيم الإنسانية والأخلاق النبيلة، إلا أن هذه القيم شهدت تدهور كبير داخل المجتمع الذي يجب إعادة إنتاجه وتشكيله قبل فوات الأوان بسبب غياب الأخلاق، فالأخلاق الحسنة أعظم ما يميز الأمم، وبقدر ما تعلو أخلاقهم تعلو حضارتهم، ويفشل أعداؤهم، وبقدر ما تنحط أخلاقهم تذهب هيبتهم ويصبحون فريس سهل استساغها.. والسؤال المطروح: فأين نحن من هذه المسؤولية العالية؟.

أجل فالكل مسؤول، انطلاقا من الأسرة إلى المجتمع والمدرسة والإعلام، وكل من أعطى لنفسه مهمة نقل رسالة أو التأثير في الغير، فالكل مسؤول عن إعطاء القدوة الحسنة، لقول الشاعر: لا تنهى عن أمر وتأتي بمثله.. عار عليك وإن فعلت حسنا.

أما الآن وقد وقعت الأزمة، وصارت الأخلاق قاب قوسين أو أدنى من الارتقاء، علينا أن نتدخل بسرعة ونتصرف بطريقة ذكية وحكمة بالغة، وبدلا من أن نعطي لأنفسنا مهمة القاضي ونحكم على المفسدين، لنكن نحن مصلحين، ونساهم في التغيير، نقتدي بسيد المرسلين، الذي قاد التغيير وصنع الرجال العظماء ونقل الناس من الظلمات إلى النور ومن الجهل إلى العلم، وأنشأ أروع حضارة عرفتها البشرية، وذلك باتباع مكارم الأخلاق التي غرسها في نفوس العباد، والتي نزلت من رب الأرض والسموات.

الإسلام دين الرحمة..
فتمسكوا بالعروة الوثقى في تربية أولادكم

قال تعالى “لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” فقد دخل الناس في دين الله أفواجا، لما رأوا من حسن المعاملة وجميل الأخلاق وصفاء العقيدة وسُمُوها، ولما شاهدوا جمال الخلق ورفعته أحسوا أن هذا الدين ينشئ نشا جديدا، فابرز سمات هذا الدين قاعدته الأخلاقية العريضة الشاملة لكل تصرفات الإنسان، وارتباط هذه القاعدة الأخلاقية بحقيقة الإيمان، فالإيمان بأن ما أنزل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من ربه هو الحق يقضي الالتزام بالمعايير الخلقية كما أقرها منهجنا الإسلامي هذا حلال وهذا حرام، هذا حسن وهذا قبيح، هذا مباح وهذا غير مباح، وان المؤمنين هم الذين يلتزمون بهذا كله، بمقتضى أنهم مؤمنون.

بهذا المنهج كانت العزة والرفعة، ولكن حدث تحول في كيان الأمة حتى عادت إلى جاهلية حديثة، طمست بصيرة الإنسان وربطته بالمادة دون الروح والقيمة الحقيقية للأشياء.

وقد أفرز هذا التحول ظاهرة باتت واضحة للعيان مجتمعاتنا المسلمة، ألا وهي الأزمة الأخلاقية، حيث طغت المادة على النفوس وأصبحت الغاية تبرر الوسيلة في كثير من الأحيان، وأصيبت الأمة بشلل مسّ أجهزتها الخلقية وملكاتها النفسية وأعاقها عن التحرك الصحيح، وشاعت فيها أمور لم تكن في سابق عهدها، تفككت الأسرة، وصار كل فرد ينادي بحقوق غير آبه بالآخر، التربية الإسلامية من مدارسنا صارت مادة ثانوية لا قيمة لها، فالأجدر بنا أن نصلح هذه العوامل التي لها تأثير مباشر في تلقين القيم، حتى نخرج جيلا متشبعا بالأخلاق نتباهى به أمام الأمم.

فلا يختلف اثنان أن الأخلاق الفاضلة والسجايا الحميدة من محاسن هذا الدين وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم ليتمم مكارم الأخلاق وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بحسن الخلق فقال: “وخالق الناس بخلق حسن”.

فما السبيل يا ترى للخروج من هذه الأزمة؟

حقا هي أزمة باتت تضرب في القاعدة الأساسية للمجتمع، والخروج منها لا تكفيه كلمات بضع كلمات، ولا أيام معدودات، ولا مناهج دراسية تشتمل مدونات السلوك الأخلاقي، لا تكفيه خطب الجمعة وإمام ينادي هلموا إلى تغيير أخلاقكم، وما إن يلتفت جمهور المستمعين كل لعالمه يضرب بتلك الخُطب عرض الحائط، بل لابد أن يستشعر الإنسان قبل كل شيء ربه في كل تصرفاته، وما المصير الذي سيلقاه، وعاقبة كل خلق أبداه صالحا كان أم طالح، لابد أن نستشعر أهمية التحلي لأخلاق الحسنة لديننا ودنيانا.

ثم لابد أن نلتزم جميعنا الصدق في الكلام والمشاعر، فيرى الناس أجمل الخلق فيتبعونه.

إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور

المصدر: النهار أونلاين

إقرأ أيضاً:

مختبر افتراضي في تعليم الرياضيات

يتمتع معلم الرياضيات بمكانة مهمة كعضو فاعل ومؤثر في عملية إكساب الطلبة المفاهيم، والتعميمات، والمهارات، والمسائل الرياضية، بالإضافة إلى القيم الجمالية المرتبطة بماهية الرياضيات، ويتطلب هذا الدور تطويرًا وتجديدًا للخبرات التعليمية والتعلمية لهؤلاء المعلمين بما يتلاءم مع التطورات الهائلة في مجال تعليم وتعلم الرياضيات.

لذا؛ أصبح لزامًا على المؤسسات التربوية المختصة بتعليم الرياضيات أن تتبنى مجالات التطوير التي تعزز من الأداء التدريسي للمعلمين والتحصيل العلمي للطلبة. وقد ظهرت العديد من التوجهات المعاصرة التي تركز على تحسين تقديم المعرفة الرياضية. وتهدف هذه التوجهات إلى تجويد الخبرات التعليمية التي تساعد المتعلمين على الاكتساب النوعي والعميق للمفاهيم والحقائق والتعميمات والمهارات الرياضية. كما تسهم في تعزيز مهارات حل المشكلات والتمثيلات الرياضية والتواصل الرياضي، فضلًا عن تعزيز معتقدات الكفاءة الذاتية والتنظيم الذاتي والدافعية.

عطفًا على ما سبق؛ تمثل تقنيات الواقع الافتراضي والمعزز والمختلط أحد المصادر الحديثة والمتجددة باستمرار التي تبنتها العديد من النظم التعليمية في العالم. في الولايات المتحدة، تستخدم بعض المدارس والجامعات تطبيقات الواقع بأنواعه لتعزيز تجربة تعلم الرياضيات. على سبيل المثال: يتم استخدام تطبيقات تفاعلية لتوضيح المفاهيم الرياضية الصعبة وإبراز العلاقات بينها.

وفي اليابان؛ تُستخدم التقنيات المختلطة في تعليم الرياضيات في المدارس الابتدائية والثانوية، حيث يتم استخدام الأجهزة اللوحية وتطبيقات الواقع المختلط لتوفير تجارب تعليمية محفزة وتفاعلية تساعد الطلاب على فهم المفاهيم الرياضية بشكل أفضل.

وفي المملكة المتحدة وأستراليا؛ يُستخدم التعلم المختلط في الرياضيات كجزء من تجارب التعليم الحديثة، حيث يتم توفير موارد تعليمية رقمية تجمع بين المفاهيم التقليدية والتقنيات الحديثة لتعزيز التعلم الفعّال وتحفيز الطلاب.

كما أظهرت بعض التحليلات الإحصائية لنتائج الدراسات البحثية في الدول العربية أن هناك جهودًا نوعيةً في بعض الدول العربية نحو تضمين هذه التقنيات كتجارب تعليمية جيدة في تدريس الرياضيات. ورغم هذا التوجه الطموح، إلا أنه، وبرأي مجموعة من الدراسات الحديثة، تعد تقنيات الواقع المعزز والمختلط والافتراضي أمثلة على التقنيات ذات الموارد غير المستغلة إمكانياتها في تجويد تعليم وتعلم الرياضيات بشكل واسع محليًا وعربيًا حتى الآن.

إضافة إلى ذلك؛ ظهرت مجموعة من التوجهات التي تجمع بين التكامل في العمق المعرفي والمهاري المطلوب اكتسابه من قبل الطالب وبين آلية ووسائل ومصادر تقديمه للمتعلمين. فمثلا ركزت التجارب التعليمية والبحثية حتى الآن بشكل كبير على تقديم المعارف للطلبة من خلال تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي والواقع المختلط. وفي هذا السياق؛ تعتبر هذه التقنيات نهجًا بديلًا لتوصيل أو عرض المعلومات التي تُدرَّس حاليًا بوسائل أخرى. ومع ذلك؛ من المهم أن نأخذ في الاعتبار ليس فقط قدرة الطلاب على اكتساب المعارف والمهارات من خلال التكنولوجيا، بل أيضا حاجتهم إلى الإبداع والإنتاج باستخدام هذه التقنيات الناشئة. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن نتطلع إلى استكشاف كيفية تعزيز التفاعل والتعاون بين الطلاب عبر هذه الوسائل التكنولوجية، حيث يمكن لتقنيات الواقع الافتراضي والمعزز والمختلط أن تفتح آفاقًا جديدةً للعمل الجماعي والمشاريع المشتركة، كما ينبغي التركيز على تطوير المناهج التعليمية لتشمل تطبيقات عملية تحفز التفكير النقدي، وتحل المشكلات بطرق مبتكرة؛ مما يعزز من قدرة الطلاب على التكيف مع تحديات المستقبل.

وتضمن التوجهات المعاصرة في استخدام تقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي والواقع المختلط في التعليم العديد من الجوانب التطبيقية، مثل إنشاء بيئات تفاعلية توفر فرصًا للتجريب والاكتشاف، وتصميم برامج تعليمية تعزز التعلم الفردي، وخلق فرص للتعلم التعاوني التفاعلي والتعلم القائم على اللعب والتجريب. هذه التوجهات تعكس قدرة التكنولوجيا الحديثة على إعادة تشكيل العملية التعليمية وتقديم تجارب تعليمية مبتكرة وشاملة.

في ذات السياق؛ كان من المهم تسليط الضوء على تجربة محلية طموحة في توجهاتها، تمثل مسارًا يجمع بين التجربة التعليمية والتجربة البحثية، وتعد هذه التجربة بحثًا استراتيجيًا ضمن برنامج البحوث الاستراتيجية المتأهلة في قطاع التعليم للدورة الأولى، في إطار التعاون المشترك بين وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار. يضم الفريق البحثي مجموعة من الخبراء المختصين بمناهج تدريس الرياضيات وتكنولوجيا التعليم من جامعة السلطان قابوس ووزارة التربية والتعليم.

ويسعى البحث إلى تقصي أثر مختبر افتراضي قائم على تقنية الواقع المختلط في تدريس وحدة هندسة الفضاء ضمن منهاج الرياضيات المتقدمة للصف الحادي عشر. يهدف البحث إلى تحسين الأداء التدريسي للمعلمين وتعزيز الاكتساب المفاهيمي والكفاءة الذاتية لدى الطلاب.

كما يركز البحث على تحليل محتوى مناهج سلاسل كامبردج «الرياضيات المتقدمة للصف الحادي عشر»، من خلال تحليل وتحديد البنى الرياضية (مثل: المفاهيم، التعميمات، الخوارزميات، والمسائل الرياضية) وتصنيف الموضوعات التي يمكن تصميم أنشطة افتراضية لها. بناءً على ذلك؛ تم تصميم برمجية مختبر رياضيات افتراضي وفقًا للأسس الهندسية، التقنية، والعلمية المعتمدة في تصميم بيئات التعلم الافتراضية بالاستفادة من نتائج تجارب عالمية وعربية في التصميم وبناء المحتوى، مع مراعاة السياق المحلي التربوي والتعليمي.

ويهدف البحث أيضًا إلى تقصي أثر المختبر الافتراضي في تدريس وتعلم مناهج سلاسل كامبريدج للرياضيات، من حيث تأثيره على الأداء التدريسي لمعلمي الرياضيات المتقدمة للصف الحادي عشر، بالإضافة إلى الاكتساب المفاهيمي والكفاءة الذاتية لدى الطلاب.

وركزت تجربة المختبر الافتراضي القائم على تقنية الواقع المختلط على إكساب الطلبة المعارف الرياضية في هندسة الفضاء من خلال تجارب تفاعلية. تعتمد هذه التجارب على تقنية الواقع المختلط، مما يمنح الطلاب مزيدًا من الاستقلالية من خلال عرض المعلومات لإرشادهم في خطوات تنفيذ الأنشطة والإجراءات التي يتعين عليهم القيام بها، أو حتى التحقق من صحة الأنشطة بمجرد الانتهاء منها. كما تعتمد التجربة على إنشاء محتوى جذاب ومفيد لتطبيقات الواقع المختلط، يساعد على تعليم وتعلم محتوى هندسة الفضاء في إطار التفاعل بين الواقع الافتراضي والواقع الحقيقي ضمن بيئة الصف المدرسي.

ومن المؤمل أن تكون هذه التجربة ذات قيمة مضافة قابلة للتقويم والتطوير بناءً على التغذية الراجعة المستمدة من واقع التطبيق الفعلي وتحدياته، وأن تفتح المجال للباحثين والمهتمين بتعليم الرياضيات وتعلمها في رسم التوجهات المستقبلية لتجويد تدريس الرياضيات وبرامج إعداد وتدريب المعلمين.

د. خولة بنت زاهر الحوسنية أستاذ مساعد بقسم المناهج والتدريس، كلية التربية، جامعة السلطان قابوس

مقالات مشابهة

  • لسبب غير أخلاقي.. إنجلترا قد تفقد بيلينجهام في يورو 2024
  • شبكة امريكية تشكك بقدرة الجيش الصيني وسلاحه: فساد وخداع عميق
  • الهدف الأمريكي من استهداف القطاع الثقافي للمجتمع اليمني
  • «نزاهة»: إيقاف 155 متهمًا في جرائم فساد من 7 وزارات وهيئة الزكاة
  • وقفوهم إنهم مسؤولون
  • مختبر افتراضي في تعليم الرياضيات
  • شبهات فساد وسرقة.. مجلس الديوانية: مشاريع وزارة الإعمار متلكئة والشركات المنفذة فاشلة
  • صراع الأفكار
  • كيف نقرأ واقع المجتمعات الإنسانية؟
  • إلهام شاهين لـ البوابة نيوز: "30 يونيو" أنقذتنا من تجار الدين