عربي21:
2025-04-07@04:41:12 GMT

الغزيون والغريزيون

تاريخ النشر: 28th, June 2024 GMT

بلاد العرب (أمة وأقطارا وشعوبا) مقسومة بين الغزيين والغريزيين؛ الغزيون رؤوسهم وقلوبهم ومهجهم في غزة وينتشرون في الأقطار بين باكٍ وداعٍ ومبلبل الفؤاد خجلا من عجزه أمام أشلاء أطفال غزة، والغريزيون يصطفون طوابير أمام حفل راغب علامة في قرطاج. انقسام وفرقة غُطيت بغطاء الأيديولوجيا مرة وبغطاء الدولة مرات، لكنه انقسام يقوم على اختلاف النظرة إلى حياة وإلى كيفية عيشها بين حياة العزة والكرامة في الحرية؛ وبين حياة الشبع والسكينة تحت أي ظل، بما في ذلك ظل الذل والمهانة وقلة القيمة.



نمطان من حياة وخيالان متناقضان لا يتعايشان رغم وحدة المكان إلا كما يتعايش الأعداء. في هجير غزة يجد البعض متعة وفرحة في الرقص على غناء نسمعه مند أربعين سنة لم يتجدد، وجب أن نسمي الأشياء بأسمائها ولا نرتبك من تهمة المزايدة هؤلاء قوم بلا نخوة.

ما أسهل خطاب المزايدة

وهل اطلعت على قلوب الناس لتحكم بتخوينهم؟ سمعتك تقولها وأجيبك: لا أحتاج أن أشق على قلوبهم لأحكم، هناك قضية إنسانية إن لم يجمعك بها جامع الإسلام وجامع العروبة فإن أخلاق الإنسان لا يمكنها أن تخطئها؛ فتجعلك تخجل من رقصك على جثث الموتى الذين يتعاطف معهم عالم لا يعرفهم كما تعرفهم ولا يربطهم بهم عرق أو لغة أو دين أو تاريخ، لكنهم يناصرونهم ويضربون عن الطعام من أجلهم. أنت لم تفعل وظللت تتصيد فرص المتعة، فلم يفتْك منها شيء وتبرر بلا خجل. وليت متعتك جديدة ليتدبر لك المرء عذر الشغف بالجديد، ولكنك تنفق وقتا ومالا على إعادة سماع مغنى يتكرر منذ أربعين سنة.

في قرطاج أو جرش أو أي مهرجان مماثل أنت تعلن الانتماء إلى غير الإنسان وإلى غير قضايا الحق والحرية، وهنا أراك لا تتجدد ولا تتطور، فأنت وقفت ضد الديمقراطية ومنعت تبلور مشروع الحريات الكبير الذي مات من أجله قوم كثير، وسميتَ الربيع العربي بالعبري لتنجو من استحقاقات الحرية بتخوين من ثار، ولتواصل البحث عن متعتك الغريزية فوق جثث الناس في غزة
في قرطاج أو جرش أو أي مهرجان مماثل أنت تعلن الانتماء إلى غير الإنسان وإلى غير قضايا الحق والحرية، وهنا أراك لا تتجدد ولا تتطور، فأنت وقفت ضد الديمقراطية ومنعت تبلور مشروع الحريات الكبير الذي مات من أجله قوم كثير، وسميتَ الربيع العربي بالعبري لتنجو من استحقاقات الحرية بتخوين من ثار، ولتواصل البحث عن متعتك الغريزية فوق جثث الناس في غزة.

جمهور المهرجانات العربية الممتد عبر الخريطة نعرفه جيدا؛ كان في أول الصفوف المطالبة بالزيادات في الأجور زمن الديمقراطية الوليدة، وهم من أضرب وعطل مسار البناء الديمقراطي مغاليا في المطلبية ومتناسيا جوع المفقرين الذين بذلوا أبناءهم من أجل إسقاط الأنظمة الفاسدة. هم من وصف الدكتور المرزوقي الزاهد بالطرطور، وهم من علق البرسيم على باب قصر مرسي، وهم من صفق للعسكر بعد ذلك طربا على تسلم الأيادي. إنهم نفس الفئات الاجتماعية التي تزعم الترقي الاجتماعي بمجرد الحصول على رواتب عالية أو السكن في أحياء راقية، إنهم السعداء الكَذَبة بوهم الانتماء إلى الطبقات الراقية، حيث تبذل الأرواح من أجل الظهور الاستهلاكي. إنهم تربية شلة الدكتاتوريات الفاسدة التي تترجم الحرية زيادة في الرواتب للتمتع بمهرجان.

الأمر ليس جديدا

الشواهد كثيرة حتى قبل انتشار صور السيلفي، زمن الاحتلال المباشر كانت فئات من التونسيين ومثلها في مصر وبقية الأقطار المحتلة تتباهي بالذهاب إلى مسارح الفرنسيين والظهور إلى جانبهم بملابس تشبه ملابسهم والرطن بلغتهم، حتى شرب القهوة ومسك السيجارة بمبسم طويل على طريقتهم.

لا نحتاج استدعاء ابن خلدون لتفسير تقليد المغلوب للغالب، الأمر لم يكن بالغلبة بل كان بالذل الغريزي. استعدادات غريزية للمتعة الحسية دون سؤال عن إطارها الأخلاقي، شيء يشبه أخلاق الضبع، حيث الشبع أولا ولو دون صيد شجاع أو الوقوع على الجيف.

ليس جمهور المهرجانات الآن سليل الذين ذهبوا إلى مسارح البلد المحتل ورقصوا على موسيقاه، فربما اندثرت تلك السلالة لكنها تركت أثرا تلقفه هؤلاء الأثرياء الجدد (الحقيقة أنهم يتشبهون بالأثرياء وهم موظفون مرهونون للبنوك التجارية)، وصورة العالم عندهم صنعها البلد المحتل مثل سابقيهم، فهم لا يرون أنفسهم خارج ثقافته ونمط استهلاكه، وفي كل خطوة يخطونها يودون لو يراهم مثالهم (إلههم الفرنسي) ويشكرهم على إتقان تقليده/ عبادته. إن مُهَجهم في باريس وليست في غزة (والقياس جائز على بقية العواصم المحتلة والجمهور الغريزي)، ويسمون ذلك تقدمية، حتى أنك تجد بينهم نجوم اليسار الستاليني، فبعض هذا اليسار يحرص على حضور دورة رولان غاروس للتنس وبحذاء التنس وقبعته.

وهل نجا الكاتب من الخيانة إذ لم يذهب إلى مهرجان
كان يمكن لمثل راغب علامة وكاظم الساهر وأضرابهم إعلان موقف فني نضالي وربح جمهور واسع وقيادة هذا الجمهور نحو قضية الحرية، كان يمكن لجمهورهم أن يتغير جذريا فأنصار غزة ليسوا غربانا حزينة ترفض الفرح. تحويل المهرجانات إلى مؤتمرات سياسية من أجل الحرية وفي سياقات التضامن الإنساني؛ كان إمكانية لولادة فنية أخرى ولو بأغان قديمة
يتعلق الأمر بالحياء أمام عذابات الإنسان المظلوم، يتعلق الأمر بالانتماء إلى قضية الحرية الكبرى كما يفعل الآن فنانون كبار يضحون بعقود عمل مربحة وبجمهور ثابت ويسيرون في المظاهرات مع عوام الناس من أجل قضية حرية. كان يمكن لمثل راغب علامة وكاظم الساهر وأضرابهم إعلان موقف فني نضالي وربح جمهور واسع وقيادة هذا الجمهور نحو قضية الحرية، كان يمكن لجمهورهم أن يتغير جذريا فأنصار غزة ليسوا غربانا حزينة ترفض الفرح. تحويل المهرجانات إلى مؤتمرات سياسية من أجل الحرية وفي سياقات التضامن الإنساني؛ كان إمكانية لولادة فنية أخرى ولو بأغان قديمة.

لم يذهب كاتب المقال إلى غزة لا مقاتلا ولا متضامنا سلميا، ولكنه يخجل أن يرقص على جثث أطفال غزة، وهذا هو الحد الأدنى الأخلاقي المتاح حتى الآن، وهو المطلوب إنسانيا وعربيا من جمهور متعلق مصيره مهما جهل السياسة بنتائج الحرب على غزة.

لا بأس تمتعوا بالرقص، نحن نعرفكم جيدا، غيابكم عن غزة يخفف عنها أثر القنابل. سننتظركم كالعادة في فجوات الحرية القادمة بعد غزة لتطالبوا بالزيادة في الرواتب لتحضروا حفلات فنانين بلا مشروع فني وبلا أخلاق فرسان. والحمد لله الذي طهّر غزة من تعاطفكم، فغزة تنصر بالعقل لا بالغريزة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة مهرجان التونسيين حفلات تونس غزة مهرجان حفلات تعاطف مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة کان یمکن إلى غیر من أجل فی غزة

إقرأ أيضاً:

حسن إسماعيل: الطيب صالح يرد على الأخرق

( ١)> والأخرقُ من الناس هو الأحمق الذي لايتقن عمل شئ …. ذلك الذي يقتل من أهله خمسمائة ألف شخص دون أن يحقق هدفا أو أن يرفع راية… ويخلف نساء باديته بين أرملة ويتيمة وقعيدة !! ثَكالى وأيامى يفوتهن قطار الحياة لأن (جِلفا) قام على أمرهن فقاده على قضبان الفناء

> سَمعتُه يُهدد الناس في أرض الشمال فلعله لايعرفُ عن الناس هنالك شئ كما سبق جهله بمايسميه (دولة ٥٦) فلايوجد في السودان دولة (اسمها ٥٦) حتى يٌحاربها فإن (٥٦) هو تاريخ رفع راية أهل السودان إيذانا بالحكم الوطني.. والحكم شئ والدولة شئ آخر أعمق وأجذر، فالحكومات الماضية يُستحلب من تجربتها الاعتبار فالذي في حكم الماضي لايُحارب ولكن واضح أن الذين اختاروا الرجل لاشعال الحريق في السودان اختاروه بتوافر المميزات العكسية فلم يريدوا شخصا ذكيا فاختاروه غبيا ولم يريدوا شخصا حاذقا فاختاروه أحمقا كذوبا جهولا ظلوم

> فإذا كان الرجل بدلالة( دولة ٥٦) جاهلا فهو بأهل الجغرافيا في الشمال أكثر جهلا … وإن كان درْس الهزائم في سنار والجزيرة والخرطوم وكردفان لم يفتح بصيرته ولم يغسل قذى عينيه فهو بما سيُقدم عليه من حتفِ أجهل واضل سبيلا

> الناس في شريط البحر وخاصرة الصحراء قديمون قِدَم البشرية على كوكب الأرض والحياة هناك قديمة انتهت من وعظها وكرِّها فالناس هناك يتكئون على التاريخ وهم مقبلون على المستقبل ، خلفهم التجربة وأمامهم العلم والمعرفة وبين أيديهم جماع كل ذلك …
> سَاكََنُوا النيل فخبروا وفاءه وأيام غدره وطيشه فصاروا أوفياء حال وفائه ومنتبهون لتقلباته… يوادعونه حين يسْكَن ويصارعونه حين يهيج… يَقبلون خيره وحُسن جيرته ويكسرون كبرياءه حين يجن ويفور.. وسَاكَنوا الصحراء برمالها وكثبانها.. كلما تحركت لتبتلعهم وَطِئوها بأثقالهم حتى تستقر تحتهم .. حتى إذا هدأت تسامروا فوق تلالها.. مدحوا وغنوا وتحاجّوا وتقاصوا تحت ضوء القمر

> الناس هناك قديمون وقديمة تجربتهم ، قلّبتهم الأحوال والدهور ، والأغيار والعصور حتى نضجوا… ألا تراهم لايبادلون جعيرك وهرْجك بسبابٍ مثله.. فهم في مقامات العداء هذه أصحاب أفعالٍ لا أقوال علّمهم البحر كيف يُغرقون خصمهم من (سُكات) وعلمتهم الصحراء كيف يبتلعون الهرّاجين الصخابين بين طياتها دون أن ( تَتور نَفَسَها) ومع هذا فهم أوفياء مذ كانوا على الوثنية فكانوا يبنون الأهرامات على مقابر ملوكهم وفاءً وفخرا وتقديرا ( وفشخرة) !! وعندما أظلتهم المسيحية أسرجوا لها قناديل قلوبهم وأداروا لها خدهم الأيمن وعندما اقتحمهم الإسلام أخذوه اختيارا لاقهرا ، ردوا خيل ابن أبي السرح رشقا بالنبال ثم قبلوا وعظه وهديه سلما وايمانا ويقين، انفتحوا على الحضارات فجلبوا فنون الزراعة بالساقية فأنبتوا الزرع وخصال المرابطة والمصابرة وفضيلة النَفَس الطويل ، (ثيران سواقي في صبرهم) (وخيول فرسان الواقعات والنوازل في بأسهم) ، وعندما هاجروا عطّروا الفضاءات الجديدة بكريم الطباع، الصدق والأمانة ووفاء العهود ،

> ظلمتهم الحكومات فلم يأذوا البلد ولم يُشعلوا في أطراف ثيابها النار، تعلموا لغات الافرنج قديما فنهضوا أندادا (لاقُوادا) في مواخير العمالة غير أنهم يحرقون( زبالتهم) في النار سريعا حتى لاتنقل العدوى إن شذ منهم شاذ !!

> في السبعة السمان يحصدون تمرهم وقمحهم وفولهم ، يبتهجون وُيخرجون زكاة حصيدهم ( وحاة تمرا زرعناهو ومرقنا زكاتو بالشوال) … أما في (السبعة العجاف) وضيق الحال فلاينهب بعضهم بعضا بل يهاجرون… عُمالا وسواقين وأطباء ومدراء يَطعَمون الحلال بكد اليد وأما عرق الجبين فيكتبون به أشعار الحنين….

> تمر بهم قوافل التجارة من قديم … إبلاً وأنعاما وماشية فلم يقطعوا عليها الطريق ولم يفقد أصحابها عقال بعير، ونزلوا على الأمراء والملوك فلم يرتاب أحدهم من فقد صواع !!… يُوقرون الأغراب فإذا افتروا أحرقوهم ، ويُبجلون الأضياف، لايتلصصون على عوراتهم ولايطعمونهم أعراضهم..

> منفتحون على الآخر، لاينظرون إلى الجغرافيا في السودان من ( خرم مفتاح الباب) فلايرونها ضيقة حرجة بل تتسع للجميع ولاينظرون إلى الجغرافيا البشرية في السودان( كخرم إبرة) لاتتسع إلا لخيطٍ واحد بل الأرض عندهم منبسطة والناس بألوانهم وثقافاتهم وتبايناتهم يُخصبون مفهوم التعايش والتباين وأن الفضاء في السودان يتسع للجميع إن نحن أحسنا رجم شياطين الجنجويد شذاذ الأخلاق والآفاق….

> عِلم الحرب عندهم قديم ، يعرفون كيف يُطفئونها إن قامت بينهم ويعرفون كيف يردونها إن كانت عليهم ….
> هؤلاء أقوام تؤمن بوائقهم ويُخشى بأسهم …
فاحذرهم !!!
………………
حسن إسماعيل
السادس من أبريل ٢٠٢٥م

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الجماز: مصارحة جمهور الهلال خطوة أولى نحو التصحيح
  • قيادي بـ الحرية المصري: توجيهات الرئيس باستكمال التغذية الكهربائية لمشروع الدلتا الجديدة تضمن استدامة الإنتاج
  • يسرية محمد الحسن.. شكرا مصر…. شكرا جمهور الهلال الوفي..!!
  • لصالح من سيلعب؟.. إعلامي يفجر مفاجأة عن مستقبل زيزو مع الزمالك
  • حسن إسماعيل: الطيب صالح يرد على الأخرق
  • بحبه قوي .. رد صادم من زيزو في تصريح سابق عن علاقته بجمهور الأهلي
  • حسن إسماعيل: حتى تنجوا من شره
  • شاهد بالفيديو.. مناكفات جميلة بين جمهور الهلال السوداني وجمهور الأهلي المصري داخل المترو.. أحد مشجعي النادي المصري يحاصر مشجع هلالي (قول أنا أهلاوي) والأخير يرد (حتشوف الأسبوع الجاي)
  • إعلامي يصدم جمهور الزمالك حول جلسة التجديد لـ زيزو
  • مسرحية “بحر” تجذب جمهور المسرح في الباحة وتعزز الحراك الثقافي