أطفال غزة المفقودون.. مصائر مختلفة بين الموت والاحتجاز
تاريخ النشر: 28th, June 2024 GMT
غزة- في آخر مرة جالت فيها فاطمة حسونة حول المنزل الذي يرقد تحت أنقاضه جثامين أبناء عمها الخمسة، شاهدت نمو قمح من بين الركام بفعل ماء المطر، فبكت بحُرقة.
كان المشهد يحمل "تناقضا عجيبا" حسب قولها، فالقمح اشتراه عمّها "محمد" بغرض طحنه لإطعام أطفاله الذين عانوا من سياسة التجويع الإسرائيلية، لكنّ الأولاد قُتلوا قبل أن يأكلوا من الخبز، فيما وجدت الحبوب طريقها نحو الحياة، ومنذ ذلك الوقت، تخشى حسونة الاقتراب من الشارع الذي يوجد به المنزل في حي الدرج شرقي مدينة غزة.
ومما يزيد من آلام حسونة وعائلتها أن أجساد الأطفال الخمسة، سعدي (13 عاما) وبسمة (11 سنة)، ودعاء (9 سنوات) ومحمد (7 سنوات)، وحسن (سنة واحدة) لا تزال تحت الأنقاض، وتذكر في حديثها للجزيرة نت أن المنزل تعرض للقصف في 13 يناير/كانون الثاني الماضي، وكان يؤوي 3 عائلات، ولم تستطع طواقم الإنقاذ انتشال سوى أشلاء 4 أشخاص فقط، من أصل حوالي 11 شهيدا.
يترك عدم انتشال جثامين الشهداء، خاصة الأطفال منهم، ندوبا عميقة في ذاكرة آلاف العائلات الفلسطينية، التي فقدت صغارها لأسباب عديدة، حيث قدّرت منظمة "أنقذوا الأطفال" البريطانية، الاثنين الماضي، بأن حوالي 21 ألف طفل في غزة فُقدوا نتيجة الحرب الإسرائيلية.
وقالت المنظمة، في تقرير لها، إن العديد من الأطفال المفقودين عالقون تحت الأنقاض، أو محتجزون في سجون إسرائيلية، أو مدفونون في قبور غير معروفة، أو ضائعون من عائلاتهم.
فبالنسبة للشاب أنس جحا، فقد مرّ عيد الأضحى الأخير عليه ثقيلا وحزينا، وهو ينظر إلى أنقاض منزلهم، الذي يحتضن تحت أنقاضه نحو 60 جثمانا، بينهم حوالي 35 طفلا، ويقول جُحا إنه يشعر بـ"العجز والقهر والحسرة"، لعدم مقدرته على دفن جثامين أبناء عائلته، مضيفا "لا أستطيع النوم وأنا أفكر فيهم".
وقال جحا للجزيرة نت إن منزلهم، المكون من 5 طوابق، تعرض للقصف يوم 6 ديسمبر/كانون الأول الماضي، في حي الشعف شرقي مدينة غزة، ما أسفر عن استشهاد 117 شخصا من أقاربه، تمكنت طواقم الإنقاذ من انتشال 57 منهم، بينما بقي الآخرون تحت الأنقاض، من بينهم طفلاه كاريمان (5 أعوام)، وفايز (3 أعوام).
وبعد أن سرح بخياله، محاولا استرجاع أسماء الشهداء الأطفال من أقاربه، بدأ في سرد أسماء من استحضرتهم ذاكرته المُرهَقة "حلا، أشرف، يزن، زين، كِنزي، المعتصم بالله، تالا، جنى، ريتال، هناء، عبير، محمود، لمى، سيد، عبود، وردة، فرح، صلاح، أسماء، براء، مالك، رياض…".
وفي هذا السياق، أشار الناطق باسم منظمة "اليونيسيف" كاظم أبو خلف، إلى أن نحو 100 طفل يقتلون أو يصابون يوميا في غزة.
وبحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، فقد بلغ عدد الشهداء والمفقودين منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حوالي 47 ألفا و600 شخص، بينهم 15 ألفا و830 طفلا استشهدوا ووصلت جثامينهم المستشفيات.
ولا تتوقف مأساة الأطفال خلال الحرب على احتجاز جثامينهم تحت الأنقاض، فهناك الكثيرون ممن ضاعوا أو فُقدوا في ظروف أخرى، بعد أن فرّق الاحتلال بينهم وبين ذويهم، مثل ما تعرضت له الأم إلهام الحرثاني، التي فقدت نجلها ميسرة (12 عاما) خلال محاولتها النزوح من شمالي القطاع إلى جنوبه منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وبعد بحث طويل، فوجئت الأم بوجود نجلها في جنوبي القطاع، في حين بقيت هي في شماله ببلدة جباليا، وفرّق بينهما حاجز الاحتلال العسكري، وتقول الحرثاني، في اتصال هاتفي مع الجزيرة نت، إنها كانت وسط حشد تعرض للقصف وسط حي الشجاعية شرقي غزة بقذائف الدبابات وقنابل الفوسفور الأبيض، فاضطرت للرجوع لبلدتها، لكنها فَقدت ابنها.
وبعد عدة أيام من البحث، علمت بوجوده في جنوبي القطاع، بعد أن احتضنته سيدة تدعى "آمال عيد"، بينما لم تتمكن الأم الأرملة منذ 4 سنوات من الالتحاق بابنها في الجنوب، بعد أن تعرض منزل أهلها للقصف واستُشهد جميع سكانه وعددهم 22 شخصا، بالإضافة لاستشهاد والد زوجها، ورعايتها لحماتها (والدة زوجها) المقعدة.
وفي وسط القطاع، استطاعت الجزيرة نت أن تلتقي بميسرة، الذي ما زال يعيش مع السيدة "آمال عيد" وترعاه مع صغارها، لكنه يخشى من عدم القدرة على الالتقاء بأمه وأخوته مجددا، ويقول إنه يخاف -كل يوم- أن يقتلهم جيش الاحتلال في غاراته، أو أن يُقتل هو، ولا يلتقي بأمه مجددا، التي تخطر ببالها الهواجس ذاتها بعد كل ما قاسته من آلام الفقد.
يرى الناطق باسم جهاز الدفاع المدني في قطاع غزة محمود بصل أن الأرقام التي تتحدث عن فقدان 21 ألف طفل "منطقية"، خاصة أن "إسرائيل تستهدف بشكل واضح النساء والأطفال"، حسب قوله.
ويوضح بصل للجزيرة نت أن هذا الرقم يشمل جزءا ممن هم تحت الأنقاض، وآخرون استشهدوا ودفنوا في مقابر جماعية، ويقول "سيأتي اليوم الذي يكشف عن التفاصيل بعد انتهاء الحرب"، حيث قد يكون بعضهم قد ضاعوا بعد أن فرّق الاحتلال بينهم وبين ذويهم، وقد يكون جزء منهم في المعتقلات الإسرائيلية".
ولا تتوفر معلومات دقيقة حول الأطفال والقاصرين الذين اعتقلهم جيش الاحتلال خلال حربه على غزة، وهو ما يؤكده بصل الذي يقول إن "ظروف الحرب الحالية، تمنعنا من الحصول على إجابة حول مصير الأطفال، سيكون الكشف بدقة بعد الحرب".
وكشف الناطق باسم الدفاع المدني أن جهازه يتلقى يوميا الكثير من النداءات من الأهالي، تناشدهم استخراج جثامين أطفالهم من تحت الأنقاض، وهو ما يعجز عنه بسبب فقدان الإمكانيات، واصفا ذلك بالشعور "المأساوي والقاهر في الوقت ذاته".
ويقول "نعتذر للأهالي ونقول لهم إننا عاجزون، هذه من أصعب المشاهد التي نواجهها حينما تناشدنا أم أن ننتشل أطفالها الشهداء من تحت الأنقاض، ونحن غير قادرين على ذلك".
وحول الأسباب التي تحول دون انتشال الجثامين، يقول بصل إن إسرائيل دمرت 80% من إمكانيات الدفاع المدني، "فلا آليات ولا مقدرات، وإذا توفرت الآليات، فلا يوجد وقود لتشغيلها".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات تحت الأنقاض بعد أن
إقرأ أيضاً:
وفاة 3 أطفال أشقاء في ظروف غامضة بالعياط| القصة الكاملة
استيقظت قرية المتانيا بمركز العياط على فاجعة وفاة ثلاثة أطفال أشقاء داخل منزلهم في ظروف غامضة.
مع تضارب الروايات وتكثيف الأجهزة الأمنية لتحرياتها، برزت مفاجأة صادمة في التحقيقات الأولية: "عصير جوافة" تناولوه قبل النوم قد يكون مفتاح اللغز.
في السطور التالية نرصد التفاصيل الكاملة في واقعة وفاة 3 أطفال أشقاء داخل منزلهم، حيث كشفت تحريات الأجهزة الأمنية بالجيزة وتحقيقات النيابة الأولية عن تفاصيل مثيرة في وفاة 3 أطفال أشقاء داخل منزلهم بمدينة العياط، حيث تبين أن أصابع الاتهام تشير إلى "عصير جوافة" آخر ما تناوله الصغار قبل اكتشاف وفاتهم.
وأشارت التحريات الأولية التي أجرتها مباحث الجيزة بقيادة اللواء هاني شعراوي مدير المباحث الجنائية والعقيد هاني عكاشة مفتش مباحث فرقة جنوب الجيزة، أن الأطفال الثلاثة تناولوا طعام العشاء مع والديهم ثم قدمت لهم والدتهم عصير جوافة تناولوا منه جميعا ثم خلدوا للنوم وفي اليوم التالي أثناء محاولة والدتهم إيقاظهم اكتشفت وفاتهم.
وأضافت التحريات أن مناظرة الجثامين أكدت عدم وجود إصابات طعنية أو جروح في الجسد، وأسفر كشف الطبيب الشرعي تنفيذا لتكليف النيابة المختصة عن عدم وجود آثار حول العنق أو كسور بغضاريف الرقبة وهو ما ينفي وجود جريمة خنق وتتبقى فقط التحاليل التي سيجريها الطب الشرعي لحسم سبب الوفاة حيث تم أخذ عينات من الكبد والنخاع والرئتين وعينة حشوية للتأكد من عدم وجود آثار تسمم أدت للوفاة حيث تم التحفظ على بقايا أطعمة والعصير لتحليلها وفحصها.
وشرحت التحريات أن هناك ترجيحات بوجود مبيدات كيماوية في عصير الجوافة الذي شربه المتوفون، ولصغر سنهم لم يتحملوا مثل أبويهم وفارقوا الحياة وهو ما سيجزم به الطب الشرعي من عدمه.
وبدأت أمس نيابة العياط إجراء تحقيقات موسعة في الوفاة المفاجئة لـ 3 أطفال أشقاء في قرية المتانيا بمدينة العياط جنوب محافظة الجيزة بعدما اكتشف والديهم وفاتهم اثناء ايقاظهم صباحا.
وأجرت النيابة مناظرة لجثامين الأطفال والتي أسفرت عن عدم وجود أية إصابات ظاهرية أو آثار عنف على جثامين الصغار، انتدبت النيابة الطب الشرعي لتشريح الجثث الثلاثة وتحديد سبب وتوقيت الوفاة لبيان مدى وجود شبهة جنائية من عدمه.
وكلفت النيابة الطبيب الشرعي أخذ عينة حشوية من أمعاء الأطفال للكشف عن وجود آثار مواد سامة بها من عدمه والاستعلام عن آخر طعام تناوله أفراد الأسرة للتحقق من احتمالية تسممهم، كما طلبت النيابة تقريرا حول الحالة الصحية للأطفال ومدى وجود أية أمراض وراثية قد تؤدي للوفاة المفاجأة أو عيوب خلقية تسبب الوفاة.
واستدعت النيابة والدي الأطفال اللذين تبين انهما من ذوي الهمم "صم وبكم" فاستعانت بـ"خبير إشارة" لاستجوابهما حول ظروف وملابسات وفاة أبنائهما الثلاثة.
وكشفت التحقيقات عن تفاصيل مثيرة بالواقعة حيث طلبت تحريات مباحث الجيزة حول تداول عدد من أهالي قرية المتانيا بالعياط أن والدي الأطفال سبق وتوفي لهما 3 إخوة في مرتين سابقتين، حيث فقدت الأسرة في البداية طفلا ذكرا، ثم طفلتين اناث "توأم"، ثم فوجئوا صباح الأحد بوفاة الـ 3 الآخرين ليصبح إجمالي الأطفال المتوفين من الأسرة 6 أطفال، وفي كل مرة كان الأطفال ينامون ويحاول والداهم ايقاظهم ليجدوهم متوفين.
وردد بعض الأهالي أن والدي الأطفال بعدما توفى الأطفال الثلاثة السابقين اعتقدا ان المنزل مسكون بالجن وأنه تسبب في وفاة أبنائهما فتركوه وانتقلوا لمنزل آخر حتى فوجئوا بوفاة الثلاثة الباقين.
من جانبها تكثف مباحث الجيزة من جهودها لكشف ملابسات الواقعة وحل غموضها وبيان وجود شبهة جنائية من عدمه.
تلقى ضباط مباحث مركز شرطة العياط بمديرية أمن الجيزة، إشارة من المستشفى تفيد باستقبال جثامين 3 أطفال أشقاء هم "أحمد أ د"، وشقيقاه "محمد"، و"عبدالله"، عمر 4 و5 سنوات، لا توجد بهم إصابات ظاهرية، وادعاء وفاة طبيعية ومقيمين بقرية المتانيا بدائرة المركز.
انتقلت الأجهزة الأمنية إلي محل البلاغ وبالفحص وبالتقابل مع والدي الأطفال الثلاثة تبين أنهما من الصم، وبالاستفسار عن سبب الوفاة أفادا بأنهما أثناء محاولة إيقاظ الأطفال وجداهم جثثا هامدة.
وتم التحفظ على الجثامين داخل ثلاجة المستشفى تحت تصرف النيابة العامة.