الملء الخامس لسد النهضة.. إثيوبيا تنفرد بالنيل والسودان غارق في الحرب ومصر بلا ظهير
تاريخ النشر: 28th, June 2024 GMT
إثيوبيا – على وقع معارك مفتوحة في السودان بين فرقاء السلاح، وانشغال مصر بالأزمات المعيشية الداخلية من غلاء الأسعار وانقطاع الكهرباء، تعتزم إثيوبيا بدء الملء الخامس لسد النهضة، الذي تبنيه منذ عام 2011، لتحجز بذلك 23 مليار متر مكعب إضافية من مياه النيل تضاف إلى 41 مليار متر مكعب آخر تم احتجازها في المراحل الأربع السابقة.
ويُعتقد أن الملء الخامس للسد، والذي سيبدأ نهاية يوليو/تموز ويستمر حتى 10 سبتمبر/أيلول المقبلين، سيكون الأكبر منذ انطلاق عمليات الملء، وسط توقعات بإضافة أكثر من 15 مليار متر مكعب من المياه خلال موسم الفيضان الحالي.
وعملت إثيوبيا ولا تزال بوتيرة متسارعة على استكمال أعمال تعلية الحائط الأوسط للسد والذي تستهدف الوصول به إلى 625 مترا فوق سطح البحر، مما يعني قدرتها على تخزين نحو 50 مليار متر مكعب من المياه مستقبلاً.
ويرى الخبراء أنه كلما زادت السعة التخزينية للسد، زادت القدرة على التحكم في المياه، ويقدرون أن سد النهضة يستطيع تخزين عام ونصف العام من مياه النيل الأزرق، مما يعنى القدرة على تخزين نحو 50% من حصص دولتي المصب (مصر والسودان) لمدة 3 سنوات أو أكثر ستكون عجافا، ويزداد الأمر سوءا كلما زاد عدد سدود إثيوبيا التي تعتزم إنشاء المزيد منها.
وتجري عملية الملء بمعزل عن السودان ومصر اللذين يشكل نقصان مياه السد الإثيوبي خطرا وجوديا عليهما، ويبدو الخطر أكثر قتامة بالنسبة لمصر المصنفة ضمن أكثر دول العالم التي تعاني فقرا مائيا، إذ سبق أن أعلن وزير الموارد المائية والري المصري هاني سويلم أن موارد بلده المائية تقدر بنحو 59.60 مليار متر مكعب سنويا، تقابلها احتياجات مائية تُقدر بنحو 114 مليار متر مكعب سنويا.
ولا تنسيق في الملء مع السودان المشغول بالمعارك المفتوحة التي لا يعرف أحد متى تنتهي، ولا مع مصر التي تشكو فقرا مائيا يصل إلى درجة الشح، رغم أن النيل هو المورد المائي الوحيد لكل الكائنات الحية على أراضيها، لكنها باتت عاجزة عن التحرك.
مصر تبدو بلا ظهير في هذه الأزمة الوجودية، وبلغ الحال درجة صمت الإعلام المصري عن ملف سد النهضة، ويبدو أن القاهرة باتت تكتفي بالتنديد الموسمي بالمواقف الإثيوبية “المنفردة” في المؤتمرات والمحافل الدولية، التي ترى فيها مناسبة لتسليط ضغوط دولية كبرى على أديس أبابا، وإقناعها بالعودة إلى طاولة المفاوضات.
محصلة 14 عاما من المحادثات كانت “صفرا كبيرًا”، إذ أعلنت القاهرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي فشل آخر جولة للمفاوضات التي استمرت 4 أشهر، واتهمت إثيوبيا باستغلال الغطاء التفاوضي لتكريس الأمر الواقع على الأرض، وقالت إنها “ستراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل السد”.
في المقابل أعلنت إثيوبيا مطلع أبريل/نيسان الماضي انتهاء 95% من إنشاءات السد، وقبل أيام، اعتبر رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن “ملء السد لن يكون محل نقاش بعد الآن”.
وحول هذا الأمر، قال خبير المياه المصري عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، “سألت السفير الإثيوبي بالقاهرة: هل هناك أية بوادر لعودة المفاوضات بشأن سد النهضة بين مصر وإثيوبيا؟ فقال إنه لا توجد أي اتصالات”.
ويرى شراقي أنه طالما لا توجد مفاوضات بشأن سد النهضة “فهناك فرصة أمام إثيوبيا لتخزين كافة المياه المتبقية”، مضيفا أن أديس أبابا ركّبت توربينين اثنين، ويتبقى لها 11 توربينا آخر.
الحديث عن فشل المسار التفاوضي ليس جديدا، فقبل نحو 6 سنوات اعترف مسؤول مصري بفشل المفاوضات، قائلا “لقد خسرنا. لم نستطع أن نحول دون تشييد السد، ولم نتمكن من تحصيل التعديلات على المشروع، خصوصا فيما يتعلق بخفض سعة تخزينه. أملنا الوحيد، والضعيف، هو أن تتم تعبئة بحيرة السد على فترة زمنية تتجاوز الثلاث سنوات التي أعلنت عنها أديس أبابا”.
ويثير التخزين الجديد لسد النهضة مخاوف خبراء في مصر من نقص حصة القاهرة من مياه النيل، ويؤكد الخبراء أن إقدام إثيوبيا على تنفيذ مشروعات سدود مستقبلية يعد “كارثة”، حيث تطلق يدها في أعالي النيل الأزرق.
لكن إثيوبيا تتعنت وتطالب بإطلاق يدها، وتعلن أنها تدرس إقامة 3 سدود (سد مندايا، وسد بيكوابو، وسد كاردوبي)، وأن عملية ملء السدود الثلاثة تقدر بحوالي 80 مليار متر مكعب، وهي أكبر من تخزين سد النهضة، والمساحة التخزينية للسدود الثلاثة تبلغ 1369 كيلومترا مربعا.
مثل هذه الخطوة ستكون خصما من الحصة المائية السنوية لمصر والسودان، وستقل الكهرباء المولدة من السد العالي وخزان أسوان بحوالي 500 ميغاوات سنويا، وسيزداد العجز المائي خلال فترات الإنشاء والملء، إذا تم استخدام مياه السد في الأغراض الزراعية في إثيوبيا.
وتؤكد دراسات مصرية أنه في حالة استخدام السدود الإثيوبية بعد انتهاء فترات الملء، فإن العجز المائي لمصر سيتراوح سنويا ما بين 8 و14 مليار متر مكعب، أما في حالة استخدام مياه السدود الأربعة في الزراعة فسيزيد العجز المائي لمصر ليصل إلى 19 مليار متر مكعب سنويا من حصتها في مياه النيل. ونتيجة لذلك سيقل إنتاج الكهرباء المتولدة من السد العالي وخزان أسوان بمقدار ألف ميغاوات سنويا.
وتشكو مصر شحّا مائيا، وتتصدر قائمة الدول الأكثر جفافا بأقل معدل لهطول الأمطار في العالم، وتعتمد بشكل أساسي على مياه النيل بنسبة 98% من مواردها المائية، وتبلغ حصتها 55.5 مليار متر مكعب سنويا، في حين تبلغ استخدامات القاهرة الفعلية الحالية من المياه نحو 80 مليار متر مكعب سنويا، وموردها المائي واحد هو نهر النيل.
وسيجبر الملء الخامس لسد النهضة مصر -كما يقول الخبراءـ على السحب من مخزون المياه الإستراتيجي في بحيرة ناصر خلف السد العالي الواقع جنوبي البلاد 41 مليار متر مكعب لتعويض نقص المياه، مما ينذر بمزيد من الأزمات سواء توليد الكهرباء أو توفير مياه الري والشرب.
الفجوة الكبيرة بين الموارد والاحتياجات المائية دفعت مصر لتنفيذ 3 مشاريع لمعالجة مياه الصرف، ولتقليص زراعة الأرز ومحاصيل أخرى تستهلك كميات أعلى من المياه، لكن هذه الاجراءات لا تسد إلا نزرا يسيرا من الاحتياجات، كما أن مشاريع تحلية مياه البحر تبدو مكلفة وضاغطة في ظل الأزمة الاقتصادية.
في القرن الخامس قبل الميلاد كتب المؤرخ والرحالة اليوناني هيرودوتوس عبارته الشهيرة “مصر هبة النيل”، فقد هيأت مياه النهر وما يحمله من طمي للأرض لكي تزدهر على ضفتي النهر واحدة من أقدم الحضارات التي عرفتها البشرية. لكن هذه الهبة باتت مهددة بتقليص المياه التي تتدفق إليها من أطول أنهار العالم وتحمل الحياة لكل من يعيش على أرض مصر.
سعي القاهرة لحشد الضغط الدولي على إثيوبيا ثبت أنه بلا جدوى من الناحية العملية، خصوصا مع تراجع سقف المطالب، مما يستدعي مقولة “إنْ فشلت السياسة، هل فكرة الحرب واردة؟”، فهل تخيم نذر الحرب على شريان الحياة لدولة المنبع والمصب؟
ويذكّرنا التاريخ بأن الدبلوماسي المصري الشهير بطرس بطرس غالي قال لدى تسلمه منصب الأمين العام للأمم المتحدة عام 1992 إن “النزاع المقبل في الشرق الأوسط سيكون حول المياه، ستصبح قطرة الماء أغلى من قطرة البترول”.
المصدر : الجزيرةالمصدر: صحيفة المرصد الليبية
كلمات دلالية: ملیار متر مکعب سنویا الملء الخامس لسد النهضة میاه النیل من المیاه سد النهضة
إقرأ أيضاً:
المبعوث الأمريكي للسودان: الولايات المتحدة تؤيد إنهاء الحرب والجرائم التي ترتكب في حق الشعب السوداني
أوضح المبعوث الأمريكي للسودان، توم بيرييلو، أن السبيل الوحيد لإنهاء معاناة السودانيين هو إنهاء الحرب وتمكين الشعب السوداني من اتخاذ قراراته بشأن مستقبله.
الخرطوم ــ التغيير
قال بيرييلو في منشور على منصة “إكس” إنه عقد اجتماعات مثمرة في بورتسودان مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، وقادة المجتمع المدني وفريق الأمم المتحدة الإنساني.
أكد أن الولايات المتحدة تؤيد إنهاء الحرب والجرائم التي ترتكب بحق الشعب السوداني بشكل فوري، مشيرًا إلى أن السبيل الوحيد لوضع حد للمعاناة هو إنهاء هذه الحرب ومنح الشعب السوداني القدرة على تحديد مستقبله.
أوضح أن الرسالة التي تلقاها بوضوح من ممثلي المجتمع المدني الذين قابلهم في بورتسودان تنص على أن الجرائم التي تستهدف النساء السودانيات يجب أن تتوقف، ويجب حماية المدنيين.
وأضاف “نحن نتشارك معهم في حرصهم على إنهاء هذه الحرب، وإيقاف الفظائع التي ترتكب ضد المدنيين، وضمان سودان موحد وديمقراطي وسلمي.
ورحب المبعوث الأمريكي بالتحسينات الأخيرة في توسيع الوصول للمساعدات الإنسانية، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة، كأكبر دولة مانحة للمساعدات للسودان، ستبذل قصارى جهدها لضمان وصول الغذاء والماء والأدوية إلى الناس في جميع الولايات الثماني عشرة بالإضافة إلى اللاجئين.
و قال: “أعبر عن تقديري للجهود الأخيرة التي تهدف إلى تحسين تدفق المساعدات الطارئة لـ 25 مليون سوداني يعانون من المجاعة والجوع الحاد. يجب علينا الاستمرار في زيادة كميات الغذاء والدواء المرسلة من بورتسودان وأدري، وتوسيع نطاق رحلات الإغاثة إلى المناطق النائية”.
أشار إلى أنه استمع إلى الآراء التي طرحها العاملون في المجال الإنساني من الأمم المتحدة في بورتسودان، مضيفًا: “مع تقديم الولايات المتحدة لأكثر من نصف الدعم الإغاثي في السودان، أُقدِّر التقدم الذي تم إحرازه في جهود تقديم المساعدة للمجتمعات الضعيفة في مختلف أنحاء البلاد، وستستمر الولايات المتحدة في دعم جهود الشركاء لتوسيع نطاق الإغاثة الطارئة للسودانيين الضعفاء”.
الوسومالحرب المبعوث الأمريكي بورتسودان توم بريللو