تعميم يحرم سوريين من زيارة بلدهم.. دلالاته وتأثيره
تاريخ النشر: 28th, June 2024 GMT
دمشق- "كنت أتحرّق شوقا لزيارة عائلتي في سبتمبر/أيلول المقبل بعد مرور عامين على مغادرتي البلاد، ولكنني أصبت بخيبة كبرى، فبعد أن تمكن والدي من إنهاء وثائق تسوية خروجي غير النظامي من سوريا، قبل شهرين، جاء القرار ليمنعني مجددا من زيارة أهلي إلا بدفع بدل نقدي لا أملك ربع قيمته".
بهذه الكلمات يعبّر تمام (23 عاما)، موسيقي سوري مغترب في أربيل عاصمة كردستان العراق، عن شعوره إزاء التعميم الصادر مؤخرا عن وزارة الخارجية في حكومة النظام السوري يوم 14 يونيو/حزيران الجاري.
وأصدرت الإدارة القنصلية في الوزارة تعميما منعت بموجبه قبول طلبات الراغبين في زيارة سوريا من المتخلفين عن أداء الخدمة العسكرية الإلزامية "الذين غادروا القُطر بطريقة غير نظامية" إلا لغرض تسوية وضعهم التجنيدي والالتحاق بهذه الخدمة، أو لدفع البدل النقدي، وذلك بعد أن كان مسموحا لهم بزيارة سوريا سنويا لمدة لا تتجاوز 90 يوما.
وفي حديث للجزيرة نت، يصف تمام القرار قائلا "إنه فصل جديد من المأساة، ففي السابق دفعنا ما لدينا لمغادرة البلاد، والآن صار لزاما علينا أن ندفع كل ما قد نجنيه طيلة سنوات غربتنا لنتمكن من زيارة أهلنا عدة أيام في السنة. إنه ظلم".
ما دلالات هذا التعميم؟ وكيف ينعكس على السوريين؟
يرى الباحث السوري في "مركز جسور للدراسات" رشيد حوراني أن التعميم الأخير يأتي في سياق المراسيم والقوانين التي بدأ النظام بإصدارها منذ منتصف العام الماضي فيما يتعلّق بالخدمة العسكرية، التي تهدف أساسا إلى ترميم المؤسسة العسكرية "المتهالكة"، وتحفيز المكلفين بالخدمة الإلزامية.
وكان من تلك القرارات -على سبيل المثال- نظام عقود التطوع بالجيش مقابل رواتب وامتيازات وحوافز مختلفة للمتطوعين، الذي أُعلن عنه العام الماضي، وفق حوراني، الذي يرى أن لتلك القرارات بُعدا سياسيا يتعلق بضرورة تحقيق النظام المطالب المتعلقة بالمبادرة العربية -خطوة بخطوة- التي تهدف إلى تحقيق الحل السياسي في سوريا.
غير أن هذا التعميم، كما يشير للجزيرة نت، لا يقيم اعتبارا للمبادرة العربية، ويحرم المتخلفين عن الخدمة العسكرية من زيارة بلدهم دون شروط أو قيود، وهو ما يفوّت على النظام فرصة "بناء الثقة مع هؤلاء الذين اضطرتهم ظروف مختلفة للخروج من بلدهم وترك أرزاقهم".
ويلفت حوراني إلى أن التعميم يأتي مكمّلا للقرارات المتعلقة بالتجنيد، التي صدرت سابقا وتمكنت من "خلق دورة ثابتة -إلى حد ما- فيما يتعلق بالموارد البشرية التي يعاني جيش النظام من نقص كبير فيها".
ويقول إنها تتخذ منحيين اثنين:
فإما أن ترفد جيش النظام بالموارد البشرية التي هو بحاجتها. وإما أن تجبر المتخلفين على دفع بدل خدمة، الذي بدوره يساعد النظام على تأمين رواتب من التحق بالخدمة بموجب نظام عقود التطوع الجديد.وبخصوص دافع النظام من اتخاذ هذه القرارات العسكرية، يُرجعه حوراني إلى محاولة النظام -بالتعاون مع روسيا بشكل خاص- إعادة هيكلة الجيش وتنظيمه بما يتناسب مع المتطلبات العربية الخاصة ليبدو نظام مؤسسات. وهي خطوة يرى أنها لا ترضي الجانب الإيراني بسبب اعتماده على "مليشياته في سوريا".
وبرأيه، فهناك أسباب عديدة تحول دون ذلك، لا سيما غياب المركزية لدى جيش النظام، حيث باتت كل وحدة عسكرية تعلن عن حاجتها للقوى البشرية بشكل منفصل عن الأخرى. ويعتقد أن هذا التعميم يأتي في إطار محاولة مرحلية لتعويض النقص البشري الذي يعاني منه النظام، "والتي لن يُكتب لها النجاح على المدى المتوسط والبعيد".
معاناة مستمرةفي سياق متصل، أوضح المدير العام للإدارة العامة في وزارة الدفاع اللواء أحمد سليمان، أمس الأربعاء، في مقابلة صحفية، أن هدف الوزارة هو "الوصول إلى جيش متطور يعتمد على المتطوعين عبر عقود التطوع الجديدة، التي تتضمن امتيازات كثيرة للمتطوعين مقارنة بالخدمة الإلزامية".
ومع اشتعال فتيل الحرب عام 2012، هاجرت شريحة واسعة من الشبان خارج سوريا سواء بالطرق النظامية بموجب عقود عمل وقبولات جامعية، أو بالطرق غير النظامية تهريبا عبر الحدود، لتفادي الالتحاق بصفوف جيش النظام.
واضطر كثير منهم إلى الخروج بصورة غير نظامية بعد انتهاء مدة صلاحية تأجيل الخدمة العسكرية الخاص بهم، وبذلك خضعوا لحكم المتخلفين عن "خدمة العلم" ممن لديهم خروج غير نظامي. وعانت هذه الفئة من صعوبات كثيرة داخل سوريا، وتعاني الآن من تعقيدات مشابهة وهي خارجها.
يقول خالد (29 عاما)، وهو موظف في وكالة تسويق رقمي ولاجئ سوري في ألمانيا، للجزيرة نت "بقيت حبيس منزلي قرابة 4 سنوات بعد أن تسلمت بلاغ الالتحاق بالخدمة العسكرية منتصف عام 2012".
ويضيف أنه لم يتجاوز -طيلة تلك المدة- حدود الحي الذي كان يعيش فيه بريف دمشق خوفا من ضبطه على أحد الحواجز العسكرية المنتشرة. وأنه أصيب حينها باكتئاب شديد وبقي على تلك الحال إلى أن وصل إلى تركيا تهريبا في عام 2016.
وبعد غيابه الطويل، وحصوله مؤخرا على الجنسية الألمانية، كان خالد يمنّي نفسه بزيارة أهله هذا العام قبل صدور التعميم. ويعلق "كان بمثابة صاعقة. خططت لزيارة سوريا شهرا كاملا أقضيه بصحبة أهلي بعد مضي قرابة 9 سنوات على هجرتي، لقد سحقوا أمنيتي تماما، وقيّدوها بشروط تعجيزية لا أستطيع تحقيقها حاليا".
ويتابع مستنكرا "كيف سأدفع لهم 7 آلاف دولار في وقت أحتاج فيه إلى توفير كل دولار لتأمين مصروف والديَّ وأدويتهما واحتياجاتهما، وللاستمرار في إعالة أسرتي هنا في الخارج؟".
هروبوخسر آلاف الشبان ممن غادروا البلاد بصورة غير نظامية، فرصة زيارة عائلاتهم في الداخل السوري إلا من استطاع منهم دفع البدل النقدي الذي يتراوح بين 7 آلاف و10 آلاف دولار، بحسب مدة إقامة المتخلّف عن الخدمة خارج البلاد.
واحتفظ النظام، منذ عام 2011، بعشرات الآلاف من الشبان الذين أتموا المدة الإلزامية لخدمتهم (عامان)، ولم يُصدِر أمرا إداريا بإنهاء الاحتفاظ بهم طيلة 8 سنوات. وخلال عام 2013، بدأ باستدعاء الشبان للخدمة الاحتياطية، الذين أتموا الخدمة الإلزامية قبل عام 2011 ولم يتجاوزوا سن التكليف المحدّد بـ42 عاما.
وجاء أول قرار إداري يقضي بإنهاء الاستدعاء والاحتفاظ بالمجندين والضباط واﻻحتياطيين في عام 2018، وبذلك بلغت مدة الخدمة التي أمضاها البعض في جيش النظام 10 سنوات.
وتتالت قرارات إنهاء الاستدعاء خلال السنوات القليلة الماضية، وكان آخرها في يونيو/حزيران الجاري، حيث أصدرت القيادة العامة للجيش قرارا إداريا بإنهاء الاستدعاء والاحتفاظ بالاحتياطيين ممن أتموا 6 أو 5 أو 4 سنوات خدمة احتياطية فعلية تباعا من الأقدم إلى الأحدث حتى نهاية العام الجاري.
ويغادر سوريا سنويا آلاف الشبان المطلوبين لتأدية الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية، متجنبين الانخراط في الحرب التي تدور رحاها منذ نحو 12 عاما، وهربا من طول سنوات الخدمة وتدني قيمة الرواتب.
وتضمن المرسوم التشريعي رقم 30 لعام 2020 تعديلا لقيمة البدلات النقدية للخدمة العسكرية، فحدد البدل بمبلغ 7 آلاف دولار لمن كان مقيما في الخارج مدة لا تقل عن 4 سنوات، و8 آلاف دولار لمن أقام في الخارج مدة 3 سنوات، و9 آلاف دولار لمن أقام مدة لا تقل عن سنتين، و10 آلاف دولار لمن أقام في الخارج عاما واحدا فقط.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الخدمة الإلزامیة الخدمة العسکریة جیش النظام فی الخارج من زیارة
إقرأ أيضاً:
سوريا.. عدوان إسرائيلي على الجنوب و«حاخام» كبير يوجه رسالة لـ«يهود العالم» من دمشق
شنت الطائرات الإسرائيلية غارات على أهداف عسكرية في منطقة سعسع جنوبي سوريا فيما قصفت مدفعيا مناطق سكنية في درعا، مما تسبب في أضرار بالبنى التحتية.
وأعلن الجيش الإسرائيلي في بيان رسمي أن “طائراته الحربية قصفت أهدافا عسكرية تابعة للنظام السوري السابق في محيط بلدة سعسع جنوب سورية”.
وقال الجيش الإسرائيلي “إن الهجوم نفذ بتوجيه من الفرقة 210 في الجيش الإسرائيلي، مضيفا أن العمليات العسكرية “ستستمر لإزالة أي تهديدات تخيم على إسرائيل”.
وادعى الجيش الإسرائيلي أنه استهدف “أسلحة تعود للنظام السوري السابق”، في إشارة إلى استهداف مقدرات عسكرية سورية دون تقديم تفاصيل عن طبيعتها.
وأفادت إذاعة الجيش الإسرائيلي بأن الطائرات استهدفت ثلاث دبابات سورية في محيط بلدة سعسع، الواقعة على بعد نحو 20 كيلومترا من الجولان السوري المحتل.
ووفق مصدر عسكري إسرائيلي، فإن الدبابات المستهدفة كانت محملة بأسلحة وذخائر، لكنها لم تكن قد دخلت الخدمة العسكرية لدى السلطات السورية الجديدة بعد.
وأضاف المصدر أن الغارات استهدفت منع وصول الدبابات إلى القوات التابعة للسلطات السورية الجديدة أو إلى جهات أخرى وصفها بأنها “إرهابية”.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن القوات الإسرائيلية قصفت بالمدفعية الثقيلة منطقة وادي اليرموك في ريف درعا الغربي، دون ورود تقارير عن وقوع خسائر بشرية.
ووفق مصادر محلية، شن الجيش الإسرائيلي تسع هجمات مدفعية استهدفت مناطق سكنية في جنوب غربي درعا، مما أدى إلى أضرار في البنية التحتية والممتلكات.
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن بتاريخ 10 ديسمبر الماضي أنه قصف معظم مخزونات الأسلحة الاستراتيجية في سوريا خلال يومين، وأن سفنه استهدفت منشأتين للبحرية السورية.
ومن بين الأهداف التي استهدفها الجيش الإسرائيلي في ديسمبر الماضي قواعد سلاح الجو السوري، بما في ذلك أسراب كاملة من طائرات «ميغ» و«سوخوي» التي تم تدميرها، ومحطات دفاعية وأبحاث علمية، والعشرات من البطاريات الكبيرة والمتقدمة المضادة للطائرات في جميع أنحاء سوريا، إضافة إلى المخزونات الاستراتيجية للأسلحة، (مواقع تخزين صواريخ متقدمة، وأنظمة دفاع جوي، ومرافق إنتاج أسلحة، ومواقع أسلحة كيماوية)، كما دمرت طائرات ومروحيات ودبابات تابعة لجيش نظام الأسد، بحسب وكالة «رويترز» للأنباء.
حاخام كبير يوجه رسالة من قلب دمشق ويدعو اليهود السوريين المنتشرين في العالم للعودة إلى بلادهم
بدورها، أفادت وكالة “الأناضول” التركية للأنباء، في تقرير لها بأن حاخاماً يهودياً من سوريا عاد إلى دمشق بعد مغادرتها قسرا على يد النظام السابق في 1992.
وذكرت الوكالة أن الحاخام يوسف حمرا زار مع مجموعة من اليهود، بعض الكنس التاريخية في دمشق، مثل كنيسي “الفرنج” و”الراكي”، إضافة إلى مدرسة “ابن ميمون” اليهودية، وكنيس “جوبر” الذي تعرض للتدمير إثر قصف قوات النظام السابق.
وفي حديث للأناضول أشار حمرا الذي كان أحد حاخامات يهود سوريا، أنه عاد لمنزله في دمشق بعد أكثر من ثلاثة عقود من الغياب.
واستهل حمرا عودته بزيارة حيه والكنس اليهودية، قائلا: “لم أتعرف على منزلي الذي بنيته بيدي، لكن الذي تغير في الحقيقة هو البلد”.
وأضاف حمرا أن السوريين لا يزالون يحتفظون بنفس الدفء. وقال: “كنت أعمل على العودة إلى دمشق منذ عام ونصف العام، ولكن النظام الذي سقط في سوريا لم يسمح لي بذلك”.
كما دعا حمرا اليهود في الغرب قائلا: “تعالوا إلى سوريا وشاهدوا بأنفسكم. ربما يتغير رأيكم وتريدون العودة”.
الأمم المتحدة تحذر: التعافي في سوريا يحتاج إلى جهود أسرع وأكثر جرأة
قال مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، على “إكس”، إن “280 ألف لاجئ سوري وأكثر من 800 ألف نازح عادوا إلى ديارهم منذ سقوط النظام في سوريا”.
وأشار إلى أن الجهود الأولية لمساعدة سوريا على التعافي “يجب أن تكون أكثر جرأة وسرعة، وإلا فإن الناس سيغادرون من جديد، وهذا الأمر بات عاجلا الآن!”.
ويشار إلى أن غراندي دعا في يناير الماضي، أثناء زيارته إلى دمشق، إلى رفع العقوبات الغربية المفروضة على سوريا، معتبرا أنها تشكل عائقا “رئيسيا” أمام عودة اللاجئين إلى البلاد.
وفي مطلع فبراير الجاري، أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عن عودة أكثر من عشرين ألف لاجئ سوري من الأردن منذ سقوط النظام السابق.
آخر تحديث: 19 فبراير 2025 - 09:50