دمشق- "كنت أتحرّق شوقا لزيارة عائلتي في سبتمبر/أيلول المقبل بعد مرور عامين على مغادرتي البلاد، ولكنني أصبت بخيبة كبرى، فبعد أن تمكن والدي من إنهاء وثائق تسوية خروجي غير النظامي من سوريا، قبل شهرين، جاء القرار ليمنعني مجددا من زيارة أهلي إلا بدفع بدل نقدي لا أملك ربع قيمته".

بهذه الكلمات يعبّر تمام (23 عاما)، موسيقي سوري مغترب في أربيل عاصمة كردستان العراق، عن شعوره إزاء التعميم الصادر مؤخرا عن وزارة الخارجية في حكومة النظام السوري يوم 14 يونيو/حزيران الجاري.

وأصدرت الإدارة القنصلية في الوزارة تعميما منعت بموجبه قبول طلبات الراغبين في زيارة سوريا من المتخلفين عن أداء الخدمة العسكرية الإلزامية "الذين غادروا القُطر بطريقة غير نظامية" إلا لغرض تسوية وضعهم التجنيدي والالتحاق بهذه الخدمة، أو لدفع البدل النقدي، وذلك بعد أن كان مسموحا لهم بزيارة سوريا سنويا لمدة لا تتجاوز 90 يوما.

وفي حديث للجزيرة نت، يصف تمام القرار قائلا "إنه فصل جديد من المأساة، ففي السابق دفعنا ما لدينا لمغادرة البلاد، والآن صار لزاما علينا أن ندفع كل ما قد نجنيه طيلة سنوات غربتنا لنتمكن من زيارة أهلنا عدة أيام في السنة. إنه ظلم".

 

 ما دلالات هذا التعميم؟ وكيف ينعكس على السوريين؟

يرى الباحث السوري في "مركز جسور للدراسات" رشيد حوراني أن التعميم الأخير يأتي في سياق المراسيم والقوانين التي بدأ النظام بإصدارها منذ منتصف العام الماضي فيما يتعلّق بالخدمة العسكرية، التي تهدف أساسا إلى ترميم المؤسسة العسكرية "المتهالكة"، وتحفيز المكلفين بالخدمة الإلزامية.

وكان من تلك القرارات -على سبيل المثال- نظام عقود التطوع بالجيش مقابل رواتب وامتيازات وحوافز مختلفة للمتطوعين، الذي أُعلن عنه العام الماضي، وفق حوراني، الذي يرى أن لتلك القرارات بُعدا سياسيا يتعلق بضرورة تحقيق النظام المطالب المتعلقة بالمبادرة العربية -خطوة بخطوة- التي تهدف إلى تحقيق الحل السياسي في سوريا.

غير أن هذا التعميم، كما يشير للجزيرة نت، لا يقيم اعتبارا للمبادرة العربية، ويحرم المتخلفين عن الخدمة العسكرية من زيارة بلدهم دون شروط أو قيود، وهو ما يفوّت على النظام فرصة "بناء الثقة مع هؤلاء الذين اضطرتهم ظروف مختلفة للخروج من بلدهم وترك أرزاقهم".

ويلفت حوراني إلى أن التعميم يأتي مكمّلا للقرارات المتعلقة بالتجنيد، التي صدرت سابقا وتمكنت من "خلق دورة ثابتة -إلى حد ما- فيما يتعلق بالموارد البشرية التي يعاني جيش النظام من نقص كبير فيها".

ويقول إنها تتخذ منحيين اثنين:

فإما أن ترفد جيش النظام بالموارد البشرية التي هو بحاجتها. وإما أن تجبر المتخلفين على دفع بدل خدمة، الذي بدوره يساعد النظام على تأمين رواتب من التحق بالخدمة بموجب نظام عقود التطوع الجديد.

وبخصوص دافع النظام من اتخاذ هذه القرارات العسكرية، يُرجعه حوراني إلى محاولة النظام -بالتعاون مع روسيا بشكل خاص- إعادة هيكلة الجيش وتنظيمه بما يتناسب مع المتطلبات العربية الخاصة ليبدو نظام مؤسسات. وهي خطوة يرى أنها لا ترضي الجانب الإيراني بسبب اعتماده على "مليشياته في سوريا".

وبرأيه، فهناك أسباب عديدة تحول دون ذلك، لا سيما غياب المركزية لدى جيش النظام، حيث باتت كل وحدة عسكرية تعلن عن حاجتها للقوى البشرية بشكل منفصل عن الأخرى. ويعتقد أن هذا التعميم يأتي في إطار محاولة مرحلية لتعويض النقص البشري الذي يعاني منه النظام، "والتي لن يُكتب لها النجاح على المدى المتوسط والبعيد".

معاناة مستمرة

في سياق متصل، أوضح المدير العام للإدارة العامة في وزارة الدفاع اللواء أحمد سليمان، أمس الأربعاء، في مقابلة صحفية، أن هدف الوزارة هو "الوصول إلى جيش متطور يعتمد على المتطوعين عبر عقود التطوع الجديدة، التي تتضمن امتيازات كثيرة للمتطوعين مقارنة بالخدمة الإلزامية".

ومع اشتعال فتيل الحرب عام 2012، هاجرت شريحة واسعة من الشبان خارج سوريا سواء بالطرق النظامية بموجب عقود عمل وقبولات جامعية، أو بالطرق غير النظامية تهريبا عبر الحدود، لتفادي الالتحاق بصفوف جيش النظام.

واضطر كثير منهم إلى الخروج بصورة غير نظامية بعد انتهاء مدة صلاحية تأجيل الخدمة العسكرية الخاص بهم، وبذلك خضعوا لحكم المتخلفين عن "خدمة العلم" ممن لديهم خروج غير نظامي. وعانت هذه الفئة من صعوبات كثيرة داخل سوريا، وتعاني الآن من تعقيدات مشابهة وهي خارجها.

يقول خالد (29 عاما)، وهو موظف في وكالة تسويق رقمي ولاجئ سوري في ألمانيا، للجزيرة نت "بقيت حبيس منزلي قرابة 4 سنوات بعد أن تسلمت بلاغ الالتحاق بالخدمة العسكرية منتصف عام 2012".

ويضيف أنه لم يتجاوز -طيلة تلك المدة- حدود الحي الذي كان يعيش فيه بريف دمشق خوفا من ضبطه على أحد الحواجز العسكرية المنتشرة. وأنه أصيب حينها باكتئاب شديد وبقي على تلك الحال إلى أن وصل إلى تركيا تهريبا في عام 2016.

وبعد غيابه الطويل، وحصوله مؤخرا على الجنسية الألمانية، كان خالد يمنّي نفسه بزيارة أهله هذا العام قبل صدور التعميم. ويعلق "كان بمثابة صاعقة. خططت لزيارة سوريا شهرا كاملا أقضيه بصحبة أهلي بعد مضي قرابة 9 سنوات على هجرتي، لقد سحقوا أمنيتي تماما، وقيّدوها بشروط تعجيزية لا أستطيع تحقيقها حاليا".

ويتابع مستنكرا "كيف سأدفع لهم 7 آلاف دولار في وقت أحتاج فيه إلى توفير كل دولار لتأمين مصروف والديَّ وأدويتهما واحتياجاتهما، وللاستمرار في إعالة أسرتي هنا في الخارج؟".

هروب

وخسر آلاف الشبان ممن غادروا البلاد بصورة غير نظامية، فرصة زيارة عائلاتهم في الداخل السوري إلا من استطاع منهم دفع البدل النقدي الذي يتراوح بين 7 آلاف و10 آلاف دولار، بحسب مدة إقامة المتخلّف عن الخدمة خارج البلاد.

واحتفظ النظام، منذ عام 2011، بعشرات الآلاف من الشبان الذين أتموا المدة الإلزامية لخدمتهم (عامان)، ولم يُصدِر أمرا إداريا بإنهاء الاحتفاظ بهم طيلة 8 سنوات. وخلال عام 2013، بدأ باستدعاء الشبان للخدمة الاحتياطية، الذين أتموا الخدمة الإلزامية قبل عام 2011 ولم يتجاوزوا سن التكليف المحدّد بـ42 عاما.

وجاء أول قرار إداري يقضي بإنهاء الاستدعاء والاحتفاظ بالمجندين والضباط واﻻحتياطيين في عام 2018، وبذلك بلغت مدة الخدمة التي أمضاها البعض في جيش النظام 10 سنوات.

وتتالت قرارات إنهاء الاستدعاء خلال السنوات القليلة الماضية، وكان آخرها في يونيو/حزيران الجاري، حيث أصدرت القيادة العامة للجيش قرارا إداريا بإنهاء الاستدعاء والاحتفاظ بالاحتياطيين ممن أتموا 6 أو 5 أو 4 سنوات خدمة احتياطية فعلية تباعا من الأقدم إلى الأحدث حتى نهاية العام الجاري.

ويغادر سوريا سنويا آلاف الشبان المطلوبين لتأدية الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية، متجنبين الانخراط في الحرب التي تدور رحاها منذ نحو 12 عاما، وهربا من طول سنوات الخدمة وتدني قيمة الرواتب.

وتضمن المرسوم التشريعي رقم 30 لعام 2020 تعديلا لقيمة البدلات النقدية للخدمة العسكرية، فحدد البدل بمبلغ 7 آلاف دولار لمن كان مقيما في الخارج مدة لا تقل عن 4 سنوات، و8 آلاف دولار لمن أقام في الخارج مدة 3 سنوات، و9 آلاف دولار لمن أقام مدة لا تقل عن سنتين، و10 آلاف دولار لمن أقام في الخارج عاما واحدا فقط.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الخدمة الإلزامیة الخدمة العسکریة جیش النظام فی الخارج من زیارة

إقرأ أيضاً:

في ظل الحكم الجديد في سوريا.. هل تولد نسخةٌ مطورة من “داعش”..!

 

 

الجديد برس|

 

تشهد الساحة السورية مؤخراً تحركات مقلقة تشير إلى عودة تنظيم «داعش» إلى واجهة المشهد الأمني، بعد سنوات من التراجع.

 

وفي ظل الحكم الجديد في سوريا والذي كان جزءاً من هذه الدائرة المتطرفة فإن المخاوف تتحول الى استقراء لما يمكن ان تمثله الوضع القائم في سوريا من بيئة مناسبة ليس لعودة التنظيم فحسب بل لولادة نسخة ارهابية مطورة منه .

 

فبحسب تقييمات أممية وأميركية، بدأ التنظيم المتطرف بإظهار نشاط متجدد، شمل تصعيداً في عدد الهجمات وتجنيد مقاتلين جدد، ما أعاد إشعال المخاوف من زعزعة استقرار بلد لم يتعافَ بعدُ من أزمات عقد كامل من الحرب والاضطرابات السياسية، وفق تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز».

 

وتستغل واشنطن هذا التطورات لمضاعفة وجودها العسكري في سوريا، ليصل إلى نحو 2000 جندي، بعد ان كانت تدعي ان ستتقلص وجودها العسكري في المنطقة .

 

ونفذت واشنطن عدة ضربات جوية استهدفت أوكار التنظيم في مناطق صحراوية. إلا أن المحللين يرون أن هذه التحركات لن تكون كافية إذا لم يتم التعامل مع التهديد من جذوره، لا سيما أن التنظيم لا يزال يحتفظ بكنز استراتيجي، يتمثل في آلاف المقاتلين المتشددين المحتجزين في سجون شمال شرقي سوريا.

 

وتحذر التقارير من أن التنظيم يسعى لتحرير ما بين 9 آلاف و10 آلاف سجين من مقاتليه، بالإضافة إلى نحو 40 ألفاً من أفراد عائلاتهم المحتجزين في مخيمات، ما قد يمنحه دفعة معنوية ودعائية كبرى، ويعزز صفوفه بشدة.

 

ويصف كولين كلارك، رئيس قسم الأبحاث في مجموعة «سوفان»، هذه السجون بأنها خزان بشري قادر على إعادة تشكيل التنظيم بوجه أكثر صلابة.

 

وجاء في تقرير للاستخبارات الأميركية، عُرض أمام الكونغرس مؤخراً، أن التنظيم قد يستغل أي فراغ أمني يخلّفه تفكك النظام السوري أو انشغال خصومه، ليشن عمليات تهدف إلى إطلاق سراح عناصره واستعادة قدراته السابقة في التخطيط وتنفيذ الهجمات.

 

ووسط هذا المشهد المعقد، تظهر المؤشرات أن التنظيم المتطرف، المنبثق عن تنظيم «القاعدة» في العراق، لم يعد مجرد خطر من الماضي. ففي عام 2024 وحده، أعلن مسؤوليته عن نحو 294 هجوماً في سوريا، مقارنة بـ121 هجوماً في العام السابق، فيما قدرت لجنة المراقبة الأممية العدد بنحو 400، ما يعكس تصاعداً خطيراً في أنشطته.

 

ويعزز هذا التصعيد القلق من تكرار سيناريوهات دامية، خصوصاً أن التنظيم استعاد زخمه سابقاً مستغلاً فوضى الحرب الأهلية السورية، ليعلن دولته التي امتدت على مساحات واسعة من سوريا والعراق، وارتكب فيها فظائع وثقتها منظمات دولية.

 

وفي الشمال الشرقي من سوريا، حيث تُشرف قوات سوريا الديمقراطية على تأمين سجون ومخيمات مقاتلي التنظيم، ويتعرض الوضع الأمني لضغوط كبيرة بسبب هجمات ميليشيات مدعومة من تركيا.

 

وتُعد هذه السجون هدفاً محتملاً لهجمات جديدة، كما حدث في سجن الحسكة عام 2022، حين فرّ مئات السجناء قبل أن تتمكن القوات الخاصة الأميركية من دعم «قسد» في استعادة السيطرة.

 

وفي مخيم الهول، الذي يأوي نساء وأطفال مقاتلي التنظيم، تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن التنظيم بدأ يختبر حدود السيطرة مجدداً، في ظل حالة من الفوضى أعقبت تراجع النظام السوري وداعميه.

 

ويحذر كاوا حسن، الباحث في مركز «ستيمسون»، من أن أي ضعف في القوات الكردية سيخلق فراغاً، وتنظيم «داعش» هو الطرف الأكثر جاهزية للاستفادة من هذه الفوضى.

 

تتجلى اليوم الحاجة إلى استراتيجية شاملة لمعالجة الأسباب الجذرية لعودة التطرف، الذي تمثل خلفية النظام الجديد الحاكم في دمشق وارتباطاته احد أسبابها ، ولابد من التأكد من أن لا تتحول السجون والمخيمات إلى محطات انطلاق لنسخة أكثر عنفاً من تنظيمٍ لطالما كان العنوان الأبرز للفوضى والدمار والقتل في المناطق التي سيطر عليها في كل من العراق وسوريا .

 

مقالات مشابهة

  • تركيا تنسق العمليات العسكرية في سوريا مع الاحتلال الإسرائيلي (اجتماع)
  • أردوغان يؤسس قواعده العسكرية في سوريا.. و حرب باردة مع تل أبيب
  • من مشاركة الدفاع المدني في حملة إزالة رموز النظام البائد التي أطلقتها محافظة حلب
  • ماذا نعرف عن جماعة أولي البأس التي ظهرت جنوب سوريا وهل هي فعلا ذراع جديد لإيران في المنطقة؟
  • في ظل الحكم الجديد في سوريا.. هل تولد نسخةٌ مطورة من “داعش”..!
  • أهالي منطقة الحولة بريف حمص يعيدون بناء وترميم منازلهم التي دمرها النظام البائد
  • تأهيل ثلاثة مراكز أسماك بحماة كانت خارج الخدمة منذ سنوات
  • تصاعد رفض الخدمة العسكرية في إسرائيل مع استمرار الحرب على غزة
  • ما وراء اتساع دائرة رفض الخدمة العسكرية بإسرائيل
  • مقترح لاحتساب سنوات الخدمة في المدارس الأهلية