والله لن يخزيكم الله، فأبشروا

#الشيخ_كمال_الخطيب

????أصحاب #القلوب_الكبيرة
✍️هم أصحاب القلوب التي لا تعرف الحقد ولا تضمر على البغض، وليس فيها متسع ولا مكان لنزعة الإنتقام.
هم الهيّنون الليّنون السمحون المتسامحون، هم الذين يعلمون أن #التجارة_الرابحة هي التجارة مع الله وإن كانت صفقاتها هي مع الناس، وذلكم وهو النُبل بعينه وهؤلاء هم النبلاء.


✍️ذكر الأستاذ أدهم شرقاوي في كتابه الرائع “رسائل من القرآن” قصة مسعود الهمذاني والذي عُرف بكثرة صفحه عن الناس، وكان إذا أساء إليه أحد وجاءه ليعتذر منه فكان لا يعاقبه ولا حتى يعاتبه وإنما كان يسامحه ويقول له جملته المشهورة: “الماضي لا يُذكر” وكما يقال بالعامية: “إنسى”. ولما مات مسعود الهمذاني فقد رآه أحد الصالحين في المنام وقد قيل له: ما فعل الله بك. قال: أوقفني بين يديه، وقال لي: يا مسعود الماضي لا يُذكر، يا ملائكتي خذوه إلى الجنة.
وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان، وهل جزاء العفو إلا عفو أعظم. وإذا كان هو ينسى زلات الناس ولا يذكرها، فإن الله سبحانه لا يذكر له سيئاته ويغفرها ويدخله الجنة.
✍️هكذا كان قلب يوسف عليه السلام، وبرغم ما فعله له وبه إخوته من الحسد والكيد ثم إلقائه في البئر، فلما دارت الأيام وقد أصبح هو عزيز مصر وجاءوا هم يبتاعون الطعام فعرفهم ثم كان ما كان فاعتذروا له، فكان أن طوى الصفحة سريعًا ولم يكن في قلبه الكبير متسع للتأنيب ولا للإنتقام ولسان حاله يقول: الماضي لا يُذكر، وما كان منه سوى الصفح والعفو {قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ ٱللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ} آية 92 سورة يوسف.

✍️وهكذا كان قلب محمد ﷺ وبرغم ما فعله به قومه وعشيرته من تكذيب وإساءة وضرب واتهامه بالسحر والجنون ثم محاولة قتله ثم قتاله سنين طوالًا، فلما كان يوم الفتح المبارك فقد طوى صفحة عشرات سنوات الأذى والكيد له بالقول: “إذهبوا فأنتم الطلقاء” ولسان حاله يقول: “الماضي لا يُذكر”. وما أجمل ما قال الشاعر في وصف أصحاب القلوب الكبيرة:
من اليوم تعارفنا ونطوي ما جرى منا
فلا كان ولا صار ولا قلتم ولا قلنا
وإن كان ولا بد من العتبى فبالحسنى
ولقد ذهب بعض الخيرين إلى التغافر بلا تعاتب، وقد قال له من اختلف معه: تعال نتعاتب، فقال له: بل تعال نتغافر.
فلماذا لا تكون من أصحاب القلوب الكبيرة ويكون شعارك “الماضي لا يُذكر”.

مقالات ذات صلة واشنطن ستفرج عن قنابل تزن 500 رطل لإسرائيل 2024/06/28

????ثأر الله
✍️يقول الاستاذ علي جابر الفيفي في تفسير وبيان معنى اسم “الولي” أحد أسمائه الحسنى سبحانه: “ويعني اسم المولى مع معنيين، معنى أنه وليّ يُعبد ويطاع، ومعنى أنه وليّ يدبّر ويعين. فالولاية من العبد الطاعة والعبادة، والولاية من الرب الإعانة والإفادة. ومن جلال هذا الاسم أنه يشير إلى ولايته سبحانه لبعض خلقه وحبه لهم وحمايته ودفاعه عنهم، فعن أبي هريرة قال، قال رسول الله ﷺ: “إن الله قال: من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب”.
✍️ فالله الذي على عرشه استوى يعلنها حربًا طاحنة يطحن به سعادة وهناءة أولئك الذين يتعرضون لأوليائه بالأذى. إنه وليّهم ولا يترك الوليّ وليّه، بل يحوّطه بحبه وعنايته ويصنعه على عينه ويصطنعه لنفسه. إنها المعركة الأكثر رهبة في تاريخ الحروب عندما يكون الله بعظمته وجلاله وجبروته في الجهة المقابلة لك، يحاربك بقدرته التي ليس لها حدّ وعلمه الذي يملأ الدنيا والآخرة، وببغضبه الشديد ستدمر ولا شك، وستهزم وستنتهي نهاية مأساوية!
وهناك حديث قدسي لفظه عجيب ذكره غير واحد من أهل العلم منهم ابن تيمية في كتابه “الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان” عن النبي ﷺ، عن الله تعالى أنه قال: “إني لأثار لأوليائي كما يثأر الليث الحرب”. يقول شيخ الإسلام: “أي آخذ ثأرهم ممن عاداهم كما يأخذ الليث الحرب ثأره”. فيا لثأر من يمس وليًا من أوليائه سبحانه، ويا لخيبته وخسارته.
✍️إن انتصار الله لأوليائه الذين سبق وطمأنهم لما قال: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} آية 6٢ سورة يونس، فليس معناه أنه لن يمسهم الضر والبلاء فيجوّعون ويشرّدون ويسجنون ويقتلون، إنه يصيبهم بعض من ذلك ولعلّه يصيبهم كل هذا وأكثر منه، ولكن هذا يكون اصطفاء من الله تعالى لهم، ولعلّه يريد أن ينقّيهم كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وكما ينقى الذهب من الشوائب ليكون أصيلًا صافيًا {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَآءُ وَٱلضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ ۗ أَلَآ إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ} آية 214 سورة البقرة.

????ومحبة الخلق رزق من الخالق
✍️مثلما أن الطعام والشراب رزق الله سبحانه قدّره لك وسيأتيك أو تأتيه أينما كنت، ولأنه حق من الله سبحانه {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ*فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَاْلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} آية 22-23 سورة الذاريات، فكما أن الطعام والشراب رزق فإن الحب كذلك رزق وأن محبة الناس وإلقاء محبتك في قلوبهم هي رزق، وإنك لا تدري في أي قلب يكون رزقك. قال ابن المنكدر لأبي حازم: “يلقاني الناس فيدعون لي بالخير، ما أعرفهم وما صنعت معهم معروفًا ولا خيرًا. فقال له أبو حازم: ذلك فضل الله”.
✍️وسواء كان هو ابن المنكدر أو غيره ممن ألقى الله تعالى في قلوب الخلق محبتهم وهم الذين لم يلتقوا بهم من قبل أبدًا ولم يعرفوهم، فإن هذا من فضل الله عليهم ومن الرزق آتاهم الله إياه وفيهم يتمثل قول الله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَٰنُ وُدًّا} آية 96 سورة مريم.
✍️وإن ما نراه من حال أهلنا في غزة، أطفالها ونساؤها وشيوخها من تعاطف الدنيا معهم ومحبتها لهم والانتصار لمظلوميتهم، فإنه من رزق الله الذي آتاهم، لكن اللافت والمحير والعجيب، أن ما يظهر من علامات الحب هذه عند الغرباء فإن عكسها ما يحدث عند ذوي القربى، وأقصد هنا الأنظمة المستبدة وليست الشعوب المقهورة.
✍️إنهم أطفال غزة، الغرباء والأجانب والبعيدون يتعاطفون ويتضامنون معهم ويتظاهرون في الشوارع والميادين لأجلهم منذ ثمانية أشهر لم يكلّوا ولم يملّوا، ويضغطون على حكوماتهم لقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع حكومة إسرائيل دفاعًا عنهم وقد نجحوا في مواقع عديدة، بينما الأقارب والإخوة والجيران هم من يحاصرونهم ويجوّعونهم ويتآمرون عليهم بل ويطبعون العلاقات الدبلوماسية معهم، بل ويفتحون معابر برية لإيصال البضائع والحاجات إليهم، وكل ذلك نكاية بأطفال غزة ونسائها وشيوخها.
✍️مثل أطفال غزة مع الغرباء والأقرباء كمثل الطفل يوسف عليه السلام قال أخوه القريب: {ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ} آية 9 سورة يوسف، بينما قال البعيد الغريب: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} آية 21 سورة يوسف.
إنه رزق الله ليوسف ومحبته والحنوّ عليه جعله عند الغرباء ولم يجعله عند الأقرباء، ولكن ومثلما تحققت رؤيا يوسف عليه السلام {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} آية 10 سورة يوسف.
✍️فكما تحققت رؤيا يوسف، فمثلها يقينًا ستتحقق بإذن الله تعالى أمنيات أطفال غزة ونسائها ورجالها ومعهم كل الأمة بالفرج أو بأمر من عنده سبحانه فيصبح الأقرباء والجيران من أصحاب الجلالة والفخامة والسيادة على ما أسروا في أنفسهم نادمين.

????بين الربط والربت
✍️نحن في زمان أحوج ما نكون فيه لأن يربط الله على قلوبنا وأن نربت نحن على قلوب بعضنا.
في زمن البلاء الذي نعيش وسطوة الباطل، زمن تكالب الأعداء وخيانة الزعماء وضلال العلماء وتطاول السفهاء وخذلان الأشقاء، نحن أحوج ما نكون بأن تمتلئ قلوبنا ثقة ويقينًا بالله سبحانه فيربط على قلوبنا كما ربط على قلب أم موسى لما ألقت بابنها في النهر. فرغم أنه كان أمرًا ربانيًا، لكن عاطفة الأمومة فعلت أفاعيلها، فكان ربط الله على قلبها وسكينته قد أنزلها عليها {وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَٰرِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِى بِهِ لَوْلَآ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا} آية 10 سورة القصص. وكما ربط الله على قلوب أصحاب رسول الله ﷺ يوم الخندق وقد بلغ بهم الضيق والكرب كل مبلغ {وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَاهُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} آية 10- 11 سورة الأحزاب، في مثل ذلك الظرف العصيب كان الربط من الله على قلوبهم وأنزل السكينة والتثبيت لهم {وَلَمَّا رَءَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلْأَحْزَابَ قَالُواْ هَٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَصَدَقَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّآ إِيمَٰنًا وَتَسْلِيمًامِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَٰهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُۥ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلًا} 22-23 سورة الأحزاب. ومثلما ربط الله على قلوب أصحاب رسول الله ﷺ يوم الأحزاب فإنه سبق وربط على قلوبهم وأنزل عليهم السكينه يوم أحد {ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَٰنًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ} آية 173 سورة آل عمران.

الشيخ كمال خطيب, [6/28/2024 4:42 AM]
✍️فمثل حاجتنا لربط الله على قلوبنا، فإنها حاجتنا لنربت على أكتاف وصدور بعضنا البعض، فيشدّ الواحد منا عضد أخيه ويتواصوا بالحق وبالصبر والثبات ويذكّره الله وبالآخرة وبجزاء الصابرين، ويذكّره بأن كل من اختار طريق الإيمان والاستقامة فثمة ثمن لا بد أن يدفعه، ويذكّره بأنه مهما اشتد الخطب وعظم الكرب فإن العاقبه للمتقين {وَالْعَصْرِإِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍإِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} سورة العصر.
✍️أن تربت على كتفه أو صدره أي أن تضع كفك عليها لتشعره بالأمن والأمان والطمأنينة بقربك منه فتبعث فيه الأمل والقوة، فهكذا فعل رسول الله ﷺ مع أبي بكر لما شعر بقلقه وخوفه من وصول كفار قريش إليهما في الغار {إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا} آية 40 سورة التوبة. وكما فعلت خديجة رضي الله عنها مع زوجها رسول الله ﷺ لمّا رجع من الغار بعد نزول جبريل الأمين عليه أول مرة وكان خائفًا يرتجف ويقول دثروني دثروني، فكان الربط منها على صدره وهي تقول له رضي الله عنها: “إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق، أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدًا”.
✍️ومثلما ربتت خديجة على صدر وكتف رسول الله ﷺ في ذلك الظرف الصعب وتقول له: أبشر فوالله لن يخزيك الله، فإننا نربت على قلوب أبناء شعبنا وأمتنا في هذا الزمان والظرف الصعب، وسنظل نقول لهم: نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا فوالله لن يخزيكم الله أبدًا.
نحن إلى الفرج أقرب فأبشروا.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: رسول الله ﷺ الله سبحانه الله تعالى سورة یوسف ما کان

إقرأ أيضاً:

الكاتب والصحفي اللبناني علي رضا يوسف سبيتي لـ” الثورة”:   جئنا من أرض المقاومة إلى رأس الحربة في الدفاع عن فلسطين

من بيروت إلى صنعاء… الكلمة تقاوم وفلسطين لا تغيب من البحر الأحمر إلى حدود فلسطين.. الرصاص يتكلم حيث تصمت الأنظمة  ¶ اليمن لا يرفع شعار فلسطين بل يقاتل من أجلها  ¶ السيد عبدالملك مدرسة إيمان وثبات ووعي قرآني.. وقائد لا يتراجع عن فلسطين ¶ أنصار الله اليوم أصبحوا رمزاً في أوروبا والحق لا يحتاج إلى تلميع  ¶  نحن في لبنان لا نأسف على التضحيات.. بل نفخر بها على طريق القدس المقاومة اليوم لم تعد وحدها.. الشعوب بدأت ترى الحقيقة رغم التواطؤ الإعلامي ¶ الشعوب الغربية بدأت تفهم.. والتضامن لم يعد مجرد شعارات ¶ الإعلام الممول لم يعد قادرًا على تشويه صورة أنصار الله ¶ ما يفعله اليمن هو المعيار الحقيقي لنصرة فلسطين  ¶  قائد الثورة اليمنية ثابت على موقفه رغم الحصار والحرب ¶  ما يجري في البحر الأحمر هو الفعل الحقيقي لمساندة غزة ¶ التضامن الشعبي في الغرب يجب أن يتحول إلى مواقف سياسية ¶ وسائل التواصل كسرت احتكار الرواية الغربية وزادت وعي الشعوب ¶ هذا المؤتمر الذي يحمل شعار »فلسطين قضية الأمة«.. يؤكد أن معركة الوعي لا تقل عن معركة السلاح ¶ على كل مشارك أن يعود من صنعاء فاعلاً لا متضامناً فقط

 

 

 

 في زمنٍ تحاول فيه بعض الأنظمة أن تُطفئ شعلة المقاومة باسم الواقعية، وتُبدد مركزية فلسطين تحت ذرائع «السلام» و»التطبيع»، يخرج الصوت الصادق من بيروت ويصل صداه إلى صنعاء «الكلمة لا تزال تقاوم، وفلسطين لم ولن تغيب».

من أرض الجنوب اللبناني، حيث ارتسمت ملامح الانتصار، إلى اليمن الثائر الذي أصبح رأس الحربة في دعم غزة، جاء الصحفي اللبناني علي رضا ليؤكد أن المقاومة ليست خيارًا عابرًا، بل عقيدة راسخة تتجلى في الميدان كما في المنبر.

في حوار صريح وجريء أجرته معه «الثورة»، يكشف الصحفي اللبناني علي رضا رؤيته حول دور اليمن المحوري في معركة فلسطين، ويُضيء على قيمة الكلمة كمقاومة لا تقل أثراً عن الرصاص، ويصف المؤتمر الثقافي في صنعاء بأنه أكثر من فعالية… إنه جبهة واعية تُسند البندقية وتُحرج أنظمة تخلّت عن فلسطين.

من بيروت التي لم تساوم، إلى صنعاء التي لم تُساير، يتحدث عن محور المقاومة، عن البحر الأحمر، عن الشارع الأوروبي، عن السيد عبدالملك الحوثي كقائد استثنائي، وعن فلسطين كقضية لا تموت… مهما طال ليل التطبيع:

الثورة  / ماجد حميد الكحلاني

 

 

 

حدثنا عن انطباعك من زيارتك لليمن ومشاركتك للمؤتمر الثالث تحت شعار فلسطين قضية الأمه؟

لقد جئنا من لبنان، من أرض المقاومة، إلى يمن الإيمان والصمود والمقاومة، وهذه الأرض الطاهرة باتت اليوم رأس الحربة في الدفاع عن فلسطين ومقارعة العدوان الأمريكي والصهيوني، وقد كان لي الشرف بالتواجد هنا في هذه الأرض الطيبة بين شعب طيب، مقاوم، صبور، صامد. رغم سنوات الحصار الطويلة والحروب المتواصلة، ثابتًا على موقفه، متجذراً في انحيازه للقضية الأساس وهي قضية فلسطين.

مشاركتنا في المؤتمر هذا العام تكتسب رمزية إضافية كونه يُعقد تحت شعار «لستم وحدكم»، وهو الشعار الذي تطبقه اليمن فعلاً، لا قولاً، عبر مواقفها وعملياتها، وبحضور شخصيات من مختلف أنحاء العالم.. من لبنان، من أوروبا، من أمريكا اللاتينية، من الصين، جميعهم اجتمعوا في صنعاء ليقولوا بصوت واحد.. نحن مع اليمن وفلسطين، في خندق واحد، مؤكدين أن دعم فلسطين واجب أممي لا يسقط بالتقادم.

هذا المؤتمر الثقافي ليس فعالية رمزية، بل محطة نضالية تؤكد أن معركة الوعي لا تقل أهمية عن معركة السلاح، يجب ألا نغفل أي جبهة.. لا الإعلامية، ولا الثقافية، ولا السياسية، ولا العسكرية – فكلها تشكل ساحة من ساحات المواجهة في معركة التحرير الكبرى.

فلسطين ليست قضية هامشية

برأيك، ما دور محور المقاومة في هذه المرحلة؟ وهل الدفاع عن فلسطين ما زال يمثل قضية مشتركة للمحور؟

بلا شك إن الدفاع عن فلسطين ليس قضية هامشية بالنسبة لمحور المقاومة، بل هو جوهر وجوده وروحه الجامعة، ما شهدناه في السابع من أكتوبر من اندلاع المقاومة داخل فلسطين، أعقبه في الثامن من أكتوبر تحركٌ نوعي ومنسّق لمحور المقاومة في مختلف الجبهات.. من جنوب لبنان، ومن اليمن، ومن العراق، في معارك إسناد حقيقية للشعب الفلسطيني.

هذا التكاتف، وهذا التعاون بين جبهات المقاومة، ليس طارئاً ولا موسمياً، بل هو بناء استراتيجي طويل المدى. ونحن نؤمن بأن هذا التلاحم سيؤتي ثماره، بإذن الله، مهما بلغت التضحيات.

نحن في لبنان، قدّمنا تضحيات جسام في هذه المعركة، لا نقول «نأسف» عليها، بل نفخر بها، لأنها على طريق القدس. نؤمن أن كل دم يُسفك على هذا الطريق، هو خطوة تقربنا من النصر. فكلما قدّمنا أكثر، كان العوض من الله أعظم… والعوض الذي نطلبه ونعمل من أجله هو تحرير فلسطين، كاملة، من البحر إلى النهر.

ضرورة التمييز

كيف تقيّم المشهد الدولي حالياً تجاه العدوان المتجدد على غزة؟ وهل ترى تحوّلاً في المواقف؟

من المهم دائماً أن نُفرّق بين مواقف الحكومات ومواقف الشعوب، سواء في أوروبا أو غيرها. في مؤتمرنا الحالي، حضر عدد من المشاركين من دول أوروبية، وقد نقلوا لنا صورة حقيقية من الشارع الأوروبي، تؤكد أن شريحة واسعة من المجتمع باتت تدرك حقيقة ما يجري، وتدعم القضية الفلسطينية بشكل متزايد.

لقد أصبح من الواضح أن كثيرًا من الناس في الغرب باتوا يرون أن ما تقوم به حركات المقاومة كـ«حماس» و«حزب الله» و»أنصار الله» هو دفاع مشروع عن الشعب الفلسطيني، وأنهم من خلال مواقفهم يدافعون عن حقوق الإنسان، على عكس ما تروج له بعض الحكومات التي تدّعي الحرص على القيم الإنسانية، بينما تغض الطرف عن الجرائم التي تُرتكب بحق المدنيين في غزة.

نأمل ألا يبقى هذا التضامن الشعبي محصوراً في المظاهرات والشعارات، بل إن يتطور ليُترجم في المستقبل إلى مواقف سياسية حقيقية، تنعكس من خلال دعم رسمي وفعلي من حكومات أوروبية وغربية للقضية الفلسطينية، بما يُعيد الاعتبار للعدالة والكرامة الإنسانية.

قائد الثورة.. مدرسة متكاملة

ما هو تقييمك لدور قائد الثورة اليمنية السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي في ترسيخ القضية الفلسطينية كأولوية؟

السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، حفظه الله، ليس مجرد قائد، بل هو مدرسة متكاملة في الصبر والثبات، ومعلم حقيقي في الالتزام بالمبادئ. يستمد قوته من الشعب اليمني الأصيل، ويعكس بإيمانه وصلابته إرادة هذا الشعب الذي صمد في وجه الحصار والحروب.

ما يميّز هذا القائد أنه بقي ثابتًا على موقفه من القضية الفلسطينية، ولم يتخلّ عنها رغم كل التحديات التي مرّ بها اليمن. ولو كان في موقعه قائد آخر يفتقر إلى هذا الإيمان العميق وهذه الروح القرآنية، لربما تراجع أو تذرّع بالظروف للانسحاب من الموقف. لكن السيد عبد الملك أثبت أن نصرة فلسطين واجب لا يسقط، وأن دعم غزة موقف لا يتغير مهما اشتدت الأزمات.

إن تمسكه بالقرآن الكريم، وإيمانه بأن اليمن بلد القرآن، هو ما جعله يستمر بثبات في دعم الشعب الفلسطيني، ونحن في لبنان نُكنّ لسماحة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي كل المحبة والتقدير، وندعو له دائماً بطول العمر، وبالسداد، والنصر بإذن الله، لأنه قائد عظيم ومحبوب، ومصدر فخر لأمتنا.

أمريكا لن تستطيع هزيمة »أنصار الله«

كيف تردّ على المزاعم الأمريكية والإسرائيلية بشأن عمليات البحر الأحمر ودورها في فك الحصار عن غزة؟

ما يجري اليوم في البحر الأحمر يُمثّل أحد أصدق وأوضح مشاهد الدعم العملي لفلسطين. فبينما نرى صواريخ “فلسطين 2” تتجه نحو تل أبيب، نرى في الوقت ذاته حصاراً مفروضاً على السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي، في خطوة تؤكد أن هناك من لا يزال يترجم تضامنه مع غزة بالفعل لا بالقول.

الإدارة الأمريكية، وكعادتها، تحاول تزييف الحقائق؛ فتارة تزعم أنها أرسلت بوارجها لحماية «حرية الملاحة»، وتارة أخرى تدّعي أنها تدافع عن نفسها في البحر الأحمر. لكن السؤال الجوهري هو: ما الذي أتى بك إلى هناك أصلاً؟ هذه ليست مياهك، وليست أرضك.

والأهم من ذلك، أنك لن تستطيع هزيمة «أنصار الله»؛ فهم أبناء الأرض، وحملة قضية، ومؤمنون بعدالة موقفهم. التاريخ اليمني يشهد بأن هذا الشعب لا يُكسر ولا يُهزم، فادعاءات أمريكا وحلفائها ما هي إلا محاولات يائسة للتشويش على مشهد أصبح واضحاً للجميع.

اليوم، الشعوب العربية، بل وحتى الأوروبية، بدأت تُدرك أن ما يقوم به «أنصار الله» ليس عملاً معزولاً أو عدائياً، بل هو موقف نابع من إيمان حقيقي بنصرة فلسطين. وحتى من كانوا في السابق يصدقون الرواية الغربية التي تصف «أنصار الله» بالجماعة المسلحة أو الإرهابية، أصبحوا اليوم يرون الحقيقة: أنها حركة تناضل من أجل قضية إنسانية عادلة.

وقد أكد لنا العديد من أصدقائنا في أوروبا أن «أنصار الله» باتوا يحظون باحترام وتقدير متزايد، وأن صورتهم تغيّرت بشكل كبير في الوعي الأوروبي، حيث يُنظر إليهم اليوم كقوة تقف في وجه الظلم وتُدافع عن الحق الفلسطيني بكل شجاعة.

لا تحرير بدون مقاومة

هل تعتقد أن المقاومة المسلحة هي السبيل الوحيد لتحرير فلسطين؟

لا خلاف على أن ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، ولا يوجد حل لتحرير فلسطين سوى عبر البندقية، كما قال الإمام السيد موسى الصدر، أعاده الله، لكن هذا لا يتحقق إلا بتكاتف الجهود وتكاملها، وهو ما يؤمن به محور المقاومة، حيث تتعاون القوى الصادقة من “أنصار الله” في اليمن، إلى “حزب الله” في لبنان، فالمقاومة العراقية، وصولاً إلى الفصائل الفلسطينية، في إطار جهد مشترك لنصرة القضية المحورية للأمة وهي قضية فلسطين.

هذا التعاون الاستراتيجي، إن استمر وتعزز، سيكون بإذن الله طريقًا حقيقيًا نحو تحرير فلسطين، لأنها لا تُحرر بالشعارات، ولا بالمفاوضات وحدها، بل بالمواجهة والمقاومة، ومن يطالب بتسليم السلاح تحت شعار «السلام» يُظهر سذاجة مفرطة، لأن العدو لا يمنح السلام إلا لمن يفرض عليه احترامه بالقوة. السلاح هو وسيلة البقاء، ومصدر الاحترام، وعامل الردع الوحيد أمام عدو لا يفهم سوى منطق القوة.

اليمن يقف على الجبهة الأمامية

هل ترى أن ما قام به اليمن تجربة يجب أن يقتدى بها من جميع الشعوب العربية في مواجهه الظلم والطغيان؟

ما قام به اليمن ليس مجرد تجربة ناجحة، بل هو فعل يضع كل من يدّعي نصرة فلسطين أمام اختبار حقيقي، اليمن اليوم يُحرج الأنظمة العربية، ويُحرج الدول التي تتحدث باسم الإسلام وتزعم أنها تقف مع القضية الفلسطينية، بينما يقتصر دعمها على التصريحات أو المفاوضات.

ورغم أهمية العمل السياسي في بعض المراحل، إلا أنه لا يكفي وحده، ما يفعله اليمن هو الفعل الحقيقي.. مقاومة صادقة، عملية، ومباشرة، ورغم كل حملات التشويه ومحاولات الإعلام الممول للنيل من صورة «أنصار الله»، فإن الحقيقة باتت واضحة أمام الشعوب، خاصة في ظل وجود وسائل التواصل التي فضحت الكثير من الأكاذيب.

اليوم، الجميع يرى أن اليمن يقف على الجبهة الأمامية دفاعاً عن فلسطين، وأن هذا النموذج هو الطريق الذي يجب أن يُحتذى به في مواجهة الظلم والطغيان، لا بالكلام بل بالفعل والموقف.

فرصة ثمينة لتبادل التجارب

ما رسالتك من خلال مشاركتك في المؤتمر؟ وماذا تتوقع من مخرجاته؟

هذا المؤتمر الثقافي يعتبر في غاية الأهمية، لأنه يضع الوعي في قلب المعركة، نحن لا نقاتل فقط بالبندقية، بل بالكلمة، بالفكر، بالإعلام، بالشعر، بالمسرح، وبكل وسيلة تعبير. ويُعد المؤتمر محطة في غاية الأهمية، خاصة في ظل التحديات الكبرى التي تواجه القضية الفلسطينية اليوم، نحن لا نزال في بدايات المؤتمر؛ فقد كان يوم أمس هو يوم الافتتاح، ولا تزال أمامنا أيام مهمة من النقاشات والمباحثات.

نأمل أن تسفر الأيام المقبلة، خصوصًا بعد انتهاء الجلسات الحوارية والمشاورات، عن مخرجات عملية وواضحة، تتجسد في خطط ثقافية وإعلامية تستهدف فئة الشباب بشكل أساسي، وتعمل على تأطير جهودهم في دعم القضية الفلسطينية على المستوى الثقافي والفكري والإعلامي.

المؤتمر فرصة ثمينة لتبادل التجارب وتوحيد الجهود، وقد كان الحضور الدولي الواسع دليلاً على أن فلسطين لا تزال حاضرة بقوة في وجدان الأحرار حول العالم، وما ينبغي على كل مشارك فعله بعد انتهاء المؤتمر هو أن يتحول من موقع المتضامن إلى موقع الفاعل، من الكلام إلى العمل، وأن يعود إلى بلده أو مجتمعه حاملاً مسؤولية نشر الوعي، وتحفيز الناس، خاصة الشباب، على نصرة فلسطين بكل الوسائل الممكنة.

ونحن على ثقة أن المخرجات ستكون على قدر التطلعات، وسنعمل جميعًا على تنفيذها والبناء عليها للتحضير لخطوات أكبر وأكثر تأثيرًا في العام القادم، بإذن الله.

مقالات مشابهة

  • الكاتب والصحفي اللبناني علي رضا يوسف سبيتي لـ” الثورة”:   جئنا من أرض المقاومة إلى رأس الحربة في الدفاع عن فلسطين
  • عالم بالأوقاف: صلاح الآباء ليس رفاهية بل هو سبب في نجاة الأبناء واستقرار الأسرة
  • «صلاح الآباء نجاة للأبناء».. كيف تضمن مقعدك في جنة النعيم؟
  • سورة القدر .. إعجاز قرآني في تفسيرها يحدد موعد ليلة القدر 2025
  • مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (24) للسيد القائد 1446
  • فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
  • هل يكتب الله الأقدار في ليلة القدر.. ولماذا تتبدل من عام لآخر؟
  • شخصيات إسلامية.. عياش بن أبي ربيعة
  • مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (23) للسيد القائد 1446
  • فضل قراءة سورة النور يوميًا