الكيان وكابوسُ وحدة الساحات والحربُ متعددة الجبهات
تاريخ النشر: 6th, August 2023 GMT
#الكيان وكابوسُ وحدة الساحات والحربُ متعددة الجبهات
بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي
رغم التفوق العسكري المهول الذي يتمتع به #الكيان_الصهيوني، والمخزون الضخم الذي تزخر به ترسانته العسكرية من #الأسلحة المتنوعة، كالصواريخ والقنابل الاستراتيجية والتكتيكية، والتقليدية والنووية، والتقنيات العلمية الكبيرة في المجالات الإلكترونية والتكنولوجية الحديثة، واعتماده على الفضاء والأقمار الصناعية والسايبر في خوض معاركه الصغيرة وحروبه الكبيرة، وتحالفه الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي تمده بالسلاح والعتاد والتقانة والمال، وتقف إلى جانبه في كل معركةٍ وحرب، وتعوضه عن كل نقص، وتزوده بما يحتاجه فلا يشكو من عجزٍ أو ضعفٍ أو شحٍ في الذخائر والقذائف ومختلف أدوات القتال.
إلا أنه بات يدرك أن هذه القوة المهولة والأسلحة المريعة لا تستطيع حمايته، ولا تمكنه من تحقيق النصر الحاسم أو النجاح في تنفيذ أهدافه الموضوعة، إلا إذا كانت حربه تقليدية، كتلك #الحروب التي اعتاد أن يخوضها ضد الجيوش العربية النظامية، والقوى الدولتية قبل العام 1982، حيث كان يعمد إلى تطبيق نظرياته الاستراتيجية في الحروب، كأن تكون على أرض “العدو” وداخل حدوده، وأن تكون على جبهةٍ واحدةٍ فقط، وضد عدوٍ واحدٍ، وأن يسبقها قصفٌ مكثفٌ بالطيران الحربي، الذي كان يتميز به كثيراً، ويعتبره ذراعه الطويلة التي تستطيع أن تصل بقدراتها وصواريخها إلى أي مكانٍ بسهولةٍ، ودون أن تلقى مقاومة أو عقباتٍ تحول دون وصولها إلى أهدافها، وإصابتها إصابة مباشرة.
مقالات ذات صلة التضييق على حريّة التعبير سحبٌ للدّسم من الديمقراطية الأردنية 2023/08/06اليوم وفي الذكرى السنوية الأولى لحربه على قطاع غزة ضد حركة الجهاد الإسلامي، التي أطلقت عليها اسم “وحدة الساحات”، بات العدو يدرك أن هذا الاسم لم يعد شعاراً فقط، أو تهديداً شكلياً خالياً من المضمون الفعلي، وغير قابلٍ للتطبيق العملي على الأرض، بل غدا استراتيجية حقيقية وبرنامجاً عملياً لكل قوى المقاومة العربية والفلسطينية، التي أصبح لها غرفة عملياتٍ مركزية مشتركة، تخطط وتنسق، وتدرس حالة الساحات وحاجة الجبهات، وأوضاع العدو وظروفه، وتحدد نقاط ضعفه وعوامل قوته، وتدرس خيارات التعامل معه ومواجهته، وتحدد الأسلحة التي يلزمها لقتاله والتصدي له.
يعرف العدو أنه محاطٌ من كل الجهات بأعداءٍ شرسين، ومقاومين أشداء، وبقوى منظمة وجيوشٍ مدربة، وهم ليسوا فقط في الجوار القريب، وإنما في الجوار والمحيط وفي القلب وداخله وفي الإقليم بعيداً عنه، ويقول كبار قادته العسكريين أن “محور المقاومة” قد طوقهم بأكثر من مائتي ألف صاروخٍ، ومثلها من الطائرات المسيرة، وهي صواريخ حديثة ودقيقة، وتستطيع أن تتسبب لكيانه بأمطار صاروخية وأسراب من الطائرات المسيرة، بما يعقد كثيراً من عمل القبة الفولاذية ومنظومات الصواريخ المضادة المختلفة، التي ستكون عاجزة عن مواجهتها والتصدي لها، وقد كشفت الحروب السابقة أن صواريخ المقاومة الصغيرة والقصيرة المدى تستطيع أن تربك عمل منظومات القبة الفولاذية وتشتتها وتحبط فاعليتها.
ولما كان العدو يدرك أن استراتيجية “وحدة الساحات وتعدد الجبهات” لم تعد شعاراً فقط، بل أصبحت خطراً حقيقياً يهدده، واحتمالاً فعلياً عليه أن يواجهه، فقد خصص مناورته العسكرية الأخيرة، التي أطلق عليها اسم “اللكمة القاضية”، والتي وصفت بأنها المناورة الأكبر في تاريخه، لمثل هذه الحرب التي لم يعتد عليها، حاكى فيها حرباً على أكثر من جبهةٍ وضد أكثر من عدوٍ، وأجرى مناوراتٍ حقيقية ضد قوى متماسكة، تمتلك أسلحة قوية وفتاكة، دقيقة الإصابة وشديدة الأثر وبعيدة المدى، ولديها الجاهزية يومياً لإطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيرة، وعندها إحداثيات لآلاف الأهداف التي تستطيع الوصول إليها وتدميرها، أو إلحاق أضرارٍ بالغةٍ فيها، بما يعطلها أو يخرجها عن الخدمة.
كما يعرف العدو تماماً أن قوى المقاومة التي تتطلع إلى مواجهته وقتاله، وتصمم على خوض الحرب ضده ومنازلته قوى عقائدية وقومية، تضحي بحياتها ولا تفرط في أهدافها، ولا تدخر في قتالها وسيلةً ولا تتردد في خوض أي معركة، وتقاتل حتى النهاية، وتستخدم كل ما لديها من أسلحة، ومقاتلوها مدربون جيداً، وعندهم الأهلية الكافية والتجربة الكبيرة في القتال، وهم ينفذون الأوامر ويطيعون القيادة، التي تتميز عن غيرها بأن قرارها حاضرٌ وحرٌ، وجاهزٌ ومستقل، وجديٌ وفوريٌ.
وهي قوى تعد لهذا اليوم وتهيأ له، وتعتقد يقيناً بأنه قادمٌ لا محالة، وتعتقد أن معركتها الحقيقة هي ضد العدو الإسرائيلي، وأن أي معركة ضد غيره باطلة وغير مشروعة، وتؤمن أن النصر حليفها، وأن هزيمة العدو مؤكدة، فهو لن يستطيع الصمود والثبات على عدة جبهاتٍ وفي كل الساحاتٍ ولأيامٍ طويلة، مما سيجعل هذه الحرب هي الخاتم والنهاية، التي يتفكك فيها الكيان وينتهي، ولعل العدو يخاف هذه الحرب ويخشاها، ويدرك أنها ستكون فعلاً حرب النهاية، ولهذا يطلق عليها اسم “الحرب الكبرى”.
ولعل أكثر ما بات يخشاه العدو هو جبهة المقاومة الداخلية وساحاتها الوطنية التي أصبحت متحدة وقابلة للانفجار في أي لحظة، بينما جبهته الداخلية أصبحت مفككة ومتصدعة وآيلة للسقوط، في ظل عدم ثقتها بالجيش الذي بات مردوعاً وغير قادر على الحسم وتحقيق النصر، بعد أن فقد هيبته وتراجعت قدرته، وحتى تصبح وحدة الساحات وتعدد الجبهات سلاحاً جديداً وفاعلاً بين يدي المقاومة، يجب الاستمرار في العمل والاستعداد، والمراكمة والمشاغلة، واستنزاف العدو وزعزعة جبهته الداخلية، وصولاً إلى اليوم الموعود والحرب الأخيرة، التي نسأل الله سبحانه تعالى أن تكون هي حرب العودة والتحرير، ومعركة النصر وتحديد المصير.
بيروت في 6/8/2023
moustafa.leddawi@gmail.com
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: الكيان الصهيوني الأسلحة الحروب
إقرأ أيضاً:
عقدة “بيت العنكبوت” تطارد نتنياهو
أول سطر في كتاب التحرير “بيت عنكبوت”، خطه القائد المقاوم بأحرف من نور النصر، مفتتحًا زمن الانتصارات معلنًا وأد زمن الهزائم، بضع كلمات حفرت عميقًا في وجدان الأمة، أنهضتها من سباتها العميق فانبعثت آمالها من جديد باستعادة الحقوق التاريخية المسلوبة قسرًا، يوم شهدت وشهد العالم معها مصداق التحرير في جنوب لبنان من رجس الاحتلال وكيف فرّ جيش صوروه بأنه “لا يقهر” هاربًا تاركًا خلفه كل شيء.. شاهدوا يومها نثر الأرز والزغاريد والأناشيد وسمعوا الشكر والحمد على التحرير (“الحمد الله اللي تحررنا”) .. يومها فقط رأوا بأم أعينهم الفرحة العارمة التي لا توصف لشعب حقق عزته وكرامته بسواعد مجاهديه، ولم ينتظر قمم العرب ومبادراتهم ومؤتمراتهم، ولا مساعداتهم المرهونة بتوقيع اتفاقات الذل والاستسلام.
خمسة وعشرون عامًا تقريبًا وصدى عبارة “بيت العنكبوت” التي وصّف بها سماحة الشهيد القائد السيد حسن نصر الله “إسرائيل” تتردد على مسامعنا، مذ أطلقها سماحته من بنت جبيل في خطاب النصر والتحرير في 25 أيار 2000، دخلت التاريخ من بوابته الواسعة، كونها خطت بدماء وتضحيات المقاومين، وأسست لمرحلة مفصلية دخل فيها لبنان ومعه المنطقة كلها زمن الانتصارات، بعدما ولى زمن الهزائم.
أبدع بعض العرب ربما بابتداع مصطلحات هزيمتهم، فخط المفكر القومي قسطنطين زريق مصطلح “النكبة” بعد تأسيس الكيان على هياكل الشعب الفلسطيني عام 1948، كذا فعل “صحفي القرن” الراحل محمد حسنين هيكل يوم تلاعب بعبارة الهزيمة فاجترع مصطلح “النكسة” للتخفيف من وطأة انكسار العرب كي لا تتحول هزيمتهم نكبة ثانية لا تقوم لهم قائمة بعدها، لكن سيكتب التاريخ أن أول من كتب أسطر النصر بالخط العريض كان سماحة السيد حسن نصر الله بعبارته الشهيرة:”والله، إسرائيل هذه أوهن من بيت العنكبوت”.
وإذا كانت مصطلحات “النكبة” و”النكسة” أسست لمرحلة طويلة من الانهزام العربي، ودفعت أصحاب القضية من الدول المعنية للتنازل عن خيار المقاومة والاستسلام لخيار الخنوع بمسمى “السلام” في “كامب ديفيد” و”أوسلو” و”مدريد”، فإن لبنان ومعه سورية لم يدخلا قط في قطار الهزيمة، فكانت المقاومة وتعاظمت وكبرت لتحقق في العام 2000 أول نصر وتحرير لأراضٍ عربية بقوة المقاومة والسلاح، ولتكتب بعد ذلك صفحات من العز والكرامة كانت الأمة بأمس الحاجة إليها لتستنهض من جديد وتحيي شعلة آمالها بأن تحرير فلسطين لم يعد خيالاً أو بدعة، بل صار قابلاً للتحقق كما حصل في جنوب لبنان.
ولأن عقدة “بيت العنكبوت” كانت بحجم الأمة وأخرجتها من حالة “كي الوعي” إلى حالة “قمة الوعي” بحتمية النصر بحال سلوك خيار المقاومة، فإن وقعها كان أقسى وأشد وطأة على كيان العدو، وليس غريبًا أن نرى رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو مهجوسًا بها، كأنها تتلبسه إلى حد الهوس، فتكاد لا تغيب عن لسانه من بوابة السعي لمحو تلك الصورة الهشة التي رسمها سيد المقاومة عن كيانه، لعل نتنياهو يدرك عميقًا في صميم ذاته أنها استحالت واقعًا لا مفر منه، فيحاول جاهدًا بين الحين والآخر تصوير كيانه على أنه “ليس بيت عنكبوت إنما بيت من فولاذ”، كما ردد منذ أسابيع قليلة، مكرراً ما قاله منذ تسعة أشهر أيضًا..، ليعيدنا بالذاكرة إلى حرب تموز عام 2006 يوم سعى جيش العدو إلى رد اعتباره بعد هزيمة عام 2000، فأطلق عملية “إسرائيل خيوط من فولاذ” التي هدف من خلالها للوصول إلى مدينة بنت جبيل ورفع العلم داخل الملعب الذي أطلقت منه عبارة “بيت العنكبوت”، وحينما فشل بالوصول، طلب من جنوده الوصول إلى أقرب نقطة من الملعب على بعد كيلومتر واحد. وبمجرد رفع العلم فوق منزل هناك، استُهدفوا بقذيفة مباشرة.
العدو الذي هزته ولا تزال تهزه حتى يومنا هذا، كلمتان لسماحة السيد نصر الله، قد يكون وضع من صلب أهدافه في الحرب القائمة حاليًا أيضًا الدخول الى مدينة بنت جبيل والسعي لمحاولة زرع العلم “الإسرائيلي” من جديد في المكان الذي أطلق منه سيدنا العبارة الشهيرة، ولعل هذا جائز فعلاً باعتبار أنه لم يتمكن من تحقيق هذا الهدف في حرب تموز 2006، وفق ما وثّق كتاب صدر آنذاك للمراسل العسكري في “هآرتس” “عاموس هرئيل” وزميله “آفي يسخاروف” اللذين كشفا خلاله أن السبب الوحيد للحرب “الإسرائيلية” على لبنان كان رغبة المجتمع والجيش “الإسرائيلي” الجامحة والمكبوتة في “إسرائيل” بنفي نظرية الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إن “إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت”. إذ يقر الكتاب بأن “إسرائيل” خرجت للحرب من أجل هذه الغاية، لكن حصاد الحرب رسخ في وعي المجتمع والجيش في إسرائيل نظرية “بيت العنكبوت”.
ولعل عبارة “بيت العنكبوت” كانت موفقة إلى الحد الذي يجعلنا نتصور هشاشة ذلك البيت عند كل فعل مقاوم يهزأ بالعدو ويظهر ضعفه.. ظهر تجسيد العبارة جليًا في أحداث السابع من أوكتوبر 2023، حينما حطّم بضع مئات من المقاومين كل المنظومة الأمنية والعسكرية الصهيونية على تخوم غزة في ثلاث ساعات فقط، وتكرر المشهد على مدى عام ونيف في صليات صواريخ المقاومين اللبنانيين ومسيراتهم التي تصول وتجول في أرجاء الكيان وتدخل صالة طعام جنوده في “بنيامينا” وغرفة نوم نتنياهو في “قيسارية” ورأيناه بعدما عجزت “إسرائيل” عاماً كامل عن اغتيال قائد “حماس” يحيى السنوار الذي أذلها في حياته وفي استشهاده يوم استهزأ بتكنولوجياتها المتطورة وضربها بعصاه وواجه جيشها حتى آخر رصاصة .. رأيناه في الضربات الإيرانية الصاروخية التي شلت ولعثمت قادة العدو وجنرالاته.. وشاهدناها بالتصدي البطولي الذي يخوضه بضع مئات من المقاومين الذين صدوا أكثر من 5 فرق مؤلفة من 65 ألف جندي ومنعوها من دخول قرى أمامية تعرضت لمسح عن الخارطة لكنها ما زالت ثابتة تقاوم .. ولولا المظلة الأميركية لانهارت “إسرائيل” منذ اليوم الأول لطوفان الأقصى، لكن ما أبقاها على قيد الحياة هو أوكسجين الدعم العسكري والمادي اللا محدود بأحدث أنواع الذخائر والأسلحة، وآخرها قاذفات “B2” ومنظومة “ثاد” الدفاعية، عقب فشل القبة الحديدية، وقبلها البوارج وحاملات الطائرات التي لم تغادر بحَارنا و”تحالف حارس الازدهار” الذي رافقها لمواجهة اليمن.
يكفي تكرار رأس هرم قادة العدو لعبارة سيد المقاومة التي أطلقت قبل حوالي 25 عامًا لنكتشف حجم ارتدادات هذه العبارة التي استحالت كابوساً لقادة العدو في يقظتهم ومنامهم، ودليلاً على أن العدو كان يعد العدة منذ ذلك الزمن للانتقام من المقاومة وقادتها.. قد يحاول العدو جاهدًا مسح صورة “بيت العنكبوت” عنه، لكن الميدان سيعاود تذكيره بها عند كل حي وبلدة وطريق ومفترق.. ولئن استشهد سيد المقاومة فقد غدت كلماته ثقافة جهادية عملية يصعب محوها من الكتب والسجلات بل يستحيل انتزاعها من قلوب وعقول ملايين المحبين في الأمة الذين باتوا يؤمنون بها وينتهجونها في مسارهم العملي المقاوم، بل بات يصعب ويستحيل انتزاعها من عقول المستوطنين الصهاينة الذين باتوا موقنين من مصير كيانهم المحتوم وبأن بيتهم “أوهن من بيت العنكبوت”.. وستظل تلك العبارة تلاحقهم وتطاردهم وتؤرقهم حتى يحزموا حقائبهم ويغادروا آخر شبر من فلسطين المحتلة.