#الكيان وكابوسُ وحدة الساحات والحربُ متعددة الجبهات

بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي

رغم التفوق العسكري المهول الذي يتمتع به #الكيان_الصهيوني، والمخزون الضخم الذي تزخر به ترسانته العسكرية من #الأسلحة المتنوعة، كالصواريخ والقنابل الاستراتيجية والتكتيكية، والتقليدية والنووية، والتقنيات العلمية الكبيرة في المجالات الإلكترونية والتكنولوجية الحديثة، واعتماده على الفضاء والأقمار الصناعية والسايبر في خوض معاركه الصغيرة وحروبه الكبيرة، وتحالفه الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي تمده بالسلاح والعتاد والتقانة والمال، وتقف إلى جانبه في كل معركةٍ وحرب، وتعوضه عن كل نقص، وتزوده بما يحتاجه فلا يشكو من عجزٍ أو ضعفٍ أو شحٍ في الذخائر والقذائف ومختلف أدوات القتال.

إلا أنه بات يدرك أن هذه القوة المهولة والأسلحة المريعة لا تستطيع حمايته، ولا تمكنه من تحقيق النصر الحاسم أو النجاح في تنفيذ أهدافه الموضوعة، إلا إذا كانت حربه تقليدية، كتلك #الحروب التي اعتاد أن يخوضها ضد الجيوش العربية النظامية، والقوى الدولتية قبل العام 1982، حيث كان يعمد إلى تطبيق نظرياته الاستراتيجية في الحروب، كأن تكون على أرض “العدو” وداخل حدوده، وأن تكون على جبهةٍ واحدةٍ فقط، وضد عدوٍ واحدٍ، وأن يسبقها قصفٌ مكثفٌ بالطيران الحربي، الذي كان يتميز به كثيراً، ويعتبره ذراعه الطويلة التي تستطيع أن تصل بقدراتها وصواريخها إلى أي مكانٍ بسهولةٍ، ودون أن تلقى مقاومة أو عقباتٍ تحول دون وصولها إلى أهدافها، وإصابتها إصابة مباشرة.

مقالات ذات صلة التضييق على حريّة التعبير سحبٌ للدّسم من الديمقراطية الأردنية 2023/08/06

اليوم وفي الذكرى السنوية الأولى لحربه على قطاع غزة ضد حركة الجهاد الإسلامي، التي أطلقت عليها اسم “وحدة الساحات”، بات العدو يدرك أن هذا الاسم لم يعد شعاراً فقط، أو تهديداً شكلياً خالياً من المضمون الفعلي، وغير قابلٍ للتطبيق العملي على الأرض، بل غدا استراتيجية حقيقية وبرنامجاً عملياً لكل قوى المقاومة العربية والفلسطينية، التي أصبح لها غرفة عملياتٍ مركزية مشتركة، تخطط وتنسق، وتدرس حالة الساحات وحاجة الجبهات، وأوضاع العدو وظروفه، وتحدد نقاط ضعفه وعوامل قوته، وتدرس خيارات التعامل معه ومواجهته، وتحدد الأسلحة التي يلزمها لقتاله والتصدي له.

يعرف العدو أنه محاطٌ من كل الجهات بأعداءٍ شرسين، ومقاومين أشداء، وبقوى منظمة وجيوشٍ مدربة، وهم ليسوا فقط في الجوار القريب، وإنما في الجوار والمحيط وفي القلب وداخله وفي الإقليم بعيداً عنه، ويقول كبار قادته العسكريين أن “محور المقاومة” قد طوقهم بأكثر من مائتي ألف صاروخٍ، ومثلها من الطائرات المسيرة، وهي صواريخ حديثة ودقيقة، وتستطيع أن تتسبب لكيانه بأمطار صاروخية وأسراب من الطائرات المسيرة، بما يعقد كثيراً من عمل القبة الفولاذية ومنظومات الصواريخ المضادة المختلفة، التي ستكون عاجزة عن مواجهتها والتصدي لها، وقد كشفت الحروب السابقة أن صواريخ المقاومة الصغيرة والقصيرة المدى تستطيع أن تربك عمل منظومات القبة الفولاذية وتشتتها وتحبط فاعليتها.

ولما كان العدو يدرك أن استراتيجية “وحدة الساحات وتعدد الجبهات” لم تعد شعاراً فقط، بل أصبحت خطراً حقيقياً يهدده، واحتمالاً فعلياً عليه أن يواجهه، فقد خصص مناورته العسكرية الأخيرة، التي أطلق عليها اسم “اللكمة القاضية”، والتي وصفت بأنها المناورة الأكبر في تاريخه، لمثل هذه الحرب التي لم يعتد عليها، حاكى فيها حرباً على أكثر من جبهةٍ وضد أكثر من عدوٍ، وأجرى مناوراتٍ حقيقية ضد قوى متماسكة، تمتلك أسلحة قوية وفتاكة، دقيقة الإصابة وشديدة الأثر وبعيدة المدى، ولديها الجاهزية يومياً لإطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيرة، وعندها إحداثيات لآلاف الأهداف التي تستطيع الوصول إليها وتدميرها، أو إلحاق أضرارٍ بالغةٍ فيها، بما يعطلها أو يخرجها عن الخدمة.

كما يعرف العدو تماماً أن قوى المقاومة التي تتطلع إلى مواجهته وقتاله، وتصمم على خوض الحرب ضده ومنازلته قوى عقائدية وقومية، تضحي بحياتها ولا تفرط في أهدافها، ولا تدخر في قتالها وسيلةً ولا تتردد في خوض أي معركة، وتقاتل حتى النهاية، وتستخدم كل ما لديها من أسلحة، ومقاتلوها مدربون جيداً، وعندهم الأهلية الكافية والتجربة الكبيرة في القتال، وهم ينفذون الأوامر ويطيعون القيادة، التي تتميز عن غيرها بأن قرارها حاضرٌ وحرٌ، وجاهزٌ ومستقل، وجديٌ وفوريٌ.

وهي قوى تعد لهذا اليوم وتهيأ له، وتعتقد يقيناً بأنه قادمٌ لا محالة، وتعتقد أن معركتها الحقيقة هي ضد العدو الإسرائيلي، وأن أي معركة ضد غيره باطلة وغير مشروعة، وتؤمن أن النصر حليفها، وأن هزيمة العدو مؤكدة، فهو لن يستطيع الصمود والثبات على عدة جبهاتٍ وفي كل الساحاتٍ ولأيامٍ طويلة، مما سيجعل هذه الحرب هي الخاتم والنهاية، التي يتفكك فيها الكيان وينتهي، ولعل العدو يخاف هذه الحرب ويخشاها، ويدرك أنها ستكون فعلاً حرب النهاية، ولهذا يطلق عليها اسم “الحرب الكبرى”.

ولعل أكثر ما بات يخشاه العدو هو جبهة المقاومة الداخلية وساحاتها الوطنية التي أصبحت متحدة وقابلة للانفجار في أي لحظة، بينما جبهته الداخلية أصبحت مفككة ومتصدعة وآيلة للسقوط، في ظل عدم ثقتها بالجيش الذي بات مردوعاً وغير قادر على الحسم وتحقيق النصر، بعد أن فقد هيبته وتراجعت قدرته، وحتى تصبح وحدة الساحات وتعدد الجبهات سلاحاً جديداً وفاعلاً بين يدي المقاومة، يجب الاستمرار في العمل والاستعداد، والمراكمة والمشاغلة، واستنزاف العدو وزعزعة جبهته الداخلية، وصولاً إلى اليوم الموعود والحرب الأخيرة، التي نسأل الله سبحانه تعالى أن تكون هي حرب العودة والتحرير، ومعركة النصر وتحديد المصير.

بيروت في 6/8/2023

moustafa.leddawi@gmail.com

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: الكيان الصهيوني الأسلحة الحروب

إقرأ أيضاً:

الديك الرومي.. سيرة الجريمة والسّيادة

 

 

سعيدة بنت أحمد البرعمية

 

لا يتورع الديك الرومي عن عدوانيته لبقية الدواجن وغالبًا ما يقوم ببسط هيمنته عليها،  فكبر حجمه واستصغار الدجاج نفسها أمامه هو ما يجعله يتمادى، الدور نفسه الذي تلعبه أمريكا مع الدول العربية؛ فالأحياء تكتسب سماتها من بيئتها.

يتنحّى القانون الدولي جانبًا ويتخلى عن مساره عندما يتعلَّق الأمر بمصالح الأمريكان وحروبهم الجائرة على البشرية والناهبة للأوطان أو المناصرة لابنة الغرب اللقيطة المستزرعة مع شجر الصنوبر في فلسطين، كيد صناعية صنعت للعناية بمصالح أمريكا في المنطقة، هذا ما يدركه العالم خاصة بعد تعرية غزّة للكيان؛ عملت هذه اليد منذ أكثر من نصف قرن على إيهام العالم بامتلاكها من القوة والاستخبارات ما يضمن لها الانتماء والتشعب الجيوسياسي في فلسطين والمنطقة حتى كسرتها المقاومة.  

قرأتُ عن صفات العربي كالشجاعة والمروءة والنخوة والجود والكرم والغيرة، بالإضافة إلى صفات أخرى اختص بها العربي المسلم كالإيمان بالله والتراحم والتكافل والصدق والأمانة والوفاء والعدل والإحسان والتعاون والذود عن الأوطان والمُقدسات، وأخذ التشريعات من الدين الإسلامي لا من تشريعات شرّعها الإنسان، ولمستُ هذه الصفات حقًا في مجتمعي وفي تشريعات بلدي ولا أشكك بعدم وجودها بين الشعوب العربية الأخرى؛ ولكن ما يحدث يجعلني أشعر بتراجع هذه القيم إلى حدّ ما، فقد كان للمسلم رايته المنطلقة من عالمية دينه وشموليته؛ فانحدر عن عالميته ليرضخ تحت فكر الوصاية والعولمة وتشريعات سنها الإنسان؛ فخطى على مساراتها واتبع أهدافها التي قد لا تتفق أغلبها مع مبادئه وأهدافه فجردته من نخوته وغيرته وما يُميزه كعربي ومسلم عن غيره من بني البشر، لينفذ تشريعات تدوس على كرامته وتسلب مقدساته، وتجعله يقف صاغرا أمام ما تفعله أمريكا بأبناء جلدته متجاهلا حقيقة أن يحلّ به ما حلّ بالثور الأبيض يومًا.

أصبحنا نعي ما نحن فيه من شلل؛ ولكن أيعقل أن نكون قد تجردنا من تلك السمات جميعها، ألم يبق تراحم أوتكافل! لنا أطفال وإخوة يموتون جوعا في غزة منع عنهم الأكل والماء والدواء، تتنفس قنابل الفسفور الهواء بدلاً منهم وتخنقهم، وكأن الأمر متفق عليه أو أنّ ما يحدث لا يعنينا وكأن ديننا لا يفرض الجهاد والدفاع عن الشرف والمُقدسات!      

لقد استنزفت هذه الحرب كلّ ما يُمكن أن تقع عليه، ولم يبق سوى غيمة العار المتكاتلة في سماء الشرق الأوسط متمثلة بالكثير من الشواهد التي سجلتها الحرب منذ أن بدأ الطوفان.

"إيش الأخبار اليوم؟"!

سؤال سأله طفل غزّاوي على أمل أن يجد في الإجابة ما يُبدّد القهر وشبح الموت الذي ينهش فيه وفي أترابه قتلًا وجوعًا.

"عمو بدّي أسألك شغلة، هذا حلم ولا بجد"؟

سؤال آخر سألته طفلة وهي على سرير الإسعاف، يا ابنة الأرض ما أمرّ السؤال وما أصعب الإجابة! يحدث هذا وأنتِ القوة الصامدة في وجه الاحتلال، أنتِ العزّة التي فقدتها أمّة واحتفظتِ بها غزّة، أنتِ من تعيشين وتفعلين وتتحدثين الحقيقة وترفعين يدك وحدكِ فتدخلين أصابعك الخمس في عيون صنّاع الإبادة، فتفقأين عيون المحتل ومن معه من الأحزاب وتفقديهم صوابهم، أنتِ من قلبتِ الطاولة فعرقلتِ مسارات التطبيع، أنتِ الحفيدة لجدة غزّاوية مولودة في الخامس عشر من أيار 1948م رأتْ السيناريو ذاته، من خيانة وجوع وموت وصمت خاذل؛ فصمدتْ وأورثتك الأرض لتقفي عليها وتحظي وحدكِ بشرف الذود عنها، أنتِ من رموها إخوتها في البئر ورأيتِ بأم عينيك شتى أصناف الخذلان ومازلتِ تتساءلين! لا تتساءلي وامض في أمرك، الأمر والمجد لكِ.

وبسياق آخر تتحد ألسنة الجمهور الراكن خلف شاشات الأخبار يتساءلون"متى تنتهي الحرب؟ فقد آلمهم مشاهد الدم وتطاير الأشلاء وأرهقهم عدّ عظام الأطفال المُخبر عن العار! وأصبحوا يعتذرون لأنفسهم عن الإفراط والإغراق في مشاهدة الموت والجوع والعراء، لذلك يتمنون إنهاء الحرب مُراعاة لإنسانيتهم المجروحة ويتمتمون بكلمات تبرأ منها ومنهم معجم ابن منظور منذ أن وقّع أنور السادات اتفاقية كام ديڤد مع ابنة العهر الغربي.

من بين أبشع الصور الإجرامية التي نشاهدها كل يوم، إحدى الماجدات الفلسطينيات تحتضن جثث أبنائها المفحمين وتقول: "أبنائي الستة الذين لم تتسع لهم الخيمة يتسع الآن كفي لرمادهم"

كلّ هذا ولا تتوقف أمريكا عن إدارة الحرب في غزّة وإدارة مصالحها في الشرق الأوسط، تعين وتناصر حرب الإبادة من جانب وتعتني بمصالحها الدبلوماسية والاستثمارية من جانب آخر، ضاربة عرض الحائط بشعارات حقوق الإنسان والطفل والمرأة، تدير الحدث وتحرق بذخيرتها الأطفال وتجوعهم وتتخذ من المدنيين دروعا بشرية لتسجل في تاريخها الأسود الدامي أقذر جرائمها في حق الإنسانية.  

شبّه أحدهم الدول العربية وجيوشها الواقفة مكتوفة الأيدي بالدجاج الراقد على بيضة، لا عجب؛ فالصهاينة أنفسهم يهزأون بموقف العرب، وإسرائيل صفر يساري دون أمريكا وما تستعين بهم من المرتزفة والأحزاب، وغزّة تواجه وحدها الجور الغربي والخذلان العربي، إلّا أنّ المعطيات تسجل الهزيمة التي حلَّت بالكيان وبعثرته وخلخلت أعمدته وعرّته وعزلته، ومثلما اقتلع الزيتون أشجار الصنوبر وحل مكانها في تربة لا تعترف بالدخيل عليها، ستنتصر المُقاومة وتحطم يدّ الاحتلال وتعود الأراضي المُحتلة كاملة لهويتها الفلسطينية؛ فحرب الوجود لا يصمد أمامها سوى الحائز على حق الانتماء؛ لذا نرى منذ بداية الحرب وقبل أيّ تهديد بعمليات جديدة مطار بن جوريون يكتظ بالمغادرين الصهاينة فارين عائدين إلى شتاتهم؛ فهم يدركون الحقيقة التي تحارب من أجلها حماس ويموت بسببها الأطفال وتلد على إثرها النساء تحت القصف والحريق.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • حسن عز الدين: الشعب الفلسطيني وحده من يرسم اليوم التالي في غزة
  • مسؤول اسرائيلي : قوتنا تتلاشى والحرب مع لبنان كارثية
  • دراسة إسرائيلية: قوتنا العسكرية تتلاشى والحرب مع لبنان كارثية
  • الديك الرومي.. سيرة الجريمة والسّيادة
  • إسرائيل والمأزق متعدد الجبهات
  • إعلام العدو: المقاومة الفلسطينية ستنجح في إطلاق الصواريخ من الضفة
  • فتيل الحرب ينعكس في قاعة للمرايا!
  • سرايا القدس تتبنى كمين جنين وتكشف تفاصيله
  • سرايا القدس تتبنى “كمين جنين” وتكشف تفاصيله
  • سرايا القدس تنفذ كمينًا مركبًا ضد جنود وآليات الاحتلال في جنين