قال الكاتب بصحيفة المصري اليوم “زياد بهاء الدين” بأن الحرب الدائرة فى السودان منذ عام وثلاثة أشهر (من منتصف إبريل العام الماضى) واحدة من أكثر الحروب دمارًا من بين كل الصراعات الدائرة فى منطقتنا تعيسة الحظ. ويزيد من مأساتها أنها باتت الحرب «المنسية» التى لا يتابعها- بخلاف أهل البلد- إلا القليل من المهتمين والمتخصصين.

عدد القتلى غير واضح، ولكن لا يقل عن عشرين ألفًا (بعض التقديرات تذهب لأضعاف ذلك)، بينما أعداد المصابين غير معروفة.. ثم- وانتبهوا للرقم القادم- حوالى عشرة ملايين باتوا مشردين ولاجئين فى بلدهم وفى بلدان الجوار.. نعم، عشرة ملايين يمثلون ٢٠٪ من مجموع السكان، بخلاف مخاطر نقص الغذاء التى قد تتحول لمجاعة واسعة النطاق.

وإذا كانت الحرب الجارية قد بدأت بالصدام بين قوات الجيش النظامى وميليشيا الدعم السريع من خمسة عشر شهرًا، فإن أصل المأساة السودانية يرجع لسنوات بل عقود سابقة على ذلك، تحمَّل خلالها أهل البلد، المعروفون بالأصالة والنبل والكرم والثقافة، الكثير نتيجة كل الاستبداد والفساد والانقسام والقبلية والطائفية، قبل أن يصبح وطنهم ساحة لصراعات القوى الإقليمية والدولية.

فماذا عن أشقائنا السودانيين فى مصر، الوافدين إليها مؤخرًا، والمقيمين فيها من عشرات السنين؟

الأرقام فى مثل هذه المواقف لا تكون دقيقة، ولكن الأكيد أننا نتحدث عن بضعة ملايين، ربما أربعة ملايين مقيمون من الأصل، وأقل من مليون آخرين وفدوا مؤخرًا هروبًا من جحيم الحرب الأهلية. (هذه أرقام تقريبية استنادًا لتقارير دولية وتصريحات المسؤولين المصريين، وهى أكبر بكثير من عدد اللاجئين الرسميين المقيدين فى منظومة الأمم المتحدة).

حكومتنا مؤخرًا صرحت أكثر من مرة، وبصيغ مختلفة، بالحاجة للمساندة الدولية لدعم اللاجئين السودانيين والعرب. وهذا طبيعى، ولا عيب على الإطلاق أن تلجأ مصر لِطَرْق أبواب التعاون الاقتصادى الدولى والدبلوماسية فى هذا المجال.. ولكن مؤخرًا، ارتفعت أصوات قليلة تنبه إلى ارتفاع عدد اللاجئين السودانيين فى مصر، وزيادة استهلاكهم للخدمات العامة، ودخولهم لسوق العمل، وانتشارهم فى بعض مناطق القاهرة والجيزة والإسكندرية.. ومع اقتناعى بأن هذه الأصوات لا تعبر عن الغالبية الساحقة للشعب المصرى المحب بطبيعته لأهلنا فى الجنوب، إلا أن الرد عليها ضرورى لوأد أى فتنة فى مهدها، حتى لا تنمو وتصبح شوكة فى جنب العلاقة الحميمة بين الشعبين الأكثر من شقيقين.

فمصر والسودان ليستا مجرد بلدين متجاورين تفصل بينهما حدود سياسية ومساحات طبيعية، بل هما فى الواقع وطن واحد وشعب واحد، يجمع بينهما الجيرة واللغة والدين والثقافة و«العِشرة»، وتربطهما تاريخيًا مياه النيل المتدفقة شمالًا، والحضارة الفرعونيّة حينما امتدّت جنوبًا، وقبائل جالت عبر الحدود لقرون طويلة قبل أن تُعرف الحدود، ومصاهرات وعائلات، وعلاقات تجارية ومصالح اقتصادية قديمة وممتدة، وتاريخ مشترك فى مقاومة الاستعمار، وعادات وطقوس متقاربة، ومودة طبيعية.

وإذا كانت ظروف أهل السودان الراهنة دفعتهم للهجرة واللجوء لمصر خلال العامين السابقين، فإن أعدادًا أكبر بكثير منهم استقروا من عشرات السنين، فسكنوا وعملوا وتعلموا وربوا أولادهم وبناتهم دون أن يُعرف عنهم ضجيجًا ولا إزعاجًا ولا توترًا، بل اندمجوا معنا وبيننا وصاروا منا وأضافوا لنا الكثير.

السودانيون اليوم فى محنة، بل فى كابوس لا تبدو له نهايات قريبة، ولا أحد مهتم به. ولكن الأكيد أن لكل كابوس- مهما طال- أجلًا، وأن أهل السودان سيعودون يومًا لبلدهم لأنهم، مثلنا بالضبط، تربطهم بمواطنهم وأصولهم وقراهم ومدافن جدودهم ذات الرابطة السحرية الكامنة فينا، وتجعل الفلاح والعامل والموظف المصرى المغترب، مهما طال غيابه، لا يحلم كل مساء إلا بالعودة والجلوس بين أهله.

وحينما يحين موعد الرجوع، أتمنى أن يحمل كل سودانى معه ذكريات يرويها لأحفاده عن الشهور أو السنوات التى قضاها بيننا، ذكريات بأنه كان آمنًا، مُرحبًا به، قادرًا على علاج أبيه وأمه، وعلى تعليم أولاده وبناته، ومشتغلًا فيما ينفعه وينفع أسرته، وأن مصر- حينما ضاقت به السبل- كانت حاضرة وحاضنة وفاتحة ذراعيها لأشقائنا الأعزاء.

زياد بهاء الدين – المصري اليوم

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: مؤخر ا

إقرأ أيضاً:

حسابات ملايين المستخدمين لـ”جيميل” تتعرض لمحاولة اختراق “معقدة للغاية”.. وتحذير عاجل من “جوجل”

تعرض نحو 1.8 مليار مستخدم لخدمة البريد الإلكتروني “جيميل” لهجوم تصيّد إلكتروني متطور، و”معقد للغاية”، مما دفع شركة “جوجل” إلى إصدار تحذير فوري للمستخدمين حول العالم.
وتم الكشف عن الهجوم أولاً من قِبل نيك جونسون، مطوّر لدى منصة “إيثيريوم” للعملات الرقمية، حيث كتب على منصة “إكس”: “مؤخرا، كنت هدفًا لهجوم تصيّد إلكتروني شديد التعقيد، يستغل ثغرة في بنية جوجل، وبسبب رفض الشركة إصلاحها من المحتمل أن نرى المزيد من هذه الهجمات”.
وأشار جونسون إلى أن الرسالة التي تلقاها بدت وكأنها صادرة من بريد رسمي تابع لجوجل، وتضمنت إشعارًا قانونيًا مزيفًا، يفيد بأنه يطلب تسليم بيانات حسابه، وفقًا لـ” سكاي نيوز عربية”.
وأوضح أن الرابط في الرسالة يقود إلى صفحة دعم مزيفة شديدة الشبه بصفحات جوجل الحقيقية، وطُلب منه تسجيل الدخول. وقال: “من تلك النقطة من المحتمل أنهم يحصلون على بيانات تسجيل الدخول ويستخدمونها لاختراق الحساب، لكنني لم أُكمل الخطوات للتحقق”.
ومن ناحيته، قال متحدث باسم جوجل: “نحن على علم بهذه الفئة من الهجمات المستهدفة، وقد قمنا بنشر تحديثات أمنية لإيقاف هذا النوع من الاستغلال”.
وأضاف بأن الشركة عطّلت الآلية التي سمحت بنجاح هذا النوع من الهجمات، كما دعت المستخدمين إلى تفعيل المصادقة الثنائية واستخدام مفاتيح المرور (Passkeys) لتعزيز الحماية.
وأوضحت جوجل أن الشركة لا تطلب من المستخدمين أي معلومات حساسة عبر البريد الإلكتروني، بما في ذلك كلمات المرور أو رموز التحقق لمرة واحدة، ولن تتصل بالمستخدمين بشكل مباشر.

مقالات مشابهة

  • مسيرات حاشدة في الجوف تحت شعار “ثابتون مع غزة.. رغم أنف الأمريكي وجرائمه”
  • سجال ودي مع نقاد رواية “إعدام جوزيف” 2-4 
  • السودان والإمارات.. هل تغير “دولة ممزقة” تاريخ الحروب؟
  • حكاوي سودانية ???????? بعيون سعودية ???????? “سمعتوا عن الطنابره في السودان؟”
  • “بحب أغيظهم”.. محمد رمضان بعد حفله في «كوتشيلا»: «التاريخ لن ينسى أنني أول مصري غنّى هناك»
  • نقد لمقال فيصل محمد صالح بعنوان: “علامان من حرب السودان – لم ينجح أحد”
  • أكبر قضية مخدرات.. موقع مصري يكشف تفاصيل تحركات شبكة “الزعيمة الحسناء” (صور)
  • خطط “إيقاف استيراد السيارات” تتسارع في العراق.. “تعطش” للضوابط و3 ملايين سيارة قد “تختفي”
  • كاتب إسرائيلي: “حماس” انتصرت علينا في ستة مجالات داخلية وخارجية
  • حسابات ملايين المستخدمين لـ”جيميل” تتعرض لمحاولة اختراق “معقدة للغاية”.. وتحذير عاجل من “جوجل”